الاحتيال حين يجتاح فضاءات المال والأعمال
أثارت إدانة إليزابيث هولمز بتهمة جرائم الاحتيال والتي ارتكبتها بوصفها مؤسِّـسة لشركة Theranos ورئيستها التنفيذية مناقشة محتدمة حول ما تعنيه هذه الواقعة لاقتصاد الإبداع.
تسلط محاكمة هولمز وإدانتها الضوء على اتجاهين في الاقتصاد السياسي والمالي الأمريكي. يتمثل الأول بالتراجع العام عن محاكمة المتلاعبين الماليين كمجرمين، وهو تطور واضح منذ سجن كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة Enron وشركة WorldCom عقب انهيار فقاعة الإنترنت بالفترة من 1998 إلى 2000.
يوثق كتاب إيزنجر بعنوان «The Chickenshit Club» تحولات عميقة في المواقف داخل وزارة العدل ــ وخصوصاً داخل مكتب المدعي العام للمنطقة الجنوبية من نيويورك، الذي تسري سلطته القضائية على وال ستريت ــ خلال العقد الأول من هذا القرن. يتتبع إيزنجر هذا التطور إلى تصفية شركة آرثر أندرسون للمحاسبة في عام 2002، بعد إدانتها بعرقلة العدالة في ما يتصل بعملها لصالح شركة Enron. بدلاً من السعي إلى تحميل المسؤولين التنفيذيين كأفراد المسؤولية الجنائية عن الخسائر المالية الهائلة.
كان الاتجاه العام الثاني متمثلاً في التدفق الهائل من «رأس المال غير التقليدي» إلى الشركات البادئة المدعومة برأسمال استثماري على مدار السنوات الست الأخيرة. في عام 2021، تجاوز رأس المال السنوي المرتبط مباشرة بصناديق رأس المال الاستثماري أخيراً مبلغ 100 مليون دولار جرى جمعها في عام 2000، لكن مبالغ أكبر استثمرت من قِـبَـل كيانات غير استثمارية في شركات بادئة مدعومة برؤوس أموال استثمارية، وصل مجموعها الإجمالي رقماً غير مسبوق (330 مليار دولار)، وهذا يقرب من ضعف المبلغ لعام 2020.
ارتفعت كثيراً تقييمات المرحلة الأخيرة، مدفوعة بهذا الانفجار، جنباً إلى جنب مع أسواق الأسهم العامة، والتي كانت مدفوعة بشركات التكنولوجيا. على القدر ذاته من الأهمية، يقبل المستثمرون بالضرورة نقص السيولة ــ عدم القدرة قانونياً على بيع أسهمهم ــ عند الالتزام برأس المال لمشاريع خاصة. وفي كثير من الحالات ــ مثل حالة Theranos ــ وافقوا على شروط تقضي بمنح المؤسسين سيطرة شبه مطلقة، بصرف النظر عن مقدار رأس المال الذي يجري جمعه.
كانت السياسة النقدية المتساهلة بدرجة غير مسبوقة السائدة من عام 2008 القوة الرئيسية الدافعة وراء نشوء هذه الفقاعة. وقد خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية الرئيسية أسعار الفائدة إلى «الحد الأدنى الصفري»، كما حشد مجموعة من الأدوات ــ تحت عنوان «التيسير الكمي»ــ لإغراق الأسواق المالية بالنقد.
لقد اقترب عصر التيسير الكمي من نهايته، ستكون النتيجة الأكثر ترجيحاً تحول في ميزان القوى من رواد الأعمال إلى الممولين. سيشكل هذا انفصالاً حاداً عن ما رأيناه في عام 2020، عندما استخدمت أكثر من %40 من الطروح العامة الأولية بنية أسهم من فئة مزدوجة لترسيخ سيطرة المؤسسين. لا يستطيع المستثمرون قبل الطرح العام الأولي في هذه الحالات بيع أسهمهم أو فصل الرئيس التنفيذي. ومثلهم كمثل روبرت مردوخ وبيتسي ديفوس عندما اشتريا في Theranos، فإنهم سذج وليسوا شركاء.
تذكرنا قصة Theranos بأن جمع رأس المال لمشروع أشبه «بإحياء البحر الميت» من غير الممكن أن يحدث إلا لأن المستثمرين أصبحوا يائسين في بحثهم عن عوائد حقيقية إيجابية.
إن إدانة هولمز قد تنذر بتحول واسع آخر. كثيراً ما يمزح مات ليفين من Bloomberg قائلاً: إن «كل شيء في الأوراق المالية هو احتيال»، لأن أي انخفاض في قيمة أسهم شركة عامة من المرجح أن يؤدي لرفع دعوى من جانب المستثمرين الخاسرين.
* شريك محدود خاص في شركة الأسهم الخاصة Warburg Pincus، وهو مُـحاضِـر الاقتصاد المنتسب في جامعة كمبريدج، ومؤلف كتاب «ممارسة الرأسمالية في اقتصاد الإبداع» (مطبعة جامعة كمبريدج، 2018).