جملة قد تلخص تاريخ فلسطين وشعبها وكذلك تاريخ الدول العربية (قرن ونيف من الاستهداف والازمات) ولازال الإستهداف قائما والأزمات تتناسل وتتزايد دون ظهور ابسط البوادر لتوَقف الإستهداف من قبل الاستعمار الكلونيالي العسكري الاستيطاني القائم على التطهير العرقي والفصل العنصري في فلسطين ….
ما إن خسرت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، واحتلال القوات البريطانية القدس وفلسطين في يوم ٦/١٢/١٩١٧م حتى بدأ الأستعمار البريطاني الغربي تنفيذ خططه الاستراتيحية بإحكام قبضته على فلسطين خاصة والشرق العربي عامة في سياق التوافقات الإستراتيجية الإستعمارية لإقتسام مناطق النفوذ وتجزئة البلاد العربية إلى كيانات منفصلة عن بعضها البعض وصناعة هويات اقليمية يصعب اعادة تجميعها وصهرها في هويتها القومية الاساسية، بل وضعها في حالةٍ من التناقض والصراع مع تلك الهوية الاساسية الجامعة وهي الهوية العربية الاسلامية الصاهرة لكافة مكوناتها الاجتماعية والإنسانية الروحية والمادية..، ما أوجد أولى الأزمات وجَذَرَها في الواقع والوجدان للإنسان العربي، وهي أزمة الهوية والإنتماء ….. وتنازعها ما بين الإنتماء الوطني والقومي والديني… وما نتج عن هذه الأزمة كان أزمة خطيرة تمثلت بحالة منَ التوتر الدائم وعدم الإستقرار لكافة الكيانات والدول التي رَسمت حدودها تلك الاتفاقات الاستعمارية السرية والمعلنة، والموقعة بين الدول صاحبة الهيمنة والسيطرة والنفوذ على تلك الكيانات العربية من قبل دول الإستعمار الغربي المباشر ثم غير المباشر والذي استمر بصورة وأخرى … وكيفيات مختلفة للكيانات العربية الوليدة رغم اعلان استقلالها على فترات متلاحقة.. بعد الحرب العالمية الثانية …..
وذلك لتحقيق غرضين وهدفين رئيسيين الأول: وهو تسهيل عملية امتصاص ونهب خيرات وثروات البلاد العربية .. وابقائها في دائرة التخلف الاقتصادي والتقني والمعرفي…
والهدف الثاني: يتمثل في بناء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وترسيخه وتدعيمه ومن ثم العمل على دمجه مع المحيط العربي المجزأ والمقسم والمفتت كمكون اساسي من مكونات نظام المنطقة الذي يجري ترسيخه اليوم تحت مسمى نظام الشرق الأوسط الجديد….
من هنا كانت فلسطين منذ بداية الحقبة الإستعمارية في دائرة الإستهداف المباشر من قوى الإستعمار لذاتها ……. ولما تمثله اتجاه المنطقة العربية بشرقها وغربها …….
كي تتحقق الأهداف الاستراتيجية الكبرى لقوى الإستعمار الدولي الغربي في عموم المنطقة المسماة بالعالم العربي من الاطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا…
وهكذا زرعت المستعمرة الإسرائيلية (الكيان الصهيوني) على أرض فلسطين ككيان استعماري وظيفي تعهدت وساهمت كافة الدول الغربية الإستعمارية من اوروبا إلى الولايات المتحدة على صناعته وتوظيفه خدمة لمصالحها المختلفة وأداة من أدوات صراعها للسيطرة على المنطقة العربية ونهب خيراتها … وتم اشراك قوى اقليمية أخرى وغير عربية في المنطقة في تنفيذ هذه الإستراتيجية منها إيران قبل الثورة وبعدها والتي منحت أراض عربية على الضفة الشرقية للخليج العربي تتجاوز مساحة فلسطين بعدة مرات (الاهواز أو عرب استان) ثم تركيا العلمانية التي منحت لواء الاسكندرونة والذي أيضا تزيد مساحته عن مساحة فلسطين..
إن هذه الإستراتجيات الإستعمارية التي لازال العالم العربي والمواطن العربي يئن تحت وطأتها ونتائجها كما الدول والكيانات العربية التي لم تستطيع بعد عقود طويلة من اعلان استقلالها أن تنجح في بناء الدولة الوطنية المستقلة وأن تحقق التنمية والرفاه الإقتصادي لشعوبها والامن والإستقرار وانضاج مفهوم المواطنة وما يترتب عليه للمواطن من حقوق وواجبات …..
وهما الشرطين الاساسيين الواجب توفرهما في الدولة لتحقيق صفة الدولة الناجحة وتحقيق معنى الآية الكريمة (فاليعبدوا رَبَ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف)…..
إلا أننا إذا حاولنا ان نقارب هذه المفاهيم والشروط على اغلب الدول والكيانات العربية نجدها غير متوفرة فيها او تفتقد لبعضها على الأقل …
فنكون أمام دول قد افتقدت اسباب النجاح ولازالت تعيش جملة من الازمات أدت إلى وضعها في خانة الدول الفاشلة ..!
لذا فإن هذه السياسات التي تعرضت لها الدول العربية والاستراتيجيات الاستعمارية التي استهدفت فلسطين الأرض والشعب منذ قرن ونيف من الزمن جعل حياة فلسطين وشعبها مسلسل قرن من الازمات المتوالية والمتناسلة …
ولم يُسلم او يَستَسلِم الشعب الفلسطيني لهذة السياسات والإستراتيجيات الاستعمارية الغربية الصهيونية بل واجهها بمختلف الوسائل ولازال في حالة اشتباك يومي دامٍ وسياسي ….. ويأخذ اشكال واساليب متعددة منذ بداياتها الأولى والى الآن والى ان تتحقق هزيمتها بالكامل ……
إن هذا الصراع مهما حاولنا ان ندعي امكانية التوصل فيه الى حلول وسط … تأتي التحولات والمتغيرات والمواقف لتكشف عن طبيعته العنصرية والمرتكزة الى سياسات التطهير العرقي والفصل العنصري …
ليصبح الصراع بين المستعمرة الإسرائيلية (الكيان الصهيوني) والشعب الفلسطيني.. صراعا وجوديا لا حدوديا …
ونظرا لكون فلسطين جزءا لا يتحزء من نسيج العالم العربي وتمثل القلب منه … في موقعها الجغرافي والروحي والمعنوي ..
فهي بلا ادنى شك تؤثر فيه وتتأثر به الى حد يصعب الفصل بينهما مهما حاول البعض ادعاء ذلك …
فالازمات العربية المتدحرجة منذ بداية القرن العشرين والى اليوم في ظل غياب الوحدة والتنمية والأمن والاستقرار وبناء الدولة الوطنية الناجحة تعكس نفسها وبصورة آلية على فلسطين وقضيتها وشعبها ومستقبل قضيتها ومستقبل صراعها مع المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني …
نخلص إلى ان وضع فلسطين وقضيتها ومستقبلها هو مؤشر على حالة العالم العربي قديما وحديثا … فعندما تتغلب الدول العربية على ازماتها ومشاكلها وتصبح على درجة عالية من الأمن والإستقرار والتطور والاستقلال تصبح فلسطين وعاصمتها القدس معافية من الازمات وحرة ومستقرة وجزء لا يتجزأ من عالم عربي حر ومستقل وخارج عن هيمنة ونفوذ اية قوى استعمارية كانت اقليمية أو دولية شرقية أو غربية ….
لذا فلسطين وشعبها في الوطن او في الشتات لازالت ترزح وتئن تحت وطأة ازمات متوالية …
نتيجة طبيعية لإستمرار هذا العدوان الذي يستهدف الكل العربي في نهاية المطاف دون هوادة ….
لذا جميع الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني يدفعون فاتورة هذا العدوان الاستعماري الغربي الصهيوني منذ قرن ونيف من الزمن …!