الكيان يهدد استقرار الأردن
للموقع الجغرافي الاستراتيجي مزايا كثيرة لكنه في ذات الوقت يمكن أن يكون له تكاليف أيضا.
هذا ينطبق تماما على موقع الأردن الاستراتيجي، فبقدر ما يتيح له مزايا فإنه يشكل عبئا عليه، وهذا العبء ناتج بشكل رئيسي من وجود الكيان الصهيوني المحتل على حدوده، وهو كيان عدائي ينشر جرائمه في كل مكان.
آخر جرائم الكيان المارق واعتداءاته كانت اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران، وهو ما يشكل جريمة دولية واعتداء على سيادة بلد مستقل، وهو أمر لا يمكن أن تسكت عليه أي دولة ذات سيادة؛ ما يجعل لإيران الحق في الرد على تلك الجريمة والانتقام من الكيان.
هذا الوضع أثار في الأردن ذكريات الهجوم الإيراني الواسع على الكيان ردا على الهجوم على قنصليتها في دمشق في نيسان الماضي، وبحسب المعطيات الجديدة وحجم الجريمة فإن الرد الإيراني سيكون أقسى، وإذا حاكى الإيرانيون الهجوم السابق فستكون سماء الأردن حتما عرضة لمرور تلك المسيرات والصواريخ.
ينسحب منطق احترام سيادة الدول على الجميع ومنها الأردن بالطبع، وقد تصدى الأردن للمسيرات والصواريخ الإيرانية المتجهة للكيان من هذا المنطق، وأعلن أنه لن يسمح لأي جهة باختراق الأجواء الأردنية وتهديد سيادة البلد ومواطنيه، وهو موقف لقي مساندة شعبية.
ومع ذلك فإن استمرار تصدي الأردن للهجمات التي سيتعرض لها الكيان ردا على جرائمه وانتهاكاته ستضعه في موقف محرج، فهناك من سيتهمه بأنه يدافع عن الكيان، وهناك من سيستدعي قصة التواجد الأمريكي والبريطاني والفرنسي، وهي بالمناسبة أطراف أعلنت صراحة أنها تصدت للهجوم الإيراني في نيسان، ويبني عليها، وهناك من سيتساءل هل حقا تلك القوى يمكن أن تساهم بالتصدي لأي خرق للأجواء الأردنية قادم من الغرب كما هي مستعدة للتصدي لأي خرق قادم من الشرق؟ وهناك من سيتساءل عن القدرات الأردنية للتصدي للصواريخ والطائرات الصهيونية المتطورة التي لا تستطيع الرادارت رصدها، وهناك من سيقول إن التصدي للمسيرات والصورايخ فوق سماء الأردن يمكن أن يشكل خطرا على الأردنيين أكثر مما لو ذهبت في حال سبيلها إذا تأكدنا أنها لن تسقط في الأراضي الأردنية، ولولا لطف الله لشهدنا خسائر في الأرواح في هجوم نيسان. يقابل ذلك رأي أن سماء الأردن لا يجوز أن تكون مسرحا لكل من يريد أن يصفي حساباته، وهذا يتطلب التعامل بحزم مع كل خرق للأجواء أيا كان مصدره وسببه.
هذا الوضع الإشكالي الذي نحن فيه سببه الأول والأخير هو الكيان الذي لا يقيم وزنا لأحد في المنطقة مدعوما بحليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة، وهي بالمناسبة حليفة للأردن، لكنها في ذات الوقت تتغاضى عن سلوكيات الكيان المهددة للأمن والاستقرار في الأردن، وهنا لا يفهم الأردنيون كيف أن تلك الدولة العظمى لا تستطيع أن تضع حدا لتمرد هذا الكيان وانتهاكه لجميع الأعراف والقوانين والشرائع في فلسطين المحتلة عموما وفي غزة عموما، بل إن الأردنيين في غالبيتهم يعتبرون أن الولايات المتحدة شريكة شراكة كاملة في جرائم الكيان.
واشنطن تتحمل المسؤولية كاملة عن جرائم هذا الكيان، ويعتقد الأردنيون أن واشنطن لن تقف معهم في حال واجه الأردن تهديدا من قبل هذا الكيان، والأردنيون في غالبيتهم يعتقدون أن وجود واشنطن في المنطقة هو لحماية الكيان، وبالتالي فإن واشنطن مستعدة للتضحية في الأردن في سبيل حماية الكيان.
لنكن صريحين فإن الأردنيين بغالبيتهم سيكونون راضين عن أي هجوم يتعرض له الكيان انتقاما لدماء رئيس حماس الشهيد إسماعيل هنية، وأعتقد أن هناك من سيوزع الحلوى، فالحركة وقائدها لهما احترام كبير في نفوس الأردنيين عبروا عنه خلال العشرة شهور الماضية، كما عبروا عنه خلال مجالس العزاء والمسيرات الضخمة التي نددت باغتيال هنية، لكن المعضلة هي إن تم هذا الانتقام عبر خرق الأجواء الأردنية!!