معركة ذي قار يؤكد المؤرخون أن تلك المعركة تُعد واحدة من أعظم المعارك العربية لتي انتهت بنصر مظفّر، ذلك لأنه اليوم الأول تاريخيًا ينتصر فيه العرب على الأعاجم، عام ستمائة وتسعة ميلادية، واختلف المؤرخون في ذلك التاريخ، حيث قال البعض أنها وقعت قبل ذلك التاريخ بخمسة أعوام، في حين قال آخرون أن معركة ذي قار اشتعلت بين الفريقين المتحاربين عام ستمائة وأربعة وعشرين من التقويم الميلادي. سبب معركة ذي قار قيل أن كسرى بن هرمز، المعروف بكسرى الثاني أو خسرو الثاني، المتوفي عام ستمائة وثمانية وعشرين، ملك الدولة الساسانية ببلاد فارس، ذكر في مجلس له أن العرب يمتلكون العديد من الفتيات الحسناوات، وفي تلك الجلسة كان يحضر رجل عربي يُدعى زيد بن عدي، وكان النعمان بن المنذر ــ أشهر ملوك المناذرة، وملك الحيرة قبل بدء الدعوة الإسلامية ــ في ذلك الحين على خلاف معه، حيث غدر بأبيه وزج به في السجن. في تلك الجلسة، أخبر بن عدي كسرى بأن النعمان بن المنذر خادمه لديه من بناته وبنات عمه وأخواته، والكثيرات من أهله الكثير من الصفات التي ذكرها في حسنهن، وعلى الفور أرسل كسرى زيدًا إلى ابن المُنذر وبرفقته وفد، ويُحكى أنه دخل وجماعته على النعمان قائلين له: "إن كسرى أراد لنفسه ولبعض أولاده نساءً من العرب، فأراد كرامتك"، عارضين عليه الصفات التي يريدها في تلك الزوجات، فرد النعمان متسائلًا: "أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته؟. ذلك السؤال الذكي لابن المنذر أتبعه برسالة أخرى: "يا زيد، أبلغ كسرى سلامي، وقل له: إن النعمان لم يجد فيمن يعرفهن هذه الصفات"، لم يفوت بن عدي الفرصة لينتقم من النعمان، فطار إلى كسرى مبلغًا إياه بالرسالة النعمانية، شارحًا معنى جملة مها السواد، قائلًا: إن النعمان يخبرك بأن في العراق بقر يكفينك، فغضب بن هرمز. ذي قار قادمة لا محالة لما غضب كسرى بن هرمز من رسالة النعمان بن المنذر، أرسل إليه ليستقدمه، حينها فطن الأخير إلى أن عرشه وبلاده في طريقهما للزوال، فأعد الأسلحة، وذهب إلى سيد بني هانئ بن مسعود الشيباني، ليودع عنده نساء بلدته الطامع فيهن القيصر، وكذلك ما معه من أسلحة. ولما ذهب النعمان إلى كسرى، لم يُسمح له بمقابلته، وأمر بإدخاله السجن، حتى أهلكه الطاعون فمات، ومن ثم أقام بن هرمز على الحيرة ملكًا جديدًا يُدعى إياس بن قبيصة الطائي، آمرًا إياه أن يبلغ هانئ بن مسعود بضرورة إحضار ما عنده من نساء وسلاح، فرفض الشيباني تسليم الأمانة، واختار الحرب، وأعد جيشًا من قبيلة بكر بن وائل ومن بني شيبان التي يحكمها، وكذلك من قبائل عجل، ويشكر، والنمر بن قاسط، وبني ذهل. وقام كسرى بن هرمز بتجميع القبائل العربية التابعة له، مثل قبيلة إياد، وبالطبع تابعيه من الفرس، وأمرهم بالإتيان بهانئ بن مسعود الشيباني لإذلاله. قبيلة إياد تخدع كسرى في معركة ذي قار رغم أن كسرى بنى جيشه معتمدًا على قبيلة إياد في معركة ذي قار، إلا أن القبيلة العربية أبت إلا أن تقف مع أشقائها، فأرسلت إلى هانئ بن مسعود الشيباني، تخبره: "قدمنا لقتالك مرغمين، فهل نحضر إليك ونفر من جيش كسرى؟ فأمرهم بأن يقاتلوا مع كسرى، ويظهروا الصمود في مستهل معركة ذي قار، ثم ينهزموا في الصحراء باختيارهم، ووقتها ينقض العرب مجتمعين على جيش الفرس. ولما قدِم جيش الفرس لساحة المعركة بصحبة قبيلة إياد، فوجئوا بهانئ وجيشه قد استقروا بصحراء قاحلة ليس بها زرع ولا ماء، بعدما شربوا ما يكفيهم، ونشبت معركة ذي قار، وبدأ جيش كسرى يهلك تباعًا من شد العطش. وفي خضم معركة ذي قار، التي طُليت أرضها بالزيت والقطران، نفذّت قبيلة إياد ما أُمرت به من قبل هانئ بن مسعود، بأن انهزمت أمامه صوريًا، ومن ناحية أخرى شرعت في الانقضاض على جيش كسرى الذين جاءوا معهم، حينها صاح بن هرمز: "لقد استقبلنا العرب في صحرائهم فتُهنا فيها، ومات قادتنا، وخانتنا إياد، لما رأوا بني جنسهم"، وسرد المؤرخون أنه مات محسورًا لرؤيته تلك الهزيمة المنكرة. رواية عن الرسول يضعّفها الألباني لما انتصر العرب في معركة ذي قار، حكى البعض أن الرسول صلى الله عليه وسلم، وصله نبأ انتصار العرب في معركة ذي قار، فقال: "هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا". تلك الرواية من ناحية علم الحديث، ضعفها الألباني، ولم يعتدّ بها، ومن ناحية التاريخ، فالأمر يتوقف على تحديد يوم معركة ذي قار من الأساس، فمن يقولون بأنها وقعت بعد غزة بدر، فهذا لم يورده أحد سوى الأصفهاني في كتابه "الأغاني"، لأنه لم يقل أحد أن غزوة بدر كانت عام ستمائة وأربعة وعشرين، والقول بأنها وقعت عام ستمائة وعشرة، وقبلها بدر بعام واحد، فذلك مردود عليه بأن العام ستمائة وعشرة ميلادية كان وقت بلوغ النبي صلى الله علي وسلم سن الأربعين، المعروف بسن النبوة. الأعشى ينظم قصيدة في معركة ذي قار هو ميمون بن قيس، يكنى بأبو بصير، والأعشى قيس، والذي أدرك بعثة النبي صل الله عليه وسلم، ونظم قصيدته التي توجه بها إلى المدينة المنورة معلنًا إسلامه ويمدح بها الرسول؛ إلا أن قريش أغرته بالمال خوفًا من انضمامه بشعره لصفوف المسلمين، فجمعت له مئة ناقة، ولما أخبرته قريش بأن محمدًا يحرم الخمر رجع بالإبل، ولما اقترب من بلدته مات