[rtl]مهزلة القرن: سلطة الاحتلال الإسرائيلي تتهم روسيا بجرائم حرب
ندد وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، يوم الثلاثاء، 5 أبريل الجاري، بالأحداث الجارية في أوكرانيا متهما القوات الروسية بما أسماه “تنفيذ جرائم حرب ضد المدنيين”.
وتابع لابيد في تصريحه أن العالم “يواجه أوقاتا صعبة” بينما “تغزو” دولة قوية جارتها الضعيفة والصغيرة، ثم صرح بالمقولة التاريخية: “مجددا تمتص الأرض دماء الأبرياء”.
أود هنا أن ألفت عناية سيادتكم إلى ما قاله لي ذات مرة أحد الأصدقاء من الجنرالات الروس، وكان قائدا مخضرما خاض عددا من الحروب. قال صديقي إن الحرب التي يروح ضحيتها جندي واحد (وتلك حرب بيضاء بكل مقاييس الحروب)، هي بالنسبة لعائلة هذا المجند “الحرب العالمية الأولى والثانية والثالثة”، فحياة الإنسان، أي إنسان وكل إنسان، مقدسة لا جدال في ذلك.
إلا أن تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يدفعني دفعا لكي أبحث عن صفحات المجازر الإسرائيلية، والتي أضطر هنا إلى الإشارة لأكبرها، لأن القائمة أكبر بكثير من أن نسردها هنا في هذا المقام. وليس ذلك بسبب أنها أقل أهمية أو قيمة، وإنما لكون الأعداد التي راحت ضحية لها أقل من المذابح التالية التي أسوقها فقط للتدليل على كلمات وزير الخارجية الإسرائيلي، بأن العالم بالفعل “يشهد أوقاتا صعبة”.. لكنها أوقات بدأت منذ سبعين عاما، وليس من فبراير الماضي. وأشد على ساعد الوزير الإسرائيلي، عديم الضمير والأخلاق، يائير لابيد، بأن الأرض قطعا “تمتص دماء الأبرياء”، منذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في القرن الماضي، وليس بسبب دفاع روسيا عن أمنها القومي. وهاكم الدليل.. ذلك غيض من فيض المذابح التي ارتكبها ولا زال يرتكبها الاحتلال دون أن يلتفت “العالم الحر” أو “رسل الديمقراطية” حول العالم لما ترتكبه إسرائيل:
في 9 أبريل من العام 1948، قامت منظمتا “الأرغون” التي كان يتزعمها رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد، مناحيم بيغن، و”شتيرن ليحي” التي كان يتزعمها رئيس الوزراء الإسرائيلي خلفا لبيغن في رئاسة الوزارة، إسحق شامير، بالهجوم على قرية دير ياسين، على بعد بضع كيلومترات من القدس، بالاتفاق المسبق مع “الهاجاناة”، وقتلوا زهاء 260 فلسطيني من أهالي القرية العزل.
وفي 3 نوفمبر 1956 فتح الاحتلال الصهيوني النار على سكان خان يونس ومخيم اللاجئين المجاور لها وقتلوا 275 فردا من القرية والمخيم معا.
وفي صباح الثامن من أبريل 1970 قصفت طائرات “فانتوم” مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية محافظة الشرقية في مصر، ما أدى إلى مقتل 30 طفلا وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماما.
وفي 16-18 سبتمبر 1982 قامت المدفعية والطائرات الإسرائيلية بقصف مخيمي صابرا وشاتيلا وراح ضحية الهجوم 1500 قتيل من الفلسطينيين واللبنانيين.
تلك هي المذابح الكبرى أصدقائي الأعزاء، أما عن المذابح “الصغرى” فحدث ولا حرج، والقائمة أطول بكثير من الحديث عنها، أو سردها هنا. بإمكانكم الاطلاع عليها، وهي متاحة على شبكة الإنترنت، للحصول على تصور عن مدى ازدواجية المعايير والتبجح والصفاقة التي يمارسها الغرب جهارا نهارا في وسائل إعلامه.
لقد صرح وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، مؤخرا: “ما كنا نحاول القيام به على مدار الـ 70 عاما الماضية، ولم نتمكن حتى من تحقيقه، نفذ في غضون 7 أيام عندما تعلق الأمر بأوكرانيا”.
وبالفعل فإن ما يعرفه المواطن الإسرائيلي، والمواطن الغربي عن الشعب الفلسطيني ليس ما سبق ذكره وما يحدث على الأرض من مذابح وقتل على الهوية وعنف وقمع وظلم وازدراء، وإنما يعرف شيئا آخر. فهو يعرف عن ظهر قلب تفاصيل “الهولوكوست”، ولا يجرؤ إنسان على وجه البسيطة التشكيك في أي رقم من أرقام ضحاياها، وإلا اتهم بـ “معاداة السامية”. يعرف المواطن الإسرائيلي والغربي أن الفلسطينيين “يمارسون الإرهاب” في المدن الإسرائيلية، وينشرون الذعر والرعب في قلوب الأطفال والنساء والشيوخ الإسرائيليين المسالمين.. هذا تحديدا ما يعرفه هؤلاء المواطنون، الخاضعون لسيطرة الآلة الإعلامية الغربية المهولة.
بنفس الآلية يتعامل الإعلام الغربي مع العملية العسكرية الخاصة التي تقوم بها روسيا دفاعا عن أمنها القومي، ويفبركون الفيديوهات والصور والمشاهد، كان آخرها ما قالوا إنه “تطهير عرقي” و”جرائم حرب” يزعمون أن القوات الروسية قد ارتكبتها أثناء خروجها من مدينة “بوتشا” بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف، في مسرحية من غير المعروف ما إذا كانوا قد استخدموا فيها جثثا حقيقية لموتى أو لأحياء. ولكن من الواضح أن الهدف من ذلك السيناريو الإعلامي تهيئة الأجواء للتصويت في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة على المبادرة البريطانية بإلغاء عضوية روسيا في لجنة حقوق الإنسان التابعة للهيئة.
لقد صرح المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في بداية العملية العسكرية، وبينما انطلقت “نصائح” من الشركاء الغربيين، بأن روسيا “لا تحتاج إلى توجيه ممن اشتهرت عملياتهم في يوغوسلافيا السابقة والشرق الأوسط وأفغانستان بالقسوة، ولم تضع لأرواح المدنيين قيمة من أجل تحقيق أهدافها”، وذكر بيسكوف بالقصف المكثف ليوغوسلافيا السابقة، والهجمات الصاروخية على وسط بلغراد، والضحايا الضخمة غير المبررة في دول الشرق الأوسط، والجرائم التي ارتكبت على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي على مدار 20 عاما في أفغانستان، عندما قتل مئات الأشخاص في أعراس ومبان سكنية بضربة واحدة.
بالفعل، لا تحتاج روسيا لا لنصائح الاستراتيجيين الغربيين، تماما كما لا تحتاج تعليقا من وزير خارجية دولة الاحتلال ممن تلطخ دماء الفلسطينيين أيديهم لسبعة عقود وأكثر.
ربما تكون تلك نكتة مثيرة للضحك والتندر.. لكنه ضحك يثير الغثاء والبكاء على أحوال العالم المقلوبة.
[/rtl]