اسيا العتروس:
رحل السيد ولا يزال طريق النصر بعيدا…
نصرالله اسطورة المقاومة التي لن تموت
نعم كم تمنينا لو أن الخبر لم يكن صحيحا و كم انتظرنا أن يخرج علينا متحدث من حزب الله يكذب ما اعلنه جيش الاحتلال بل كم انتظرنا أن يخرج علينا السيد في عمامته السوداء و ثوبه الاسود مبتسما ابتسامته الهادئة ملوحا بالثبات و النصر كما في كل مرة …
طوال ثلاثين عاما و هي نصف عمره كان حسن نصرالله العدو اللدود لكيان الاحتلال وهو الذي وقع وثيقة انتصار المقاومة ذات 25 ماي 2000 في جنوب لبنان و دحر الجيش الذي طالما وصف بأنه لا يقهر …
نعم كان لحزب الله و للمقاومة جولات انتصرت فيها على الاحتلال ومرغت أنفه في الوحل و أخرى تراجعت فيها وانتكست و لكن دون أن تلقي الراية او تستسلم …نعم قد نختلف مع نصرالله في احيان كثيرة و لكن لا يمكن ألا أن نحترم هذا الرجل و أن ننظر اليه باكبار واحترام و هو الذي أعاد للشعوب العربية والاسلامية المستضعفة بعض الكرامة التي عزت عليها في زمن الخذلان والهوان …
رحل نصرالله و سيظل رحيله محاطا بكثير من نقاط الاستفهام كيف و لماذا حدث ما حدث , و كيف امكن للعدو أن يخترق حصون الحزب و يتسلل اليه و يتمكن منه ؟ و من هو أو من هم الخونة الذين مهدوا الطريق لمسلسل الاغتيالات التي نفذها الاحتلال خلال الايام القليلة الماضية ؟ و أي دور لادارة باين فيما حدث …هل انخدعت المقاومة و اصيبت بالغرور وهي ترى نفسها أقوى من العدو و انها قادرة على منازلته في أي مواجهة قادمة ؟ الثابت أنه مهما نفت الادارة الامريكية علمها او دورها لا يمكن الا لغبي أو ساذج تصديق ذلك , اصابه الاستخبارات الامريكية واضحة و سيناريو بن لادن قائم في التخطيط لاغتيال نصر الله ..
طبعا لا أحد أيا كان موقعه يعلم كيف بدأ الاختراق او حدوده و لكن الاكيد أن نتائجه الكارثية واضحة و سيتعين التحلي بكثير من الجلد و الصبر والقدرة على تجاوز المحة لاعادة جمع الصفوف و لكن هذا ايضا يستوجب عمق النظر و تحديد الخروقات ومواقع الخلل و تطهير الحزب من المندسين والجواسيس الذين من الواضح أنهم اكتسبوا ثقة السيد و قياداته العليا و كانوا مقربين من الصف الاول لهذه القيادات و كانوا على اتصال وثيق بتحركاته و لقاءاته …
ما أصعب أن نتحدث عن السيد حسن نصرالله و هو الذي كان يمنح الجميع سنة أو شيعة عرب مسيحيين أو مسلمين جرعة كرامة باتت مفقودة في الزمن ..
نعم تمنينا أن يكون الخبر اشاعة , و منينا النفس بأن يخرج حزب الله مكذبا ما يروج له جيش الاحتلال الاسرائيلي موضحا أن ما يقال عن اغتيال السيد حسن نصرالله خبر زائف تعود الاحتلال عليه في اطار حرب نفسية طويلة ..مرت الساعات طويلة و تأكد الخبر رحل السيد و هو الذي كان اذا تحدث اشرأبت الاعناق الى الشاشات و تجند الاعداء قبل الاصدقاء لسماع خطابه و كلماته و رسائله التي لم تحد يوما عن المبادئ والقيم التي دافع عنها حتى اخر نفس في الانتصار لقضية الشعب الفلسطيني و مقدساته دون تردد ..
لا خلاف أن هذا الكيان قام و لا زال على الدم و شهيته دوما مفتوحة على المزيد و هو يتنفس من دماء الضحايا الذين اغتالهم على مدى عقود طويلة متسلحا بعقدة الذنب الاوروبية من المحرقة التي اغمضت اعين الغرب عن كل فظاعات هذا الكيان و خروقاته و توحشه غير المسبوق في العصر الحديث, ولو أننا حاولنا رص قائمة الفنانين والشعراء والمفكرين والسياسيين والقيادات العسكرية الفلسطينية و اللبنانية التي اغتالها لما اتسع المجال لحصرهم .. ولكن ما حدث في الايام القليلة الماضية من شأنه أن يدفع المقاومة بكل اطيافها و الوانها أن تتجاوز حالة الصدمة التي واجهتها , وأن تستعيد وعيها و بوصلتها وهذايحتاج بالاضافة الى صدق الارادة الى الكثير من المعرفة و الاتقان و الحكمة للخروج من الازمة العميقة التي قد تحتاج لسنوات طويلة قبل تجاوزها , وتحقيق مثل هذا الهدف سيحتاج الى اكثر ن جيل وسيحتاج الى تطوير المعارف و التقنيات و كسب الرهان الاكبر الذي منح كيان الاحتلال هذا التفوق و هو سلاح التكنولوجيا التي جعلته يخترق حصون المقاومة ويستهدف قياداتها من طهران الى بيروت … عشرات وربما مات العسكريين والمسؤولين الامنيين اغتالتهم إسرائيل بالتزامن مع اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أو بعد اغتياله و من بينهم قيادات في الجبهة الشعبية، ولا تزال عمليات الاحتلال وخروقاته متواصلة و لا شيئ يمنعه من مواصلتها … وفي الوقت الذي كان مجرم الحرب ناتنياهو يدنس الامم المتحدة و يلقي كلمته في الجمعية العامة التي تركها اغلب الحاضرون كانت قواته تنفذ جريمتها في بيروت و توجه ضربتها الى حزب الله… اسماء كثيرة استهدفت الى جانب نصرالله وبينهم نبيل قاووق وعلي كركي الذي كان في الاجتماع، مع نصرالله لحظة اغتياله، هو الرجل الثالث عسكرياً في الحزب، وقائد الجبهة الجنوبية في الحزب، وحسن خليل ياسين و محمد علي وحسين أحمد إسماعيل وسمير توفيق ديبو هؤلاء جميعا يعيشون في سرية مطلقة و لا تعرف مواقعهم …
لقد تعددت الرسائل و الاشارات ان كيان الاحتلال بصدد الاعداد لعملية تصفية منذ استهداف اسماعيل هنية في غرفته وهو في ضيافة طهران بعد ايام على حادثة سقوط طائرة الرئيس الايراني و الوفد المرافق له ثم كانت تفجيرات البيجر التي استهدفت نحو ثلاثة الاف من عناصرالحزب وكانت تلك اخطر الاشارات التي كان يتعين لتقاطها و لكن الشهيد نصر الله خرج بعدها و تحدث طوال ساعة تقريبا وكان ربما يعتقد انه في امان لانه لا يستعمل الهواتف الذكية كما صرح بذلك ثم كانت تفجيرات الاسلكي وبات الخطر اقرب.. ووالاكيد ان عملية البيجر أو صفقة البيجر لم تكن وليدة الساعة والارجح أنه استمر العمل عليها لسنوات منذ ابدى حزب الله رغبته في اقتناء هذه الاجهزة ومن يدري فقد تكون الشحنة صنعت في اسرائيل و تم شحنها بتلك المتفجرات التي لا يمكن اكتشافها بسهولة هناك.. وفي كل الحالات كانت الاعين ترصد الاخبار وتنقل الاسرار للعدو الذي يتمتع بقدرة تقنية عالية جعلته يقود حربا تكنولوجية معقدة من غزة الى بيروت …
لا يختلف اثنان في أن تاخر العرب و عدم اهتمامهم واستثمارهم في التكنولوجيا جعلهم رهائن الغرب و جعلهم مفضوحين وعراة وهم تنازلون عن معطياتهم الشخصية وأدق التفاصيل عن أمنهم و سيادتهم و خصوصياتهم و جعل قواتهم وامنهم وجيوشهم تحت انظار عدوهم.. لقد تمكن الاحتلال مدعوما من الغرب من كسب سلاح التكنولوجيا الذي يواصل استعراضه بكل اصرار على استغلال الذكاء الاصطناعي في حربه المتوحشة …
سيتعين الاعتراف كما سبق للشهيد نصرالله قوله و ان الضربة قوية وان تفوق العدو عسكريا قائم ولكن سيتعين ايضا الاقرار انه لا شيئ ازلي وان التخلف والعجز ليس قدرا وان للمقاومة قدراتو عقول وامكانيات سيتعين اعادة شحذها وتنظيمها والاستفادة منها.. رحل نصرالله شامخا كما كان يتمنى ولم يرحل ذليلا وسيسجل التاريخ أنه لا فخر ولا امتياز لجيش يستهدف غريمه بثمانين قنبلة خارقة للحصون..
مهما حاولنا لن نوفي السيد حقه ولا يمكن لكل الكلمات ان ترثيه وهو من وفر جرعة كرامة للشعوب والمجتمعات التي فقدت كل معاني الكرامة العربية التي اضحت عملة نادرة في ارصدة الحكومات والانظمة القائمة..