فلسطين والقدس: القوة فوق الحق
May 19, 2018
علي محسن حميد
فيما مضى من أيامهم المضيئة القليلة اتفق العرب في عدة قمم على أن علاقاتهم مع كل الدول ستحددها مواقفها من فلسطين وفي أول قمة عربية في انشاص عام 1946 بمصركان القرار الخامس للقمة هو “اعتبار أي سياسة عدوانية موجهة ضد فلسطين تأخذ بها حكومتا امريكا وبريطانيا سياسة عدوانية تجاه كافة الدول العربية”.واشنطن كانت عدوامرشحا قبل 72 عاما قبل أن تصبح اليوم عدوا فعليا لدعمها الكيان المحتل بدون قيود. أمس الإثنين الأسود الرابع عشر من مايو2018 ،الذكرى السبعين للنكبتين الفلسطينية والعربية ألغت واشنطن فعليا كل قرارات القمم العربية بمافيها المبادرة العربية والقرارات الدولية المتصلة بفلسطين.الاحتفال بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة غير المسبوق دبلوماسيا حضرته نخبة بيضاء تذكر بالاستيطان قديمه وحديثه وفيه سُمعت كلمة اورشليم فقط وكأن العالم يتحدث العبرية وغابت كلمة فلسطين والقدس وحتى جيروزالم .وفي كلمته الغى جارد كوشنردور الأردن كوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة .والكلمةالامريكية قرار.كوشنر الذي تجاهل الطرف الثاني في معادلة الصراع لم ينس أن يذكرنا بالنفاق الامريكي عن حقوق الإنسان وحرية التعبيروالسلام .إسرائيل لم تقصر وجسدت احترامها لحرية التعبيربحضور كوشنروالسيدة ايفانكا ترامب ووزير المالية الامريكي ووكيل وزارة الخارجية وعدسات التفزيون بقتلها 55 فلسطينيا في غزة مرشحين للزيادة وجرح 2700مقاوم.نتنايهو ومن موقع القوة افترى على السلام كعادته وبلغة الواثق أوهم نفسه بأنه يكتب الفصل الأخير في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وكان يوم أمس عرسا أيضا للمستوطن فريدمان سفير امريكا في امريكا الأخرى. سبق قرار ترامب بنقل السفارة الامريكية إلى القدس تماهٍ تام مع الزعم الصهيوني بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة أراض متنازع عليها. وبعد القرار طلبت إسرائيل وليس امريكا من فريق كرة السلة الوطني الامريكي حذف عبارةالأراضي الفلسطينية المحتلة من موقعه وتم لها ما أرادت.فلسطين اليوم في مفترق طرق لأنها بعد نقل السفارة المناقض للقانون وللإجماع الدوليين لم تعد من وجهة نظر امريكا أرضا محتلة.موقف مريكا لم يأت من فراغ فقد كانت في سالف الزمان تحسب إلى حدما للعرب حساب ولكن بعد متابعتها لمصير مئات القرارات العربية التي لاتطبق استهانت بالشعوب االعربية وبمؤسساتها وبحكامها.لقد عشنا وهم أن اتفاق اوسلو1993 كان خطوة أولية في الاتجاه الصحيح لاستعادة الحق وقيام دولة فلسطينية عام 1998 ولتفكيك الايديولوجية الصهيونية التي تريد كل فلسطين ولكن من3يتفكك اليوم هم العرب ومن لم يتفكك منهم اليوم سينال نصيبه غدا.المشروع مستمر.ولزيادة الطين بِلّة لايستبعد أن يكون موقف امريكا من الجولان المحتل ومزارع شبعا نفس موقفها من القدس.كانت القوة هي الرهان الناجح للحركة الصهيونية ثم إسرائيل ليس فقط بمعيار القوة العسكرية بل بقوة التعليم والعلوم والبحث العلمي والتقدم الاقتصادي والتماسك المجتمعي.حاييم وايزمان شارك في عام 1925 في تأسيس الجامعة العبرية بالقدس وأسس في عام 1934 معهد العلوم الذي تبلغ ميزانيته اليوم ملياري دولاروهي أكبر من ميزانيات البحث العلمي في الدول العربية مجتمعة. وفي عام 1954 كانت إسرائيل أول دولة تنشئ وكالة للطاقة النووية في المنطقة.لاغرابة إذا أن إسرائيل منذ أول يوم انتمت إلى العالم المتقدم وليس إلى العالم الثالث .أدرك مؤسس الحركة الصهيونية تيودر هرتزل أنه بدون القوة لن تقوم لمشروعه الاستعماري قائمة وهو القائل بأن القوة تصنع الحق وأن اليهود يوصفون بالغرباء نتيجة ضعفهم وأن القوة هي التي تقررمن هو الأجنبي واليوم ولفترة غير محددة ستبقى للقوة أسبقية على الحق لأنها تنشئ الحق. بحث هرتزل عن وسيلة للحصول على القوة ورأها في 1- بتأطير جهود اليهود في حركة صهيونية استعمارية و2- بالمال، وتطلع إلى دعم أغنياء اليهود لمنح الحركة مليون جنيه ذهبا يعطيها للسلطان العثماني عبد الحميد الذي كان يواجه أزمة مالية خانقة مقابل منحها موطئ قدم في فلسطين.أغنياء اليهود لم يخذلوه فقط بل سخر بعضهم من مشروعه وشكك في نجاحه وفي سلامة عقل صاحبه ونصحوه بالتوقف.هؤلاء مثل كثيرين من البشر يستهينون بمن لايملك أوراق القوة ولايوأزرون إلا العمل الناجح، وهذا ماحصل في علاقة الحركة الصهيونية بيهود العالم ومع كيانها الاشكنازي العنصري بعد قيامه. ولعبت القوة دورا لصالح إسرائيل خارج فلسطين ففي عام 1967 وجدت امريكا في انتصارها ذراعا ترهب به المنطقة وتبطش بها نيابة عنها.وعندما تضرب إسرائيل سوريا اليوم فهي تنوب عن امريكا ولهذا السبب لاتعترض دول العرب ولا بيتهم وبعضهم يبرر. نكبتنا في فلسطين حدثت لاختلال موازين القوى وعدم تطبيق إحدى قرارت قمة إنشاص ( العمل على إنهاض الشعوب العربية وترقية مستواها الثقافي والمادي لتمكينها من مواجهة أي اعتداء صهيوني داهم) .لو طبق القرار وامتلكنا عناصر القوة في التعليم والتصنيع والبحث العلمي والديمقراطية ووحدة الهدف لما ضاعت فلسطين ولما هُنّا. والحقيقة هي أن إسرائيل لم تعد تمثل تحديا لنا بعد حرب عام 1973 والطفرة النفطية وماتلاهما من تطورات نعرفها جميعا ثم أليس من مقومات القوة ديمقراطية أي نظام سياسي وألا يشعر العرب بالحرج عندما تتبجح إسرائيل لعقود بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.المحزن أننا نزداد إيغالا في التخلف السياسي والاجتماعي ويغتالنا وهم بأننا متطورون لأننا نستهلك مايستهلكه مواطني الدول المتقدمة وفوق هذا الوهم يسود استعلاء على فقراء العرب وضعف متصاعد في دعم فلسطين في أشد مراحلها صعوبة. إن جيلا تربى على أيدي مربيات وتتلمذ في مدارس غير وطنية لايمكن إئتمانه حتى على قضيته الوطنية.
امريكا بيت الداء :
كلما مر الوقت زاد انحيازها وتطابقت سياساتها مع سياسات ومصالح إسرائيل.كانت امريكا من الدول التي أيدت وضعا خاصا للقدس في قرار التقسيم 181لأهمية القدس لكل الأديان ويومها لم تكن إسرائيل تزعم بأن وجودها في القدس عمره 3000 سنة وأن القدس عاصمتها الأبدية( كانت الخليل هي أول عاصمة يهودية وضمت بغداد العربية لمئات السنين أغلبية اليهود أما ترامب لقد خذل نتنياهو وقال أمس بأنها عاصمة لليهود منذ 2000سنة ) .بعد قرار ترامب وتخصيص إسرائيل ملياري شيكل في الذكرى السبعين لمزيد من تهويد القدس الشرقية فإن من لم يكن يهوديا فيها يعد محتلا وهذا هوالمقصود بيهودية الكيان الذي تؤيده امريكا .إن عمرالتقويم اليهودي 5778 عاما فأين كان اليهود خلال 2778عاما؟ لقد طرد الصليبيون اليهود من القدس كما طردهم الرومان ولم يتواجدوا فيها طوال الاحتلال الصليبي وكانوا فيها أقلية بعده وفي معظم فترة الانتداب البريطاني – 1921-1948- وياليت يقرأ ترامب والامريكيين وغيرهم التاريخ الحقيقي للقدس ولفلسطين بما فيه ماكتبه حاييم وايزمان وهرتزل عند زيارتهما للقدس في فترتين متباعدتين .لقد أخطأ ترامب اليوم بقوله أن إسرائيل أعلنت أن القدس عاصمتها عام 1948 والصحيح أنها لم تفعل ذلك إلا عام 1950 وهكذا يدفع الفلسطينيون ثمن الجهل الغربي بتاريخ فلسطين ليس من قبل ترامب وحده بل من قبل جيل تربى على قراءة تاريخ مسيس كتبه مؤرخوا الصهيونية العالمية وقُبل على علاته لأسباب عديدة من بينها العداء الديني وورفض حركة التحرر العربي وعنصرية لم تخف إلامؤخرا.ماذا بعد وعد بلفور الترامبي الثالث* وبعد ما حدث في القدس وغزة في 14 مايو 2018؟ لننتظر لأن ليس كل ماتريده امريكا وإسرائيل يصبح واقعا لايقاوم.
سفير سابق للجامعة العربية في الهند وبريطانيا
________________________________________________
*كان الوعد الثاني امريكيا وقد وصفه جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الامريكية خلال عدوان 1967 بهذا الوصف عندما أبلغ إسحق رابين الملحق العسكري الإسرائيلي في واشنطن أن قرار مجلس الأمن رقم 224 صيغ بطريقة لاتجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العرية المحتلة.