خطة إسرائيل للأمن مقابل تحسين ظروف المعيشة في غزة
تسعى إسرائيل لأن يكون عام 2022 هو عام التهدئة، والحد من تصعيد التوتر ومنع وقوع حرب في الضفة الغربية وغزة. الهدف من ذلك هو العمل على تركيز المجهود العسكري الإسرائيلي لمواجهة حلفاء إيران في سوريا ولبنان والعراق، خصوصا الأجزاء الغربية الملاصقة للحدود مع سوريا.
وتبدو تحركات كل من بيني غانتس وزير الدفاع، ويائير لابيد بخصوص الأوضاع في الضفة الغربية وغزة، علامات واضحة على هذا المسار للسياسة الإسرائيلية. وما تزال أصداء اللقاء الذي عقده بيني غانتس مع محمود عباس تتردد في إسرائيل، وهي تحمل معها الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة اللقاء، وما تمت مناقشته من قضايا. أما يائير لابيد رئيس الوزراء المناوب، ووزير الخارجية حاليا، فإنه أعد خطة متكاملة للتعامل مع الأوضاع في غزة على أساس مبدأ «الأمن مقابل الاقتصاد» وهي الخطة التي تختصر سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الضفة والقطاع على السواء، لكنها تكتسب أهمية متزايدة، نظرا لحاجة إسرائيل إلى تجنب وقوع حرب جديدة في غزة، بعد التداعيات التي صبت في مصلحة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» سياسيا وعسكريا في أعقاب حرب الـ11 يوما في مايو الماضي.
خطة يائير لابيد للتعامل مع الأوضاع في غزة على أساس مبدأ «الأمن مقابل الاقتصاد» تختصر سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الضفة والقطاع
المأزق الرئيسي الذي يواجه «استراتيجية التهدئة» هو أن إسرائيل لا تملك القدرة على شل حركة حماس، أو حلفاء إيران الإقليميين، ومن ثم فإن محاولتها تركيز المجهود الرئيسي ضد إيران، من خلال استراتيجية التهدئة قد تنتهي إلى تشتيت المجهود الاستراتيجي لاحتواء أحداث تمتد على جبهات واسعة في مناطق حاكمة بامتداد الحدود الإسرائيلية في الجنوب والشمال والشرق.
حاجة إسرائيل إلى التهدئة في غزة
في 23 ديسمبر 2021 عقد المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي INSS التابع لجامعة تل أبيب، حلقة نقاش حول الوضع في غزة، تحدث فيها يائير لابيد، عن رؤيته بشأن «الأمن مقابل الاقتصاد». شارك فيها البروفيسور مانويل تراجتنبيرغ المدير التنفيذي للمعهد، والجنرال متقاعد جادي أينزنكوت رئيس هيئة الأركان الأسبق للجيش الإسرائيلي، والمدير العام للمعهد الجنرال (احتياط) أودي ديكل، إلى جانب نخبة من صناع السياسة وخبراء الاستراتيجية في إسرائيل، من بينهم وزير الاقتصاد والمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية. المعلوم عن الحوار الذي دار حسب الملخص الذي نشره المعهد كان مهما جدا، يعكس الارتباط الوثيق بين رؤية لابيد، والقضايا الاستراتيجية والدفاعية والاقتصادية والخارجية، في نطاق الأمن القومي الإسرائيلي.
الإطار السياسي لرؤية لابيد يقوم على أربعة خطوط عامة رئيسية: الأول هو حرمان حماس من الحصول على اعتراف دولي يقوض الوضع الحالي للسلطة الوطنية الفلسطينية. والثاني هو مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية على تعزيز قوتها واستعادة نفوذها في قطاع غزة. والثالث هو اقتراح إطار سياسي عام للعلاقة بين إسرائيل وقطاع غزة يقوم على أساس عدم التعامل مع حركة حماس. يتبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي المناوب يائير لابيد رؤية شديدة الوضوح في خصوص مستقبل العلاقة بين إسرائيل وقطاع غزة. عنوان الرؤية كما طرحها لابيد في مؤتمر المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في سبتمبر الماضي هو «الأمن مقابل الاقتصاد» وهي رؤية تتمسك بعدم التفاوض مع حماس، مع تجنب معاقبة الفلسطينيين بسبب ممارساتها، والعمل من أجل تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين. ومن الناحية التطبيقية تمت ترجمة تلك الرؤية إلى خطة تنقسم إلى مرحلتين زمنيتين، لكل منهما شروطها ومقوماتها على مدى سنوات لم يحدد لها سقف، وإنما ربطها بتبادل الأسرى والسجناء والمفقودين، وتوقف حماس عن بناء قدراتها العسكرية، ووقف إطلاق الصواريخ والأعمال العدائية مثل البالونات الحارقة.
خطة على مرحلتين
المرحلة الأولى: وتشمل إعادة الأسرى والمفقودين العسكريين والمدنيين. وهذا ليس مجرد شرط لخطة «الأمن مقابل الاقتصاد» لكنه تعهد سياسي تلتزم به الحكومة الإسرائيلية تجاه الناخبين. وعلى الجانب الإجرائي تتضمن المرحلة الأولى إعادة بناء غزة من الناحية الإنسانية، بتوفير شروط الحياة الطبيعية، بعد الدمار الذي تعرض له القطاع خلال الحرب الأخيرة، وذلك بالتعاون مع الشركاء الإقليميين مثل مصر وقطر والسعودية، والشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان والبنك الدولي وصندوق النقد. وقال لابيد في المؤتمر، إن أولويات إعادة البناء الإنساني تتضمن: إصلاح محطة وشبكة الكهرباء، وإعادة الإمدادات بالغاز الطبيعي، وإقامة محطة لتحلية المياه، وإدخال تحسينات واسعة النطاق على نظام الرعاية الصحية والمستشفيات والإسكان. واشترط أن تتعهد حماس في المقابل بهدوء طويل الأمد (مرة أخرى لم يحدد مداه الزمني). وأوضح أن المجتمع الدولي يتحمل في المقابل أيضا مسؤولية ألا تستغل حماس فترة التهدئة في إعادة تسليح نفسها وتطوير قدراتها العسكرية، وكذلك ضمان عدم تسرب التدفقات النقدية المتعلقة بتمويل مشروعات إعادة البناء المرافق والخدمات الإنسانية إلى قنوات تقديم مزايا مالية للعناصر العسكرية والمقاتلين المتقاعدين أو الحاليين، أو أسر السجناء. وقال إنه من دون تلك الضمانات، فإن إسرائيل لن تسمح بتمويل أي استثمارات في قطاع غزة.
السيطرة على مفاصل البنية الأساسية
وطبقا للتفاصيل التي أعلنها لابيد يمكن القول، إن إسرائيل في المرحلة الأولى من خطة «الأمن مقابل الاقتصاد» ستحتفظ بالسيطرة الكاملة على قطاع الطاقة (الكهرباء والغاز) وستكون الممر الوحيد لدخول الاستثمارات والتدفقات النقدية إلى غزة، كما ستكون الطرف الذي يتولى تنسيق الاستثمارات مع الأطراف الإقليمية والدولية، باستثناء التدفقات من خلال معبر رفح البري، التي ستخضع للتنسيق القريب والتوثيق مع مصر. وقال أمام مؤتمر المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، إنه ناقش تلك الخطة والشروط المتعلقة بها مع القيادة المصرية، ومع الأطراف الأخرى. وأكد أن استمرار المرحلة الأولى مرتبط بالتزام حماس بالشروط الواردة، وأنه في حال الإخلال بأي شرط فسيتم وقف الخطة.
المرحلة الثانية
في حال نجاح المرحلة الأولى من خطة «الأمن مقابل الاقتصاد» ستبدأ إسرائيل تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة، التي تتضمن إقامة منشآت من شأنها توسيع الطاقة الإنتاجية لقطاع غزة، وتحسين شروط الحياة على المدى الطويل. ومن أمثلة ذلك إقامة ميناء كبير للقطاع على جزيرة صناعية في البحر، ترتبط بطريق بري إلى الساحل. ويتداخل هذا المشروع مع مقترحين آخرين تردد الحديث بشأنهما في معرض الحوار حول إنشاء ميناء بحري لغزة، الأول هو إقامة ميناء في قبرص، والثاني هو إقامة ميناء عميق وضخم في العريش. ونظرا لطول المدى الزمني المتوقع من الآن وحتى إتمام المرحلة الأولى فإن احتمالات التنافس بين أكثر من مشروع لتحقيق الغرض نفسه ستظل قائمة، خصوصا أن هناك رغبة مصرية في إقامة ميناء دولي عميق في العريش لخدمة حركة التجارة والاستثمار في شبه جزيرة سيناء، مع توفر الظروف الأمنية الملائمة لاستئناف التنمية بمعدلات أسرع في شمال سيناء.
أما المشروع الثاني الكبير الذي يمثل علامة رئيسية من معالم المرحلة الثانية من خطة لابيد فيتمثل في إنشاء منطقة صناعية فلسطينية داخل إسرائيل على حدود غزة في المكان الذي كانت فيه سابقا المنطقة الصناعية بالقرب من معبر «اريتز» الذي سوته إسرائيل بالأرض تقريبا في عام 2004 قبل انسحابها من القطاع. وطبقا للمخطط الأول للمنطقة الصناعية الذي شارك في إعداده مجلس البلديات الإسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة، والقيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، فإن المنطقة الصناعية الجديدة في «اريتز» ستوفر فرص عمل ما يقرب من 10 آلاف فلسطيني، في عدد كبير من الأنشطة الصناعية والتجارية عبر الحدود.
المشروع الثالث الأهم من بين مشاريع المرحلة الثانية لخطة لابيد هو إنشاء ممر بري يربط بين قطاع غزة والضفة الغربية. ومع أن لابيد لم يتطرق في عرض خطته، إلى مشروع إقامة مطار لقطاع غزة، كان الاتحاد الأوروبي قد أعلن استعداده لتمويله، فإن فكرة إقامة المطار ليست مستبعدة من المرحلة الثانية لخطة لابيد. واشترط لابيد في خطته بشكل عام خضوع القطاع للإدارة المدنية للسلطة الوطنية الفلسطينية. وهذا الشرط الأخير يمكن أن ينسف مشروع لابيد بأكمله، نظرا لأن سيطرة حماس على القطاع هي إحدى حقائق الحياة اليومية هناك، منذ أكثر من 15 عاما. ويحتاج خلخلة نفوذ حماس إلى استراتيجية سياسية متكاملة تشارك فيها مع السلطة الوطنية الفلسطينية أطراف أخرى. وربما لهذا السبب تشعر حماس بالقلق من رغبة السلطة الوطنية الفلسطينية في إجراء انتخابات بلدية أولا في الضفة الغربية وغزة قبل إجراء الانتخابات العامة، إدراكا من قادة حماس أن الانتخابات البلدية بمكن أن تكون أحد عوامل خلخلة نفوذها لصالح السلطة ومشروع يائير لابيد.