ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: أكلات زمان: أمهات غزة يحولن المعلبات إلى شاورما وبرغر وطبخات شعبية الأربعاء 14 أغسطس 2024, 7:11 pm | |
| "ماما نفسنا ناكل سينتشل".. على مائدة يوم الجمعة قالها الصغير الذي اعتاد على أن ليوم الجمعة طقوسه الفريدة، فكان يختار ويتشاكس مع أخوته أي طعام سيأكلون اليوم، وتبدأ الحرب الصغيرة هل مقلوبة أم فتة أم منسف أو ربما شاورما. ولكن منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة لم تعد للأيام هيبتها ولا بهجتها، يشتهي الصغار والكبار أنواع الطعام المختلفة ولا يجدونها، فمنذ أشهر لم تدخل أفواههم سوى الأطعمة المعلبة التي تأتي في شاحنات المساعدات التي ترفض إسرائيل إدخال غيرها من الأصناف إلى مدينة غزة وشمالها.لم تعد الأمهات يحترن في طبخ اليوم فالخيارات معدودة، أمامك صندوق من المعلبات ستختار منه حتمًا، ولشدة مللهن من القائمة المعتادة عكفن على اختراع أصناف من الطعام من المعلبات تشبه في أسمائها أكلات زمان كما يقلن، فمن السينتشل إلى فرشوحة الشاورما إلى فطيرة الدجاج بلحم المعلبات.هنا نحكي مع نساء من غزة وشمالها، عن الاشتياق للطعام المفقود منذ بدء الإبادة الجماعية، ليشاركننا اختراعاتهن اللواتي اكتشفنها في الحرب.من المعلبات يصنعن الشاورما ولاء أبو راشد واحدة من الذين بقوا في شمال غزة، فدفعت ثمن البقاء وكانت فاتورته ثقيلة، عاشت وصغارها المجاعة فلم تجد شيئًا تسد رمقهم حين الجوع إلا الأرز التي كانت قد خزنته مسبقًا، ولكن أطفالها كانوا يعترضون: "بدنا خبز.. هو فش إلا الرز ما بدنا".ولكن لا رفاهية ولا اختيار ما يضع أمامهم سيأكلونه حتمًا لإنه ببساطة الموجود، وفي كل ليلة وأصوات الغارات ترتفع يخبرها الصغار بأنه يجول في خاطرهم تذوق الشاورما والمنسف والدجاج، فترد: "ادعوا كتير يا ماما يدخل النا أكل، عشان ضلينا بالشمال اليهود بعاقبونا".لا تنس ولاء يوم أن رأى الصغار كيس الطحين لأول مرة بعد أشهر من الحرمان، ومعلبات اللحمة أيضًا، ظنوها كطعم الدجاج واللحمة الأصليين ولكن خاب ظنهم حين التذوق، ولكن لا بأس فقررت أن تستخدم البهارات وتعيد اختراع الطعام ليتقبله صغارها.تقول: "لا أطيق رؤية المعلبات أمامي، ولكني مضطرة لأن أفكر وأسأل لأبتكر منها طريقة يحب طعمها الأطفال، أول مرة تناولوا معلبات اللحمة مثل ما هي، بالمرة الثانية فكرت أن أضعها على النار وأنكهها بالبهارات وعلى رأسها بهار الشاورما لتشبه طعمها ولو قليلًا، فنالت إعجابي رفقة زوجي والصغار"." شينتسل كزّاب" من المعلبات أيضًا وحين صارحها طفلها برغبته في تناول السينتشل اشترت القسماط المطحون، وجلبت اللحمة المعلبة وبدأت في صنع "سينتشل كزاب".. وبالتحايل على الطريقة الأصلية أوجدت قطع من اللحم يبدو مظهرهها أنها "سينتشل حقيقي".تضيف: "لدي مخزون جيد من علب البازيلا فبحثت عن طريقة أخرى لطبخها، وتوصلت بعد أسئلة لعدد من المقربين إلى طريقة مختلفة بالطهو، فاقترحوا علي هرس حبات البازيلا وإضافة الطحينية لها والثوم والليمون والملح لتشبه الأفوكادو في طعمها ولكنها تجربة عبثية، لم يعجبني طعمها أبدًا عدا أن الإضافات التي تضاف إليها مرتفعة الثمن وبالتالي هذا الطبق مكلف".أما آلاء النمر التي رفضت النزوح جنوبًا وبقيت صامدة في قلب المدينة المكلومة، لم تبتعد وصفاتها المطبخية بعيدًا عن سابقتها، تقول: "دفعت ثمن بقائي في الشمال غاليًا جدًا، فقد رأيت أطفالى جوعى ولا أستطيع فعل أي شيء لهم سوى أن أترك حصتي من الطعام في حال طلب أحدهم، وقد كنت وقتها حاملًا وقضيت 3 شهور من حملي في المجاعة فكان الأمر قاسيًا جدًا".وبعدما توفرت بعض المعلبات في شمال غزة- إذ لا يسمح الاحتلال إلا بدخول شاحنات المساعدات التي تحوى معلبات إضافة إلى الطحين-، سئمت آلاء وأطفالها من أكل المعلبات فبدأت في اختراع الأطعمة بأشكال متنوعة لتتحايل على الصغار ليقبلوا أكلها.تضيف لبنفسج: "كان يقول لي صغاري ماما نريد أن نأكل شاورما فأجلب علبة اللانشون وأفرمها وأضع عليها البهارات وأضعها في خبز الصاج وأقول لهم ها هي الشاورما وإن طلبوا همبرجر أقطعها إلى دوائر وأضعها في الخبز ليقولوا نحن أكلنا همبرجر".تكمل لبنفسج: "كتير أولادي نفسهم ياكلوا أكل زمان، ابني بيحكيلي نفسي أكل سلطة عليها بندورة وخس وخيار، زاكرة يا ماما لما بابا كان يشتري الموز ويخلينا ناكل غصب عنا، ماما هو ضايل لون الكيوي أخضر".فتة غزاوية بالمعلبات أيضًا في كل مرة تبتكر آلاء لعائلتها أطعمة مختلفة بعلب المعلبات، تذكر في مرة أن طلب أحدهم أن يأكل فتة فصنعت لهم خبز الصاج ووضعت عليه الأرز وجلبت علبة اللانشون وقطعتها قطع صغيرة ووضعتها فوق الفتة الكذابة بعد أن سقتها بماء مبهر وليس شوربة،وقالت لهم هذا دجاج.حاول الغزيون قدر المستطاع أن يفعلوا ما بوسعهم للتغلب على المجاعة، فما كان منهم إلا زرع بعض البذور لتنبت لاحقًا خضار علهم يزيلوا شوقهم للخضروات، والد آلاء كان من أولئك، تخبرنا عنه وتقول: "قد زرع والدي بعض البذور على أنقاض مدرسة الموهوبين، وبدأ بنبتة البندورة وكنا سعداء جدًا حين رأينا أول حبة بندورة، كما زرع قرع وملوخية وبامية وفلفل ولكن للأسف فشلت كثير من المزورعات لأن الأرض مسممة إثر الصواريخ التي ضربت بها".ختمت آلاء حديثها وهي ناقمة على كل من يستطيع وقف الإبادة الجماعية وتخاذل ولم يفعل: "أيها العالم الظالم لن نسامح ولن ننسى أننا نطهو العدس يومًا بعد يوم في الصيف الحار بعدما كنا نطبخه في ليالي الشتاء الباردة بسبب تخاذلكم في رفع الحصار عنا والمحرقة".كما يحاولن الأمهات الغزيات أن يبتكرن أطعمة تتوافق مع الموجود من معلبات في الأسواق، فلا خيار لديهن سوى التأقلم وأكل ما هو موجود، إذ يتعمد الاحتلال الإسرائيلي تضييق الخناق على أهل غزة وشمالها لينزحوا جنوبًا إذ يسمحون بدخول الخضار والفواكه هناك، ولكن أهل الشمال الذين وقفوا ضد سياسة التهجير يرفضون رفضًا تامًا النزوح جنوبًا حتى يأكلوا ما يريدون من خضار وفواكه ودجاج، ويصرون على البقاء في أماكننهم حتى الرمق الأخير. |
|