لقاء موسكو وحيرة الفصائل؟
في هذه الأيام التي يخوض فيها الفلسطينيون عامة، وبالأخص في قطاع "غزة الإباء" كفاحهم الشعبي بالثبات والصمود ضد عدوان الاحتلال الإسرائيلي الفاشي، وبما يعكسه هذا العدوان على الواقع من قتل ممنهج وتطهير عرقي وإبادة جماعية تشمل أيضًا التعذيب والأسر والتجويع، من المفترض أن هذا العدوان الكارثي الذي لم يسبق له مثيل قد وصل الحلقوم، وأرسل رسالة لكل المتعنتين أو المتراخين في الفصائل الفلسطينية، أوالمتمحورين حول أقطاب خارجية أنهم بوارد الاتفاق وضرورة الاندراج باللحظة ففلسطين أولًا وهي ما يجمعنا، وإلا فكلهم زائلون.
قرأنا وسمعنا أصواتًا عديدة نادت –وكنا منها- منذ البداية للقاء الوطني الجامع الذي بدونه لا سلامة للخطوات الفلسطينية ولا تحقيق للغاية بدونها.
إذ سيعجز أي فلسطيني اليوم خاصة من طرف السلطة الوطنية الفلسطينية، أو حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح وغيرها من الفصائل عن استبعاد فصيل "حماس" عن المربع الوطني خاصة بعد صدور وثيقتها التوضيحية يوم 21/1/2024م التي نزعت الذرائع الإسرائيلية باتهامها بالإرهاب، حين نأت فيها عن قتل المدنيين، فرفضت الورقة ما حصل "للمدنيين" الإسرائيليين في 7/10/2023م، وهو كما قالت كان نتيجة "الفوضى" أو "الخلل". والى ما سبق أوضحت نفسها كفصيل مقاوم يؤمن بكل أشكال المقاومة والنضال بما فيها الدبلوماسي والسياسي، بل وتقدم نفسها فصيلًا علمانيًا، إذ أنها "تؤمن بالحرية الدينية والتعايش الانساني الحضاري، وترفض الإكراه الديني، وترفض اضطهاد أي انسان أوالانتقاص من حقوقه على أساس قومي أو ديني او طائفي".
والعجز بعدم فهم الصورة الفلسطينية متكاملة يأتي أيضًا من الطرف الآخر أي من "حماس" ومؤيديها ومحرضي فضائيات اللعب على دم الفلسطينيين الذين يصبّون جام غضبهم على المختلفين مع أسلوبهم من الفلسطينيين باعتبار فهمهم أن الرد يجب أن يكون متماثًلا مع المتوقع، بينما الواقع وموازين القوى في واد آخر.
بمعنى أن ما توقعته "حماس" ومؤيديها من السلطة الوطنية الفلسطينية أو من الشعب الفلسطيني بالضفة خاصة، لم يكن بما حاولت أن تدفعه اليه، ضمن فردية القرار وعدم التاهيل للناس والجدار العربي، وضمن اختلاف الأفهام ورؤى الوضع بين المغامرة والمجازفة أوالنضال العنيف، ومقابل اختلاف التحليل وفهم المستجدات وفكرة الحفاظ على ما تبقى من الارض وتثبيت صمود الشعب أو ما تبقى منه في القطاع والضفة، على فرضية أن التهجير لن يأخذ مجراه.
إن لقاء موسكو (هذا اللقاء الرابع هناك حيث كان الثالث عام 2017م) بدلًا من أن يكون مناسبة احتفالية لأخذ الصور وإعلان الفشل المتكرر يجب أن يعي فيه الفصائليون المجتمعون أن الواقع اليوم مختلف كليًا عما سبق، فالمجتمعون اليوم يجب ألا يحتاروا أويتنابذوا أويتلاوموا (فهذا الاخير في سياق المراجعة والنقد مطلوب ولكنه مؤجل) فهم إما ينهضون لصناعة الوحدة الوطنية السياسية، أو يمهدون سريعًا لها، أو يفشلون ويعلنوا العجز.
اليوم لن تقبل مزاودات رفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وهو الرفض الذي سجلته "حماس" في اجتماع موسكو السابق، كما لن يقبل الفلسطينيون ألا يكون ل"حماس" دور أو مقعد في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولو بالبداية عبر لجنة من كل الفصائل لإدارة ملف الأزمة الكارثية الحالية حتى يتسنى حل مشكلة الانخراط الكلي بالمنظمة.
من المعقول أن يتم الاتفاق على اقتراح تشكيل حكومة تكنوقراط، تضم خبراء بعيدا عن الفصائل، استجابة للدعوات التي وجهت لفلسطين من قبل أطراف عربية ودولية، أو لتكن حكومة وطنية يتم بمقتضاها التوافق على الممثلين فيها الذين لا يهم إن كانوا منتمين للفصائل أم لا، فيما هي حكومة ما قبل تحقيق استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني والسياسي ولكنها تحت الاحتلال.
إن عظمة وثبات الشعب العربي لفلسطيني رغم هول المذابح كان يجب أن تهز العالم فينتفض على الامبريالية والهيمنة العالمية الامريكية والصهيونية، وهو ما لم يحصل!؟ رغم تقدم كبير حصل بالرأي العام العالمي ما يحتاج معه لسنوات قد تطول ليأخذ مفاعيله، وتظل غزة تحت النار! والى أن تتعدد الأقطاب بالعالم فالآني يصرخ ويجب تلبية النداء.
في الإطار سقطت افتراضات عربية أو حتى فلسطينية من مثل امكانية تدمير الاحتلال الإسرائيلي في التو واللحظة! أو (بتثوير الأمة عبر حدث آني، رغم أسبقية أحداث أخرى كثيرة...) فيما الحقيقة أن المقاومة والكفاح جولات طويلة، متتابعة، مستمرة بدأت مع القرن العشرين وستتواصل حتى تحرير فلسطين بإذن الله.
لقد تصارع الغرب الاستعماري كله لحماية الوليد بالمال والسلاح والاعلام والدبلوماسية...الخ، ومازال بعد 3 استخدامات لحق النقض (الفيتو) الامريكي وبالطغيان يدعم العدوان بلا توقف ويشاغلنا بأكاذيب واختراعات وتضليلات من مثل اتهامات ب"الإرهاب"-للسلطة وحماس معًا- والاحتلال الصهيوني-الامريكي هو ربّ الإرهاب الحكومي العالمي. ومن مثل اختراع فكرة "السلطة المتجددة" للمشاغلة وحرف الأنظار عن إدامتهم للعدوان، وبالكلام الامريكي الكاذب والسخيف وأحيانًا المعسول عما يسمونه "حل الدولتين" والتي يأنف "نتنياهو" وزمرته عن سماعها.
لسان حال الفلسطينيين في الضفة للمجتمعين في موسكو أو في أي مكان اليوم هو الآية الكريمة (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) وبمعنى أننا نقبلكم وحدة واحدة، ولسان حالهم في قطاع غزة لا يحتلف بل ويستنجد بإخوانه رفع الظلم والمعاناة والعدوان والحصار والتجويع بكل الجهد الممكن الذي لن يتم الا بوحدة الأيدي والعقول، مع احترام مساحات الاختلاف التي ليس منها أن فلسطين بوصلتنا، وهي سبيلنا، وقهر العدوان الصهيوني مهمتنا.