مسمار أخير في نعش الفلسطينيين.. إسرائيل: سنقيم حينا الأكبر على باب القدس
مرت الأيام التي استهل فيها نقاش حول البناء المتواصل في شرقي القدس نشرات الأخبار وهز منظومة العلاقات بين إسرائيل والإدارة الأمريكية. وثمة تغير متواصل في القدس على أرض الواقع، وثمة أحياء يهودية تُبنى أو يُخطط لبنائها خلف الخط الأخضر في جبل أبو غنيم و”جفعات همتوس” و”عطروت” و”رمات شلومو” وغيرها. إلى جانب ذلك، تواصل جمعيات المستوطنين جهودها لتهويد سلوان والشيخ جراح وجبل المكبر ورأس العامود. وفي هذه الأحياء وأحياء عربية أخرى، يواصل السكان العرب مواجهة سياسة تخطيط غير محتملة.
وهذه السيناريوهات تشكل عاصمة إسرائيل بدرجة كبيرة مثلما تشكل إسرائيل كلها، بدرجة لا تقل عن قمة فاخرة عقدت في النقب في الأسبوع الماضي بمشاركة شخصيات رفيعة من دول عربية، وهذا اليوم مثلما في كل يوم في السنوات العشر الأخيرة، استيقظ المقدسيون على واقع يحوم فيه خطر الهدم أو الطرد فوق رؤوسهم، ويهدد حياتهم ويدفع المدينة إلى اليأس والعنف. إقامة الأحياء اليهودية وجهود تهويد الأحياء العربية تحول أي مستقبل تسوية سياسية إلى أمر غير ممكن.
حالة الوضع في القدس
للوهلة الأولى، يبدو أن مشروع البناء في “عطروت” لا يهدد أحداً. المشروع الذي يشمل 9 آلاف وحدة سكنية والذي سيقام، سيحتل مكان المطار المهمل في شمال القدس. لن يتم إخلاء أي مواطن مقدسي من بيته، وهذه حتى ليست أرضاً خاصة فلسطينية مثل معظم المناطق في شرقي المدينة. ولكن الحديث يدور عن الحي اليهودي الأكبر الذي سيبنى وراء الخط الأخضر في القدس منذ التسعينيات. إضافة إلى ذلك، يتم التخطيط لإقامة الحي المخصص للجمهور الأصولي في قلب الفضاء الفلسطيني لشمال المدينة؛ أي بين بلدات كفر عقب وقلنديا وبيت حنينا. وإقامة هذا الحي ستحرم الفلسطينيين من الحلم بإعادة تشغيل المطار مجدداً تحت علم فلسطين، وستحول مهمة تقسيم القدس إلى أمر غير ممكن.
يبدو أن ضغط الإدارة الأمريكية على إسرائيل لعدم المصادقة على هذه الخطة، لم يكن عبثاً. هذه الخطة عالقة في هذه الأثناء مؤقتاً داخل اللجنة القطرية للتخطيط والبناء؛ ليس بسبب ضغط دولي، على الأقل بصورة رسمية، بل لأن اللجنة وافقت على موقف وزارة حماية البيئة ووزارة الصحة بوجود حاجة إلى تقرير “مسح الأثر البيئي” قبل إعطاء المصادقة.
كل من يعيش في حي بيت صفافا أو يزوره يدرك بأنه يعاني من نقص كبير في أراضي البناء والتوسع وتخفيف الاكتظاظ. والآن، ورغم ذلك، تدفع بلدية القدس قدماً مع القيّم العام في وزارة العدل لإقامة حي باسم “جفعات هشكيد” للسكان اليهود. يقع الحي خلف الخط الأخضر، ومخطط لإقامته في منطقة مفتوحة مساحتها 38 دونماً فوق “ناحل رفائيم” و”بارك همسيلا”، بين حي الظهرة في بيت صفافا وشارع دافيد بنفنستي. وحسب الخطة، ستبنى في المكان 473 وحدة سكنية، ومدرسة أساسية وكنيساً ورياض أطفال.
إذا كانت “جفعات هشكيد” تغلق بيت صفافا من الشمال، فإن الإمكانية الكامنة لتوسعها نحو الجنوب يتم إغلاقها على يد حي مستقبلي آخر وهو “جفعات همتوس”. منذ سنوات كثيرة وإسرائيل تدفع بإقامة حي كبير على التلة، التي كان عليها كرفانات لمهاجرين جدد في التسعينيات. ولكن إذا كانت هذه بيوتاً مؤقتة، فإسرائيل الآن معنية ببيوت دائمة، في الحقيقة جزء منها مخصص لسكان بيت صفافا، لكن أغلبية المساحة الساحقة مخصصة لسكان جدد يهود. في نظر المجتمع الدولي، فإن إقامة “جفعات همتوس” هي “سجاد أحمر”، وعمل سيصعب أي إمكانية لتقسيم القدس في المستقبل. ولكن يبدو أن هذا الأحمر بهت قليلاً في السنوات الأخيرة، وبعد سلسلة تجميدات وتعويقات بسبب ضغوط مصدرها وراء البحار، بدأت مؤخراً أعمال بنى تحتية وحفريات لإنقاذ الآثار في المكان، قبل بناء المرحلة الأولى للحي التي تشمل 1275 وحدة سكنية. إضافة إلى ذلك، جميع الوحدات التي تعرضها وزارة الإسكان مع تخفيض في القدس، هي في “جفعات همتوس”. وإن إغلاق القرعة ونشر أسماء الفائزين سيحول البناء في المكان بعد فترة طويلة من التأخير إلى حقيقة واقعة.
أحياناً، يبدو أن نضال الشيخ جراح كان هنا دائماً. لكن هذا غير دقيق، وغير خاطئ كلياً، على الأقل إذا تتبعنا جذور نزاعات الأراضي هذه. في الجزء الغربي للحي، أم هارون، كان يعيش يهود حتى العام 1948. بعد الحرب، قام القيم العام عن أملاك العدو في الأردن بتأجير المبنى المتروك لفلسطينيين فقراء (لاجئين من المناطق التي احتلتها إسرائيل في الحرب)، الذين أصبحوا مستأجرين محميين. في العام 1967، بعد حرب الأيام الستة وتوحيد القدس، ورث القيم العام في إسرائيل هذه العقارات. رسمياً، لم يتغير شيء، وواصل القيم تأجيرها. ولكن مع مرور السنين، بدأت جمعيات يمينية في البحث عن ورثة العقارات، وساعدتهم قانونياً في استرجاعها. السكان من ناحيتهم قالوا بأنهم يعيشون في بيوت إيجار محمي، ولا يمكن إخلاؤهم، ولا يملكون مكاناً يذهبون إليه. ولكن المحكمة رفضت ادعاءاتهم في حالات كثيرة، وأصبح المستأجرون متعلقين برغبة أصحابها ورغبة القيم العام في مواصلة تأجير البيوت لهم.
حتى الآن، تم إخلاء عائلة واحدة من الحي، ودخل المستوطنون إلى بيت آخر بعد موت المستأجرين. ولكن سيف الإخلاء مسلط على نحو 15 عائلة أخرى، منها عائلة سالم التي تعيش في المكان منذ العام 1950. اشترى بيتها عضو في مجلس بلدية القدس، يونتان يوسيف، من القائمة اليمينية “القدس موحدة”، الذي طالب بالإخلاء، الأمر الذي رفع نسبة التوتر في المكان. في شباط، أمرت محكمة الصلح في القدس بتجميد إخلاء العائلة، وهذا الإخلاء لا يتوقع أن يحدث حتى انتهاء شهر رمضان على الأقل.
في شرق الشيخ جراح منطقة تسمى كرم الجاعوني، الذي فيه وضع مشابه ولا يقل تعقيداً عن ذلك. كانت هناك مناطق خالية اشترتها في نهاية القرن التاسع عشر اللجان اليهودية، الأشكنازية والسفاردية للقدس، في الخمسينيات، استوطنت فيها عائلات فلسطينية لاجئة. تلك بيوت شيدتها حكومة الأردن والأمم المتحدة، وحصل اللاجئون على حق السكن فيها مقابل مبلغ رمزي.
في التسعينيات، اشترت جمعية اليمين “نحلات شمعون” الأرض في المنطقة من اللجان اليهودية. أعيدت الأرض إلى اللجان استناداً إلى قانون ترتيبات الإدارة والقضاء الذي يمكن اليهود من استعادة ممتلكاتهم المتروكة من العام 1948 (القانون لا يمكن عائلات اللاجئين الفلسطينية من الحصول على ممتلكاتها قبل 1948 لأنها ممتلكات ضمتها الدولة استناداً لقانون آخر وهو قانون أملاك الغائبين). الآن يوجد نحو 30 عائلة تتكون من 200 شخص قد يتم إخلاؤها من بيوتها في السنوات القريبة القادمة.
يبدو أن المحكمة العليا أعطت مهلة لسكان كرم الجاعوني في هذه الأثناء. وقرر القضاة مؤخراً أن يواصل السكان العيش في عدد من البيوت المعدة للإخلاء إلى حين استكمال إجراءات تسوية الأرض في المكان واستيضاح الحقوق على الأرض. ولكن حين يتم اتخاذ قرار يتوقع أن يؤثر ذلك على عائلات أخرى في المنطقة.
ثلاث مناطق مختلفة لكنها متجاورة تشكل بؤرة الخلاف في قرية سلوان: الأولى هي وادي “يتسول”، هناك تعمل البلدية على هدم بيوت 100 عائلة. السبب هو أن المخطط الهيكلي الأخير للحي الذي تمت المصادقة عليه في 1977 يخصص المكان كمنطقة عامة مفتوحة، ومثلما في كثير من الأحياء العربية في القدس، ثمة فصل بين احتياجات السكان والتخطيط. بنت العائلات في معظمها بيوتها بدون ترخيص. في الـ 15 سنة الأخيرة، يحاول السكان الدفع بخطة تغير تخصيص الأرض في الحي، ولكن بدون نجاح حتى الآن. التطور الأخير في القضية حتى الآن كان في تشرين الثاني الماضي، في حينه رفضت المحكمة اللوائية في القدس التماساً قدمته 58 عائلة ضد هدم بيوتها. مع ذلك، تستمر المفاوضات حتى الآن بين السكان والبلدية في محاولة لإيجاد خطة يقبلها الطرفان.
وبيوت حي البستان تستهدفها البلدية أيضاً لإقامة متنزه أثري – سياحي باسم “حديقة الملك”، كجزء من الحديقة الوطنية “مدينة داود”، الذي تديره جمعية “إلعاد” اليمينية. تعيش الآن مئة عائلة في الحي الذي في معظمه مهدد بالهدم. هؤلاء السكان بدأوا يتصلون مع البلدية، وفي إطار ذلك قدموا خطة أعدها المهندس المعماري يوسف جبارين تتضمن هدم الحي وإعادة البناء على 60 في المئة من مساحته، والمساحة المتبقية تخصص للمتنزه. مؤخراً، رفضت البلدية خطة السكان واقترحت نقل المستأجرين إلى عدد من المباني القليلة التي ستقام على مساحة أصغر بكثير من الحي الأصلي، 20 في المئة منه. وتستمر المفاوضات من أجل العثور على خطة إخلاء – بناء متفق عليها.
الحي الثالث المهدد بالخطر هو بطن الهوى في مركز القرية، وتعيش فيه عشرات العائلات. بني هذا الحي على أرض كانت بملكية وقف يهودي، أقيم في نهاية القرن التاسع عشر لإسكان عائلات مهاجرين يهود من اليمن. بسبب اشتداد الوضع الأمني في فترة الثورة العربية، أمرت حكومة الانتداب في 1938 المهاجرين بمغادرة الحي. هدمت البيوت، ومع مرور الوقت اشترى فلسطينيون الأرض وبنوا بيوتهم عليها، وبأثر رجعي قالوا إنهم لم يعرفوا أن الملكية لم تكن في أيدي البائع.
كل شيء بقي هادئاً إلى أن وافقت المحكمة المركزية في القدس عام 2001 على طلب أعضاء “عطيرت كوهنيم” بأن يصبحوا أمناء على الوقف. بعد سنة، حرر القيم العام الأرض ونقلها إلى الأمناء الجدد، وبهذا عرّض سبعين عائلة لخطر الإخلاء.
وصلت القصة إلى المحكمة، وفي السنة الماضية رفضت قاضية المحكمة العليا، دفنه براك ايرز، التماساً مبدئياً للفلسطينيين ضد الوقف. في المقابل، وافقت محكمة الصلح في القدس على التماس “عطيرت كوهنيم” ضد العائلات وأمرت بإخلائها. ولكن قرار المحكمة العليا بخصوص الشيخ جراح قد يؤثر أيضاً على السكان في هذه المنطقة.
قبل أسابيع، دخل أعضاء “عطيرت كوهنيم” إلى مبنى فندق البتراء قرب شارع يافا. وفي هذه المرحلة، احتلوا قسماً من الفندق كجزء من نضال قانوني لأعضاء الجمعية اليمينية لاحتلال كل الفندق. هذا إضافة إلى محاولة وضع اليد أيضاً على فندق “إمبريال” المجاور. دخول المستوطنين إلى المكان أصبح ممكناً بعد نضال قانوني متعرج استمر 18 سنة بين البطريركية اليونانية، التي كانت صاحبة الفنادق ومنذ العام 2005 وهي تتنكر لصفقة البيع، وبين شركات وهمية تسيطر عليها “عطيرت كوهنيم”. يصعب المبالغة بدرجة أهمية الحدث في نظر رؤساء الكنائس في القدس. من ناحيتهم، يدور الحديث عن كارثة حقيقية ستؤدي إلى تغيير طابع الحي المسيحي في البلدة القديمة. التهديد كبير من ناحيتهم، إلى درجة أن جميع رؤساء الكنائس في المدينة توحدوا بصورة غير مميزة كلياً للقدس، للقيام بعدة مبادرات احتجاج ضد حكومة إسرائيل. “احتلال فندق البتراء من قبل الجمعية المتطرفة “عطيرت كوهنيم” يشكل تهديداً على استمرار وجود الحي المسيحي، والوجود الهادئ للمجموعات المختلفة في القدس”، كتب رؤساء الكنائس في بيان نشر أول أمس.
ليس الوقف ولا السكان اليهود الذين هربوا ولا حتى مخطط المتنزه الجديد هو ما يهدد سكان جبل المكبر. في هذه الحالة، عشرات البيوت يهددها خطر الهدم بسبب شارع. أي رغبة البلدية في توسيع أحد الشوارع القائمة، وهو الشارع الأمريكي الذي يربط جبل المكبر والشيخ سعد. مؤخراً، بدأ سكان الحي في التظاهر بشكل دائم أمام مبنى البلدية احتجاجاً على الخطة. وفي غضون ذلك، لم تتم المصادقة على هذه الخطة نهائياً بعد.
خلافاً لجيرانهم، حصل سكان العيسوية على أنباء سارة مع نجمة صغيرة. بلدية القدس دفعت قدماً وصادقت على خطة هيكلية جديدة للحي، الذي بنيت معظم البيوت فيه بدون تراخيص. الخطة قد تسمح لعدد كبير من السكان بالحصول على ترخيص بأثر رجعي لبيوتهم. ولكن رغم المصادقة إلا أن كثيراً من السكان يشعرون بأن احتمالية الحصول على رخص البناء المأمولة ما زالت ضعيفة. وماذا بشأن توسيع الحي المكتظ؟ إذ لا توجد خطة كهذه. الخطة الموجودة الآن هي الإعلان عن حديقة وطنية قريبة، لكنها خطة ما زالت عالقة حتى الآن.
رسمياً، تقع قرية الولجة الفلسطينية خارج حدود بلدية القدس، ولكن جزءاً منها مساحته 80 دونماً الذي يعيش فيه نحو ألف شخص، تم ضمه للعاصمة، وهؤلاء معرضون لعدد كبير من تهديدات مقدسية، بالأساس خطر الهدم لعدد من البيوت. في السنوات الأخيرة، هدمت الدولة 30 بيتاً في القرية، و50 بيتاً فيها أوامر هدم معلقة. مؤخراً، قدم السكان التماساً حول الأمر، وطالبوا بأن تقوم اللجنة اللوائية للتخطيط وبلدية القدس بمناقشة المخطط الهيكلي الذي أعدوه للقرية. في الجلسة التي عقدت في الأسابيع الماضية في المحكمة العليا، وافقت الدولة على تجميد الهدم لنصف سنة من أجل إعطاء فرصة للدفع بالمخطط الهيكلي.
الولجة حالة متطرفة للاضطهاد التخطيطي في القدس. ورغم أن نصف القرية تم ضمه للقدس في 1967 إلا أن الدولة لم تكلف نفسها يوماً ما عناء وضع خطة هيكلية للحي، لذلك لا توجد إمكانية للبناء فيه بصورة قانونية. ولا توجد في محيطه مثل هذه المشكلة. أقيم على التلال المجاورة على مر السنين حيا “غيلو” و”هار غيلو” وأحياء أخرى. وعندما بنيت هذه المستوطنات، تم تقييد سكان الولجة. أحيطت القرية بجدار الفصل، ثم أعلن بخصوص أراضيها الزراعية وسلاسلها الحجرية الفاخرة أنها حديقة وطنية ومشهد ثقافي من الجدير حمايته.
من بلدية القدس جاءنا الرد التالي: “في السنوات الأخيرة، نقود عملية تاريخية للدفع قدماً ببناء قانوني ومنظم في شرقي القدس، وذلك بعد أكثر من خمسين سنة من الإهمال وعدم المعالجة. رئيس البلدية يقود مشاريع للتجديد البلدي والبناء – الإخلاء، بتعاون وحوار مع السكان والقادة. ومؤخراً، اتفق مع سكان حي بشير الواقع على مدخل جبل المكبر، على خطوة مشتركة للتجديد البلدي”.
“في السنة الأخيرة، تم الدفع قدماً بخطط هيكلية مفصلة، غير مسبوقة في حجمها، لأحياء العيسوية ورأس العامود. وفي السنوات القريبة القادمة، سيتم الدفع بخطط مشابهة في أحياء أخرى. أما بخصوص رخص البناء فتم إعطاء 424 رخصة بناء لمشاريع في أحياء في شرقي القدس في الثلاث سنوات الأخيرة. هذا مقابل 212 رخصة بناء أعطيت في 2017، و186 رخصة في 2018. بفضل المصادقة على الخطة الرئيسية وخطط هيكلية جديدة في الأحياء العربية، يتوقع أن يرتفع عدد الرخص في السنوات القريبة القادمة بصورة دراماتيكية”.