إبتلاع كامل فلسطين والقدس وإختراق المنطقة العربية و تفتيتها هدف استراتيجي لإسرائيل و الغاية تحقيق “الحلم الصهيوني”… لكن هذا الحلم لن يكتب له النجاح و إسرائيل إلى زوال …
د. طارق ليساوي
أشرت في مقال ” نصرة القدس والمسجد الأقصى انتصار للعدل وللحق…و تعسا للمطبعين و المتصهيين العرب من غضب شعبي قادم…” إلى أن خروج من يقول بأن القدس و فلسطين ليست في سلم أولوياتنا كمسلمين وعرب، هو نتاج لعملية غسيل المخ و التي نجح فيها الصهاينة كما نجحوا في عملية الغسل السياسي و الاقتصادي و التاريخي، و ذلك بتواطؤ مع أنظمة سياسية عميلة ضيعت الأوطان مقابل الحفاظ على الكراسي و المكاسب. ففلسطين والقدس هي قضية كل مسلمي العالم بل قضية كل الأحرار، و الحق العربي و الإسلامي لا يمكن إنكاره و من يفكر في غير ذلك فهو ينفذ أجندة الصهيونية ، لذلك المعركة حول فلسطين و القدس، ليست معركة يحسمها السلاح و إنما هي معركة وعي و إدراك لطبيعة النزاع، فهو نزاع ديني بين عقيدتين إحداهما لازالت تحتفظ بصفاءها الرباني، و أخرى حُرِفت و تحكم فيها الهوى البشري ، فنصرة القدس و الانتصار لها هو بخلاصة انتصار للعدل و للحق، و للأمل في غد تخرج فيه الإنسانية من ظلم الاستبداد و وجور الهيمنة و العبودية الاقتصادية والسياسية إلى رحابة وسماحة وعدل الإسلام…
واليوم 15-04-2022 اندلعت مواجهات بين الفلسطينيين المعتكفين في المسجد الأقصى وقوات الجيش الإسرائيلي بعد صلاة فجر اليوم الجمعة 14 رمضان، إثر اقتحام عناصر الجيش لساحات المسجد.. وقالت منظمة الهلال الأحمر الفلسطيني إنه “تم نقل 59 مصابا حتى الآن لمستشفيات القدس جراء المواجهات المستمرة في المسجد الأقصى”. ووصل آلاف الفلسطينيين، فجر اليوم الجمعة، إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة فجر الجمعة الثانية من شهر رمضان… ونصب الشبان المتاريس الحديدية والخشبية بالقرب من باب المغاربة ومداخل مسجدي قبة الصخرة والقبلي خشية وتحسبا من اعتداء أو اقتحام قوات الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين.
وقبل انعقاد الصلاة بدقائق، اقترب بعض عناصر الجيش الإسرائيلي من ساحات المسجد الأقصى، فتصدى الشبان لهم بإلقاء الحجارة وإطلاق المفرقعات النارية.
واعتلى عدد من الجنود الإسرائيليين أسطح المباني قرب باب السلسلة في محيط المسجد الأقصى، ثم اندلعت المواجهات. وأطلق عناصر الجيش الإسرائيلي قنابل الصوت والغاز على الشبان والنساء والمسنين، ورد الفلسطينيون بإلقاء الحجارة والمفرقعات النارية…
و الجدير بالذكر، أنه في نفس الفترة من السنة الماضية 2021 نفس المواجهات شهدها المسجد الأقصى و حي الشيخ جراح ، بعد أن قضت المحكمة المركزية في القدس بإخلاء عدد من العقارات الفلسطينية في الحيّ الذي أقامه الأردن لإيواء الفلسطينيين الذين هجّروا في العام 1948 ولديهم عقود إيجار تثبت ذلك.
لكن هذه السنة المواجهات سببها إعلان جماعات الهيكل المتطرفة عزمها إدخال “قربان الفصح” إلى الأقصى يوم الجمعة 14 رمضان ، وقد نشرت إعلاناً على مختلف منصاتها يدعو المتطرفين الصهاينة إلى المبادرة الفردية لتقديم “قربان الفصح” في المسجد الأقصى المبارك واعدة من يتمكن من ذلك بمكافأة مالية مقدارها عشرة آلاف شيكل “حوالي 3,100 دولار ” ومن يحاول ويفشل مكافأة مقدارها 400 شيكل “125 دولار”، وذيلت إعلانها بالقول بأن تقديم القربان هو الرد الطبيعي على “الإرهاب”…وكانت جماعات الهيكل المتطرفة قد نفذت قبل أيام محاكاة لتقديم القربان ملاصقة للسور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، إلا أن معظم حاخاماتها ونشطائها قد باتوا مقتنعين بأن الوقت قد حان لتقديم القربان في الأقصى بعد مسيرة طويلة من المحاولات عبر المحكمة منذ 2010، والإحياء العملي لطقوس القربان في عدة أماكن حول الأقصى منذ 2014…وأكدت جماعات الهيكل المتطرفة في تصريحات لقادتها بعد نشر الإعلان بأن “الوقت قد حان لتغيير قواعد اللعب”، مضيفة أنه “لا حــمـاس ولا الأردن يقررون ما يحصل في الأقصى، فنحن من سنقرر مصير قربان الفصح”، مؤكدة “إننا في الجمعة القادم، في عشية الفصح، سنأتي إلى جبل الهيكل من كل أنحاء البلاد لنقدم قربان الفصح في موعده، ونجدد العبادة اليهودية “في الأقصى” بعد 2000 عام من اندثارها”…
فالصهاينة يحلمون بإحياء مملكة الملك – النبي سليمان عليه الصلاة و السلام، لذلك فالحدود الحقة لصناع الحلم الصهيوني تمتد إلى حدود ” مملكة سليمان” و الغاية التي تحكم العقل الاستراتيجي الصهيوني هو البحث عن هيكل سليمان بل و أسرار و كنوز “نبي الله سليمان” و التي مكنته من تسخير شياطين الجن و الإنس لخدمة مشروعه…لكن و بعد قرون من الجهد التنظيري و التحريفي نجحوا إلى –حدما في إقامة وطن لهم- على أرض فلسطين المحتلة، و حدودهم كما يشير علمهم “من البحر إلى النهر”، و سعيهم لإختراق المنطقة العربية و تفتيتها هدف استراتيجي للكيان الصهيوني و الغاية تحقيق الحلم الصهيوني…
وبالتالي فإن الحلم الصهيوني يناقض الحلم العربي – الإسلامي، حلمين يتصادمان ويتعارضان لا محالة، لكن الفرق بينهما كالفرق بين الليل و النهار، فبينما الحلم العربي- الإسلامي يملك كل مقومات النجاح من وحدة دينية و لغوية و جغرافية و تاريخ مشترك، و انسجام و تناغم بين الشعوب ، بالرغم من تنوعها الثقافي و العرقي و الإثني .. لكن هذا الحلم العربي- الإسلامي يفتقد للعقل الاستراتيجي المدبر و المخطط … في حين أن ” الحلم الصهيوني” الأقرب للأسطورة و الخرافة ، وجد عقل استراتيجي يعمل على تنزيله، رغم أنه محكوم بالفشل إن لم يكن على المدى المنظور، فإنه لا محالة فاشل على المدى المتوسط و البعيد، فكلما اتسعت خارطة الوعي العربي بالمصير الواحد و المشترك، و كلما إتسعت دائرة الوعي بأن العدو الحقيقي و الفعلي هو الكيان الصهيوني و داعميه، إلا و تقلصت فرص نجاح الحلم الصهيوني و تعززت فرص نجاح الحلم العربي -الإسلامي…
و صلة بانحسار و فشل الحلم الصهيوني أكدت صحيفة “هآرتس” العبرية أن “إسرائيل” التي اعتمدت عددا من الاستراتيجيات قد فشلت في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، وهي تواصل السير في الطريق نحو فقدان هذا الحلم. وأوضحت صحيفة في مقال كتبه “شاؤول أريئيلي”، أن الحركة الصهيونية عملت على تأسيس “دولة يهودية” على أرض فلسطين المحتلة “بواسطة دمج ثلاث استراتيجيات عمل أساسية، وجميعها لم تنجح في حل النزاع أو تحقيق الأهداف الثلاثة الرئيسية للحركة الصهيونية؛ “أرض إسرائيل، وديمقراطية، وأغلبية يهودية”، وهكذا ولد خط سياسي ثالث، هو التقسيم لدولتين”.
وأفادت بأن الاستراتيجية الأولى للحركة الصهيونية لتجسيد الحلم الصهيوني، “كانت تعتمد على هجرة جماعية واستيطان، وهذه فشلت لأسباب مختلفة”، والثانية هي “السعي لاستبدال الطموحات القومية الفلسطينية بمكاسب اقتصادية”، وفشل هذه الاستراتيجية شرحه “جابوتنسكي “عام 1923 في “الجدار الحديدي” حينما قال: “إن الهذيان بهذا الأمر، أن يوافقوا طواعية على تجسيد الصهيونية مقابل تسهيلات ثقافية أو مادية يمكن أن يجلبها لهم المستوطن اليهودي.. ليس له أي أساس”.
ولسنا في حاجة إلى صحيفة صهيونية ولتصريحات مسؤولين صهاينة لتأكيد على أن الحلم الصهيوني زائل لا محالة، فالحجج النقلية والعقلية والواقعية ظاهرة وواضحة، و لا يجهلها إلا غافل أو جاهل أو خائن..
فسورة “الإسراء”، والتي تسمى أيضا بسورة بني إسرائيل ، فيها ذكر الله تعالى إسراء النبي محمد عليه الصلاة و السلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وذكر إفسادين في الأرض يقوم بهما بنو إسرائيل، ولم تكن حادثة الإسراء عبثا، بل كانت تعبيرا عن قضية الصراع بين المسلمين وبني إسرائيل حول المسجد الأقصى، وأن هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى هو رابطة وصل روحية بين المسجدين؛ للدلالة على أنهما قضية واحدة، وهي قضية الإسلام، فمن فرط في المسجد الأقصى، فقد فرط في المسجد الحرام، وبالتالي فقد فرط في الإسلام كله…
وهذه السورة الكريمة ، سورة محورية في قضية الصراع الإسلامي الإسرائيلي حول المسجد الأقصى، فهذه القضية مثارة بقوة في هذه السورة لمن تدبرها، وأنها تحذر المسلمين من خطر بني إسرائيل الكبير، وهي السورة التي يجب أن تؤطر تفكير المسلمين في صراعهم التاريخي مع بني إسرائيل؛ وهذا الصراع ليس وليد العصر الحديث كما يعتقد الكثيرون، بل ولد مع بعثة النبي صل الله عليه وسلم، عندما تصدى يهود المدينة وهم من بني إسرائيل لدعوة النبي، وفعلوا كل ما بوسعهم لإيقاف هذه الدعوة حتى لا تكون عالمية، لأنهم كانوا يرون أفضليتهم على سائر الناس، وأنهم سيحكمون العالم يوما ما ببعثة نبي منهم، فلما خاب أملهم ببعثة نبي من العرب، لرفعوا لواء معاداة الإسلام و المسلمين و محاربة الدعوة المحمدية..
وقد حللنا بمناسبة إعلان ” صفقة القرن” أسباب الفشل الحتمي لمخطط تصفية فلسطين والقدس و تمليكها للكيان الصهيوني، ومن هذه الاسباب أن الشعوب العربية والإسلامية تستيقظ تدريجيا من سباتها، و أدركت أن حكامها بلغوا درجة كبيرة من الفساد و العمالة والتبعية لأعداء الأمة، و ما توالي انتفاضات الشعوب في مختلف أقطار العالم العربي المنكوب إلا دليل على هذا الوعي و الإدراك و الرغبة الجامحة لتحرير الإرادة الشعبية..هذا إلى جانب أن القران الكريم الذي يشكل دستور المسلمين في كل زمان ومكان، رغما عن أنف حكام وساسة كل هذا العالم، و أنف ألف ألف من أمثال “ترامب” و أشباهه، فهذا الدستور فيه سورة تلخص الحكاية و تتضمن سند ملكية رباني أبدي للقدس ومعه “الأرض المباركة” لا يستطيع أحد أن ينزعه من المسلمين طال الزمن أو قصر، فقد قال تعالى في مطلع سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)} [الإسراء : 1-7]، هذا الوعد مقترن بالإيمان بالله و إتباع كتاب الله و سنة نبيه المصطفى، و هذا هو مفتاح النصر و التأييد، إلى جانب الأخد بأسباب القوة و الخروج من دائرة الغثائية و الضعف مصداقا لقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال : 60]، و لعل الدور الذي لعبته إسرائيل في إفشال و إفساد الثورات العربية بعد 2011 أمر واضح و جلي، فهي حليف للديكتاتوريات العربية و للثورات المضادة، فتحرر الشعوب العربية و إسترداد إرادتها، يؤدي بالتبعية إلى إفشال الحلم الصهيوني و إحياء الحلم العربي…..
و في الختام أعلن تضامني مع الزميل و الأستاذ عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة رأي اليوم اللندنية ، نتيجة للحملة الاسرائيلية الشرسة ضده، و التي تطالب السلطات البريطانية بمحاكمته بتهمة تشجيع الإرهاب لدعمه المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي والاشادة بمنفذي العمليات الأخيرة ووصفهم بالشهداء..
و تحية تقدير و إجلال لأحرار الشعب الفلسطيني و الذين بتضحياتهم و رباطهم يحمون شرف الأمة و مقدساتها، و تحية لكل من دعم هذا الرباط و لو بالدعاء و ذلك أضعف الإيمان، رحم الله شهداء فلسطين و العار و الغزي للمطبعين و المتصهينين العرب …و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..