ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: هل ما يزال «الجار» قبل الدار؟ الثلاثاء 12 مايو 2015, 2:43 am | |
| [rtl]هل ما يزال «الجار» قبل الدار؟[/rtl] [rtl] [/rtl][rtl]
د.فيصل غرايبة - أجزم أن معظم من يوجه اليهم هذا السؤال الذي اتى به العنوان أعلاه بالنفي، اذ اننا قد دخلنا عصر لا يعرف فيه الجار جاره ولا يراه الا اذا التقاه صدفة على سلم البناية أو في مصعدها أو موقف السيارات تحت تلك البناية، أما اذا كانت السكنى في بيوت مستقلة فالتباعد يتسع والعلاقة تنعدم أو تندر على الأقل. فقد انتهى ذلك العصر الذي كانت تبدأ الأسرة فيه بتنظيم علاقة لها فإن أول علاقة تستهل بها حياتها هي مع جيرانه، لكي يؤنس وحشته، ويحقق راحة باله، ويؤمن استقرار حياته.
الأسرة محطة حيوية بالنسبة للجار وما دامت الأسرة نواة اساسية مهمة في تكوين المجتمع واستمراره، كذلك فانها محطة حيوية وذات ركن اساسي بالنسبة للجار، فكلما تماسكت الأسرة الواحدة وتعاونت مع بعضها البعض، فإن هذا التعاون سيمتد ليصل إلى الجيرة، فالأسرة الصالحة للمجتمع هي صالحة لجيرانها، والأسرة الفاسدة للمجتمع هي التي لا تمد يدها أبدا لمساعدة جيرانها، فضلا عن أنها لم تتعارف معهم ولا تسعى لبناء علاقة ايجابية ودية معهم.
علاقة تضعف وتقصير في التواصل نلاحظ على وجه العموم لا بل ونعيش حقيقة حالة انشغال الأفراد بمصالحهم الخاصة،وتبعا لذلك نرى أن علاقة الجار بجاره تضعف شيئا فشيئا، ولا يقتصر هذا التقصير في التواصل مع الجيران بعضهم البعض في المناسبات والأفراح، بل نرى التقصير يمتد حتى عند حاجة الجار لجاره، فلا نرى أي من التواصل أوالدعم المادي أو حتى المعنوي لبعضهما البعض... فكثيرا ما تحدث مشكلة أو تحل مصيبة لجار ما وجاره ليس لديه علم به، وإن علم فعلمه متأخر جدا ومع هذا لا نرى أي همة أو عزيمة أو مبادرة لإنقاذ جاره الذي يواجه صعوبات أو مشكلات.هذا على الرغم من أن رابطة الجوار تأتي في المرتبة الثانية من بعد رابطة القرابة، إذ للجوار تأثير متبادل على سير الأسرة، فهو المحيط الاجتماعي المصغر الذي تعيش فيه الأسرة وتنعكس عليها مظاهره وممارساته التربوية والسلوكية.
التعاليم السماوية تدعو إلى صون الجيرة لقد قرن القرآن الكريم عبادة الله تعالى والإحسان إلى الوالدين والأرحام بالإحسان إلى الجار كما في قوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) وحق الجوار لا ينظر فيه إلى الانتماء العقائدي والمذهبي، بل هو شامل لمطلق الإنسان مسلماً كان أم غير مسلم، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «الجيران ثلاثة: فمنهم من له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، ومنهم من له حقان: حق الإسلام وحق الجوار، ومنهم من له حق واحد: الكافر له حق الجوار»فقد اهتم الإسلام بالجوار اهتماما كبيرا بهدف تقوية الجانب الإيماني لدى المسلم وإكسابه القدرة على مقاومة الرذائل في المجتمع التي قد تنذر بسقوط الكيان الاجتماعي. الإحسان إلى الجار تقتضيه الفطرة السليمة تبعا لما سبق فان الإحسان إلى الجار يعتبر عملا تقتضيه الفطرة السليمة والعقول الصحيحة، وتدعمها العقيدة في النفوس، وكما تتبع الأعمال الطيبة من العقيدة الصحيحة فإنها في نفس الوقت تغذي هذه العقيدة بما يقويها ويثبتها، لذا يعد إيذاء الجار دليلا على ضعف الإيمان بالأوامر الإلهية والوصايا النبوية في الجوار، خاصة أن المعاصي يسوق بعضها إلى بعض، بينما الطاعات يغذي بعضها بعضا. ويتضمن حسن الجوار كف الأذى، والمقصود من الأذى أي عدم أذيته بقول أو فعل منه أو من أولاده أو من أهله، وفيها الإحسان إليه، وذلك بأن ينصره إذا استنصره ويعينه إذا استغاثة، ويعوده إذا مرض ويهنئه إذا فرح ويعزيه في حالات الوفاه، ويساعده إذا احتاج، يبدؤه بالسلام، ويلين له الكلام، يراعي جانبه ويحمي حماه، ويصفح عن زلاته ويصبر على أذاه من أجل إدامة العلاقات، وعدم حدوث القطيعة. ولقد دعا رسول الله عليه السلام إلى تفقد أحوال الجيران وتفقد حاجاتهم، فقال: «ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع». وقد أمر صل الله عليه وسلم عليّاً عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنه «لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه»، فنادوا بها ثلاثاً، ثم أومأ بيده إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.وكذلك ورد عن رسول الله أنه قال: «من كان مؤذيا لجاره من غير حق، حرمه الله ريح الجنة، ومأواه النار، ألا وإن الله عزّ وجلّ يسأل الرجل عن حق جاره، ومن ضيّع حق جاره فليس منّاوكذلك فان من يطلع على بيت جاره ويتطلب عوراته يحشر مع المنافقين يوم القيامة، ومن اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها، كان حقا على الله أن يدخله مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا، فينبغي على الجار عندما يطلع على بعض أمور جاره أن يوطن نفسه على ستر جاره، أما إن هتك ستره فقد عرض نفسه لجزاء من جنس العمل. ويرحم الاعتداء على ممتلكات الجار.
التعاليم الدينية والنواميس المجتمعية تدعو إلى التكافل يحقق التكافل الاجتماعي تآلف القلوب وتقارب النفوس ويكون ابناء المجتمع كالجسد الواحد يتعاونون على الخير ويفعلونه، ويتناهون عن الشر ويحذرونه، ويتناصحون فيما بينهم، فيحب كل واحد لأخيه ما يحبه لنفسه، وهذا من كمال الإيمان الذي حث عليه دينناومن نواميس الثقافة المجتمعية والانسجام الاجتماعي.وتأمر التعاليم السماوية بالتكافل الاجتماعي والنظر إلى حوائج الجار والعمل على إشباعها وفي ذلك قال رسول الله: «ومن منع الماعون من جاره إذا احتاج إليه منعه الله فضله يوم القيامة، ووكله إلى نفسه، ومن وكله الله إلى نفسه هلك، ولا يقبل الله عز وجل له عذرا».
لماذا تدهورت العلاقة بين الجيران؟ لعل من أبرز ما أفضى إلى تدهور العلاقة بين الجيران في مجتمعنا المعاصر اردنيا وعربيا وعالميا،هو ضعف الوازع الديني والضمير الأخلاقي، وهو الذي يدعو إلى التكافل الاجتماعي، ويحث الجار على مراعاة جيرانه، والمبادرة لإقامة علاقة طيبة ودية معهم.وكذلك الجهل بحقوق الجيران، تلك التي تبدو في كف الأذى،وفي حماية الجار سواء كان ذلك في عرضه أو بدنه أو ماله أو نحو ذلك، وفي الإحسان إلى الجار بالقول أو الفعل، فمن الإحسان إلى الجار تعزيته عند المصيبة وتهنئته عند الفرح وعيادته عند المرض ومبادرته بالسلام وبشاشة الوجه عند لقائه، وفي تحمل أذاه. ومن اسباب هذا التدهور في العلاقات الجوارية التسابق في مضمار الماديات ، مما قاد إلى التقصير في الجوانب المعنوية حتى في التعامل مع الأقارب و الجيران.وكذلك تغير معايير المودة بين الناس، فلم تعد الأخوة والجيرة هي المعيار وإنما الثراء المادي والمكانة والمنصب هي المؤطر للعلاقات الاجتماعية.هذا الى جانب تعقد أمور الحياة اليومية للناس وتزايد الملهيات كوسائط التواصل الاجتماعي المتنوعة والمبتدعة ومتطورة بسرعة فائقة ووسائل الإعلام وما يعرض في بعض رسائل الإعلام مما يقسّي القلوب ويهدم كيان المجتمع المتماسك، ويضيق من افق النظرة الانسانية ويردها الى الفردية والذاتية والنفعية. اخيراً، ان الجيرة تستحق من منظمات المجتمع المدني وهيئاته التطوعية وروابطه الثقافية ان تتعامل مع الأطر المحلية وعلى مستوى الأحياء في كل مدينة، من اجل احداث التفاعل الايجابي والتعاون المشترك بين الأفراد والأسر،وذلك بدعم من وسائل الاعلام وفعاليات الثقافة في كل ممناسبة وفي كل موقع، من أجل تقوية النسيج الاجتماعي ومن اجل زيادة اللحمة بين ابناء المجتمع الواحد، من أضيق نطاق الى أوسعه.
استشاري اجتماعي[/rtl] |
|