ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: إرث عز الدين القسام! الثلاثاء 20 فبراير 2024, 7:50 am | |
| إرث عز الدين القسام!أراني أجيل النظر في طول البلاد وعرضها باحثا عن بقايا آثاره فينا، أتطلع بشغف لأرى همما تستلهم سيرته ومسيرته، وأترقب يوما أتحسس فيه دبيب كلماته يسري في النفوس، فينعش فيها روحا تحيا بها الأمة من جديد.وإنما يؤجج ذاك الحنين في داخلي جراح تنزف في غزة، باتت مشاعرنا لا تنتفض لنجدتها، وتتوارد على الذهن خواطر تقارن ما نحن فيه اليوم بما كان من سلف لنا بالأمس، فأستشعر الأسى وأتجرع الألم، وأتمسك ببعض الأمل أن نستعيد شيئا من إرثه الطيب الذي افتقدناه، وإنه في الليلة الظلماء يفتقد البدر. - اقتباس :
كانت مدينة جبلة على الساحل السوري مسقط رأس عز الدين القسام، وكأنما أسماه أبوه كذلك ليكون للدين عزا، وقد كان! والدين يُعز بأن يتحول إلى واقع مُعاش في الدنيا، يصير علما وعملا هو ذاك الذي لم يمنعه من نجدة فلسطين أنه لم يولد على أرضها، ولم يحل دون سماعه نداء ليبيا أنها في غرب وهو في شرق؛ فرؤياه لا تحدها حدود واهية، ووعيه أسمى من أن يخضع لترهات سايكس وبيكو، ويقينه أن المسؤولية التي يحملها لرد العدوان عن بلاد العرب والمسلمين لا تقتصر على قُطرٍ دون آخر؛ وبهذا الفهم وما ترتب عليه من سلوك صار عدًا مشتركا لدول أوربا المستعمرة، فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، وصار بذلك مطلوبا على قائمة الإعدام من هذه الدولة ومن تلك.كانت مدينة جبلة على الساحل السوري مسقط رأس عز الدين القسام، وكأنما أسماه أبوه كذلك ليكون للدين عزا، وقد كان! والدين يُعز بأن يتحول إلى واقع مُعاش في الدنيا، يصير علما وعملا، وقد اقترن العلم مع التطبيق عند القسام على مدار حياته. ذلك ما نراه فيه وقد عاد إلى جبلة بعد حقبة أمضاها في الأزهر ينهل من علوم الشريعة، ليجد الظلم الواقع على الفلاحين من الإقطاع، فيبث روح الانتفاضة على هذا الظلم، ويدعو لإحياء المساواة بين الناس؛ ثم نرى العلم قرين العمل عند القسام إذ نراه مع دعوته إلى الجهاد يتصدر أفواج المجاهدين، ويقترن عمل القسام بعلمه، في تجلٍ واضح يكون في تجسيده حقيقة الفهم لمعنى الأخوة الإسلامية ومقتضياتها، فهو لم يكتف بحمل لواء الجهاد ضد الفرنسيين دفاعا عن سوريا، موطنه الأصلي، بل إن استجابته لنداء الأخوة في الدين امتد إلى بقاع أخرى.بعد محاصرة أسطول إيطاليا لمدينة طرابلس الليبية سنة 1911م، وصل الخبر إلى مسامع أهل بلاد الشام، فحرك موجة غضب عارمة، كان للقسام فيها حضوره المؤثر، إذ حرك جمهور الساحل السوري بغيرته وحماسته وقدرته الخطابية، واستثار دم الأخوة، وفجر العواطف الكامنة، وقد خرج إلى الشوارع يقود الجماهير في جبلة واللاذقية ومدن الساحل وقراه؛ ومع تمكن الجند الإيطالي من احتلال ليبيا انتقل القسام من قيادة التظاهرات الشعبية إلى قيادة حملات تجنيد الشباب باسم الجهاد، للدفاع عن شرف المسلمين ومنع نزول المذلة بهم.وتمكن عز الدين القسام من تجنيد مئات الشباب من الساحل السوري، وقادهم بنفسه، وتعهدهم بالتدريب العسكري والفكري، وقام أيضا بحملة لجمع الأموال والمؤن الكافية للنفقة على المتطوعين وأسرهم ولمساعدة المجاهدين في ليبيا؛ كما اتصل القسام بالحكومة التركية العثمانية، وحصل على موافقة الباب العالي في إسطنبول لنقل المتطوعين إلى الإسكندرونة، ونقلهم بعد ذلك بالباخرة إلى ليبيا، ولئن اختلفت الروايات بشأن ما جرى لاحقا، فإن الثابت هو صدق الاستجابة في بذل المستطاع للتعامل مع الحدث. - اقتباس :
على يدي القسام تتشكل العصبة القسامية الجهادية، ويأخذ في العمل على تعزيز روح الجهاد في نفوس الشعب، ويبني القاعدة التي سيتعاون معها في رفع مستوى تنظيمه، الذي انبثقت عنه خلايا تعددت مهامها من الدعوة إلى التحريض على الجهاد ويتبع ذلك سنوات من حياته، شهدت محطات نضالية تنقل فيها في مناطق الساحل السوري، لتقوده مسيرته بعد ذلك إلى فلسطين، التي شكلت ساحة جهاده الأبرز، ويستقر به المقام في حيفا، التي لقي فيها من أهلها القبول والترحيب، وفيها أطلق نشاطاته المتشعبة، ليكون معلما وداعية، وناشرا للوعي ومستنفرا للطاقات لمواجهة الاحتلال البريطاني والنشاط اليهودي الذي كان يتهيأ لينشئ له دولة على أرض فلسطين.وعلى يدي القسام تتشكل العصبة القسامية الجهادية، ويأخذ في العمل على تعزيز روح الجهاد في نفوس الشعب، ويبني القاعدة التي سيتعاون معها في رفع مستوى تنظيمه، الذي انبثقت عنه خلايا تعددت مهامها من الدعوة إلى التحريض على الجهاد، والتعليم والإصلاح والوعي السياسي، والتكوين العسكري والاستخبارات. ويتحتم على كتائب العصبة أن تخوض جهادها على أكثر من جبهة، فقد واجه الاحتلال الإنكليزي من جهة، ونشاط الهجرة اليهودية من جهة أخرى، ومعهما كان عليه أن يتعقب العملاء الفلسطينيين الذين يتجسسون لصالح الإنكليز.وبعد سنوات من الإعداد الدؤوب، والعمل في السر لتهيئة قاعدة العمل الجهادي، كان لا بد من الانتقال إلى مرحلة الجهاد العلني، وجاء الإعلان من على منبر جامع الاستقلال، الذي كان يتولى الخطابة فيه، ففي آخر خطبة له فسر للمصلين الآية الكريمة: ﴿أَلَا تقاتلون قومًا نكثوا أَيمانهم وهمُّوا بإخراج الرَّسول وهم بدؤوكم أَوَّل مرَّةٍ أتخشونهم فاللَّه أحقُّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين﴾ [التوبة:13]. يقول يوسف الشايب الذي استمع إلى الخطاب: إن آخر كلمات قالها القسام في خطبته: "أيها الناس، لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون". وبعد ساعة من إلقاء الخطبة، أخذت السلطة تفتش عنه للقبض عليه ومحاكمته، ولكنه كان قد ودع أهله وإخوانه، وحمل بندقيته، وذهب وصحبه إلى الجبال.وكأن قوله: "ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد" كان إلهاما ربانيا بأنه في موقف يشبه موقف النبي صل الله عليه وسلم في خطبة الوداع؛ فقد كانت تلك للقسام خطبة الوداع. كانت خطبة الوداع في تلخيصها للرسالة، وفي التأكيد على الثوابت، وكانت خطبة الوداع في استشعار صاحبها قرب الأجل. فبعد أقل من شهر كانت المعركة التي ارتقى القسام فيها شهيدا، في ختام مسيرة حياة خط فيها للمجاهدين الدرب فساروا عليه، وترك لنا رسالة مفادها أن فلسطين ككل أرض إسلامية، وأمانة في أعناق المسلمين، كل المسلمين. |
|