الإرهاب الصهيوني وآثاره العالمية.. طوفان الأقصى نموذجا (1)
إن الدول التي تتأسس على الإرهاب في بنيتها وتجلياتها لابد وأن تمارسه على الآخر المتمثل بالمواطن المعارض أو ما تسميه العدو -أيا كان- بكافة الأشكال، وبالتالي فإن البنى السياسية القائمة على هذا النمط داخلة تلقائيا بمضامين الإرهاب بلا حدود، علما بأن هناك فرق واضح بين الصراع الطبيعي للدول المتضمن للإرهاب وبين ممارسة الإرهاب ذاته والتأسيس عليه بشكل منهجي وبيّن، ولعل قيام الكيان الصهيوني كان من ذلك النمط المؤسس على الإرهاب المنطلق من فكرة الصهيونية الاستعمارية، وهذا الإرهاب خرج عن دائرة الانتماء اليهودي الضيق ليشمل اطيافا أخرى، ولعل تيار المسيحية الصهيونية الذي كان رائد مشروع التهجير اليهودي و تهيئة خروج المسيح الثاني، كان أوضح تيار مسيحي يتبنى فكرة الإرهاب الصهيوني على مستوى التأثير السياسي ودعمه.
إضافة لذلك، فإن اتباع هذا التيار مؤمنون مسبقا بضرورة إنشاء الدولة اليهودية حتى قبل أن يؤمن بها اليهود أنفسهم لغايات استعمارية بحتة، إذ إن " ملاذات العالم المسيحي يجب صيانتها بتحديد مكانة إقليمية إضافية لها مما هو معروف في قانون الأمم".
علما بأن هذا التيار له عدة مشارب، استقى منها فلسفته في البعث الثاني، وقد اختلف منظروه ما بين ضرورة تحول اليهود إلى مسيحيين قبل بناء دولة لهم وبين أن يبقوا يهودا حتى بناء تلك الدولة ومن ثم تحولهم للمسيحية، ويبدو أن أنصار فكرة بقاء اليهود على ما هم عليه نجحوا عمليا في عملية الاستقطاب السياسي لفكرتهم، وبالتالي التوطين العالمي لكافة اليهود في أرض تربطهم بها قدسية دينية فائقة. وقد عبر هرتزل في كتابه الدولة اليهودية ضمن حديثه عن الاختيار بين فلسطين والأرجنتين قائلا "إن اسم فلسطين في حد ذاته سيجتذب شعبنا بقوة ذات فعالية رائعة" وهذا ما تقرر في نهاية الموقف واختيار أرض فلسطين كبؤرة استيطانية مناسبة.
ولولا هذا الدعم المستمر الذي تتخفى خلفه أهداف سياسية وعقائد دينية ومصالح اقتصادية ومالية بحتة، لما كان للكيان وجود أصلا، وما كان له أن يستمر إن وجد
كان هذا التأسيس على الإرهاب يتمثل بالميليشيات المدعومة تارة من السلطة الدينية المؤمنة بالصهيونية، وتارة يدعمها الاحتلال البريطاني آنذاك، ولاحقا الولايات المتحدة الأميركية التي كانت الداعم الأول والرئيسي -إضافة لدول أوروبا العظمى-لاستمرار الإرهاب الصهيوني، ولولا هذا الدعم المستمر الذي تتخفى خلفه أهداف سياسية وعقائد دينية ومصالح اقتصادية ومالية بحتة، لما كان للكيان وجود أصلا، وما كان له أن يستمر إن وجد.
وإذا عرفنا من جهة أخرى أن يهود إسرائيل غير منسجمين لا في السلوك ولا في العقيدة -على نحو ما- لوجدنا أن التركيبة السكانية الآن في الكيان يستحيل بوجودها أن توجد دولة تحكمها سلطات قانونية قائمة منظمة. وبالتالي يمكن أن نقول بشيء من الدقة أن الكيان المحتل ليس بدولة وإنما هو مجموعات مختلفة تماما -من حيث العقيدة بالدرجة الأساس- تحكمها سلطات دينية أو علمانية غير مسيطر عليها بواسطة القانون أو مؤسسات النظام.
إن هذه المجموعات المتنوعة تختلف في رؤيتها للدين وعلاقته بالدولة ومسألة المشاركة والانخراط في النشاط المجتمعي والانتخابات والقيم اليهودية وفي ورقة بحثية عنوانها "التصدع الديني العلماني من خلال الحالة الإسرائيلية"، يوضح أستاذ قسم العلوم السياسية عبد القادر عبد العالي ما وصل إليه المجتمع الإسرائيلي من تصدع بين المتدينين والعلمانيين من جهة وبين المتدينين أنفسهم، وأن الخلاف والتصدع هذا "يدور حول المدى الذي تقف عنده الدولة في دعمها ومساعدتها للمؤسسات الدينية اليهودي".
ليشهد العالم أن الإرهاب هذا قد وصل إلى أروقة التعليم الجامعي والمدرسي و المجال الإعلامي والفني والثقافي، وبالتالي فإن المسألة تخرج عن أي إطار يتمحور حول الحقيقة أو الحق أو مصطلحات الاستهلاك الإعلامي
ولو انتقلنا من مسألة تاريخية وأصول الإرهاب الصهيوني وانقسامات الكيان الإثنية إلى الواقع الذي تجلى فيه هذا الإرهاب بعد السابع من أكتوبر لقلنا إن الأمثلة متعددة، وهائلة هائلة تتراوح بين التهديد بالتصفية والفصل الوظيفي. ولقد بانت في الآونة الأخيرة هذه الظاهرة التي كانت ربما مخفية على البعض لتظهر جلية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
ليشهد العالم أن الإرهاب هذا قد وصل إلى أروقة التعليم الجامعي والمدرسي و المجال الإعلامي والفني والثقافي، وبالتالي فإن المسألة تخرج عن أي إطار يتمحور حول الحقيقة أو الحق أو مصطلحات الاستهلاك الإعلامي، فلقد بانت الصهيونية واتضحت تماما، وليس أمامنا إلا التسلح بالمعرفة لنعرف أن المشكلة بنيوية سياسية، على أساسها بنيت دول وشرعت قوانين خصوصا قانون معاداة السامية في فرنسا، والذي تبناه البرلمان الفرنسي في 4 ديسمبر2019، وقد ساوى هذا القانون بين "معاداة الصهيونية ومعاداة السامية إلى حد كبير، حيث تم التصويت عليه بأغلبية ضعيفة بعد جدل كبير وتخوفات من أن يستخدم لتكميم الأفواه، ولكن هذا القانون كغيره تم تمريره.
وفي أكتوبر ٢٠٢٣ وقبيل معركة طوفان الأقصى، توجه مجموعة مشرعين فرنسيين للمضي بصيغة قانون جديد يجرم عدم الاعتراف بإسرائيل أو إثارة الكراهية حولها.