الأسباب التي أدت إلى الوصول إلى عملية 7 أكتوبر، وتصوّرات وقف إطلاق النار، إضافة إلى الارتدادات التي طالت الضفة الغربية عقب العملية، وردود الفعل الدولية التي أدت إلى إعادة القضية الفلسطينية عالمياً إلى الواجهة.
في الأول من ديسمبر/كانون الأول وبعد انتهاء هدنة السبعة أيام بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وسّع الاحتلال من العملية العسكرية في قطاع غزة إلى المناطق الجنوبية، وذلك بعدما أنذر ساكني الجنوب وبالتحديد مدينة خانيونس بالتوجه إلى مدينة رفح الحدودية التي لاذ إليها الآلاف.
ومع دخول الحرب شهرها الثالث والتطورات الميدانية المتسارعة، بات من المعروف أنه ليس هنالك مكان آمن في القطاع، فالعملية العسكرية الانتقامية التي جاءت على خلفية عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 من أكتوبر/تشرين الأول، تستمر مع استمرار إسرائيل في عدم قبول أي سبُل للتهدئة إلّا "القضاء تماماً على حماس".
وحسب تصريحات مسؤولين إسرائيليين فإن "الحرب في غزة يمكن أن تنتهي بشرط تسليم قادة حماس أنفسهم إلى الجيش الإسرائيلي وإعادة الأسرى". ورغم أن المعطيات الميدانية تؤكد أن الفصائل الفلسطينية تستمر بالقتال البري لصد الجيش وتدمير الآليات العسكرية الإسرائيلية وقتل وإصابة الجنود الإسرائيليين، إلّا أنه حتى الآن مازالت المعركة غير محسومة، بخاصة مع التدهور الكبير للأوضاع الإنسانية لأكثر من 2 مليون شخص في القطاع.
تفاصيل كثيرة جرت خلال 72 يوماً رسمت ملامح جديدة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تردد صداه على المستوى المحلي العربي والعالمي، وأعاد القضية الفلسطينية وبخاصة غزة إلى الواجهة العالمية في مكان يعرف بأنه أكبر سجن مفتوح في العالم.
تسلط TRT عربي في هذا الملف الضوء على الأسباب التي أدت إلى الوصول إلى أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفرص وقف إطلاق النار في قطاع غزة مع شكل السيطرة المستقبلية المتوقعة مع خبراء ومتخصصين في الشأن الفلسطيني، كما تعرض أبرز الارتدادات التي طالت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، إضافة إلى ردود الفعل التي أدت إلى إعادة القضية الفلسطينية عالمياً إلى الواجهة، وما تخللها من نقاشات حول معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.
* غزة.. بين الاحتقان الشعبي ونتائج "الطوفان"
على مدار الـ15 عاماً الأخيرة وحتى الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2023، سجّلت الأمم المتحدة مقتل 6413 فلسطينياً ما بين قطاع غزة والضفة الغربية وإسرائيل، في سياق الصراع القائم والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. هذه الأرقام المسجلة هي فقط منذ عام 2008، إلّا أن جذور الصراع الفلسطيني مع الصهاينة يعود حتى إلى ما قبل عام النكبة الفلسطينية في 1948، وما تلاه من سياسات تطهيرية وقمعية مارستها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
في عام 1987 شكّل صعود المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وفوزها بالانتخابات التشريعية في 2006 وسيطرتها على قطاع غزة عام 2007 تهديداً لأمن إسرائيل، وذلك لعدم اعترافها بوجودها كدولة بالأصل، وتراوحت المواجهات منذ ذلك الحين بين تصعيدات دموية وفترات سلام نسبي.
انتهجت إسرائيل أسلوب الحصار والعقاب الجماعي لسكان القطاع، وقيّدت الصادرات والواردات وحركة المدنيين داخل القطاع وخارجه، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 2.1 مليون نسمة، في استراتيجية نددت بها منظمات حقوق الإنسان لانتهاكها حقوق الإنسان والقانون الدولي.
تصاعد الدخان في غزة مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على حي الشجاعية في قطاع غزة - 9 ديسمبر/كانون الأول (AA) ما الذي أدى إلى "الطوفان"؟
هزّت عملية طوفان الأقصى الشرق الأوسط والعالم لاعتبارات عسكرية وسياسية مرتبطة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ورغم أن الدوافع الفلسطينية وراء العملية لم تكن غير متوقعة، إلّا أنها شكّلت نقلة بالنسبة إلى الفلسطينيين خصوصاً والإقليم عموماً مرتبطة بشكل الصراع والمواجهة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، بخاصة بعد نهاية معركة "سيف القدس" عام 2021 التي أسمتها إسرائيل "حارس الأسوار"، وما تلاها من حالة المراوحة في المكان بين المواجهة الشعبية أو التسخين الميداني بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي الذي كان آخره في مايو/أيار الماضي. كان للحصار الخانق على قطاع غزة دور في قراءة أسباب الوصول إلى العملية، فتحكم إسرائيل الكامل في القطاع رغم عدم سيطرتها المباشرة عليه، وانعكاس الحصار على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للسكان وسلبهم أبسط حقوقهم المعيشية، وارتفاع معدلات الفقر شكّلت عاملاً فارقاً.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي أغلقت إسرائيل معبر بيت حانون لنحو أسبوعين ما أدى إلى حرمان الآلاف من أعمالهم في الضفة الغربية وإسرائيل، إلى أن تدخلت جهود مصرية وقطرية لإعادة فتح المعبر، بعد أيام من التوتر والمظاهرات على حدود غزة. من العوامل الأبرز أيضاً الاعتداءات الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية، والانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى، وكان السبب المُعلن من طرف حماس عند تنفيذ العملية هو "الردّ على اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة". وشهد شهر سبتمبر/أيلول سلسلة من الاحتجاجات الشعبية نظمتها مجموعات شبابية ضدّ ما يجري في المسجد الأقصى خلال فترة الأعياد اليهودية من اقتحامات وإقامة للصلوات التلمودية إلى جانب الاعتداء على النساء الفلسطينيات بالضرب. على صعيد المواجهة الميدانية، جاءت الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الفترة التي تلت العملية العسكرية في مايو/أيار الماضي والتي استهدفت حركة الجهاد الإسلامي (القوة العسكرية الثانية في قطاع غزة بعد حركة حماس) لتعزّز من العوامل الميدانية المفجّرة للأحداث والحرب الحالية، لا سيما مع تصاعد موجة التهديدات الإسرائيلية لقيادات حماس والتي كان آخرها للقيادي البارز ونائب رئيس الحركة صالح العاروري المقيم في لبنان. أبرز فصائل المقاومة الفلسطينية (TRT Arabi) إلى جانب ذلك، حفّزت سياسات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتطرفة وتوسيع المستوطنات من الاحتقان الشعبي، فضلاً عن جهود إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي بَنَت على سلفه دونالد ترمب في تجاهل القضية الفلسطينية والسير في مسار التطبيع مع الدول العربية من دون أي حراك في الملف الفلسطيني، إذ شكّلت حالة التطبيع القائمة في المنطقة والوساطة الأمريكية الأخيرة لتطبيع بين السعودية وإسرائيل عاملاً معززاً لخيار الانفجار في المنطقة.
يرى الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي أن "مجمل الظروف والعوامل القائمة على طمس القضية الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة إلى جانب سياسة جز العشب تجاه غزة، والعدوان المتلاحق أعوام 2021 و2022 ومايو/أيار 2023، كلها عوامل دفعت قيادة القسام للتفكير بطريقة ثورية".
ومن الأسباب التي قادت للحرب الحالية، يبيّن عرابي في حديثه مع TRT عربي، هو ملف الأسرى العالق بين الطرفين منذ الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، وتجاهل الاحتلال الإسرائيلي لمساعي المقاومة إبرام صفقة تبادل جديدة إلى جانب التنكيل بهم عبر قرارات جديدة من قبل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
حماس: "كفى سكوتاً عن جرائم الاحتلال"
يبيّن عضو قيادة حركة حماس هشام قاسم الدوافع وراء إطلاق عملية طوفان الأقصى، بقوله: "إن الشعب الفلسطيني المُحتّل لا يمكن لأي أحد أن يتجاوز حقوقه، ولا يمكن أن تصبح قضية الشعب الفلسطيني قضية غير حاضرة، لا في الحوار السياسي ولا في الترتيبات الإقليمية أو الدولية في المنطقة".
ويضيف قاسم لـTRT عربي، أن "كتائب القسام نفّذت العملية لتقول إن الشعب الفلسطيني يسعى نحو الحرية، ويريد الانعتاق من الاحتلال، ولا يمكن بأي حال أن يستمر العالم بالسكوت عن الإجرام الصهيوني، سواء المتعلق بالمسجد الأقصى المبارك والانتهاكات المستمرة، ومخالفته حتى لبعض الاتفاقات المنعقدة في خصوص المسجد والوضع القائم، وذهابه إلى تقسيمه الزماني وحتى المكاني، كما لا يمكن الموافقة على ما يحدث من استيطان وبلع الأراضي ومصادرتها والاعتداء على أهلنا وشعبنا في الضفة".
ويؤكد عضو قيادة حماس أنه "لا يمكن أيضاً السكوت على ما يحدث في السجون من اعتداءات على إخواننا الأسرى، إذ وصلت هذه الاعتداءات إلى حدّ مطالبة بن غفير إنزال عقوبة الإعدام عليهم".
وحول الحصار المفروض على القطاع، يشير قاسم إلى أنه لا يمكن الموافقة على إبقاء أكثر من 2 مليون فلسطيني في سجن كبير، لا يستطيعون عيش حياة كريمة حرة، مبيناً أن "كل هذه القضايا التي أساسها ومحورها الاحتلال هي القصة القائمة وهي التي ذهبت القسام من أجلها إلى هذه العملية".
وحول العدوان الإسرائيلي الذي خلّف آلاف الشهداء في غزة وأدى إلى كارثة إنسانية، وما إنْ كانت حماس تتوقع حجم الرد، يوضح قاسم أن "العدو الصهيوني ليس غريباً علينا إجرامه، ولذلك نحن كحركة مقاومة نألم لما يواجهه أبناء شعبنا، لكن نظن أن الثمن الذي ندفعه مهما غلا وكان عزيزاً علينا ومؤلماً، إلّا أنه ثمن مستحق من أجل حرية مقدساتنا وحرية أرضنا وإقامة دولتنا المستقلة".
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسام الدجني أن تحول غزّة إلى "سجن كبير مفتوح" هو أحد أسباب الوصول إلى "7 أكتوبر"، وذلك "انطلاقاً من رؤية الغزيين أن الحصار أكثر خطورة من الحرب كونه يمثل سياسة القتل الناعم والبطيء".
ويبيّن الدجني لـTRT عربي، أربعة أسباب أدت إلى "الطوفان"، أولها معلومات خاصة وسرية من طرف المقاومة تفيد بمخطط إسرائيلي لتوجيه ضربة كبيرة لاستئصال المقاومة في قطاع غزة.
وثانياً، الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية وسلوكه المتمثل في الاغتيالات والاعتقالات والحصار، إضافةً إلى التهويد وممارسة سياسة "الفصل العنصري"، فضلاً عن مخططاته القائمة على حسم الصراع وفرض السيادة على القدس بمقدساتها تمهيداً للتقسيم المكاني والزماني وبناء الهيكل المزعوم.
وحول السبب الثالث يضيف الدجني أن انسداد الأفق السياسي ساهم في زيادة الحاضنة الشعبية للمقاومة، وأصبح المأمول منها كثيراً لتحقيق أهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال.
أما السبب الرابع، فهو البيئة الإقليمية والدولية والتي تشهد مخططات إقليمية ودولية وتطبيع يؤهل إسرائيل؛ لأن تكون دولة قائدة في الشرق الأوسط، بحسب الدجني.
بلغت حصيلة أعداد شهداء عملية طوفان الأقصى 18 ألفاً و787 شهيداً من 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى 15 ديسمبر/كانون الأول (TRT Arabi) فشل أمني إسرائيلي
أظهرت عملية طوفان الأقصى فشل مكونات المنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية منذ اليوم الأول للعملية، وأجّجت خلافات داخلية في إسرائيل حول الجهة التي تتحمل المسؤولية عن هذا الفشل غير المسبوق.
ويقول الصحفي والمحلل السياسي الفلسطيني ماهر حجازي، إن "طوفان الأقصى شكّلت هزيمة عسكرية وأمنية وسياسية للاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة التي تدعمه سياسياً وعسكرياً واستخباراياً".
ويلفت حجازي في حديثه مع TRT عربي، إلى أن الفشل الأكبر يسجل للأجهزة الأمنية في إخفاق الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، والمخابرات العامة "الشاباك"، في توقّع العملية أو الوصول إلى معلومة مؤكدة بشأنها.
أظهرت العملية أيضاً هشاشة الجدار الأمني الذي بنته إسرائيل حول غزة، بحسب حجازي، إذ راهنت على قدرته في منع المقاتلين الفلسطينيين من اختراقه، بينما تمكّن مقاتلو حماس من اختراقه والعبور خلاله بأعداد كبيرة إلى أكثر من 20 موقعاً.
ومنذ بداية الحرب حتى 13 من ديسمبر/كانون الأول، أعلن بيان للجيش الإسرائيلي ارتفاع عدد الضباط والجنود القتلى منذ بداية الحرب إلى 444، منهم مقتل 20 جندياً بـ"نيران صديقة" في قطاع غزة، منذ بدء المعارك البرية هناك في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، تعليقاً على مقتل جنود إسرائيليين، إن "إسرائيل تدفع ثمناً باهظاً ومؤلماً وصعباً". تصوّرات وقف إطلاق النار
وسط تعنّت من الجانب الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، تصطدم الجهود الدولية في هذا الشأن بعقبات الفيتو (حق النقض) الذي تمارسه الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي.
استهدافات الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين والأماكن التي يفترض أن تكون آمنة وفق الأعراف الدولية بحجة "الدفاع عن النفس"، أثارت ردود فعل دولية بوصفها "هجمات عشوائية وغير متناسبة". وفي مقال بصحيفة "الغارديان"، علّق أستاذ دراسات السلام في جامعة "برادفورد" البريطانية بول رودجرز، بقوله إنّ "الكثافة الهائلة للحرب الإسرائيلية في غزة أحد تفسيراتها أن ذلك نتيجة للصدمة الدائمة لـ(مذبحة 7 أكتوبر)، بالإضافة إلى حكومة يمينية متطرفة. ومع ذلك، فإن هذا الطرح يتجاهل عنصراً آخر، وهو النهج الإسرائيلي المحدد في الحرب المعروف باسم (عقيدة الضاحية)". ما هي "عقيدة الضاحية" التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في حروبه؟ (TRT Arabi) ويشير رودجرز إلى أن الهدف الإسرائيلي المباشر، الذي قد يستغرق شهوراً لتحقيقه، هو القضاء على حماس مع محاصرة الفلسطينيين في منطقة صغيرة في جنوب قطاع غزة، حيث يمكن السيطرة عليهم بسهولة أكثر.
ويرى الكاتب في مقاله أن "هذا الهدف سيفشل، وستبرز حماس إما في شكل مختلف أو أكثر قوة، ما لم يُعثر على طريقة ما للبدء في المهمة الصعبة للغاية، وهي جمع الطوائف مع بعضها بعضاً".
استعدادات قوات الاحتلال الإسرائيلي قبيل دخولها إلى قطاع غزة - 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 (AA) وحول ما إنْ كان لدى حماس أي تصور لوقف إطلاق نار مستقبلي، يعلّق عضو قيادة حركة حماس هشام قاسم على هذا الشأن بأن "المطلوب اليوم من العالم هو وقف المعتدي عن القصف والقتل وتجاوز اتفاقيات حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية والقانون الإنساني الدولي".
ويشير قاسم إلى معطيات رئيسية تحكم أي اتفاق مستقبلي، أولها أن الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال بالقوة والمطلوب أن ترحل هذه القوة، مشدداً بالقول: "المحتل الذي ينفذ هذه الجرائم هو الذي يجب أن يرحل، أنا كصاحب أرض وصاحب حق أريد دولة، هذه أهم معطى من المعطيات، نحن نريد حريتنا وأن تتحرر أرضي وشعبي".
الشعب الفلسطيني هو وحده القادر على أن يقر مصيره، اليوم نحن كشعب فلسطيني نريد حقوقنا، وأن نخاطب العالم بالقول إن كل القوانين الدولية والقرارات الأممية في هذه المنظومة الدولية التي أكدت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته على الأرض المحتلة عام 1967 مطلوب تنفيذها.
عضو قيادة حركة حماس هشام قاسم لـTRT عربي
وفي سياق الدور الأمريكي لوقف إطلاق النار، أكد روبرت وود، ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن، أن "الولايات المتحدة لن تتخلى عن هدفها المتمثل في إزالة حماس"، موضحاً أن بلاده تريد "كسر دائرة العنف المتواصل، حتى لا يستمر التاريخ في تكرار نفسه". وحسب الباحث المختص بالشأن الأمريكي كمال الزغول، فإن الولايات المتحدة تريد تقليص قدرات حماس قدر الممكن، ولذلك ضغطت الإدارة الأمريكية من أجل الموافقة على منح إسرائيل 45 ألف قذيفة دبابة من أجل الاستمرار في العملية.
ويقول الزغول لـTRT عربي، إن "هذا يتناسب مع الجدولة الزمنية للحرب من قبل الولايات المتحدة، إذ أبلغت إسرائيل أن أمامها أسابيع لتحقيق أهدافها، لكن من المعروف أن إسرائيل تخدع أمريكا بالقول إنها تقترب من تحقيق الأهداف، لكنها بعيدة عن ذلك الهدف، مستغلة بذلك حملة الرئيس بايدن الانتخابية للحصول على كل الدعم".
ويردف: "الوضع في غزة مختلف تماماً، ويعتمد على ظروف المعارك القادمة، فإذا صمدت المقاومة لما بعد منتصف شهر يناير/كانون الثاني، أعتقد بأن تحقيق أي هدف على الأرض سيكون صعباً جداً بالنسبة إلى إسرائيل".
ويعتبر الزغول أن ما قاله روبرت وود في مجلس الأمن حول إزالة حماس حتى لا يتكرر العنف أنه "ضرب من الخيال"، معللاً ذلك بأن "حماس هي جزء من المقاومة، والمقاومة لا تنتهي، وإذا أصرت الولايات المتحدة على ذلك فلن تستقر المنطقة كما تتوقع الإدارة الأمريكية".
ويضيف أن "هم الولايات المتحدة وإسرائيل أصبح أن تجعل المقاومة مجردة من الحدود الجغرافية والبحرية، كما فعلت في الضفة الغربية، حيث يسيطر على حدود وجغرافية الضفة جنود حرس الحدود الإسرائيليون من أجل الاستمرار في بناء المستوطنات وحصر المقاومة".
وحسب الزغول، فإن فكرة حل الدولتين من وجهة النظر الأمريكية تختلف عن فكرة حل الدولتين في المبادرة العربية لإعطاء الفلسطينيين دولة مستقلة وذات حدود سيادية، إذ تبنى الفكرة الأمريكية على إزالة حماس وحصر المقاومة بما يخدم السياسة الخارجية الأمريكية.
ويستدرك: "لكن هذه أهداف صعبة والتكلفة الاقتصادية على إسرائيل ستكون كبيرة؛ لأن حماس ليست هي الوحيدة في محور المقاومة، وما زلنا في مرحلة انتظار الواقع الجديد في غزة لأننا لا نعرف ماذا تمتلك حماس من مفاجآت قادمة، فإذا احتاجت إسرائيل 45 ألف قذيفة لإكمال هجومها ضد حماس، فكم ستحتاج من القذائف لصد أي هجوم من حزب الله، وكم تحتاج من الدعم اللوجستي لغواصاتها لصد هجمات الحوثي".
شكل السيطرة المستقبلية
مع اختلاف وقع هذه الحرب عن سابقاتها في حجم التدمير والخسائر البشرية، من المتوقع أن ترتسم ملامح مستقبلية تعيد تصدير غزة والقضية الفلسطينية بالمجمل.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسام الدجني، إن "الحرب هذه اختلفت من حيث الأهداف والسلوك الإجرامي والضوء الأخضر الغربي والعجز العربي، إذ تهدف إلى قتل الحياة في قطاع غزة بشراً وشجراً وحجراً بما يحقق هدف التهجير القسري للفلسطينيين والثأر منهم في أكبر عملية إبادة جماعية وعقاب جماعي في القرن الواحد والعشرين".
ويرى الدجني أن تطلعات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو أنه يريدها معركة غير مقيدة بوقت بل بتحقيق أهداف الحرب المعلنة، مثل إنهاء حماس تنظيماً وحكماً، ومنع أن تكون غزة مهددة للأمن الإسرائيلي.
لكن لا يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن هذه الأهداف ستتحقق، مؤكداً أن "من يوقف نتنياهو سيكون أداء المقاومة وصمود الشعب، وحراك شعبي ورسمي في العالم، ومقاطعة اقتصادية كبيرة ومؤثرة، وضغط الشارع الإسرائيلي لوقف الحرب بعد زيادة الكلفة والخطر على حياة الأسرى الإسرائيليين".
ويضيف الدجني أن "خارطة الطريق التي من الممكن أن تؤسس لوقف إطلاق نار تقوم على إنهاء الحصار الصهيوني على غزة، ما يُمكّن القطاع لإعادة إعماره من جديد وتشييد مينائه ومطاره والتحكم بموارده الطبيعية بالبر والبحر، وصفقة تبادل شاملة للأسرى، وأن يؤسس وقف إطلاق النار لعملية سياسية لإنجاز حل الدولتين".
بينما يؤكد عضو قيادة حركة حماس هشام قاسم، حول شكل السيطرة المستقبلية، أن الشعب الفلسطيني هو الوحيد المخوّل بقرار الشكل الذي يريد أن يمارس فيه حقوقه ويحكم نفسه وإدارة شؤونه.
ويلفت قاسم إلى أنه "لابد من تثبيت أن هذه أرض فلسطينية، وشعب فلسطيني، ومع رحيل الاحتلال الشعب الفلسطيني من يحكم نفسه وإدارة شؤونه، وهذا كلّه خاضع للحوار الفلسطيني، والشكل الذي يتوافق عليه الفلسطينيون، بينما العدو الإسرائيلي ليس له مكان في مستقبل غزة".
* "استفحال في الانتهاكات".. ما الارتدادات على الضفة الغربية؟
يأخذ الاستهداف الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد عملية طوفان الأقصى منحى تصاعدياً في مشاهد أعادت إلى الأذهان أيام الانتفاضة، تتراوح بين الاغتيال وقصف وتجريف بنى تحتية، واحتجاز طواقم إسعاف واستهداف المستشفيات من جهة، وحملة اعتقالات مسعورة من جهة ثانية.
يتوازى ذلك مع اعتداءات المستوطنين التي وصلت إلى القتل المباشر، بعد قرار إسرائيلي بتسليحهم وإطلاق العنان لجرائمهم التي تُنفَّذ على مرأى الجيش وبحمايته.
فيما تتواصل المخططات الاستيطانية بوتيرة متسارعة، إذ تستغل السلطات الإسرائيلية انشغال العالم بالحرب على قطاع غزة لتنفيذ مخططاتها في الضفة الغربية.
المتحدّثة باسم مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ليز ثروسيل - 3 من نوفمبر/تشرين الثاني. (TRT Arabi) مخاطر تهدد الفلسطينيين ترقى إلى جرائم حرب
ترى أستاذة الدبلوماسية وحل النزاعات والتخطيط الاستراتيجي الدكتورة دلال عريقات، أن "ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو استكمال لمشروع صهيوني استيطاني كولنيالي أكبر بكثير من وصفه بالحرب بين إسرائيل وحركة حماس"، محذرةً من خطر "التهجير الطوعي" الذي قد ينتج عن الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتنوّه عريقات في حديثها مع TRT عربي، إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية تتخذ أشكالاً عدّة، تبدأ من سياسة عنصرية يطبقها الجيش الإسرائيلي ضدّ المدنيين في إطار نظام الفصل العنصري "الأرباتهايد"، يضاف إلى ذلك إرهاب المستوطنين الذين فاق عددهم 750 ألفاً، معظمهم مسلحون ويشكلون خطراً حقيقياً وصل إلى القتل المباشر.
إسرائيل بحكومتها اليمينية المتطرفة ومن خلال جيشها، ترتكب انتهاكات وفق القانون الدولي الإنساني، وتطبيقاته باتفاقية جنيف الرابعة، وميثاق روما في المحكمة الجنائية واتفاقيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة وغيره
أستاذة الدبلوماسية وحل النزاعات والتخطيط الاستراتيجي الدكتورة دلال عريقات لـTRT عربي
وتضيف عريقات أن ما تشهده الساحة الفلسطينية من سياسات عقاب جماعي وتهجير قسري وسياسات تجويع وعمليات اعتقال وتنكيل واستهداف مباشر للمواطنين وعرقلة الحركة ومصادرة الأراضي، كلّها ترتقي إلى جرائم حرب حسب القوانين الدولية، ويمكن ملاحقة إسرائيل قانونياً ومحاسبة العسكريين الذين نفذوا هذه الجرائم، ويمكن أيضاً ملاحقة المستوطنين كأفراد كون وجودهم في المناطق الفلسطينية من الأساس غير قانوني حسب الأمم المتحدة.
وشددت أستاذة الدبلوماسية وحل النزاعات على أن "المخالفات الإسرائيلية للقانون الدولي واضحة وصريحة جداً، لكن المشكلة تكمن بإفلاتها المتكرر من العقاب، في ظل وجود نظام دولي أحادي القطبية، ونظام الفيتو في مجلس الأمن الذي يعيق مساءلة إسرائيل على جرائمها المتكررة".
حملة اعتقالات الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين في الضفة الغربية والداخل (الإسرائيلي) من 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى 14 ديسمبر/كانون الأول (TRT Arabi) القدس.. ارتفاع في عمليات الهدم بعد "7 أكتوبر"
ويقول مدير الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي، إن ما يحدث في مدينة القدس المحتلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هو ارتفاع في عمليات هدم المنازل، والمصادقة على مزيدٍ من المخططات الهيكلية ضمن المشاريع الإسرائيلية الاستيطانية.
ويضيف لـTRT عربي، أن "هناك مجموعة من المشاريع التي كانت تتكلم عن مخطط القدس (2030-2050) وتسير بوتيرة متسارعة، وتتضمن توسيع المستوطنات القائمة والمصادقة على مستوطنات ستقام مستقبلاً، مثل (جلعاد شكيم) على أراضي قرية بيت صفافا بالتزامن مع إقامة بنى تحتية لمزيدٍ من الأنفاق والجسور".
وعلى المستوى الآخر تنتهج السلطات الإسرائيلية الآن سياسة "تكميم الأفواه" داخل مدينة القدس، بحيث أن أي أحد يتحدث في قضية تصنف مناهضة للسياسات الإسرائيلية أو مؤيدة للمقاومة مصيره السجن.
بالإضافة إلى التسريع في تنفيذ أوامر هدم المنازل بحجة عدم الترخيص أو في إطار سياسة العقاب الجماعي للعائلات التي ينفذ أحد أفرادها عملية أو أي فعل مقاوم.
ويشير التفكجي إلى أن "القدس تحوّلت إلى مدينة أشباح نتيجة الممارسات الإسرائيلية، إذ تصبح المدينة شبه خالية بعد الساعة 4 عصراً بشكل يومي".
وينوّه إلى أن "البلدة القديمة في القدس يهددها الخطر الأكبر، كون إسرائيل تتحكم ببواباتها، وتشهد البلدة حالة من الحصار، ما أسفر عن قلة الزوار للبلدة، وبالتالي تعطل الحركة التجارية داخلها".
إضافة إلى عمليات تهويد وسيطرة واستيلاء على المنازل ومواصلة العمل في الأنفاق أسفل المسجد الأقصى، والانتهاء من إقامة الكنيس في الحي اليهودي، وتحديد أعداد المصلين داخل الأقصى المبارك، ومنع التجمع في باحاته مقابل السماح للمستوطنين باقتحامه يومياً، "لا نجد مواقف أو اعتراضات، حتى الوصاية الهاشمية لم نرَ لها أثر في هذه المنطقة"، وفق التفكجي.
المسجد الأقصى وباحته فارغان قبل صلاة الجمعة في يوم 15 ديسمبر/كانون الأول مع استمرار القوات الإسرائيلية في فرض قيود على الفلسطينيين في القدس الشرقية. (AA) المسجد الأقصى وباحته فارغان قبل صلاة الجمعة في يوم 15 ديسمبر/كانون الأول مع استمرار القوات الإسرائيلية في فرض قيود على الفلسطينيين في القدس الشرقية. (AA) لا مؤشرات على تطور المواجهة في الضفة
وترى الإعلامية والمحللة السياسية والمتحدثة السابقة باسم الحكومة الفلسطينية، نور عودة، أن "برنامج الحكومة الإسرائيلية فيما يخص الضفة الغربيّة كان واضحاً منذ البداية وهو التهجير والاستعمار، ويسير هذا المخطط بوتيرة عالية من ناحية التشريع والموازنات وسياسات الأخرى على الأرض من هدم ومصادرة أراضٍ واستهداف مباشر".
وتلفت عودة في حديثها مع TRT عربي، إلى أن السلطات الإسرائيلية استغلت انشغال العالم بالحرب على قطاع غزة لتطلق العنان للمستوطنين في الضفة الغربية لتسريع مخططات التهجير.
الحكومة الإسرائيلية تبنّت منهجاً سياسيّاً قائماً على الاستحواذ على الأرض وتهجير السكان وإعادة رسم الخريطة جغرافياً وسياسياً وحتى ذهنياً، من منطلق الاعتقاد بقدرتها على ترجمة العقل الفلسطيني من خلال القوة ليصبح قابلاً بالاحتلال ومُسلّماً بما يجري.
الإعلامية والمحللة السياسية والمتحدثة السابقة باسم الحكومة الفلسطينية، نور عودة لـTRT عربي
وتنوه عودة إلى أن مناطق الضفة الغربية تشهد تصعيداً منذ أشهر سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأصبح حتى التنقل بين المدن أو القرى محفوفاً بالخطر ويفتقد شعور الأمان، لكن وتيرة هذا التصعيد ارتفعت بعد هذا التاريخ.
وتستبعد أن يتطور المشهد في مناطق الضفة على صعيد المواجهة مع إسرائيل، وذلك "نظراً لافتقاد المقومات التنظيمية والبشرية في الضفة الغربية، بل ستبقى في إطار ما نراه الآن من حالات فرديّة، لكن لا مؤشرات على تشكّل حالة عامة أو ترتيب سياسي أو حتى عملياتي يسمح بأن يكون تطور لافت، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه حالة قد تتغير بشكل سريع"، وفق عودة.
وترجح المتحدثة السابقة باسم الحكومة الفلسطينية، أن الحالة الفلسطينية بعد الحرب على قطاع غزة "لن تكون كسابق عهدها"، مشددة على أن الخطورة لا تكمن في إفراز قيادة فلسطينية جديدة، "بل في كيفية تشكلها، وهل ستكون نتاج عملية فلسطينية وطنية وعلى دراية بالمخاطر الوجودية التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته".
الفلسطينيون يتعرّضون لحرب شاملة
من جهته يقول أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، إن "إسرائيل ترغب بالانتقام من الشعب الفلسطيني بسبب فشلها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإستراتيجياً واستخبارياً، لذلك نرى ما نراه من مشاهد انتقام، بالإضافة إلى محاولة إسرائيل إخماد أي شكل من أشكال المقاومة".
ويؤكد البرغوثي في حديثه مع TRT عربي البرغوثي، أن الهدف الرئيس هو الذي أعلنه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، إذ قال: "سنملأ الضفة مستوطنين ومستوطنات حتى لا يحلم الفلسطيني بدولة".
ويشير إلى أن "الضفة الغربية تشهد انتفاضة فعلية منذ عام 2015 بأشكال وطرق مختلفة وعلى شكل موجات، وأن الحرب الإسرائيلية تستهدف الجميع، لكنّها أشد شراسة في قطاع غزة الذي يشهد تطهيراً عرقياً وإبادة جماعية"، مؤكداً أنه "مخطئ من يظن أن الحرب على حركة حماس، بل هي حرب على الشعب الفلسطيني".
ويشدد البرغوثي على أن المحاولات الإسرائيلية بشغل الرأي العام بسؤال "ماذا بعد؟"، يهدف إلى لفت الأنظار عن مجازره التي يرتكبها في قطاع غزة، لافتاً إلى أن الأولوية الوطنية الآن هي لإيقاف هذه الحرب.
واعتبر البرغوثي الحديث عن قيادة بديلة هو "كلام فارغ، وغير مسموح لأي جهة كانت، سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو غيرها، التدخل في الشأن الفلسطيني، حيث إن الانتخابات بشكل ديمقراطي وحرّ هو الخيار الوحيد الذي يقبل به الفلسطينيون لتحديد من يقودهم".
أبرز أنماط الانتهاكات بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية من 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 14 ديسمبر/كانون الأول (TRT Arabi) * "الطوفان".. آثار عابرة للقارات
من الدعوات إلى إضراب عالمي شامل، مروراً بمقاطعات عالمية لمنتجات داعمة لإسرائيل، ووصولاً إلى مظاهرات جابت شوارع العالم، كان للحراك العالمي أثر إيجابي في دعم الضحايا في قطاع غزة والتنديد بجرائم الاحتلال ومناصرة القضية الفلسطينية، وذلك في حراكات على الأرض ونقاشات استمرت لأكثر من شهرين، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك عبر وسائل الإعلام العالمية والتواصل الاجتماعي.
وتأخذ وسائل الإعلام دوراً معتبراً في الترويج للأفكار المتعلقة بالقضية، وذلك من خلال نشر المعلومات والقصص الإخبارية حول منشأ الصراع وأبعاده التاريخية، وقد تردد كلام من قبل العديد من المؤثرين والمشاهير حول العالم عن عدم معرفتهم الأبعاد التاريخية والسياقات الصحيحة لعناء الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، وهو ما ظهر بكثافة خلال الشهرين الماضيين، وفق ما رصدته TRT عربي.
العناوين الخاصة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الإعلام دامت لأكثر من شهرين، إذ لا رقم ثابتاً للشهداء حتى الآن، ولا تقديرات بعد لحجم الأضرار، سواء المادية أو البشرية، حتى وإن توقفت نيران الحرب بهدنة تطول أو تقصر، لن تتوقف النقاشات الحادّة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حول دعم غزة وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة العالم بقوة بجميع السبل الممكنة.
لكن، رغم هذا الأثر الإيجابي لإعادة القضية إلى السطح، شهد العالم زيادة هائلة في المعلومات الخاطئة والمضللة، كان مصدرها الترويج الإسرائيلي للروايات الكاذبة وتبني بعض وسائل الإعلام لهذه المعلومات، إذ غالباً ما تتكئ وسائل الإعلام الداعمة لإسرائيل على عوامل "محاربة الإرهاب" لتحقيق تعاطف دولي.
وفي هذا السياق ترى الصحفية الفرنسية والباحثة في العلوم السياسية إليز دانيو، أن "التغطية الإعلامية للأحداث أظهرت صعوبة كبيرة تواجهها وسائل الإعلام الغربية في إنتاج محتوى أخلاقي ودقيق واضطرارها إلى العمل بسرعة كبيرة لتغطية التغييرات المستمرة على الأرض، كما كشفت عن الضرر الذي يمكن أن يحدثه تبادل المعلومات المضللة والأخبار المزيفة".
وتقول دانيو لـTRT عربي، إن "التغطية الإعلامية لغزة في أوروبا والولايات المتحدة أثارت غضباً عارماً في العالم العربي، غالباً من خلال حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعيد مشاركة مقتطفات من البرامج التلفزيونية والأخبار، وحتى المقالات، وأدى ذلك إلى تزايد عدم الثقة والعداء تجاه وسائل الإعلام، وتجاه الغرب على حد السواء".
وتوصي الباحثة بأن تشكل القضية الفلسطينية لحظة أساسية لوسائل الإعلام المهنية وأيضاً لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، للتفكير بعمق في الضرر الناجم عن المعلومات غير الدقيقة والكاذبة على المدى الطويل.
وتتابع دانيو القول: "لقد كشف هذان الشهران عن مخاطر الانخراط في سباق المعلومات والتضخيم، في وقت تنتشر فيه المعلومات بسرعة كبيرة على شبكة الإنترنت".
وترى أنه في كل دولة يجري التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل مختلف، ففي فرنسا مثلاً، أعادت تغطية الاحتجاجات الفلسطينية تنشيط المناقشات المتعلقة بالهجرة والدين، وفي ألمانيا، يجري ربط القضية الفلسطينية بالحرب العالمية الثانية والمحرقة (الهولوكست)، بينما في الولايات المتحدة، يرتبط الأمر بالقضايا الوطنية المتعلقة بالعنصرية والتفوق الأبيض.
وتؤكد دانيو أنه يجب أن لا تغير كل تلك القضايا المتجمعة طبيعة النقاش المتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير المصير والسلامة والكرامة والحرية، ويجب أن لا تكون بمثابة إلهاء يصرف التركيز عن أصوات الفلسطينيين أنفسهم.
مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في شوارع مدينة نيويورك بالولايات المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الدعم الأمريكي للهجمات الإسرائيلية - 16 من ديسمبر/كانون الأول (AA)