منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Empty
مُساهمةموضوع: مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية   مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Emptyالثلاثاء 02 أبريل 2024, 10:27 am

مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Martin-Luther1-1709809075

الراهب الألماني مارتن لوثر عاش في أسرة ثرية ومترفة

مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية
راهب أوغسطيني ولد عام 1482م، أسست إصلاحاته للجغرافيا السياسية الأوروبية الحالية، وقاد أكبر تحول على الإطلاق في تاريخ الكنيسة الغربية، وأسس البروتستانتية التي يعتنقها 500 مليون مسيحي بمختلف أرجاء المعمورة، وتشكل أهم ركائز السياسة في كبرى دول العالم، ويرى فيه الألمان أبا لقوميتهم وصاحب المشروع الأول في بروز الألمانية لغة أدبية.

المولد والنشأة

ولد مارتن هانز لوثر في مدينة إيسليبن بمقاطعة تورينغن وسط ألمانيا يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1482م، لعائلة ريفية وأب طموح اختار العمل في قطاع مناجم النحاس حتى ملك عددا من مسابكها.
وعلى نمط الحياة الكاثوليكية عمّد والدا مارتن طفلهما في كنيسة القديس بطرس مبكرا، وسمي "مارتن" لأنه ولد في ليلة عيد مارتن التوروزي، أحد أشهر القديسين في بلاد الغال (توفي في نوفمبر/تشرين الثاني 397م).
تتحدث جملة من الكتابات اللوثرية عن طفولة منعمة عاشها مارتن وسط عائلة برجوازية مترفة وأب من رجال الصناعة والثراء وأم من ذوات الأملاك والثروات، وتصوره كتابات أخرى طفلا مليئا بالعقد والتناقضات بسبب حالة بؤس وفقر وحرمان وقلق وحزن وعدم يقين وخوف من كل شيء، مع نظرة تشاؤمية سيطرت عليه وقسوة وعنف مفرط عاناهما في البيت والمدرسة، وشقاء في أحضان أم مسكونة بالخوف من الأرواح الشريرة والحسد والسحر.
كما تتحدث بعض الروايات عن أنه مارس التسول حتى الاحتراف، وأورثه ذلك الجبن والتردد والنظر إلى المسيح من جهة الدينونة على أنه قاض قاس مخيف مرعب.

التكوين العلمي والتربية الدينية

دفع هانز ولده وهو في السابعة من عمره إلى مدرسة مدينة مانسفيلد التي تعلم فيها قواعد اللغة اللاتينية والوصايا العشر وبعض الترانيم والصلوات وقوانين الإيمان والخطابة والمنطق والتاريخ. كما عرف أثناء دراسته قبل الجامعية تعاليم عن الزهد والتقشف والتواضع والرهبنة، وأكمل دراسته الثانوية بتفوق وهو في الـ18 من عمره.
في مايو/أيار1501م التحق مارتن بجامعة إيرفورت، وفيها درس الفلسفة على الأستاذ بودوكوس، كما درس قواعد اللغة والمنطق والفلك والهندسة وعلوم ما وراء الطبيعة والموسيقى والتاريخ والفلسفة، وكانت فلسفة أرسطو تسيطر على هذه العلوم والعلوم اللاهوتية، واطلع على كتابات توما الأكويني وسكوتس وبونا فنتيرا وآخرين.
وقد أحرز تفوقا كبيرا وجاء ترتيبه الثاني بين 17 طالبا، وكرمته الجامعة في احتفال مشهود، وقبلته لدراسة الحقوق ليحقق حلم أبيه، كما ظهر نهمه للمعرفة ونبوغه في فنونها حتى لقبه أصدقاؤه بـ"مارتن الفيلسوف".
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Martin-Luther5-1709809155نصب تذكاري لمارتن لوثر (شترستوك)

حياة الرهبنة

في 2 يوليو/تموز 1505م كان مارتن لوثر على موعد مع حدث غيَّر مسار حياته، إذ فاجأته عاصفة شديدة هزت الفضاء كله من حوله، وشعر بالموت يحيط به من كل جانب حين سقطت شجرة أمامه من شدة الرياح، فصرخ "يا قديسة حنة إذا أنقذتني فسأصبح راهبا بقية حياتي".
وحنة هي أم مريم العذراء التي ذكرها القرآن الكريم في سورة آل عمران وأمسكت عنها أسفار العهد الجديد من أناجيل ورسائل، ولم ترد إلا في أسفار قانونية من الدرجة الثانية تسمى الأبوكريفا، وتحديدا في رسالة يعقوب.
دخل مارتن دير الأوغسطينيين في إيرفورت واختاره من بين 20 ديرا لصرامة نظامه، فكان عليه الاستيقاظ كل يوم في الواحدة صباحا والصلاة 7 مرات يوميا والاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم، ومقاطعة اللحم والجبن والزبدة والبيض نصف العام، ومع الصيام والسهر لا بد من إذلال النفس وإلزامها التواضع بالعمل المهين في التنظيف.
انكب لوثر على عمل الدير ورياضته بحماس من لا يهمه إلا إماتة الجسد لإحياء الروح والتخلص من المخاوف والهواجس من أجل الوصول إلى حالة سلام نفسي، لكنه نجا من رياضة التسول التي كان أهل الدير يمارسونها، فقد أعفي منها ككل جامعي يلتحق بحياة الأديرة.
كان في قوانين الكنيسة ما يعفي مارتن من الاستمرار، إذ كان يستطيع في فترة الاختبار أن يراجع نفسه، لكنه بقي حتى قرر الدير في أبريل/نيسان 1507م ترقيته إلى رتبة كاهن يستطيع أن يقود القداس ويرعى معجزة بتحويل الخبز والخمر إلى جسد الرب حسب الاعتقاد الكاثوليكي.
وفي الدير التقى مارتن لوثر معلمه ومرشده الروحي ستوبينز، وكان نائبا عاما لجميع الأديرة الأوغسطينية في ألمانيا، وكان له أثر كبير في حياة لوثر، خاصة في الجانب الروحي، فقد أرشده وخلصه من التصور الذي تسبب له في شقاء كبير حتى وهو في الدير.

رحلة روما

ومع القلق والاضطراب الذي لاحظه ستوبينز في لوثر وجد المعلم في فتاه الذكاء والعقل النشط والذهن المتقد، فأخذه إلى كلية اللاهوت بجامعة فيتمبرغ لتدريس فلسفة أرسطو عام 1509م.
وفي خريف 1510م طلب الأستاذ ستوبينز من مارتن أن يذهب إلى روما لرفع شكوى من وجود بعض الاختلافات في الأديرة الأوغسطينية بشأن اتحادها في جمعية واحدة.
فرح لوثر بهذه الفرصة التي تأخذه إلى مكان مقدس يعيش فيه البابا -وكيل المسيح على الأرض وخليفة القديس بطرس- وكان حلمه أن يجد خلاصه وراحته في البقعة التي تحتفظ بآثار القديسين وذخائرهم، فأخذ يختلف إلى الكنائس والمقابر والأماكن المقدسة طالبا تحصيل أكبر عدد من الغفرانات.
ولكنه وجد شيئا آخر، وجد صورا ومشاهد تضعه في حيرة أمام تساؤلات ومراجعات، رأى ما يعيش فيه الرهبان ورجال الأكليروس من بذخ ورفاهية، وترفل الكهنة في النعيم وكأنهم حكام وأمراء وليسوا معلمين ومبشرين وخداما للكنيسة.
كما رأى بعض الرسوم التي لا يستريح لها العقل والقلب، فمن أقام قديسا في كنيسة يوحنا تخرج روح أمه من المطهر وتستريح من عذابه، ولكنه فعل ذلك وهو يعتقد أن أمه لن تنال هذه النتيجة لأنها ما زالت بين الأحياء، وأمام كنيسة روما صعد 98 درجة على السلم المقدس الذي قيل إن المسيح صعده للمثول أمام بيلاطس، ولكن أمه وأباه لم ينلهما شيء مما كان متوقعا.
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Martin-Luther2-1709809094في الدير التقى مارتن لوثر معلمه ومرشده الروحي ستوبينز (غيتي)

صكوك الغفران وذخائر القديسين

كانت الممارسات في بيع صكوك الغفران هي أكثر ما استفز مارتن، وهي فكرة في الكنيسة الكاثوليكية، وعادة تعود إلى قرون مضت قبل رحلة روما، فقد رأى بعض منظري الكنيسة أن القديسين قاموا بأعمال صالحة تكفي لخلاصهم وتزيد على حاجتهم، ورأوا أن هذه الأعمال الفائضة يمكن بمقتضى العدالة أن تحفظ في خزائن الكنيسة لتمنحها لمن يحتاجون إليها بطلبهم في صورة صكوك غفران.
وقد كتب في هذا بعض الأعلام مثل توما الأكويني والقديس بونافانتير، ومنحت الكنيسة عددا كبيرا من هذه الصكوك لمن تطوعوا في الحروب الصليبية على مدى نحو قرنين بين 1096م و1291م.
ويلحق بذلك عقيدة زيارة ذخائر القديسين، فقد منح بعض البابوات في روما غفرانات لمن يزور بقايا القديسين وبعض أمتعتهم في أماكنها، ولهذا اجتهد الملك فريدريك ساكس في جمع أكبر عدد من ذخائر القديسين في رحلته إلى أورشليم (القدس) عام 1493م، كان منها أحد أسنان القديس جيروم، و4 أجزاء من جسد يوحنا الذهبي الفم و4 خصلات من شعر العذراء مريم، وقطعة من لفائف يسوع.
وفي عام 1509م بلغ عدد ذخائر القديسين في روما نحو 50 ألف قطعة، وفي سنة 1518م وصل عدد الذخائر إلى ما يكفي للإعفاء من المطهر لمدة 127799 سنة، وقد استخدمت الكنيسة هذه الثروة الكبيرة كلما احتاجت إلى جمع المال.
عاد لوثر من رحلته بتساؤلات كثيرة دفعته إلى مراجعات وتأملات حتى وصل إلى فكرة "بر الله"، فصكوك الغفران ليست طريقا للخلاص، بل الأعمال الصالحة نفسها هي مجرد وسيلة إلى تحصيل الإيمان الذي يُعطى الخلاصُ مكافأة عليه، وتطورت هذه الفكرة حتى أصبحت بعد ذلك من الأركان الأساسية في العقيدة البروتستانتية.

معركة صكوك الغفران

في 1513م جلس على كرسي بطرس في كنيسة روما البابا ليون العاشر، ولما نظر في كنيسة بطرس وجد أنها غير صالحة للترميم وأنه لا بد من بنائها من جديد، فقرر عام 1517م إصدار صكوك غفران لكل من يسهم في البناء المقدس، وبعث رسله في كل اتجاه من مقاطعات أوروبا.
ومع سيل الأموال المتدفق إلى روما احتج الحكام الإنجليز والإسبان والفرنسيون والألمان حين رأوا حملات صكوك الغفران تستنزف أموالهم وتعرض اقتصاداتهم للخطر من أجل روما، ولتهدئة غضب هؤلاء الملوك دخل البابا في مساومات معهم، وكان الألمان الأقل حظا في عروضه لأنهم لم يجتمعوا في ملكية قوية كغيرهم.
رفضت بعض الولايات الألمانية مشروع البابا، وأصبحت هذه القضية تشغل بال مارتن لوثر، فقد وعظ ضدها في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1516م، كما ألقى موعظة في ربيع 1517م قال فيها إن التوبة هي رفض صكوك الغفران، معترضا على أن يتم الغفران بمعزل عن الأعمال الصالحة وبمجرد دفع الأموال للكنيسة دون اعتراف بالذنب.
في هذا الوقت كان الكاهن الدومينيكاني يوحنا تتزل ينشط بين الولايات الألمانية للدعاية لصكوك الغفران، ويجمع العامة ويصمم مشاهد تمثيلية عن المطهر والجحيم، فيخرج المال من الفقراء بضغط من الوعيد بسوء المصير ووحشة المآل الذي يعيش فيه أقرباؤهم بعد الموت.
وإذ رفضت صكوك الغفران في الولايات التي كانت خارج سيطرة ألبرت أسقف ماينز الحليف الألماني للبابا، فإن العامة الخائفين من المصير الموحش المشفقين على أسلافهم كانوا يخرجون من ولايات فيتمبرغ وساكس ويعبرون الحدود ليشتروا الصكوك.
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Martin-Luther3-1709809124مارتن لوثر أحد الإصلاحيين في عصر النهضة في أوروبا (غيتي)
أصيبت قضايا الاعتقاد بالاضطراب والفوضى، وكان الناس لا يكملون الاستماع لعظات تتزل حتى يخرجوا المال لشراء الصكوك ضاحكين، وإزاء ذلك زاد غضب أمراء الولايات التي ترفض صفقة بابا روما وأسقف ماينز، كما تصاعد غضب مارتن حتى اندفع في ليلة احتفال بعيد جميع القديسين في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1518م، فعلق ورقة تضمنت 95 اعتراضا باللغة اللاتينية على باب كنيسة جميع القديسين في فايتبرغ.
اختيار اللغة والمكان يشير إلى أن لوثر كان يريد أن يخاطب باعتراضاته الأكليروس لا العامة، ولكن ألبرت لم يبال بالاعتراضات، واكتفى بإرسالها إلى بابا روما دون الدخول في نقاش مع كاتبها.
لم يكن أسقف ماينز ولا لوثر نفسه يتوقعان ما آلت إليه الأمور، فقد حمل طلبة الدكتور مارتن الاعتراضات إلى غرفهم وأخذوا يترجمونها إلى الألمانية، ولأن المطبعة كانت اختراعا جديدا مدهشا في ذلك العصر، فقد انتشرت الاعتراضات بجميع الولايات الألمانية والمناطق المجاورة، وأصبحت حديث الناس في كل واد وناد.
لاحت نذر المعركة القادمة، فالاعتراضات على احتجاجات لوثر شغلت الأكليروس في أكثر من مكان، فطلب تتزل من أساتذة جامعة فرانكفورت دراستها، فأعلنوا أنها تحتوي على 116 خطأ اعتقاديا، فرفع تقريرا إلى بابا روما بأن لوثر هرطوقي تجب محاكمته.
كما صدر تقرير يتهم لوثر بأنه يقول إن السلطة الكنسية غير معصومة وإن على المسيحي أن يرجع مباشرة إلى الكتاب المقدس ويعول بنفسه على الروح القدس، كما ارتفعت أصوات وعاظ دير فرانكفورت بضرورة بيع صكوك الغفران وحرق مارتن لوثر.
حاول لوثر تهدئة الموقف لكن الصراع بلغ أوجه حين حرق تتزل بنفسه الاعتراضات الـ95 أمام الناس، فرد عليه طلبة الدكتور مارتن بحرق صكوك الغفران.
تنامى الجدل والصراع في اتجاهات متضادة، فمارتن لوثر من جهته يشرح تعاليمه في دروس الجامعة وعظات الكنائس، وخصومه في الداخل والخارج يصعدون ضده بما يوسع الهوة بين روما من جهة والإمارات الألمانية قيادة وجماهير من جهة.
ولوثر يشرح لمجمع الرهبان فلا يفوز بتعاطف الدومينيكان أتباع توما الأكويني، ولكنه يكسب مزيدا من الطلاب والمؤيدين الشباب ثم يرسل كتابا إلى البابا يشرح فيه رأيه ويعلن ولاءه حتى يقول "إنني أقبل صوتكم كما لو كان صوت المسيح".
ولكن مسؤول الشؤون القانونية في روما يقولها صراحة: إن من ينكر على الكنيسة التصرف في صكوك الغفران يعتبر هرطوقيًّا، فيصدر البابا أمرا بمثول مارتن لوثر في روما لمحاكمته.

القومية الألمانية

رفض مارتن لوثر أن يحاكم في روما، فكتب في ذلك إلى حامية الملك فريدريك حاكم ساكسونيا.
وهنا تحولت القضية إلى مسألة قومية حين رفض الملك فريدريك الملقب الحكيم أن يحاكم مارتن خارج ألمانيا، ثم حاول إقناع الإمبراطور ماكسمليان بذلك وبالاكتفاء بمناظرة في أغسبورغ، فالجماهير الألمانية تقرأ كتابات مارتن لوثر بنهم، وترى فيها انعتاقا من سيطرة روما على الأموال باسم صكوك الغفران، والقادة الألمان يرون في كتابات لوثر وتفاعل الجماهير معها فرصة للإحياء القومي، أما روما فتعمل بكل ما استطاعت لوأد التجربة وفرض سيطرتها، فاحتد النزاع ورفض فريدريك الحكيم تسليم لوثر ولم يكظم غيظه في وجه ممثل روما وقال إنه لا يحتاج إلى من يذكره بواجبه المسيحي.
ثم أتى خبر وفاة الإمبراطور ماكسيمليان في 11 يناير/كانون الثاني 1519م ليكون بمنزلة هدنة وفرصة للوثر والزعماء الألمان في كسب قوة أكبر من مساندة الجماهير في بداية عهد الإمبراطور الجديد شارل الخامس.
فصنف مارتن لوثر كتيبا بعنوان "إلى الأمة المسيحية الألمانية النبيلة" قال فيه: "مضى وقت الصمت وجاء وقت الكلام"، ودعا الألمان إلى أن ينفضوا عن كاهلهم التدخل الأجنبي في شؤونهم، وحين خرج الكتيب باللغة الألمانية في أغسطس/آب 1520م تخطفه القراء حتى نفدت 5000 نسخة منه في 6 أيام.
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Martin-Luther4-1709809141رحل مارتن لوثر وترك خلفه مذهبا مسيحيا جديدا يعتنقه الآن أكثر من 500 مليون في العالم (غيتي)

إعلان مارتن لوثر هرطوقيًّا

وعندها أصدر بابا روما مرسوما يهدد فيه لوثر وكل أتباعه بالحرمان، فرد لوثر بدعوة الأساتذة في جامعة فيتمبرغ والأصدقاء والطلاب، ثم أوقد نارا كبيرة، وأحرق أمام الجميع كتب القانون الكنسي ومرسوم البابا، ليعلن بذلك استقلاله عن الكنيسة الكاثوليكية، وعندما بلغ البابا الخبرأصدر في 3 يناير/كانون الثاني 1521م أمرا بالحرمان على لوثر وأتباعه ليعلنه بذلك هرطوقيًّا خارجا عن كنيسة روما.
كان هذا الإعلان يعني أن مارتن لوثر سيحاكم ليلقى مصير سلفه يوحنا هس بالحرق، لكن مساعي فريدريك الحكيم نجحت في إقناع الإمبرطور الجديد شارل الخامس بمحاكمة لوثر في فورمس أمام الدايت الألماني لا في روما.
وفي 2 أبريل/نيسان 1521م بدأ لوثر رحلته إلى فورمس، وفي طريقه خرجت الجماهير وخطب في كل مدينة واحتشدت حول قضيته أمة ترى فيه خلاصها، مما جعل التحدي كبيرا أمام الإمبراطور شارل الخامس الذي حضر المحاكمة، وأيقن أن سفك دم لوثر باب لفتنة عارمة تهدد حكمه في بداياته.
وهذا ما أكده لوثر في دفاعه أمام جلسة كانت تحيط بقاعتها الجماهير الألمانية، لم يتراجع مارتن لوثر عن تمسكه بالاحتكام فقط إلى الكتب المقدسة وشجبه ظلم البابوية، وبعد المحاكمة أصدر الإمبراطور صك أمان محدد المدة لمارتن لوثر، على أن يحاكم بعدها وينكل به وبأتباعه.
بدا الأمر الإمبراطوري صارما ومرضيا للبابا لكنه ألمح إلى شيء خطير فهمه فريدريك فتصرف بحكمته، وأثناء عودة لوثر إلى فيتمبرغ اعترض عربته 5 فرسان وخطفوه واختفى وسط الغابات الكثيفة، وشاع الخبر حتى رثاه أتباعه وبكوه وتضرعوا إلى الله أن يهبهم راهبا مثله يكمل مسيرته.
بين ظلام الأشجار الكثيفة مكث الراهب الأوغسطيني مارتن لوثر في قلعة الفارتبوغ باسم الفارس جورج، فطالت لحيته ونبت شعر رأسه على غير عادة الكهنة الكاثوليك في عصره، مختفيا في ملابس الفرسان، وفي معتكفه كتب عظات على عدد آحاد السنة وأعيادها باللغة الألمانية، وبالروح الإنجيلية الثائرة الصاعدة، إضافة إلى العظات والرسائل التي تشرح الفكر الإصلاحي، ثم جاء العمل الذي كان له الأثر الأكبر في تطور الفكر الإنجيلي، وهو ترجمة لوثر للعهد الجديد إلى اللغة الألمانية.

عواصف التغيير

لكن في خارج القلعة كانت عواصف الثورة ورياح التغيير تجتاح كل المقاطعات الألمانية مصحوبة بالروح القومية، فالقداس يقام باللغة الألمانية، والرهبان يتزوجون، والصور والتماثيل تنزع من الكنائس الكاثوليكية، والملابس الكهنوتية تختفي، والجماهير تخرج منادية بالحكم الديمقراطي، حتى إن لوثر نفسه فوجئ بهذه الأمواج العاتية، فخشي أن تأكل كل شيء؛ فكتب رسائل للتهدئة، ولم ير بدا من الخروج إلى فيتمبرغ في بداية مارس/آذار 1522م.
كانت كتابات مارتن لوثر تنتشر انتشار النار في الهشيم، إذ إن أحد كتبه نفدت منه 40 ألف نسخة في 6 أيام، كانت دعوة لوثر إلى حرية المسيحي تطرب وجدان الفلاحين الذين يرغبون بقوة في التحرر من عشور الأمراء والكنيسة، وكانوا يدعمون أفكارهم بأدلة من الكتاب المقدس الذي ترجمه لوثر إلى الألمانية بأسلوب سهل.
اتخذ التغيير شكل ثورة سياسية واقتصادية وقومية، كما كانت التغييرات الفقهية أيضا تأخذ شكلا ثوريا برمزيتها في تحدي كنيسة روما، فالرهبان يرغمون على ترك أديرتهم، والأطفال يمنعون من التعميد بالقوة، هال هذا الاندفاع مارتن لوثر نفسه فأصبح يكافح في اتجاهات بين الثورة على كنيسة روما والجهود في تهدئة رفاقه أمثال كارلستادت وتوما وكلاريوس ومقاومة دعوتهم إلى التغيير الجذري والعنيف والسريع، وفي هذا الوقت مات ملك ساكسونيا فريدريك الحكيم، في 5 مايو/أيار 1525م في غياب راهبه المحبوب المكدود.





ثورة الفلاحين

تنامت الروح القومية عند الألمان وتعاظم شعور الفلاحين بالظلم وزادت الحماسة بكتابات مارتن لوثر الثائرة على الأمراء والكنيسة الكاثوليكية حتى قال لهم "إن طغيانكم لم يعد يحتمل، واشمئزاز الشعب منكم بلغ المدى"، واستعر أوار النيران المتقدة في عظات رفاقه، كل هذا أشعل ثورة كبيرة انقلبت إلى حرب أهلية خطيرة، فالفلاحون يدمرون القصور والحصون، وقادتهم الروحيون يقولون "لا حياة كريمة لكم إذا بقي واحد من هؤلاء الأمراء على قيد الحياة".
ومرة أخرى فزع لوثر من الاندفاع المدمر إلى العنف، فقال للأمراء "قاتلوا هؤلاء الفلاحين ككلاب مسعورة"، واجتمع الأمراء بعد استسلام، ونظموا صفوفهم، واستأجروا المقاتلين الإيطاليين والإسبان، وعملوا في الفلاحين قتلا بطرق بشعة وسحقوهم بأساليب مروعة، وأسقط مرة ثانية في يد لوثر، فندم على تصريحه ضد الفلاحين الذين كان هو من أثارهم، ولكن بعد فوات الأوان، لقد خاب ظن الجماهير فيه بعدما كرهوا الظالمين الذين ثاروا معه عليهم.
لم تهدأ هذه الثورة ولم تضع الحرب الأهلية أوزارها حتى كان عدد كبير من الكنائس في ألمانيا قد قبلت المبادئ اللوثرية، وأصبح لوثر زعيما قوميا يؤمن به الشعب ويهابه الأمراء الذين اعتنق عدد منهم دعوته إلى التغيير، فانقسمت ألمانيا إذن بين كنائس لوثرية وكنائس كاثوليكية.

زواج الكاهن والراهبة

دعوات الإصلاح والتغيير أصبحت باتت شعار المرحلة، وقد حركت كل وتر ساكن في المجتمع، وفي دير نيميتش بساكسونيا وجدت راهبات في كتابات مارتن لوثر أملا في التخلص من الظلم الذي وقع عليهن من أسر فرضت عليهن حياة الرهبنة تخلصا من مشاركتهن في الميراث.
فتدخل لوثر وألحق بعضهن بأهاليهن، وعمل على إلحاق بعضهن بالعمل، وتزوج من إحداهن وهي كاترين بورا يوم 13 يونيو/حزيران 1525م، في تراجع عما قرره من قبل من رفض للزواج لأنه مطارد بوصفه هرطوقيًّا مهدد بالموت، وقد أثار هذا الزواج الثوري الإصلاحياعتراضات من الكاثوليك ومن الإصلاحيين أيضا، ولكنه في النهاية نجح واستقر وأثمر أولادا.
انطفأت دعوات الحروب الأهلية وهدأت الأجواء، فبدأ مارتن لوثر جولات مع رفيقيه سبالاتين وملانكثون في 1527م و1529م لزيارة الكنائس التي اعتنقت مبادئ الإصلاح، فاكتشف أن الانتشار السريع لدعوته الإصلاحية في كنائس ألمانيا خلف عليه عبئا كبيرا في توفير القيادات والمعلمين القادرين على شرح الرؤى الإنجيلية، ولذلك كتب سفرين هما "أصول الإيمان المفصل" و"أصول الإيمان المختصر" باللغة الألمانية، وقد لقي هذان الكتابان انتشارا كبيرا بين فئات الشعب.

إعلان البروتستانتية

وإزاء التنامي السريع في قبول الإصلاح اللوثري في ربوع المقاطعات الألمانية تنامت جهود أمراء المقاطعات الكاثوليكية في الحرب عليه، فاجتمعوا في الدايت الألماني وأصدروا قرارات بمنع دعوات لوثر في المقاطعات الكاثوليكية، ومنع إقامة أي كنيسة لوثرية في أي منطقة توجد بها كنيسة كاثوليكية، وإطلاق العنان للكاثوليك في الدعاية بمناطق الكنائس اللوثرية.
وفي مواجهة هذه القرارات اجتمع أمراء الشمال وأمراء 14 مقاطعة في الجنوب، وأعلنوا احتجاجهم على هذه القرارات ورفعوا عبارة "نحن نحتج"، ولهذا أطلق على أهل الدعوة اللوثرية اسم البروتستانت.





عندما هدأت النزاعات الخارجية رغب شارل الخامس في أن يلتفت إلى المشكلة الداخلية الألمانية، وينهي الانقسام، فدعا إلى مجمع على مستوى الأمة والكنيسة يحضره الكاثوليك والبروتستانت، وانعقد المجمع في أكسبورغ في 8 أبريل/نيسان 1530م في غياب مارتن لوثر، وقدم البروتستانت الكثير من التنازلات، ولكن المجمع لم يصل إلى أي توافق، فرفض شارل الخامس موقف اللوثريين، وكتب إلى البابا "لن ينفع إلا العنف"، وأمهل البروتستانت حتى 15 أبريل/نيسان ليتراجعوا عن موقفهم، فانسحب وفدهم وعاد إلى فيتمبرغ سالما، وانهمكوا في دعوتهم، وأخذوا يجمعون شتاتهم دفاعا عنها، فأصدروا معاهدة دفاع مشترك في 1537م.
انهمك لوثر أيضا في الكتابة والوعظ والرحلات إلى الكنائس البروتستانتية، وكان يرى أن الواجب في تعليم مبادئ الإصلاح أعظم من العمل على توسيع الانتشار، وظل لسنوات بعد مجمع أوغسبورغ 1530 ولا عمل له إلا نشر تعاليمه، مع ما كان يعانيه من أمراض.
وفي 13 يناير/كانون الثاني 1546م قام برحلة من بيته في فيتمبرغ وصل في نهايتها إلى إيسليبن مسقط رأسه في 31 يناير/كانون الثاني 1546م، ونشط في الوعظ والتواصل مع رفاق الدعوة الإصلاحية، وبذل في ذلك جهدا كبيرا مع اعتلال صحته وقسوة برد الشمال في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط.
وفي 16 فبراير/شباط لزم مقره إذ اشتد عليه المرض فزاره أتباعه وهم يشعرون بأنهم يودعونه، وفي الثالثة صباحا من يوم الخميس 18 فبراير/شباط 1546 مات مارتن لوثر في المدينة التي ولد وتعمد فيها.

ميراث مارتن لوثر

رحل مارتن لوثر وترك خلفه مذهبا مسيحيا جديدا يعتنقه الآن أكثر من 500 مليون حول العالم، وقد ميزته عقائد وأفكار ثورية تعترض على كنيسة روما وترى أن البابا يمكن أن يخطئ، وترفض صكوك الغفران، وترى أن العفو عن المذنب هبة من الله، وتحتكم إلى الكتاب المقدس مباشرة وتفسره بظاهر النص، وترى حق كل مسيحي في قراءة الكتاب، وترفض الرجوع إلى قوانين المجامع، وتبيح الصلاة باللغات المحلية، وتبيح زواج الرهبان، وترى كهنوت جميع المؤمنين بما يعني رفض تنظيم الكهنة الكنسي.
جملة الأفكار البروتستانتية تعود إلى أفكار مارتن لوثر، وإن كانت قد تفرقت بعد ذلك إلى مذاهب وكنائس مجموعة في 7 عائلات يلاحظ تأثرها جميعا بالفكر الإسلامي، لا سيما المذهب الظاهري الذي أشاعه ابن حزم في الأندلس، وقد كتب الشيخ أمين الخولي في ذلك بحثا موجزا قدمه إلى مؤتمر الأديان العالمي السادس في بروكسل عام 1935 إذ كان موفد الأزهر.
دعمت دعوةَ مارتن لوثر وثورته روحٌ قومية ألمانية وجدت عناصر قوتها في فكره وحركته، واستفز هو أيضا هذه الروح، إذ كان يسمي أفكاره "لاهوتنا" و"اللاهوت الألماني"، كما أن أنشطته الفكرية والثورية ومؤلفاته التي انتشرت في عموم المقاطعات فرضت اللغة الألمانية لغة أدب.
فقد كانت الجماهير تقبل على كتبه التي صاغها بلغتهم الدارجة، حتى إنها كانت تباع في المكتبات وفي منافذ بيع الأغذية، وكان يقول: إنه ينبغي ألا نطلب كما يفعل الحمير من الحروف اللاتينية أن تعلمنا كيف نتحدث الألمانية، بل ينبغي أن نسأل الأمهات في بيوتهن والأطفال في الشوارع وعامة الناس في السوق، يجب أن نسترشد بهم في الترجمة، ولسوف يفهموننا ويعلمون أننا نخاطبهم بالألمانية.
لم يكن مارتن لوثر الإصلاحي الأول في عصر النهضة، بل سبقه عدد من المثقفين والقساوسة كان مصيرهم الحرمان بقرار من البابا والحرق بأمر الإمبراطور، ولكن الظروف كانت قد نضجت في سنوات نشاط لوثر، حتى تحولت أفكاره إلى ثورة قومية ألمانية انتشرت في أوروبا الغربية، وخاضت صراعات عنيفة مع الكاثوليكية بلغت أوجها في حرب دامت ثلاثين عاما بين 1618م و1648م وأدت إلى انخفاض عدد سكان ألمانيا بنحو 30%، وانتهت بعقد صلح ويستفاليا الذي أقر البروتستانتية مذهبا مسيحيا، وأدى إلى قيام الدول القومية في أوروبا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية   مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Emptyالإثنين 29 يوليو 2024, 10:00 am

مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية %D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%86-%D9%84%D9%88%D8%AB%D8%B1-44-1721991003



كيف تحالف البروتستانت مع الصهيونية رغم كره مارتن لوثر لليهود؟


يقول المؤرخ الفرنسي مارك لينارد، عميد كلية اللاهوت البروتستانتي في جامعة ستراسبورغ، في دراسة نشرها 2017، إن مؤسس البروتستانتية مارتن لوثر (1483-1546) وبّخ اليهود على رفضهم المسيح واعتقادهم أن خلاصهم بالانتماء لما يصفونه بالشعب المختار وليس بالإيمان.


وأورد لينارد في الدراسة أن لوثر نشر 3 كتب معادية لليهود عام 1543 حرّض من خلالها الحكام على اتخاذ إجراءات قاسية ضدهم، ومنها: كتاب "اليهود وأكاذيبهم" أو "نفاق اليهود"، وهو الكتاب الذي سعى اليهود بقوة إلى إخفائه أو الحد من تداوله، حسب دراسة عن الكتاب نشرها مركز القدس للدراسات التوثيقية.


فكيف يمكن تفسير التقارب إلى درجة التماهي بين البروتستانت المعاصرين واليهود الذي أنتج ما بات يعرف بالصهيونية المسيحية؟


كتاب "اليهود وأكاذيبهم" لمارتن لوثر الجزيرة
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية W8-1721980610



كيف تكون المسيحية صهيونية؟
بحسب دراسة للباحث مايكل دي لوكا نشرتها مجلة اللاهوت تحت عنوان "تطور المسيحية الصهيونية"، فإن مفهوم الصهيونية يطلق على حركة قومية يهودية ظهرت في القرن الـ19، بينما يعني مفهوم "الصهيونية المسيحية" حركة المسيحيين الداعمين لهذه القومية اليهودية.


ولا يخفي الباحث دهشته من وجود طائفة مسيحية محبة بقوة لليهود في ظل الاضطهاد الذي عانى منه اليهود في العالم المسيحي خلال القرون الماضية، إذ طردوا عام 1290 من إنجلترا، وفي عام 1492 من إسبانيا، وبعد ذلك بوقت قصير طردوا من البرتغال، ثم من عدد من المدن الألمانية، وبعد اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني عام 1881 تعرض اليهود لمذابح وأجبروا على الفرار من روسيا.


ومن المستغرب، كما يقول الباحث، أن مارتن لوثر كان كارها لليهود، ومع ذلك فإن المسيحيين الصهيونيين ليسوا سوى أتباع مذهبه البروتستانتي، بل إن الدارسين يطلقون على الصهاينة المسيحيين وصف البروتستانت الألفيين، نسبة إلى عقيدة يهودية تدّعي عودة المسيح للحكم ألف عام وتخليص اليهود.


ومما يثير الدهشة في التحالف الذي حصل بين البروتستانتيين والصهيونية التي تحشد الدعم لعودة اليهود إلى فلسطين هو ما ذكرته دراسة للباحثة فلورنس توبمان نشرها موقع "كيرن إنفو" تحت عنوان "هل يمكن أن نتحدث عن معاداة اليهودية في البروتستانتية؟"، إذ أشارت إلى تناقض في معتقدات الطرفين؛ فالفكر البروتستانتي الذي أسسه لوثر يقاوم بشدة فكرة الأراضي المقدسة، فلا يعتقد بالحج ولا الهياكل ولا الأماكن المقدسة.


مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية %D9%84%D9%88%D8%AB%D8%B1-44-1721983609

الفكر البروتستانتي الذي أسسه لوثر يقاوم بشدة فكرة الأماكن المقدسة والأراضي المقدسة 


أوصاف اليهود حسب مؤسس البروتستانتية
في كتابه "اليهود وأكاذيبهم"، رأى اللاهوتي الألماني مطلق عصر الإصلاح البروتستانتي في أوروبا أن "ما حلّ باليهود من شتات ونكبات وما يتصفون به من سوء أخلاق وحقد على المجتمعات التي يعيشون فيها سببه ما حل في أوروبا وهو غضب الله تعالى عليهم، فمن دأبهم اتهام الله بالكذب، ولو كانوا شعب الله المختار لما أصابهم ما أصابهم ولما قست قلوبهم ولاتعظوا بما حل بهم".


وقال لوثر إن اليهود "أرضعوا الكراهية من ثدي أمهاتهم، فهم يحتقرون من سواهم من البشر، ونحن في نظرهم وثنيون، ولسنا من طبقة البشر، ومنزلتنا عندهم منزلة الحشرات".


وأضاف لوثر أن اليهود يتعاظمون بالباطل ويمجدون أنفسهم، لكن التوراة تصورهم تصويرا رائعا، فهم "منافقون وسفاحو دم.. قتلوا الأنبياء وارتكبوا كل المعاصي والمنكرات، ولم يكتفوا بتحريف التوراة، بل أضافوا إليها تفاسيرهم المضلّة".


ووصف لوثر مدارس اليهود بأنها "عش إبليس حيث يتعلمون فيها أساليب الغش والخداع والفتك بالآخرين"، مؤكدا أن مزاعمهم بالعودة إلى أرض الميعاد لا سند يدعمها من التوراة إلا ما يستخرجونه منها بتحريفهم.
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية 9-2-1711265607لوثر: اليهود يتعاظمون بالباطل ويمجدون أنفسهم ويحتقرون من سواهم من البشر (الجزيرة)
ويجزم أن اليهود لا يفعلون الخير، موضحا "إذا ما صنع اليهود شيئا من الخير أحيانا في مجتمعاتنا فثق أنهم لم يصنعوا ذلك عن خالص رغبة إنسانية فيهم حبا للخير، وإنما اضطرارهم إلى مساكنتنا في وطن واحد يلزمهم بإتيان شيء من الحسنات في الظاهر، لكن قلوبهم باقية مقفلة على عللها".
ودعا لوثر لأن يمنع حاخامات اليهود من ممارسة الوعظ وأن تنتزع منهم كتبهم، وأن يمنع اليهود عموما من تملّك البيوت والمساكن ومن ممارسة الربا، مضيفا أن "كل ما بأيدي اليهود من مال إنما سرقوه منا بالربا".
وخلص لوثر إلى أنه أن لا حل مع اليهود الذين وصفهم "بالديدان السامة" إلا بطردهم إلى الأبد، ناصحا الحكام بالعمل على التخلص مما وصفه بعبء اليهود الشيطاني المتغطرس، حتى لا يكونوا شركاءهم يوم الحساب أمام الله، على حد قوله.

أثر لوثر في معاداة اليهود

كان لكتابات لوثر المعادية لليهود تأثير واضح على أتباعه في ألمانيا، فقد اندلعت أعمال عنف في النصف الثاني من القرن الـ16 تعرض خلالها اليهود لطرد جماعي من المقاطعات الألمانية اللوثرية.
ووفقا للباحثة فلورنس توبمان، فإن الكنائس البروتستانتية أسهمت كثيرا في اضطهاد اليهود على فترات متعددة وصولا إلى ما يسمى بالمحرقة النازية.
وأضافت أنه في وثيقة نشرت في 2001 تحت عنوان "الكنيسة وإسرائيل" اعترفت بعض الكنائس البروتستانتية بمسؤوليتها عن المحرقة بسبب ما وصفته بالتفسيرات الخاطئة لنصوص الكتاب المقدس التي تدعو لرفض اليهودية وتشويه سمعتها والعداء المعلن لليهود.
وبحسب دراسة للمؤرخ الألماني روبرت مايكل، فإن للوثر وكتاباته أثرا بالغا في تنامي ظاهرة معاداة اليهود في ألمانيا، فخلال فترة 1930-1940 استخدم النازيون كتابات لوثر لتكون دعاية مثالية لتأليب الرأي العام على اليهود، واحتوت كل المطبوعات الصادرة عن النازيين خلال تلك المرحلة على اقتباسات من كتابات لوثر ضد اليهود.





هل تناقض لوثر بشأن اليهود؟

وأما أستاذ اللاهوت البروتستانتي مارك ليينارد فيرى أن لمارتن لوثر رأيين متناقضين بشأن اليهود، فقد دعا في كتاباته الأولى المسيحيين إلى التعاطف مع اليهود، لكنه في مؤلفاته الأخيرة كان معاديا لليهود ودعا لاتخاذ إجراءات قاسية ضدهم.
بيد أن معظم الدارسين يرون أن آراء لوثر الأخيرة بشأن اليهود أولى بالاعتبار، نظرا لكونها تمثل خلاصة ما أوصله إليه اطلاعه وفكره ومراجعاته، وثانيا لأن لوثر نفسه أشار في بعض كتاباته إلى أنه سعى في بادئ أمره لإنقاذ اليهود من خلال دعوتهم للتحول إلى المسيحية، وعلى هذا فإنه ألان لهم القول في البداية استعطافا لهم، ولما يئس من تنصيرهم أظهر ما كان يخفيه مما يعتقده من حقائقهم ودعا للخلاص منهم.
وهناك من الدارسين من يرى أن الموقف الأول لمارتن لوثر المتعاطف مع اليهود كان دافعه ملاحقة الكنيسة له واتهامها له بالهرطقة والخروج من الدين وإصدار قرار بإعدامه حرقا ألجأه إلى الاختفاء والعمل السري، فاضطر في تلك الفترة إلى استمالة اليهود الذين كان لبعضهم نفوذ كبير في المجتمع، بالإيحاء لهم بأن مذهبه الجديد يعيد الاعتبار لليهود الذين كانوا يعانون من ازدراء الكنيسة الكاثوليكية.
وزيادة على ما تقدم، يقول بعض من أرّخوا للبروتستانتية إن لوثر اعتنق لبعض الوقت معتقدات بررت حرصه في بداية أمره على التصالح مع اليهود، إذ كان يؤمن أن وجودهم ضروري لعودة المسيح، وقد عدّ ذلك الموقف من ضمن مواقفه التي تمثل انقلابا على مواقف الكنيسة البابوية التي كانت تنظر إلى اليهود على أنهم قتلة المسيح عيسى بعدما صلبوه.
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية Martin-Luther4-1709809141دعوات لوثر المتكررة للعودة إلى الأصول الدينية السابقة جعلت أتباعه يقدسون كتاب اليهود أكثر من تقديسهم للإنجيل (غيتي)

لوثر خدم اليهود أيضا

يتفق الباحثون أن الخدمة الأبرز التي قدمها مؤسس البروتستانتية لليهود -من حيث لا يدري ربما- هي دمج العهدين القديم المسمى بالتوراة والجديد المسمى الإنجيل في كتاب واحد، وقد أدى ذلك إلى إعادة الاعتبار لليهود ومعتقداتهم التي يمثلها ما يسمى بالعهد القديم.
فحسب الباحثة الفرنسية فلورنس توبمان، فإن نفض لوثر الغبار عمّا سمي بالتوراة العبرانية القديمة ودعوته للاهتمام باللغة العبرية بوصفها لغة التوراة، كل ذلك أسهم إسهاما كبيرا في التقارب بين البروتستانت أتباع لوثر وبين اليهود.
بل إن دعوات لوثر المتكررة إلى العودة للأصول الدينية السابقة وتقديمها على اللاحقة جعلت أتباعه البروتستانت يقدسون كتاب اليهود أكثر من تقديسهم للإنجيل باعتبار العهد القديم هو الأقدم والأصل بالنسبة إلى العهد الجديد.
وكانت دعوة لوثر لتهجير اليهود إلى أرض فلسطين ليس حبا لهم بل للتخلص منهم، ومما قاله في كتابه "اليهود وأكاذيبهم": "من الذي يحول دون اليهود وعودتهم إلى أرضهم في يهوذا؟ لا أحد. إننا سنزوّدهم بكل ما يحتاجون لرحلتهم، لا لشيء إلا للتخلص منهم. إنهم عبء ثقيل علينا، وهم بلاء وجودنا".

تهويد المسيحية

يؤكد الدارسون أن دعوة لوثر لإعادة الاعتبار للعهد القديم أدت خلال القرنين الـ17 والـ18 إلى ظهور تيار بروتستانتي متشدد عُرف بـ"البيوريتان" أو "التطهيريين".
نشأ هذا التيار أولا بين الإنجليزيين ثم انتقل إلى الأميركيين، وهو تيار شديد المحافظة على التقاليد العبرانية لدرجة أن الكاثوليكيين اتهموا البروتستانت بتهويد المسيحية، إذ أحلّوا "العهد القديم" بتشريعاته وأخلاقياته وطقوسه محل "العهد الجديد".
ويكشف الباحث الأميركي مايكل دي لوكا أن أفكار الصهيونية المسيحية سبقت تاريخيا ظهور الصهيونية اليهودية، فقد ظهرت "الصهيونية المسيحية" في منتصف القرن الـ19 بهدف العمل على إيجاد موطن لتجميع اليهود تحقيقا لما تزعم أنه نبوءات الكتاب المقدس.
أما الصهيونية اليهودية فبرزت في نهاية القرن الـ19، إذ ولدت حركة عشاق صهيون (جبل في القدس) عام 1882، وكان هدفها تنظيم هجرات لليهود إلى فلسطين.
بينما أعلن مؤسس الحركة الصهيونية اليهودية النمساوي [url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2015/4/16/%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%87%D8%B1%D8%AA%D8%B2%D9%84#:~:text=%D9%8A%D8%B9%D8%AA%D8%A8%D8%B1 %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3 %D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D9%8A %D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF,%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1 %D8%AD%D8%AA%D9%89 %D9%88%D9%81%D8%A7%D8%AA%D9%87 %D8%B9%D8%A7%D9%85 1904.]ثيودور هرتزل[/url] عام 1896 أن اليهود مُنحوا ما سماه السيادة الكاملة على جزء كاف من سطح الكرة الأرضية، وقام هرتزل في العام التالي بتنظيم أول مؤتمر للصهيونية في بازل.





هل البروتستانت صهاينة أكثر من اليهود؟

يؤكد الكاتب الفرنسي فريديريك أنسيل، في دراسة نشرها سنة 2005 في موقع كيرن إنفو، تحت عنوان "الصهيونية المسيحية: سيوف المقاتلين وتأثير المبشرين"، أن المسيحيين البروتستانت أكثر حماسة لإقامة كيان لليهود من الصهاينة اليهود أنفسهم.
ووفقا للمؤرخين، فإن مؤسس الصهيونية اليهودية لم يكن يمانع في إقامة وطن لليهود في الأرجنتين أو أوغندا أو العراق أو كندا، لكن الصهاينة المسيحيين كانوا مصرّين على فلسطين.
كما أن الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل ليس بضغط اللوبي اليهودي فقط، وإنما بالأساس بفعل حماسة المسيحية الصهيونية ونفوذها في أميركا التي ينتمي إليها أغلب الرؤساء الأميركيين وبعضهم يعلن صراحة أن دعمه لإسرائيل إنما هو تنفيذ لأوامر الرب.
ولذا -يقول الباحث مايكل دي لوكاـ ليس من المستغرب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال عام 1998 أمام جمعية من المسيحيين الأميركيين "ليس لدينا حلفاء أفضل من الأشخاص الذين يجلسون في هذه الغرفة".
وحسب الكاتب الفرنسي فريديريك أنسيل، فإن المسيحيين الصهاينة لا يكتفون بالدعم السياسي والمالي لتمكين الصهاينة اليهود من احتلال الأراضي الفلسطينية فقط، بل يقاتلون معهم جنبا إلى جنب.
ويعطي الباحث أمثلة على هؤلاء، فيذكر الضابط الأسكتلندي المسيحي الصهيوني المتحمس تشارلز وينجيت الذي تولى عام 1938 تدريب مقاتلي الهاغانا اليهود الذين سيكونون لاحقا قادة للجيش الإسرائيلي، وممن تولى تدريبهم كان موشيه ديان وزير الدفاع خلال حرب 1967.
ويضيف أنسيل أن من هؤلاء أيضا السويسري موريس موهلثالر مؤسس بنك الدم الإسرائيلي، والفرنسي ثادي ديفري الذي أسس خلال حرب 1948 وحدة كوماندوز فرنسية لدعم الإسرائيليين، والأنجليكاني البريطاني ديفيد أبل، والأميركي لاري جرال، والكندي بيرلينج الذي توفي فجأة على متن طائرة متجهة إلى إسرائيل، والفرنسي روجر تورييز الذي قُتل في القدس عام 1948.





وفضلا عن هؤلاء، لم يكن منفذ الفعلة الشنعاء بإحراق جزء من المسجد الأقصى المبارك سنة 1969 السائح الأسترالي "[url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2017/8/20/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%88-%D8%B1%D9%88%D9%87%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86%D9%81%D8%B0-%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF#:~:text=%D9%88%D9%84%D8%AF %D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%B3 %D9%85%D8%A7%D9%8A%D9%83%D9%84 %D8%B1%D9%88%D9%87%D8%A7%D9%86 %D9%81%D9%8A,%D9%88%D8%A3%D8%B1%D9%88%D9%82%D8%AA%D9%87 %D9%88%D9%85%D9%86%D8%A8%D8%B1 %D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD %D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A.]دِنيس روها[/url]ن" يهوديا، بل كان صهيونيا مسيحيا متشددا.
ونخلص من الدراسات السابقة إلى أن هذا التماهي بين البروتستانتية المسيحية والصهيونية اليهودية لا يمكن أن يكون مبنيا على أساس ديني، كما يقرر الباحث دي لوكا. وخير مثال على ذلك أن معتقدات البروتستانت والمسيحيين عموما تزعم أن عودة اليهود إلى أرض إسرائيل حدث أخروي إلهي يقع خارج نطاق النشاط البشري، وهذا عكس ما تعمل عليه الصهيونية اليهودية.
والمفارقة الأدهى من ذلك أن الباحث نفسه ينقل لنا عن المؤرخين أن مؤسس الصهيونية اليهودية ثيودور هرتزل كان ملحدًا، ولم يكن ينطلق من أي نوازع دينية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مارتن لوثر.. راهب ألماني رفض صكوك الغفران وأسس البروتستانتية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مارتن لوثر كينج
»  مارتن لوثر: الحداثة عبر الدين
» راهب ألماني يهودي، سرق مسلة ميشع أو حجر ميشع
»  مقدمات وأسس دراسة علم الأخلاق الإسلامية
»  الحركة البروتستانتية في القرن السادس عشر.. السياق والأسباب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: شخصيات سياسيه :: سيرة ذاتية-
انتقل الى: