منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75525
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي Empty
مُساهمةموضوع: الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي   الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 18:45

الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي %D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%86%D9%82%D8%B1%D8%A9-1708841566

كانت الاستجابة عالية من الشعوب العربية والإسلامية مع بدء الأحداث الجارية في غزة تنديدًا بحرب الإبادة التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين ولكنها سرعان ما ضعفت أو تكاد تتلاشى



مَثَّل الإنجاز الكبير الذي حققته معركة "طوفان الأقصى"، حالة إلهام غير مسبوقة للأمة العربية والإسلامية بإمكانية هزيمة المشروع الصهيوني وإنهاء الاحتلال.
كان انفعال الشعوب العربية والإسلامية هائلًا؛ فقد تعززت القناعات بخط المقاومة وبالمشروع الإسلامي لفلسطين، وتأكّدت مركزية القدس في قلب الأمة كجامعة موحّدة لشعوبها وتياراتها وأعراقها، وكموجِّهة لبوصلتها نحو عدوها المشترك (العدو الصهيوني) المعادي لنهضتها ووحدتها، وكرافعة لمن يرفع شأنها ويعمل لأجلها، وخافضة فاضحة لمن يُقصِّر في حقها ويتعامل مع عدوها.
وضربت هذه المعركة مشروع التطبيع، وأثبتت أنه لا يمكن تجاوز شعب فلسطين، ولا يمكن تهميش قضية فلسطين، ولا إغلاق ملفها حسب الرؤية الصهيونية.

استحقاقات المعركة والمرحلة

ثمة إجماع على أن ما بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول (يوم انطلاقة المعركة) ليس كما قبلها، وأنه حدث تاريخي مفصلي غير مسبوق. حتى العدو الإسرائيلي نفسه أدرك مغزى المعركة التي حطّمت نظريته الأمنية، وضربت دوره الوظيفي والأساس الذي قام عليه وجوده كـ"ملاذ آمن" لليهود الصهاينة، وكقلعة متقدمة للإمبريالية الغربية وكشرطي للمنطقة.
ولذلك، تحدث قادته عن "حرب الاستقلال الثانية"، وقاموا بحملة هستيرية وحشية دموية على قطاع غزة؛ لاستعادة بعض هيبتهم، واستعادة الثقة بمبرر وجودهم ودورهم الوظيفي في المنطقة.
لقد أدت معركة "طوفان الأقصى" إلى تعطيل المشروع الأميركي الصهيوني في الهيمنة على المنطقة، وسحق وتذويب هُويتها وتراثها ومشروعها الحضاري؛ وأعطت فرصة للقوى النهضوية في المنطقة لتسلُّم زمام المبادرة واستعادة عافية الأمة ودورها.
وعلى هذا الأساس نفهم وجود تحالف عالمي غربي بقيادة الولايات المتحدة يساند الصهاينة في عدوانهم على غزة؛ لا يريد الاكتفاء بإخضاع قطاع غزة، وإنما سيتابع السير حثيثًا بعد ذلك لـ"ترويض" الأمة واقتلاع روح الجهاد من نفوسها، ومحاربة التيارات الإسلامية والوطنية الصادقة، وإفساد مجتمعاتها، وإدخال المنطقة في العصر الإسرائيلي – الأميركي.
ولذلك، أيًا تكن نتيجة الحرب على غزة، فإن الأمة قد وجدت نفسها مدفوعة دفعًا لتحمّل مسؤولياتها، بعد أن فرضت المعركة الاستحقاقات عليها، فلو صمدت غزة وانتصرت، فتلك بشائر النصر والعد العكسي للمشروع الصهيوني (كما قال وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت؛ إنه إذا لم يُفكّك الجيش قدرات حماس بشكل كامل، "فلن نتمكن من العيش في إسرائيل").
وبالتالي يأتي استحقاق مشاركة الأمة في مشروع التحرير؛ وإذا ما سيطر الصهاينة على القطاع، فإن استهداف الأمة وتياراتها الإسلامية والوطنية والنهضوية سيكون محطتها التالية، وبالتالي يأتي استحقاق مواجهة الاستهداف. أي أن دور الأمة الجوهري سيكون استحقاقًا مفروضًا، أحبت قوى الإصلاح والتغيير ذلك أم كرهت.
وهذا يذكرنا بقوله سبحانه: "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن يُحِقّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين" سورة الأنفال: 7.
ولذلك، لم يعد يجدي الانفعال الموسمي العاطفي، إذ إن فرض العين في مواجهة العدو الصهيوني أصبح ضرورة مُلحَّة وواجبًا مستحقًا وأولوية كبرى.

نحو عمل منهجي مستمر

إن أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمة هي كيفية تحقيق حالة التفاعل المنهجي المستمرّ والمتصاعد، بما يتناسب مع عظمة التَّحدي بخطورة المعركة.
فقد اعتدنا منذ عشرات السنوات على التفاعل الآني مع الحدث، وبحسب مدى سخونته وخسائر العدو والمجازر والشهداء والدمار تكون درجة التفاعل، وهو سرعان ما يخبو مع توقف الحدث أو اتخاذه نسقًا مستمرًا معتادًا "رتيبًا". إذ تضعف تدريجيًا المظاهرات والفعاليات وحملات جمع التبرعات وحملات المقاطعة… إلى أن تتوقف.
وربما كان ذلك طبيعة بشرية، خصوصًا مع وجود أنظمة عربية وإسلامية فاسدة ومستبدّة، يهمّها صرف انتباه جماهيرها عن هكذا معارك وانتفاضات وأحداث؛ لأنّها تكشف وتفضح عورات هذه الأنظمة وضعفها وخذلانها وتقصيرها، وتكون عنصر تثوير للشعوب ضدّ أنظمتها العاجزة أو المتواطئة.
وفي المقابل، فإن الكيان الصهيوني وحلفاءه يعملون بشكل منهجي متواصل، وضمن رؤية محددة تلقى دعمًا غربيًا عالميًا لإغلاق الملف الفلسطيني، وإفراغ انتصارات المقاومة ومنجزاتها من محتواها، وتشويه نماذج البطولة والتضحية، وتحميل المقاومة مسؤولية معاناة الشعب وظروف القهر والدمار تحت الاحتلال؛ مع المراهنة على ضعف ذاكرة الشعوب، والمراهنة على "منظومات التّفاهة" السائدة في عالمنا العربي والإسلامي.
لقد تكررت ظاهرة "الموسمية" والتعوُّد في وسط الأمة على مدى عشرات السنوات، فقد حدث ذلك في الانتفاضة المباركة 1987-1993، وفي انتفاضة الأقصى 2000-2005، وتكرر ذلك بعد حروب غزة الأربعة 2008-2009، و2012، و2014، و2021.
وعلى سبيل المثال، فقد كانت حملات مقاطعة البضائع الأميركية هائلة وعظيمة النجاح في انتفاضة الأقصى، لكن سرعان ما عاد الناس إلى عاداتهم الاستهلاكية القديمة. وكذلك، كان التفاعل العربي والإسلامي والعالمي هائلًا مع معركة "سيف القدس" 2021، وكسب الفلسطينيون المعركة الإعلامية بشكل ساحق في أوروبا وأميركا، وتراجعت نسبة التأييد للكيان الإسرائيلي إلى نسبٍ غير مسبوقة.
غير أن الجانب الإسرائيلي عاد بعد المعركة لتسويق نفسه عالميًا ولاستئناف التطبيع، وقام بإجراءات أشد خطورة في القدس والأقصى من تلك الأسباب التي أدّت للمعركة؛ وهو ما كان سببًا رئيسيًا لمعركة "طوفان الأقصى".
وإذا كان ثمة إجماع على أن معركة "طوفان الأقصى" كانت حدثًا مفصليًا غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني، فإن طول أمد المعركة، والخشية من "التعوّد" والرجوع للحياة السابقة المعتادة يبقى أمرًا قوي الاحتمال لقطاعات كبيرة من الناس.
وتكمن خطورة ذلك في تراجع مظاهر الدعم الشعبي والرسمي المالي والتعبوي والإعلامي والسياسي، وتراجع مجرد متابعة أخبار المعركة ومجازر الاحتلال، وتراجع الأجواء الشعبية الضاغطة على الاحتلال؛ في الوقت الذي يتابع عدوانه مع حلفائه بوتيرة عالية مستمرة، وبمنهجية منظمة مُهدَّفة؛ سعيًا للاستفراد بالمقاومة وضربها.
وعلى سبيل المثال، فإن شهداء معركة "سيف القدس" طيلة أيامها كان 260 شهيدًا، بينما زادت وتيرة الاستشهاد اليومي في "طوفان الأقصى" في بعض الفترات عن 700 أو 800 شهيد.
وفي الوقت الذي هدأت فيه معظم الفعاليات المساندة للمعركة في عالمنا العربي والإسلامي، وتراجعت التبرعات المالية وحملات التعبئة، ما زال يستشهد كل يومٍ نحو مائة شهيد في قطاع غزة، وما زال أهل غزة وخصوصًا شمالها، يتعرضون لمجاعة غير مسبوقة، وما زالت منطقة رفح حيث يتكدس نحو مليون و400 ألف فلسطيني معرضين في أي لحظة لمجازر بشعة، وحملة تهجير قسري دموي خارج القطاع.
وثمة إدراك خاطئ لفكرة "القيام بالواجب" أو "الاستطاعة"، إذ ينتشر بين الكثيرين في عالمنا أن مجرد الدعاء أو الخروج في مظاهرة في أحد الأيام أو التبرع بمبلغ محدد في وقت ما، هو الواجب المطلوب وفيه الكفاية، وأنه "عمل اللي عليه"!!.
بينما يرى العلماء أن مفهوم الاستطاعة "وأعدوا لهم ما استطعتم"، ومفهوم بذل الوسع "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"؛ يقتضي في حال فرض العين (المطلوب من كل مسلم في حالة فلسطين) استنفاد الجهد وكافة الإمكانات بشكل مستمر إلى أن يتم النصر والتحرير، وأننا سنحاسب على كل شيء كنا نستطيع عمله ولم نعمله.
إن حالة التراخي والتّعود تذكرنا بتحذير الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي كان يستعيذ بالله من "جلد الفاجر وعجز الثقة".

رفع السقف

في بيئات أمتنا، يصعب ترجمة فكرة "تحمل المسؤولية" تجاه فلسطين، خصوصًا أن المقاومة في فلسطين قطعت شوطًا كبيرًا في مسار "ذات الشوكة" أو المقاومة المسلحة، بينما تركن بيئاتنا العربية والإسلامية إلى "غير ذات الشوكة".
ولم تُكيّف التيارات الإسلامية والقومية والوطنية نفسها على ذلك أيضًا، وأصبح سقف مشاركة معظمها لا يتعدى العمل السياسي الاحتجاجي والعمل الخيري والتعبوي، والتحرك السلمي الناعم، الذي يسهل ضبطه وقمعه من الأنظمة.
بينما يستطيع المشروع الصهيوني أن يجند تحالفات عالمية لنصرته عسكريًا وأمنيًا، كما يستطيع استجلاب المتطوعين الصهاينة وحتى المرتزِقة من كل أماكن العالم.
ولذلك، فإن نداءات المقاومة الفلسطينية لهذه الحركات بالانخراط في معركة التحرير لا تجد أرضية صلبة للاستجابة والانطلاق بشكل فعَّال؛ خصوصًا بعد أن جرى ضرب هذه الحركات وتهميشها ومطاردة ناشطيها خلال الموجة المضادة لـ"الربيع العربي".
ولم يبقَ سوى المشاركة ضمن "قواعد اشتباك" مُحدَّدة لـ"محور المقاومة" المدعوم من إيران، نظرًا لنفوذه القوي أو سيطرته في عدد من الدول كلبنان والعراق واليمن.
وكانت مشاركة كتائب "القسام" وقوات "الفجر" التابعة للجماعة الإسلامية، في لبنان حالة مُعبّرة، ولكن محدودة التأثير، قياسًا بالدور المأمول.
ليس المطلوب بالضرورة أن تتحول الحركات والتيارات إلى العمل المسلح مباشرة، فلكل بلد ظروفه وأولوياته وقدراته وإمكاناته؛ غير أن هذا لا يمنع من محاولة رفع السقف، خصوصًا في البيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين، بما يتناسب مع خطورة المشروع الصهيوني على المنطقة وضرورة مواجهته؛ ولا يمنع من نشر ثقافة الجهاد والتضحية وتجهيز النفس للجهاد، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله – صل الله عليه وسلم – أنه "من مات ولم يغزُ ولم يُحدِّث نفسه بالغَزْو مات على شعبة من النفاق"؛ كما لا يمنع من المشاركة حيثما أمكن للقادرين بالوسائل المتاحة.

من القُطرية إلى الأمة

تظل عقلية الدولة القُطْرية والانكفاء المحلي، وما أحدثته من أثر سلبي تجاه القضايا الكبرى للأمة، إحدى أكبر العوائق في نصرة فلسطين بالشكل الصحيح. ولذلك تضطرب المفاهيم الإسلامية، والمعاني المرتبطة بهُوية الأمة، وفقه الأولويات، وفقه المصلحة، وفقه النوازل؛ عندما تُصبح المحددات القُطرية المحلية متقدمة على القضايا الكبرى.
وتَحدُث ضبابية وفقدان بوصلة في كيفية تنزيل الرؤية الإسلامية (أو حتى الرؤية القومية) على بيئات غارقة في حساباتها وأولوياتها القُطرية.
والخطير في الأمر، أن المنكفئين على حساباتهم المحلية الداخلية، لا يدركون أو لا يريدون أن يدركوا أن المشروع الصهيوني لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، وإنما يستهدفهم جميعًا، وهو ما ثبت طوال 76 عامًا من قيام "إسرائيل"، إذ لا نهضة ولا وحدة ولا قوة للمنطقة ما دام هذا الكيان قائمًا، لأن شرط بقائه مرتبط بضعف ما حوله، وشرط نهضة ما حوله (خصوصًا البيئة الإستراتيجية) مرتبط بإزالته.
ولأن فلسطين لن تحرر من داخلها، بالرغم من الدور الجوهري والمحوري لشعب فلسطين في الداخل في الصمود والمقاومة ومشاغلة العدو، فلا بدّ من الانتقال من القُطرية إلى الأمة في مشروع التحرير؛ ولا بدّ من مشروع نهضوي وحدوي موازٍ ومتكامل مع المقاومة الفلسطينية، يستجمع عناصر القوة ويرتقي إلى مستوى التحدي مع المشروع الصهيوني الغربي.
وإذا كان المشروع الصهيوني يستهدف الأمة، فلا بدّ أن تكون الاستجابة على مستوى الأمة؛ وإذا كان المشروع الصهيوني عالميًا فلا يمكن أن يكون مشروع التحرير قُطريًا، ومن بيئة تعيش تحت الاحتلال. ولذلك، يصبح الانتقال من القُطرية إلى الأمة شرطًا من شروط التحرير.
وأخيرًا؛ فليس السؤال المتعلق بتأثير "طوفان الأقصى" على الأمة مرتبطًا فقط بالزلزال الذي أحدثه في ذلك اليوم، ليتحول إلى ذكرى جميلة وأثرٍ عابر؛ وإنما بثلاثة مستويات أساسيّة؛ أولها مدى عمقه وتأثيرِه في الوجدان، وثانيها مدى اتساع أثره في الأوساط الشعبية والجماهيرية وقطاعاتها المختلفة، وثالثها مدى تحوُّله إلى حالة مستمرة مستدامة في منظومات البناء النفسي والفكري، والممارسات الحياتية، والمنظومات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية… وغيرها.
وهنا لا بدّ من "مأسسة التأثير"، وتحويله إلى ثقافة وتربية ومنهج حياة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75525
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي   الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 18:48

الموقف العربي من العدوان على قطاع غزة.. حضيض جديد

بون شاسع:

خمسون عامًا بين خوض الجيش المصري حربَ أكتوبر 1973 ضدّ الكيان الإسرائيلي- التي غدت إحدى أبرز مفاخر تاريخ مصر الحديث- وبين العجز عن مجرد إدخال المواد الإغاثيّة إلى قطاع غزة الذي ينفّذ فيه الصهاينة مذابح يومية مروّعة بحق النساء والأطفال والمسنين؛ إلا بإذن من الصهاينة أنفسهم. وما بين إعلان الحرب 1973؛ استعادةً للكرامة العربية، وما بين مجرد عدم سحب السفير من تل أبيب- بعد أربعين يومًا من المجازر- بونٌ شاسع.

المقاومة من واجب إلى عبء:

بلا شك، فقد حدثت خلال السنوات الخمسين الماضية تحولات كبيرة في البيئة العربية جعلتها أقل التصاقًا بقضية فلسطين، فقد كانت حرب أكتوبر 1973 آخر الحروب العربية- الإسرائيلية، وقد تلاها دخول مصر في مسار التسوية السلمية (اتفاقية كامب ديفيد 1978)، وواجهت المقاومة الفلسطينية الاجتياحَ الإسرائيلي للبنان 1982، وحدَها تقريبًا. وقد كان للتبنّي العربي لمسار التسوية السلمية تداعياتُه السلبية على سلوكها تجاه المقاومة الفلسطينية، ومنذ موافقة الأنظمة العربية على مبادرة الأمير (الملك) فهد 1982، حسمت هذه الأنظمة مساراتها، وتكرس ذلك منذ اعتمادها المبادرة العربية سنة 2002، غير أنها ربطت ذلك بالتزام "إسرائيل" بحل الدولتين بكافة مقتضياته. ومع ذلك، فقد تجاهلت عدة دول عربية شرط الالتزام الإسرائيلي، وأقامت اتصالات وعلاقات مع الكيان الإسرائيلي تحت الطاولة أو حتى فوق الطاولة. وقد تعمّق هذا المسار، بعد انضمام منظمة التحرير الفلسطينية لمسار التسوية، وتوقيعها اتفاق أوسلو 1993، الذي التزمت فيه بالوسائل السلمية فقط.
وهكذا، حوَّل مسار التسوية العملَ المقاومَ إلى "عبء" بعد أن كان دعمه واجبًا مستحقًا، وبدا دعم الأنظمة للسلطة الفلسطينية في قمعها للمقاومة وتنسيقها مع الاحتلال أمرًا عاديًا؛ باعتبار أن المنظمة هي الجهة الرسمية التي تُمثل الفلسطينيين.

المقاومة من عبء إلى خصم:

منذ صعود الموجة المضادة للربيع العربي سنة 2013، والموقف العربي من قضية فلسطين يزداد تراجعًا وبؤسًا. إذ إنّ عددًا من الأنظمة العربية كانت تسمح في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين بهامش من التفاعل الشعبي وحملات التبرع المالي، وتعطي مجالًا معقولًا لخط المقاومة لتوصيل فكره سياسيًا وإعلاميًا. وكانت وسائل إعلامها أكثر جرأة وانفتاحًا في إدانة الكيان الإسرائيلي وممارساته وإدانة داعميه. أما بعد هذه الموجة، فقد صارت هذه الأنظمة العربية أكثر ميلًا للتضييق على الحريات وقمع الإرادة الشعبية، وأكثر محاربة للمؤسسات الشعبية والمدنية وللشخصيات المعارضة والنشطاء السياسيين.
كما تمَّ استخدام وسائل الإعلام في التركيز على القضايا المحلية القُطرية، والانكفاء على الذات، وإشغال النَّاس بلقمة عيشهم أو بتوافه الأمور، مع تغييب فلسطين ومقاومتها وصمود أبنائها عن وسائل الإعلام إلا في إطار هامشي. وجرى إفساح المجال لـبعض المندفعين لتسويق التطبيع مع الصهاينة، ولمهاجمة المقاومة، بينما كان يتم بشكل منهجي قمعُ واعتقال أصحاب الأصوات الوطنية والقومية والإسلامية الحرة. وهو ما انعكس سلبًا على قدرة الجماهير على التفاعل مع قضية فلسطين وقضايا الأمة. كما أن العديد من الشعوب التي ذاقت مرارة قمع الأنظمة وأنهكتها الصراعات الداخلية، لم تعد قادرة على التعبير عن نفسها والتفاعل بالقدر نفسه مع القضية الفلسطينية؛ بالرغم من أنها لا تزال- في خطها العام وبأغلبيتها الساحقة- تعبّر عن أصالة الأمة وترفض التطبيع، وما زالت القدس والأقصى في قلبها.
ولم يشفع لخط المقاومة فوزه في انتخابات المجلس التشريعي 2006 بأغلبية ساحقة. وانحازت الأنظمة في ضوء الانقسام الفلسطيني وسيطرة حماس على قطاع غزة إلى جانب "الشرعية الفلسطينية".
وفي العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، برزت ثلاثة عوامل ضغطت باتجاه التقهقر العربي والتراجع عن دعم المقاومة؛ أوّلها: النزاعات والصراعات والاضطرابات الداخلية في ظل الموجات المضادة للربيع العربي، والانشغال بالهموم والملفات الداخلية. وثانيها: أن الأنظمة العربية التي تابعت السيطرة، بعيدًا عن إدارة شعوبها، أصبحت أكثر ضعفًا في مواجهة الضغوط، وأكثر احتياجًا للدعم الخارجي الإقليمي والدولي، خصوصًا الأميركي والغربي. وهو ما سهَّل على الأميركان- خصوصًا في عهد ترامب- الضغط باتجاه تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال.
أمّا ثالثها، فهو أنَّ المقاومة الفلسطينية المسلحة تتشكل بنيتها الأساسية من حركتين إسلاميتين، هما: حماس والجهاد الإسلامي. فاجتمع عليهما معارضة الأنظمة لخط المقاومة وعداء هذه الأنظمة أيضًا للتيارات الإسلامية التي تصدَّرت الربيع العربي في بلدانها؛ وهو ما زاد من صعوبة العمل المقاوم، وعدم وجود بيئة إستراتيجية حاضنة في البلاد العربية. وتسبّب ذلك في أن تلجأ المقاومة لبناء علاقة قوية بإيران التي دعمت المقاومة ماليًا وعسكريًا، وهو ما زاد من توتير العلاقات مع عدد من الأنظمة العربية؛ وأصبحت تنظر للمقاومة من خلال علاقتها بإيران، وليس من خلال واجبها تجاه القدس والمقدسات وفلسطين، ومسؤولياتها القومية والإسلامية وأمنها القومي.
ومع اتساع عملية التطبيع التي رافقت إقامة أربع دول عربية في 2020 علاقات مع الكيان الإسرائيلي- وتطور شبكة العلاقات والمصالح السياسية والاقتصادية والسياحية والأمنية والعسكرية والإعلامية، وعقد عشرات اتفاقيات التعاون- تحول الشأن الفلسطيني إلى مسألة هامشية، وجرى غض الطرف عن الكثير من الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وضد الأرض والمقدسات. كما تمّ التغاضي عن تحول القيادة الإسرائيلية إلى مزيد من التطرف الديني والقومي. وبالتالي، فإذا كانت قضية فلسطين نفسها قد تحولت إلى عبء ومشكلة بعد أن كانت واجبًا وشرفًا ومسؤولية، فإن المقاومة المسلحة ضد الكيان، صارت تستعدي الأنظمة وتستفزها، وتظهر كعنصر إفشال وتعطيل لمسار التطبيع، وكعنصر تثوير وتحريض لمواطني هذه البلدان.

صدمة معركة "طوفان الأقصى":

كان وقْعُ المفاجأة كبيرًا على الدول التي اندفعت في تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، فجاءت معركة 7 أكتوبر كطوفان صدم قطار التطبيع السريع فعطّله، وجعل أولئك المنتشين بالعلاقات وانسيابيتها يقعون في حالة من الذهول والارتباك، كما انتابتهم حالة من الغيظ والغضب على المقاومة.
ولذلك، لم تُخفِ الإمارات غضبها من سلوك حماس، فصرّحت وزيرة الدولة للتعاون الدولي ريم الهاشمي في مجلس الأمن في 24/11/2023، – بلغة غير معهودة إطلاقًا في الأدبيات العربية- بأن هجمات حماس في 7 أكتوبر هي هجمات "بربرية وشنيعة"، وطالبت بالإطلاق الفوري لسراح "الرهائن"، ووصفت ما فعلته حماس بأنه "جرائم". لكن عندما تعلّق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي فقد اكتفت بالمطالبة بعدم تطبيق سياسة العقاب الجماعي، ولم تقم بإدانة جرائم ومجازر الاحتلال التي بُثّت صورها ومشاهدها على مرأى من العالم أجمع، وتجاوز عدد شهداء غزة عندما ألقت كلمتها 5100، بينهم نحو 2100 طفل و1120 من النساء، في الوقت الذي تبنت فيه الرواية الإسرائيلية، والتي ثبت أنها مليئة بالأكاذيب والمبالغات.
أمَّا ولي عهد البحرين، فقد دان في "حوار المنامة" في 17/11/2023 عملية "طوفان الأقصى"، ووصفها بأنها "بربرية ومُروّعة" ودان حماس وسلوكها. ولكنه في الوقت نفسه لم يقم بإدانة الجرائم والمجازر الإسرائيلية ولم يصفها بالصفات نفسها؛ بالرغم من أن وحشيتها وبربريتها قد رآها العالم بمئات الأدلة والبراهين.
وقد كشف دينيس روس Dennis Ross- وهو مسؤول أميركي كان له دور أساس في مسار التسوية السلمية- أنه تحدث مع عدد من الزعماء العرب بعد 7 أكتوبر يعرفهم منذ فترة طويلة، وأنهم أخبروه أنه لا بدّ من تدمير حماس في غزة؛ وأنه إذا اعتُبرت حماس منتصرة فإن ذلك سيضفي شرعية على الأيديولوجيا التي تتبناها. كما أن موسى أبو مرزوق القائد البارز في حماس، قال في لقاء مع "الجزيرة مباشر": إنّ الكثير من الأجانب أبلغوه أن أعضاء في السلطة الفلسطينية، وبعض الدول العربية يطالبون الغرب سرًّا بالقضاء على حماس.

قمة عربية إسلامية باردة:

عقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة بشأن العدوان على غزة في اليوم السادس والثلاثين للعدوان (11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023) بعد قدرٍ كبير من التثاقل و"التثاؤب"، وبعد استشهاد نحو عشرة آلاف شهيد معظمهم مدنيون.
البيان الختامي للمؤتمر جاء دون السلوك الكلاسيكي المعتاد، إذ أكد على وقف العدوان والسماح بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ورفع الحصار عنه، ورَفض تهجير الفلسطينيين، واستنكر ازدواجية المعايير الغربية وجعل "إسرائيل" دولة فوق القانون، وأكد التمسك بـ "السلام" كخيار إستراتيجي، وبالمبادرة العربية للسلام لسنة 2002. ودعا لتوفير الدعم المالي لحكومة فلسطين (حكومة سلطة رام الله)، وضرورة حشد شركاء دوليين لإعادة إعمار غزة؛ لكنه لم يحدد أي إسهامات مالية لأي من الدول المشاركة في المؤتمر.
باختصار؛ المؤتمر جاء في إطار رفع العتب، وامتصاص ما يمكن امتصاصه من الغضب الشعبي العربي والإسلامي. فليس ثمة نقاط عملية، بقطع العلاقات أو تعليقها مع الكيان الإسرائيلي، ولا بممارسة ضغوط فعلية أو تهديدات جادة إن لم يُوقف العدوان أو يفتح معبر رفح، وليس ثمة دعم للمقاومة ولا إشادة بأدائها، ولا بصمود الحاضنة الشعبية في القطاع. بل إن هناك إصرارًا على فلسفة العجز، وعلى المسار الفاشل للتسوية، الذي أسقطته "إسرائيل" ورمته وراء ظهرها. وليس في القرارات ما يعطي أي مواقف جادة تجاه تهويد القدس والمسار الخطير الذي دخله تهويد الأقصى.

***

وباعتبار النتيجة، فإن الحضيض الجديد برز في تعامل عدد من الأنظمة العربية مع العدوان الإسرائيلي على القطاع كمن ينتظر على مضض انتهاء جيش الاحتلال من "مهمته" في القضاء على حُكم حماس للقطاع؛ باعتبار ذلك فرصة لإنهاء الوضع "الشاذ والمزعج" حسب تصورهم. وكان ثمة شعور بأن المعركة محسومة لصالح الاحتلال، وبالتالي فلا حاجة لخطوات عملية لدعم صمود المقاومة، ولا حاجة لممارسة ضغوط قوية مؤثرة باستخدام أوزانهم وإمكاناتهم الحقيقية لوقف العدوان، أو لإدخال المساعدات للقطاع.
وفي المقابل كان هناك عدد من البلدان العربية التي حافظت على دعمها المعتاد لفلسطين، وعلى سلوكها المعتاد تجاه المقاومة ودعمها أو تفهّم سلوكها، مثل: قطر، والكويت، والعراق، والجزائر، واليمن، وليبيا وسوريا وتونس وعُمان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الأمة وغزة: من الانفعال الموسمي إلى العمل المنهجي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التدين الموسمي في رمضان..التزام طارئ أم بداية جديدة؟
» بن زايد ودحلان وغزة
» القمة الأفريقية بين إسرائيل وغزة
»  نصر الله: لا فك للارتباط بين جبهتي لبنان وغزة
»  مقترح صفقة وقف الحرب والتهدئة في لبنان وغزة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: مقالات-
انتقل الى: