تاريخ العمليات الفدائية ضد إسرائيل من الانتفاضة الأولى إلى طوفان الأقصى
كاتب الموضوع
رسالة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: تاريخ العمليات الفدائية ضد إسرائيل من الانتفاضة الأولى إلى طوفان الأقصى الأربعاء 09 أكتوبر 2024, 1:58 pm
بدأت العمليات الفدائية داخل فلسطين منذ عام 1986 على يد سرايا الجهاد الإسلامي، ومن حينها استمرت وتطورت أشكالها، حتى صارت جزءا من عمليات المقاومة الفلسطينية باختلاف فصائلها، وباتت تشكل قلقا شديدا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لأنها تصل إلى صميم تجمعاته وثكناته، وتستهدف إصابة أكبر عدد من المستوطنين وأفراد الجيش. وفي ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين والمسجد الأقصى، تنوعت وسائل الفلسطينيين وحركات المقاومة للوقوف ضد الاحتلال الإسرائيلي داخل القدس والضفة الغربية المحتلة، ما بين عمليات دعس وطعن وإطلاق نار.
ما العمليات الفدائية؟
العمليات الفدائية، وتسمى أيضا الاستشهادية، هي نوع من العمليات التي يقوم بها فرد أو أفراد ضد عدو أكثر منهم عددا وعدة، ويقدمون عليها مع علمهم المسبق أن مصيرهم في الغالب هو الموت.
أشكالها
تتنوع أشكال العمليات الفدائية لدى المقاومة الفلسطينية، لكن أبرزها: تلغيم الجسم، أو سيارة أو حقيبة، قبل الدخول بها بين تجمعات العدو المستهدفة، أو في مناطق حيوية ومرافق مهمة، وهناك يتم التفجير بهدف حصد أكبر عدد من الخسائر للعدو، وغالبا ما يستشهد منفذ العملية لقربه من مكان الانفجار. الاقتحام المسلح الذي يستهدف ثكنات العدو ومناطق تجمعه، ويطلق عليه النار من مسافة قريبة، ولا يكون المنفذ قد خطط للخروج حيا من العملية، فهدفه إلحاق أكبر قدر ممكن قبل استشهاده. عمليات الدهس، وانتشرت مع بدية القرن 21، وتعد أصعب أنواع العمليات على الاحتلال، إذ يعد منعها شبه مستحيل، ولا تحتاج إلى أي إعداد أو تجهيز مسبق. وانتشرت أيضا عمليات الطعن والاشتباك بالسلاح الأبيض خاصة عقب انتفاضة القدس عام 2015، ففي عام 2022 فقط وثقت 36 عملية طعن ضد المحتل الإسرائيلي، وقد تجمع العملية بين الدهس والطعن.
نشأتها
بدأت فكرة العمليات الفدائية عام 1986 على يد "سرايا الجهاد الإسلامي"، وكان من المقرر أن تقود المُقاوِمَة عطاف عليان سيارة مفخخة، لكن العملية اكتشفت قبل تنفيذها. وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 1992 أبعدت السلطات الإسرائيلية (415) من القيادات الإسلامية في فلسطين (25 من الجهاد والباقي من حركة المقاومة الإسلامية حماس) إلى مرج الزهور في لبنان.
وقررت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، القيام بعملية استشهادية تهدى إلى المبعدين في مرج الزهور بمناسبة قيامهم بمسيرة نحو حدود الوطن أسموها مسيرة الأكفان. وقد جرى ترتيب أكثر من محاولة لكنها لم تنجح. وفي 16 أبريل/نيسان 1993 جهز يحيى عياش -رائد هذا النوع من العمليات- سيارة مفخخة قادها الشهيد ساهر حمد الله التمام، وفجرها بين حافلتين عسكريتين في مستوطنة ميحولا على بعد 15 كلم من نهر الأردن. وقد أدى الانفجار إلى قتل وجرح عشرات الجنود الإسرائيليين، وكانت تلك أولى العمليات الناجحة.
العمليات الفدائية والتنسيق الأمني
انتشرت العمليات الاستشهادية في الضفة الغربية أكثر من قطاع غزة، ولكن بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 أصبح التعاون الأمني جزءا من استحقاقات الاتفاق، الأمر الذي أثر سلبا على العمليات بضرب معظم الخلايا العاملة في هذا الإطار، وإيقافها بشكل شبه كامل حتى اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000.
وكان للتغيرات السياسية بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو أثر على غياب العمليات من ساحة المقاومة، إضافة للانقسامات الداخلية التي أشعلها قبول حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الاتفاق الذي وعد بقيام دولة فلسطينية، وأدى هذا الانقسام والتنسيق الأمني الذي تبنته الحركة إلى تقليل العمليات رغم استمرار التأييد الشعبي الكبير لها. وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف العمليات خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، وكان من أبرزها: عملية تفجير حافلة العفولة داخل الخط الأخضر يوم 6 أبريل/نيسان 1994، ما تسبب بمقتل 8 إسرائيليين وجرح 44 آخرين، وهي أول عملية تفجير بقنبلة، وتبنتها حركة حماس، وقالت إنها انتقام للمذبحة التي ارتكبها المستوطن اليهودي باروخ غولدشتاين في فبراير/شباط من العام نفسه في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وذهب ضحيتها 29 فلسطينيا. عملية تفجير حافلة في حي رامات أشكول يوم 21 أغسطس/آب 1995، ما أسفر عن مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 89، وتبنتها كتائب عز الدين القسام. عملية تفجير حافلة (18) على طريق حافلات يافا يوم 25 فبراير/شباط 1996، أسفرت عن مقتل 17 شخصا، واستشهاد منفذها، وكانت من العمليات التي قادها محمد الضيف انتقاما لاغتيال يحيى عياش. وفي العام نفسه، تبنت كتائب عز الدين القسام تفجيرا في القدس، قاده حسن سلامة، الذي فجر حافلة حملت نفس رقم الحافلة السابقة (18)، ما أدى لمقتل 16 شخصا، مع 3 جنود إسرائيليين.
عقب الانتفاضة الثانية
ارتفعت وتيرة العمليات الفدائية خلال تلك الفترة بشكل غير مسبوق، فمنذ انطلاقتها مع عملية ساهر التمام عام 1993 وحتى ما قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، سجلت 30 محاولة تم تنفيذ 24 منها. وارتفعت من سبتمبر/أيلول 2000 وحتى نهاية عام 2001 إلى 48 عملية. وتضاعف عدد العمليات خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2002، إذ سجلت 153 محاولة حتى الأول من أبريل/نيسان 2002، نفذ منها 102 وتم ضبط 51 قبل التنفيذ، ومن أبرز العمليات خلال تلك الفترة: عملية تفجير ملهى "الدولفانيوم" الليلي على شاطئ تل أبيب في الأول من يونيو/حزيران 2001، على يد سعيد حسن حسين الحوتري، وأسفر التفجير عن مقتل 25 قتيلا وإصابة نحو 120. عملية نصب كمين للقوات الإسرائيلية خلال اشتباكات بين رجال المقاومة وجيش الاحتلال في نابلس يوم 9 أبريل/نيسان 2002، وأدت العملية لمقتل 10 محتلين وإصابة 20 آخرين. عملية تفجير حافلة إسرائيلية بسيارة مفخخة عند مفترق طرق مجدو إلى الجنوب من حيفا يوم 5 يونيو/حزيران 2002، قتل فيها 18 إسرائيليا، وأصيب نحو 50، وتبنت سرايا القدس العملية. عملية تفجير في مطعم بمدينة هرتسيليا الساحلية قرب تل أبيب يوم 11 يونيو/حزيران 2002، ما أسفر عن سقوط 15 إصابة في صفوف الإسرائيليين. عملية تفجير استهدفت حافلة إسرائيلية جنوب القدس يوم 18 يونيو/حزيران 2002، ما أسفر عن مقتل 18 إسرائيليا وجرح 50 آخرين.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: تاريخ العمليات الفدائية ضد إسرائيل من الانتفاضة الأولى إلى طوفان الأقصى الأربعاء 09 أكتوبر 2024, 1:59 pm
عملية تفجير محطة الحافلات المركزية وسط تل أبيب في 5 يناير/كانون الثاني 2003، وقد أسفرت عن مقتل 23 إسرائيليا وجرح 100، وتبنت العملية كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح. عملية تفجير حافلة شموئيل بالقدس في 19 أغسطس/آب 2003، ما أسفر عن مقتل 24 شخصا وإصابة 130، وأعلنت حركة حماس مسؤوليتها عن التفجير. عملية تفجير مطعم مكسيم في حيفا في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2003، ما أدى لمقتل 21 شخصا، وتبنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها. عملية تفجير حافلة بئر السبع المزدوجة، حيث تم تنفيذ عمليتين عند التقاء خطي الحافلات في 31 أغسطس/آب 2004، ما أسفر عن مقتل 16 وإصابة أكثر من 100. عملية تفجير مطعم شاورما بتل أبيب في 17 أبريل/نيسان 2006، قتل فيها 11 شخصا وأصيب العشرات، وتبنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها. عملية تفجير حافلة بعبوة ناسفة في القدس، وأسفرت عن إصابة 20 إسرائيليا في 18 أبريل/نيسان 2016. 2017 نفذ 3 فلسطينيين من رام الله يوم 16 يونيو/حزيران 2017 هجوما مزدوجا بإطلاق النار والطعن بالسكاكين في القدس ضد جنود الاحتلال أسفر عن مقتل مجندة وإصابة آخرين. قُتل منفذو العملية -وجميعهم في عمر الـ18- برصاص قوات الاحتلال فورا عقب التنفيذ، قبيل موعد إفطار اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك. وفي يوم 21 يوليو/تموز من العام نفسه نفذ الشاب عمر العبد (19 عاما) عملية طعن في مستوطنة حلميش غرب رام الله أدت لمقتل 3 مستوطنين وإصابة رابع. أصيب عمر برصاص القوات الإسرائيلية قبل اعتقاله ونقل للمشفى حيث خضع للتحقيق رغم إصابته، كما اقتحمت سلطات الاحتلال منزله وأحدثت ثقوبا بجدرانه وتوعدت بهدمه.
2018 يوم 9 يناير/كانون الثاني 2018 نُفذت عملية عسكرية أدت إلى مقتل حاخام إسرائيلي وجرح آخر قرب نابلس، شارك في هذه العملية الشهيد أحمد جرار، الذي طاردته إسرائيل وفشلت في اعتقاله أو اغتياله في أكثر من محاولة خلال أكثر من ثلاثة أسابيع، لكنها تمكنت من قتله يوم 6 فبراير/شباط من العام نفسه. وفي عملية دهس بسيارة يوم 16 مارس/آذار من العام نفسه قُتل جنديان إسرائيليان وأصيب ثلاثة آخرون بجروح بالغة قرب بلدة يعبد في جنين، أصيب المنفذ بجروح متوسطة ونُقل للمستشفى، كما حاصرت قوة عسكرية منزله واعتقلت شقيقه. ورغم أن الشهود قالوا إن المنفذ "أصيب بحالة اضطراب بصري بفعل أشعة الشمس الساطعة، وهو ما أدى لاصطدامه بجنود الاحتلال". مما يعني أن ما جرى حادث سير وليس عملية متعمدة، إلا أن الجيش الإسرائيلي اعتبر ما حدث "اعتداء متعمدا". 2019 صباح يوم 17 مارس/آذار 2019 وبالقرب من مدخل مدينة سلفيت وتحديدا في مستوطنة أريئيل، نفّذ الفتى عمر أبو ليلى (19 عاما) عملية طعن جندي إسرائيلي ثم أخذ سلاحه وأطلق النار عليه وعلى جنود ومستوطنين آخرين بالقرب منه، قبل أن يلوذ بالفرار بمركبة استولى عليها. بلغت حصيلة العملية في هذا الهجوم 3 قتلى، وبقي المنفذ مطاردا إلى أن اغتالته القوات الإسرائيلية يوم 20 مارس/آذار.
2021 أصيب إسرائيليان يوم 13 سبتمبر/أيلول 2021 إثر عملية طعن في محل تجاري قرب المحطة المركزية للحافلات بالقدس الغربية، أطلقت شرطة الاحتلال النار على المنفذ وأصابته بجراح وصفت بالحرجة. وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته قُتل مستوطن وأصيب 4 آخرون في إطلاق نار نفذه الفلسطيني فادي أبو شخيدم، الذي استشهد بعدها. 2022 نفّذ شاب فلسطيني يوم 7 مارس/آذار 2022 عملية طعن داخل سوق القطانين في القدس القديمة، أسفر عن إصابة شرطيين إسرائيليين واستشهاد المنفذ عبد الرحمن جمال قاسم. وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه قُتل إسرائيلي وأصيب 19 آخرون بجروح في عملية تفجير مزدوجة داخل محطتين متقاربتين للحافلات في القدس الغربية، ووُصفت حالة 4 من الجرحى بالحرجة.
منذ طوفان الأقصى 2023
شهدت الضفة الغربية ومدينة القدس عددا من عمليات الطعن وإطلاق النار بدأت بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد هجوم طوفان الأقصى، الذي شنته المقاومة على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأبرز هذه العمليات حسب التوزيع الجغرافي:
القدس
نفذ شاب فلسطيني يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2023 عملية طعن في مستوطنة معاليه أدوميم قرب القدس المحتلة، أسفرت عن إصابة إسرائيليَّين اثنين واستشهاد المنفذ، كما سبقتها عملية طعن أخرى عند حاجز مزموريا جنوب القدس، أصيبت فيها مجندة في حرس الحدود وحارس أمن إسرائيلي بجروح بين خطيرة ومتوسطة، وأطلقت قوات الاحتلال النار على منفذ العملية، مما أدى لاستشهاده. ويوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وقعت عملية إطلاق نار على "حاجز النفق"، وهو حاجز إسرائيلي شديد التحصين جنوبي القدس، استشهد إثرها المنفذون الثلاثة وأصيب 7 إسرائيليين بجروح متفاوتة وأحدهم في حالة حرجة. أما المنفذون فكانوا من مدينة الخليل، أحدهم ابن شهيد والآخر شقيق شهيد أما الثالث فابن مبعد، ولم تكتفِ القوات الإسرائيلية بقتلهم، بل سارعت لمعاقبة ذويهم عقابا جماعيا، فاعتقل أقاربهم وحقق معهم ميدانيا، وفي مراكز الاعتقال.
بئر السبع
في يوم 31 مارس/آذار 2024 أصيب إسرائيليان بجروح إثر عملية طعن بمحطة الحافلات المركزية في مدينة بئر السبع بالنقب، بينما استشهد المنفذ بعد إصابته برصاص الشرطة الإسرائيلية. كما أعلن الجيش الإسرائيلي يوم 15 مارس/آذار عن مقتل عسكري برتبة رقيب أول في لواء ناحال، وإصابة إسرائيلي آخر في عملية طعن في مقهى عند مدخل كيبوتس "بيت كاما"، شمال مدينة بئر السبع، وقالت الشرطة أنها أطلقت النار على منفذ العملية.
تل أبيب
أعلنت كتائب القسام، بالاشتراك مع سرايا القدس، يوم 18 أغسطس/آب 2024 تنفيذ عملية تفجير شاحنة جنوب تل أبيب، أدت إلى مقتل إسرائيلي وإصابة آخر، كما رفعت حالة التأهب الأمني في إسرائيل، وأظهرت التحقيقات أن المنفذ جاء من نابلس في الضفة الغربية، ولكن تعذر الوصول إليه لعدم وجود أي سجل أمني متعلق به.
الرملة
يوم 14 يوليو/تموز 2024 أصيب 4 عسكريين إسرائيليين، بينهم ضابط بجروح خطيرة، جراء عملية دهس وقعت على مفرق نير تسفي قرب مدينة الرملة شمالي القدس. نفذت العملية على مرحلتين، الأولى دهس بمحطة حافلات، ثم عملية أخرى على بعد مئات الأمتار. المنفذ هو محمد شهاب، من بلدة كفر عقَب بقضاء القدس، وأطلقت الشرطة الإسرائيلية النار عليه مما أدى لاستشهاده، كما اعتُقل والده ووالدته وأشقاؤه بعد مداهمة منزلهم.
جنين
أصيبت مجندة إسرائيلية يوم 30 أبريل/نيسان 2024 بعملية دهس باص قرب بلدة برطعة في جنين، واستطاع منفذ العملية الانسحاب دون إصابات. وفي 27 يونيو/حزيران 2024 أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل ضابط، وإصابة 16 آخرين بانفجار قنبلة زرعت على جوانب طريق مدفونة تحت الأرض في مخيم جنين.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: تاريخ العمليات الفدائية ضد إسرائيل من الانتفاضة الأولى إلى طوفان الأقصى الأربعاء 09 أكتوبر 2024, 2:02 pm
موقع التفجير الذي حدث في تل أبيب مساء الأحد 18 أغسطس/آب 2024
هل يعيد "الطوفان" الزخم للعمليات الاستشهادية؟ بعد هدوء نسبيّ استمر قرابة 18 عامًا على انتهاج المقاومة الفلسطينية العمليات الاستشهادية كأسلوب أساسي لمواجهة الاحتلال، تخللتها عمليات محدودة أو محاولات لم تكتمل، اعتُقل مخططوها أو منفذوها، تبنَّت كتائب القسام بالاشتراك مع سرايا القدس عملية استشهادية في مكان وزمان فاجأا الجميع. حيث دوّى انفجار وقع بجانب شاحنة في شارع هاليحي بمدينة تل أبيب مساء الأحد 18 أغسطس/آب 2024، بشكل أربك الاحتلال وأفقده القدرة على تفسير خلفيته وحيثياته في بداية الأمر، خصيصَى أن الانفجار الذي أدى لوقوع قتيل وجريح، هز قلب العاصمة الاقتصادية للكيان، المدينة الأكثر تحصينًا ومنعة حسب ما كان يعتقد الاحتلال لوقت طويل، لكن أحياء تل أبيب وشوارعها ومقاهيها وباصاتها تشهد على عشرات العمليات الاستشهادية خلال العقود الثلاثة الماضية.
اقتباس :
لا شك أن إعادة تفعيل العمليات الاستشهادية وفي مكان مثل داخل الخط الأخضر، تشكّل تحديًا كبيرًا لجيش الاحتلال وأجهزته، وسيحمل ذلك بعض العبء عن أكتاف غزة، وقد يجعل الكيان يعيد بعض حساباته في هذه المعركة
ولا شك أن هذه العملية أثارت مخاوف المؤسسة الأمنية الصهيونية من عودة شبح العمليات الاستشهادية إلى الداخل المحتل، حيث أعلن (الشاباك) وجهاز الشرطة عن رفع حالة التأهب القصوى في مركز الكيان، فالعملية نُفذت بعبوة ناسفة تزن 8 كيلوغرامات من المتفجرات كان يحملها في حقيبة على ظهره المنفذ الذي تتبعته كاميرات المراقبة، وكشف الاحتلال عن اسمه يوم الخميس 22 أغسطس/آب، وهو الشاب وتاجر السكاكر جعفر منى، ابن مدينة نابلس في الضفة الغربية. وفكرة إعلان القسام عن "عودة" العمليات الاستشهادية أمر مثير للاهتمام والنقاش فلسطينيًا، ومرعب لدولة الاحتلال، إذ يأتي الإعلان عنها في ظل معركة طوفان الأقصى التي تتحمل فيها غزة الكلفة الكبرى والعظمى من الحرب، ولا شك أن إعادة تفعيل هذا الأسلوب من العمل المقاوم وفي مكان مثل داخل الخط الأخضر، تشكّل تحديًا كبيرًا لجيش الاحتلال وأجهزته، وسيحمل ذلك بعض العبء عن أكتاف غزة، وقد يجعل الكيان يعيد بعض حساباته في هذه المعركة. وعبر سنوات طويلة، ساهم هذا النوع من العمليات في تقويض أمن الإسرائيليين ورفع تكلفة الاحتلال نفسه، من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية وحتى النفسية، إذ دفعت هذه العمليات بشكل كبير إلى تعالي الأصوات داخل الكيان، التي طالبت بتفكيك المستوطنات الصهيونية في شمال الضفة وقطاع غزة عام 2005 بعد الانتفاضة الثانية، وهو ما اعتُبر نجاحًا- ولأول مرة- في ردع المشروع الاستيطاني الصهيوني، وإخراجه ولو بشكل جزئي من الأراضي المحتلة.
اقتباس :
في 18 يوليو/ تموز 2016 تبنت كتائب القسام أيضًا عملية استشهادية، نفذها الشهيد عبد الحميد أبو سرور (17 عامًا)، فجّر فيها حافلة إسرائيلية في القدس المحتلة، أصيب على إثرها 21 صهيونيًا بجروح مختلفة
بداية.. هل توقفت العمليات الاستشهادية؟
أمام ما قد يعد نقطة تحول في هذه المعركة إذا تكرر وكُتب له النجاح داخل كيان الاحتلال، سأحاول في هذا المقال توضيح بعض النقاط، وخصيصى فيما يتعلق بمفهوم القدرة على تنفيذ العمليات الاستشهادية. حيث إنه خلال السنوات التي تلت عام 2006 لم تتوقف العمليات الاستشهادية، كما يتم الحديث الآن سواء في وسائل الإعلام أو في النقاشات التي تدور على منصات التواصل الاجتماعي، ولم تتوقف المحاولات الدائمة لتنفيذ عمليات استشهادية على الإطلاق في الأراضي المحتلة، إنما تراجع زخمها بسبب معطيات عديدة ومختلفة سنأتي على ذكرها. فبعد وقوع عملية مطعم روش هايير في تل أبيب، في 17 أبريل/ نيسان 2006، والتي نفذها سامي سليم حمد (21 عامًا)، وتبنتها حركة الجهاد الإسلامي، وأدت إلى مقتل 11 صهيونيًا وإصابة أكثر من 70 آخرين، تبنت كل من سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى عملية نفذها محمد السكسك (21 عامًا) في 29 يناير/كانون الثاني 2007، عندما تسلل إلى الضواحي الشمالية لمدينة إيلات وفجر نفسه في مخبز داخل مركز تجاري، ونتج عن العملية مقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة 7 آخرين. وبعد نحو عام، تبنت كتائب القسام بالضفة الغربية، في 4 فبراير/ شباط 2008، عملية استشهادية نفذها شادي الزغيّر ومحمد الحرباوي داخل مركز تجاري في مدينة ديمونة، وأدت العملية إلى مقتل صهيونية وإصابة 11 آخرين. وكان الشابان الفدائيان يحملان أحزمة ناسفة، استطاع أحدهما تفجير نفسه، في حين لم ينجح الآخر بتفجير حزامه، وتم إطلاق النار عليه ليرتقي شهيدًا. وفي 18 يوليو/ تموز 2016 تبنت كتائب القسام أيضًا عملية استشهادية، نفذها عبد الحميد أبو سرور (17 عامًا)، فجّر فيها حافلة إسرائيلية في القدس المحتلة، أصيب على إثرها 21 صهيونيًا بجروح مختلفة. خلال تلك السنوات، كانت هناك محاولات أخرى لتنفيذ عمليات استشهادية، لكنها فشلت أو لم تكتمل بسبب انكشافها، وبغض النظر عن النقاش الذي كان يدور لدى فصائل المقاومة الفلسطينية- وتحديدًا حركة حماس- حول وقف هذا النوع من العمليات من عدمه، في الضفة أو غزة أو كلتيهما، للحفاظ على العناصر البشرية من المقاتلين بشكل أساسي، كان الفيصل دومًا في استمرارية العمليات الاستشهادية صعودًا وهبوطًا هو القدرة على تنفيذها، والظروف المحيطة بالتخطيط لها، وطبيعة المكان والزمان. فعلى سبيل المثال، أصبحت غزة بعد عام 2005 خالية من المستوطنات التي كان يتم إرسال الاستشهاديين إليها، ودخلت حركة حماس الحكم بعد فوزها بالانتخابات، فيما تطورت قدرات المقاومة وأصبحت مساحات عملها أوسع وأكبر، واجترحت أساليب قتالية جديدة للإثخان بالاحتلال، مثل الصواريخ التي تطور مداها عامًا بعد عام، والقذائف المحمولة على الكتف، والعبوات الناسفة، وغيرها من الأسلحة الأخرى. وهذا يؤكد أن العمليات الاستشهادية كانت دومًا وسيلة وليست غاية عند كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي على وجه الخصوص (تبنتا مئات العمليات الاستشهادية بين 1993 وحتى اليوم)، فتطوير واجتراح وسائل جديدة للإثخان بالمحتل، حسب الزمان والمكان، والسعي لامتلاك أسلحة جديدة، سواء من الخارج أو مما يتم تصنيعها في الداخل، كانت عملية مستمرة لدى المقاومة، التي أصبحت تمتلك خلال سنوات طائرات مسيرة تحمل قنابل، وصواريخ يصل مداها إلى 250 كيلومترًا، وأنفاقًا هجومية تستطيع من خلالها مهاجمة المحتل وإيقاع قواته في كمائن مرعبة بين قتيل وأسير وجريح. أما في الضفة الغربية، التي انطلقت منها معظم العمليات الاستشهادية ما بين الانتفاضتين، فكان مسار العمل والميدان فيها مختلفًا بشكل كلي عن غزة بعد عام 2006؛ إذ تعرضت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وكل من يحمل سلاحًا، مثل كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح أو كتائب أبو علي مصطفى التابعة للجبهة الشعبية، إلى القمع الشديد والتفكيك والمطاردة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وزاد الفتك سوءًا بعد الحسم العسكري الذي قامت به كتائب القسام في القطاع عام 2006 ضد الأجهزة الأمنية، حيث كانت ردة الفعل لدى السلطة هي تجريف جميع أشكال العمل المقاوم وحواضنه الشعبية في الضفة، ورفع مستوى التنسيق الأمني مع الاحتلال. وشن جيش الاحتلال – بمساعدة أمنية من أجهزة السلطة – عمليات اعتقال واسعة، طالت كل خلية كانت تعمل على تجهيز العمليات الاستشهادية أو التخطيط لها، وتم اغتيال أو اعتقال كبار قيادات العمل المقاوم في كتائب القسام وسرايا القدس وغيرهما، فيما جفف كيان الاحتلال كل المواد الخام التي كانت تستخدم في الضفة وتدخل في تصنيع القنابل مثل مادة الأسيتون، حيث كان يتم اعتقال أي شخص يشتري هذه المواد بكميات كبيرة داخل الضفة الغربية. وفي الوقت الذي اختفت فيه المواد الخام لتصنيع القنابل والأحزمة الناسفة من الضفة الغربية، كانت تلك المواد متوفرة في غزة، التي صنعت قنابلها وأسلحتها المختلفة، وجهزت نفسها لمعارك طويلة ومواجهات متعددة مع جيش الاحتلال.
اقتباس :
في منتصف الثمانينيات، خططت الفدائية الفلسطينية والأسيرة المحررة، عطاف عليان، لتنفيذ عملية استشهادية غير مسبوقة
تاريخ العمليات الاستشهادية أبعد من حقبة الانتفاضتين
والعمليات الاستشهادية، بمفهومها الذي يعني تحويل الأجساد إلى قنابل، كالأحزمة الناسفة أو تفخيخ السيارات وقيادتها وتفجيرها ضد أهداف الاحتلال، أو حمل القنابل في حقيبة مثلًا وتفجيرها بكبسة زر، لم يبدأ في مطلع التسعينيات كما يعتقد كثيرون، بل إنها عرفت خلال حرب النكبة، وربما قبلها أيضًا. ومن أبرز العمليات الاستشهادية التي تم توثيقها في عام 1948 تلك التي نفذها الشهيد سرور برهم، قائد مجموعة "الكف الأسود" (التي انبثقت عن مجموعات الشيخ عزالدين القسام، ونشطت منذ ثورة 1936 وحتى حرب النكبة)، حيث كان كل من الشهيد برهم ورفيقه محمد الحنيطي، الضابط في الجيش الأردني، قد ذهبا لإحضار قافلة من السلاح والمتفجرات من بيروت إلى حيفا، وفي طريق العودة يوم 17 مارس/ آذار، وبالقرب من مستوطنة متوسكين، تعرضت القافلة التي تحمل أطنانًا من المتفجرات لكمين من قبل العصابات الصهيونية (الهاغاناه)، أدت إلى استشهاد عدد من المقاتلين بمن فيهم الحنيطي، ولكن سرور برهم قام بقيادة الشاحنة التي تحمل الأسلحة والمتفجرات والألغام، فاقتحم المستوطنة وفجر شاحنته داخلها، ما أدى إلى مقتل عشرات الجنود الصهاينة، وتدمير معسكر المستوطنة بالكامل. وإذا ذكرنا العمليات الاستشهادية لا بد من ذكر عملية "الخالصة"، التي نفذها 3 مقاتلين (فلسطيني وسوري وعراقي) من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة"، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، وذلك عندما اقتحموا مستوطنة كريات شمونة شمالي فلسطين المحتلة، وسيطروا على بناية واحتجزوا من بداخلها من الإسرائيليين، ثم قاموا بتفخيخها وتفجيرها بعد معركة عنيفة مع القوات الإسرائيلية، حيث استشهد الفدائيون الثلاثة، وقتل 19 إسرائيليًا وجُرح 15 آخرون. وفي منتصف الثمانينيات، خططت الفدائية الفلسطينية والأسيرة المحررة، عطاف عليان، لتنفيذ عملية استشهادية غير مسبوقة، حيث خططت لقيادة سيارة مفخخة وتفجيرها في مقر رئاسة الوزراء في القدس المحتلة. لكن تلك العملية التي تم التخطيط لها لسنوات من قبل ما كان يعرف بـ"سرايا الجهاد الإسلامي" (الجهاد الإسلامي لاحقًا)، وتلقت فيها عطاف تدريبًا عسكريًا على استخدام الأسلحة والعبوات الناسفة، في معسكرات تدريب القطاع الغربي في بيروت، على يد الشهيدين القائدين باسم سلطان (حمدي) ومحمد بحيص (أبو حسن)، لم يُكتب لها النجاح وتم إحباطها، حيث اعتُقلت عطاف عليان قبل أسبوع من موعد تنفيذ عمليتها، وبعد أيام من اعتقال المسؤول عن إعداد السيارة المفخخة.
اقتباس :
ابتكر العياش من المواد الخام المتوفرة في السوق – أبرزها الفحم والأسيتون- سلاحًا جديدًا فتاكًا، ونقلت حماس على يديه العمليات الاستشهادية إلى داخل الأراضي المحتلة، وهي التي غيرت المعادلات وكسرت حاجز الردع
مدرسة العياش التي غيرت شكل الصراع مع الاحتلال
لكن نقطة التحول في تاريخ العمليات الاستشهادية الفلسطينية، والتي صنعت حالة غير مسبوقة من عمليات العبوات والأحزمة الناسفة التي ستزلزل قلب كيان الاحتلال، كانت على يد الشهيد المهندس يحيى عياش، الذي يصفه القائد القسامي الأسير إبراهيم حامد بـ "مخترع البارود الفلسطيني". ويقول حامد إنه عندما كان العياش طالبًا في الهندسة الكهربائية بجامعة بيرزيت، بدأت أولى محاولاته لتصنيع المقذوفات، وفي ذات يوم من عام 1991 فاجأ الشهيد يحيى عياش زميله في السكن- الذي كان مسؤول الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت- بعد أن أغلق الغرفة، وفتح يده التي كانت فيها حفنة من "كحل البارود" (الذي يصنعه الفلسطينيون عادة من مسحوق الفحم النباتي وبعض نترات المواد الحمضية)، وقام بإشعال النار فيها، فوصلت الشعلة إلى سقف الغرفة تقريبًا، وعندها قال له زميله: "لا تفضحنا"، أجاب يحيى، رحمه الله: "احسبوا حسابي"! في إشارة إلى رغبته في الانخراط بالعمل الفدائي إبان الانتفاضة الأولى. اجترح العياش من المواد الخام المتوفرة في السوق – أبرزها الفحم والأسيتون- سلاحًا جديدًا فتاكًا، ونقلت حماس على يديه العمليات الاستشهادية إلى داخل الأراضي المحتلة، وهي التي غيرت المعادلات وكسرت حاجز الردع، وفتحت – بعد استشهاده – مراحل جديدة من مقاومة الاحتلال، ستتطور وتستمر خلال الانتفاضة الثانية وما بعدها، وما زلنا نشهد آثارها وبصماتها حتى اليوم. وكانت باكورة عمليات العياش الاستشهادية – والتي مثلت تحولًا كبيرًا في تاريخ الصراع مع الاحتلال في حقبة ما بين الانتفاضتين- هي عملية الشهيد ساهر تمام (22 عامًا)، التي وقعت بتاريخ 16 أبريل/ نيسان 1993، حيث قاد تمام سيارته المفخخة من نوع "فولكس فاغن"، وقام بتفجيرها قرب مقهى يرتاده الجنود الإسرائيليون في مستوطنة "ميحولا" القريبة من مدينة بيسان، فقُتل 2 منهم وأصيب 8 بجراح. انطلقت عمليات العياش وزادت قوة وفتكًا بعد نجاح العملية الأولى، ومن أبرزها عمليات "العفولة" عام 1994، وعملية شارع "ديزنغوف" في تل أبيب، وعملية محطة الحافلات في القدس في ديسمبر/ كانون الأول 1994، وكذلك عملية حافلة "رامات غان" بالقرب من تل أبيب، وعملية حافلة "رامات أشكول" في مدينة القدس المحتلة عام 1995. قبيل استشهاده في قطاع غزة، في 5 يناير/ كانون الثاني 1996، عكف المهندس يحيى عياش على تدريب أعضاء آخرين في كتائب القسام على صناعة المتفجرات، فيما تطورت من بعده تركيبة القنابل التي قادتها الكتائب خلال الأعوام التالية، وصولًا إلى انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000، والتي كانت العمليات الاستشهادية عنوانها الأبرز، على نحو لم يسبق له مثيل. فمنذ عملية ساهر تمام عام 1993، وحتى ما قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، سُجلت 30 محاولة لتنفيذ عمليات استشهادية، نجح منها 24 عملية. لكنْ بعد انطلاق الانتفاضة الثانية- التي انطلقت في 28 سبتمبر/ أيلول 2000، واستمرت حتى عام 2006- بلغ عدد الاستشهاديين 451 شهيدًا وشهيدة، قدموا من الضفة وقطاع غزة والأردن والداخل.
اقتباس :
ماذا لو أخذت ظاهرة يحيى عياش، علاوة على ظواهر الانتفاضة الأُخرى التي شرعت تتعاظم، كخطف الجنود، والاشتباك الجريء من النقطة صفر، الذي ابتدعه عماد عقل وخلاياه.. مَدَياتها وتجلياتها الانتفاضية؟
القائد الأسير إبراهيم حامد
هل يعيد الطوفان الزخم؟
إذا وضعنا مبدأ القدرة في عين الاعتبار، فلا شك أن الإجابة عن هذا السؤال ستكون معقدة، بالنظر إلى الواقع الصعب الذي تمر به الضفة الغربية، حيث تواجه المقاومة تحديات عديدة ومركبة لاستعادة زخم العمليات الاستشهادية، وخصيصى في الداخل المحتل. وكما هو معلوم، فإن العمليات الاستشهادية تقوم أساسًا على وجود استشهادي لديه القدرة على تنفيذها، وربما من أكبر التحديات التي تواجه المقاومة اليوم- على عكس فترتي الانتفاضتين وما بينهما- مسألة تجنيد العناصر المناسبة لتنفيذ عمليات استشهادية. وفي ظل عدم وجود عمل تنظيمي قوي، وغياب قيادات وكوادر تخطط لهذه العمليات، بسبب تعرضها للاجتثاث منذ 18 عامًا على يد السلطة والاحتلال، ناهيك أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول شن الاحتلال آلاف عمليات الاعتقال ضد الفلسطينيين بالضفة وحدها، فيما استشهد المئات من الشبان وجُرح آلاف آخرون، خلال هذه الأشهر العشرة. ومن أبرز التحديات الأخرى أمام عودة زخم العمليات الاستشهادية هو تقطيع أوصال الضفة وحصار المدن والقرى والمخيمات، وشبه استحالة دخول استشهاديين إلى الداخل المحتل في تطويق الضفة وتعزيز الجبهة الداخلية للاحتلال بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول ناهيك عن الرصد المكثف لأي محاولات لتصنيع أو شراء السلاح والمتفجرات أو المواد التي تدخل في صناعتها. لكن تصاعد حالة الاشتباك التي نشهدها في شمال الضفة الغربية، والتي انطلقت بُعيد معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار 2021 وحتى اليوم، وتطور صناعة العبوات الناسفة كمًا ونوعًا، وإن كان استخدامها في تحصين المدن والقرى والمخيمات ضد اقتحامات جيش الاحتلال والمستوطنين، قد يعطي دفعة أمل بقدرة المقاومة الفلسطينية على اجتراح الأدوات والإمكانات – كما فعلت في كل مرة- لاستعادة العمليات الاستشهادية، وكسر حالة الردع التي بنيت منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحتى اليوم. في النهاية، لا شك أن "الظاهرة الاستشهادية" – كما أحبَ أن يسميها القائد الأسير إبراهيم حامد- لم تنتهِ؛ حيث أخذت العمليات الاستشهادية بصفتها أعظم التضحيات أشكالًا أخرى طوال السنوات الماضية، فالإقبال على المحتل بالسكين أو الكارلو أو الشاكوش هو هجوم استشهادي، لا يعلم صاحبه إن كان سيعود منه حيًا يرزق. وهنا أحب أن اختتم هذا المقال باقتباس لإبراهيم حامد من ورقته التي نشرها قبيل معركة طوفان الأقصى بنحو 10 أيام (في إعادة الاعتبار إلى "تحرير فلسطين")، إذ يقول أبو علي: "ماذا لو أخذت ظاهرة يحيى عياش (الظاهرة الاستشهادية)، علاوة على ظواهر الانتفاضة الأُخرى التي شرعت تتعاظم، كخطف الجنود، والاشتباك الجريء من النقطة صفر، الذي ابتدعه عماد عقل وخلاياه.. وسجّل صعود تلك الفعاليات الأمر الأهم في سنوات "أوسلو" الأولى نفسها (1993- 1996)، ماذا لو أخذت تلك الظواهر والتطورات كامل مَدَياتها وتجلياتها الانتفاضية؟ كيف كانت ستكون النتائج وحصاد ذلك الفعل المقاوم الواثب والمتعاظم على صعيد الاستقلال السياسي والتحرر الوطني؟".
تاريخ العمليات الفدائية ضد إسرائيل من الانتفاضة الأولى إلى طوفان الأقصى