لامعنى للدين بلا اخلاق..!!
حسين الرواشدة
لا ادري اذا كان استحضار مفهوم الاخلاق ضروريا في مواسم الاختلافات والصراعات مثلا، ام ان السياسة - كما يروج في عصرنا - منزوعة من الاخلاق اصلا؟
لم تستوقفني - بالطبع - بعض المظاهر والتجاوزات التي يجري تداولها بكثير من الاستهجان على صعيد ما حدث داخل الحركة الاسلامية مؤخرا..بقدر ما الح عليّ سؤال الاخلاق: هذا الغائب والمطلوب الذي يعتبر جوهر رسالة الاديان كلها..
يربط البعض - وهم على حق - بين الاخلاق والدين، فلا اخلاق بدون دين، ولا دين بلا اخلاق،وحتى الذين دعوا الى علمنة الاخلاق او خصخصتها: اي فصلها عن القانون، ادركوا ما وقعوا فيه من التباسات، فالمواطنة مثلا كانت علمنة لمفهوم الاخوة الاسلامي، والتكافل كان ايضا علمنة لمفهوم الاحسان في الدين، ومع ان غير المتدينين يمكن ان يكون لديهم اخلاق، كما ان بعض المتدينين يمكن ان لا تتحقق فيهم شروط الاخلاق الا ان ثمة فرقا كبيرا بين مفهومي الاخلاق لدى الطرفين (كما يقول د. طه عبدالرحمن): احدهما يعتبر ان العقلانية هي التي تحدد انسانية الانسان وبالتالي فالاخلاق جزء من العقل وتابع له ايضا، والآخر يرى عكس ذلك تماما، احدهما يؤمن بنسبية الاخلاق وامكانية تغيرها والآخر يؤمن بثباتها كقيمة وبواقعيتها التي تراعي الطبيعة البشرية، احدهما يراها مجرد نظر والاخر يربط بينها وبين النظر والعمل، احدهما يراها صفات كمالية والآخر يراها صفات ضرورية وتشمل جميع اعمال الانسان.. وهكذا.
اذا، تتميز الاخلاق في الاسلام بأنها معللة ومفهومه، ومتوازنة وواقعية، وتجمع بين مشروعية الوسائل ومشروعية الغايات، ويرتبط فيها النظر بالعمل، وتخضع لرقابة الضمير لا الخفير والقانون، وهدفها الاساسي رضى الله تعالى واسعاد الذات والمجتمع والعالم، ولذلك جاءت كل العبادات الكبرى لتحقق اهدافا اخلاقية، خذ مثلا الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة التي تنزع حق الفقير من الغني، والحج الذي لا رفث فيه ولا فسوق.. الخ.
من اللافت انه من بين (6236) آية، هي عدد آيات القرآن الكريم، لا يوجد سوى (634) آية، حسب ابن عربي، او 500 آية حسب الغزالي تتحدث عن الاحكام التي تشرع للعبادات والمعاملات بينما تتعلق الآيات الآخرى كلها بموضوع الاخلاق، وقد يبدو مفهوما تبعا لذلك ما ذكرته عائشة رضي الله عنها عن الرسول عليه السلام انه “كان خلقه القرآن” بمعنى ان القرآن كتاب اخلاق اولا، وان سيرته عليه السلام ترجمة امينة له، كما يبدو مفهوما ان الرسول جاء ليتمم مكارم الاخلاق، بمعنى ان هنالك تراكما دينيا اخلاقيا توّجه الاسلام بمنظومات اخلاقية اعمق واكثر انسانية، في موازاة التراكم المعرفي الذي ورثه الاسلام واضاف اليه.
وسط هذا التراث الكبير، والمفقود للاسف، نبحث اليوم عن اخلاقيات الدعوة و السياسة،ونتساءل مع الجابري مثلا: اين هو العقل الاخلاقي العربي، وهل صحيح ان لدينا عوالم للاخلاق لا مجرد عالم واحد؟ ومنظومات ومستويات لا منظومة او مستوى واحد؟ وان ثمة اخلاقا للقبيلة واخرى للغنيمة وثالثة للعقيدة ورابعة للعامة..والخاصة، والمرشح، والداعية.. الخ.
يقول عليه الصلاة والسلام: الا اخبركم بأحبكم الي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ فسكت القوم، فأعادها مرة او ثلاثة. قال القوم: نعم، يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: أحسنكم خلقا، ويقول: ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق .
ويرى بعض العلماء ان من اركان الخلق: الصبر والعفة، والشجاعة والعدل، وانها تكفي لولادة ما سوى ذلك من الاخلاق، ويرى ابن تيمية ان الاخلاق مرتبطة بالايمان ويقول ابن القيم، ان للاخلاق حدودا متى تجاوزتها صارت عدوانا ومتى قصرت عنها صارت نقصا ويضرب الشجاعة مثلا على ذلك، ويرى الجاحظ ان الخلق هو حال النفس بها يفعل الانسان افعاله ويوافقه ابن مسكاوية حين يقول: الاخلاق حال للنفس تدعوها لافعالها من غير فكر ولا روية فيما يرى آخرون ان الاخلاق في معظمها مكتسبة وان كان بعضها من السجية والفطرة، ورحم الله من قال: اعلم ان الدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.