لكي تنعم بالسلم عليك بالحرب قراءة في فلسفة الإمبراطوريات الكبيرة
د. بن عطيالله عبد الرحمان
على مر العصور أسست الإمبراطوريات الكبيرة وزالت حيث أنها سنة من سنن الحياة فلكل دولة وإمبراطورية دورة حياة مثل البشر تبدأ بالنشأة وتستمر بالتطور والازدهار حتى تبلغ ذروتها ثم تشيخ وتتعرض للانهيار لأسباب عديدة، كما أن الفلاسفة القدماء مثل أرسطو وابن خلدون تكلموا عن هذه الأطوار الحتمية التي تمر بها الإمبراطوريات ودرسوا عوامل ازدهار ها وعوامل اندثارها.
إلا أن بناء الامبراطوريات الكبيرة عبر التاريخ لم يتم إلا بامتلاك عناصر القوة في جميع المجالات وبعدها تبدأ في شن الحروب والتوسع على حساب الآخرين بالنظر إلى أهمية الرقعة الجغرافية الواسعة والثروات الهائلة والموارد البشرية ازدهار الحضارات والأمم كما أن ضعف الإمبراطورية في تلك المجالات يؤدي إلى انهيارها ودخولها في فلك الآخرين وهكذا فإن امتلاك مكامن القوة عنصر فعال في إطالة أعمار الدول والامبراطوريات.
ونلاحظ أن الامبراطوريات القديمة مثل الفرعونية والأشورية والفارسية لم تكتفي بحدودها التي تأسست فيها على ضفتي نهر النيل أو ضفتي دجلة والفرات أو الهضبة الفارسية بل زادت من نفوذها بالتوسع على مناطق عديدة في الشرق الأدنى، وتكلم الفلاسفة الرومان عن دور الحرب والتوسع في الحفاظ على قوة الدولة وهيبتها فمن خلال الحروب والتوسعات تحولت روما من مجرد قرية صغيرة نشأت على ضفاف نهر التيبر إلى إمبراطورية كبيرة تسيطر على معظم أراضي العالم القديم.
وقد أشارت الحضارة الإسلامية إلى لزوم الاستعداد العسكري لمواجهة الأعداء (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة)، وهو ما يعني عند المفسرين تكوين الجيوش القوية وامتلاك القوة العلمية والاقتصادية وعدم الانتظار إلى حين هجوم الأعداد فيكون الوقت قد مر على مجابهتهم.
كما أنه من الخطأ الاعتقاد بأن كمية السلاح ونوعيته هي السبيل الوحيد للانتصار لأننا شاهدنا في الوقت الحالي شعوب قليلة العدد والسلاح تمكنت من هزيمة من هو أقوى منها مثل الشعب الجزائري الذي طرد بقوة أكبر القوى الاستعمارية في العصر الحديث وهكذا فإن الإيمان بالقضية والتفكير في إرساء دعائم القوة لجميع المجالات تعتبر سبل أخرى لفرض الوجود.
لكي تنعم بالسلم عليك بالحرب فلسفة تكرسها الدول القوية فماذا كانت تفعل أمريكا في أفغانستان وفي العراق؟ ولماذا تحارب في أراضي بعيدة عنها آلاف الكيلومترات؟، ولماذا تنشر قواعد عسكرية في مناطق لا تنتمي إليها إقليميا أو ثقافيا أو دينيا؟ ألم يبقيها في سلام داخل أراضيها التي لم تشهد حروب منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1865 .
إن روسيا تشعر أنها حاملة لمسؤولية إمبراطورية الاتحاد السوفياتي تدرك بخطورة اقتراب حلف الناتو من أراضيها وتخوض على هذا الأساس الحرب في أوكرانيا بهدف إبعاد الخطر عنها، كما أنها تريد أن تسترجع المجال الجيوستراتيجي للاتحاد السوفياتي سابقا وهو تصرف في نظر قادتها يبدو مشروعا.
متى تتخلص الإنسانية من ويلات الحروب،حيث لم تنفع لا معاهدات السلام ولا مؤتمرات التسامح ولا التجمعات الدولية من فرض ضوابط العيش بسلام فهل يستفيق العالم في يوم ما على فلسفة جديدة تخلصنا من الحروب؟ أو أننا سوف ننتظر المهدي كما تعتقد الأديان السماوية والذي سوف يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله ظلما.