يلا نحكي: قراءة نقدية في طوفان الأقصى (1- 5)
جهاد حرب
إنّ أيّ تقييم لعملية طوفان الأقصى بعد مرور عام على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تتطلب
دراسة الجوانب المختلفة لما جرى قبل وأثناء العملية ومساراتها ومآلاتها أو تحقيق أهدافها من
جوانب متعددة تُأخذ بالحسبان أثناء التخطيط لها وهي قواعد حاكمة لنجاح العملية أو الفعل. لذا تقرأ
هذه المقالات مجتمعية بما يحقق التكامل فيما بينها.
سيخصص هذا المقال للحديث عن القواعد اللازمة لعملية التخطيط وفيها؛ حيث تشير قواعد الإدارة
إلى قاعدة العناية الواجبة "اعقل وتوكل" أيْ الأخذ بالأسباب والتحوط لكل ما يمكن أنْ يفسد المهمة
أو العمل من أجل ضمان نجاح العملية أو المهمة، فيما القاعدة الثانية فتتعلق بالعناية بتحقيق النتائج
أي ضمان تحقيق النتائج المتوخاة، وبالإضافة إلى انطباق قاعدة إدارة المخاطر الواجبة في احتساب
كيفية معالجة المخاطر المحتملة أو القائمة، ناهيك عن قاعدة ضمان توفر تضامن أو قبول لذات
العملية العسكرية.
بالرغم من النجاح الكبير، وربما غير المتوقع، للعملية العسكرية صباح يوم السابع من أكتوبر
باختراق الحدود والوصول إلى القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، إلا أنّ
وثائق حركة حماس المتعلقة بطوفان الأقصى سواء بيان محمد الضيف قائد أركان كتائب القسام
انطلاق العملية أو وثيقة المائة يوم التي أصدرتها تحت عنوان "هذه رؤيتنا ... لماذا طوفان
الأقصى" تشيران إلى أنّ القاعدة الأولى أيْ الأخذ بالعناية الواجبة لم تأخذ على محمل الجدّ بما يضمن
القيام بالعملية "عملية نظيفة" دون أخطاء يمكن أنْ تهدد نجاح العملية أو تؤثر مستقبلاً على نجاعة
العملية.
أشارت وثيقة "هذه رؤيتنا ... لماذا طوفان الأقصى" بوضوح أنّ العناية الواجبة تم خرقها عندما لم
يتم التحوط لمنع دخول المواطنين للبلدات الإسرائيلية بشكل عشوائي (3.ربما يكون قد حدث بعض
الخلل أثناء تنفيذ عملية طوفان الأقصى، بسبب انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بشكل
كامل وسريع، وحدوث بعض الفوضى نتيجة الاختراقات الواسعة في السياج والمنظومة الفاصلة بين
قطاع غزة ومناطق عملياتنا). كما أظهر بيان محمد الضيف أنّ الهدف من العملية واسعاً "اليوم، نعم
اليوم، يستعيد شعبنا ثورته، ويصحّح مسيرته، ويعود لمشروع التحرير والعودة وإقامة الدولة، بالدم
والشهادة" يتعدى قدرات حركة حماس في قطاع غزة؛ خاصة أنّ هذه العملية لم يتم تنسيقها مع
القوى الوطنية والإسلامية أو حتى مع الحلفاء "محور المقاومة" أو حتى جناحها العسكري في
الضفة الغربية؛ فالتحرير يحتاج إلى جمع جميع القوى في بوتقة واحدة على الأقل.
أما القاعدة الثالثة المتعلقة بإدارة المخاطر فهي مهمة في احتساب التكاليف المتوقعة لهذه العملية؛
خاصة أنّ الضحايا المتوقعون هم المواطنون وممتلكاتهم وحياتهم وحياة أسرهم، مقارنة بما يمكن أنْ
تحققه كإطلاق سراح الأسرى، التي تُعدُ قضية أساسية للفلسطينيين ومهمةُ الكل الفلسطيني لضمان
حريتهم ووقف معاناتهم، ففي كثير من الأحيان لا نمنع وقوع الخطر واستمراره إذا كانت تكلفته أكثر
من خسائره حال وقعوه، وفي هذا الشأن فإنّ تقدير الموقف يحتاج إلى قراءة سياسية أعلى من مهمة
الإعداد للعملية من جهة، ويحتاج إلى توسيع المشاورات من خارج الإطار الواحد والاستماع بانتباه
للناقدين والمعارضين لما يحققه من إعادة النظر بعيون أوسع وأكثر قدرة على فحص المخاطر من
جهة ثانية.
في ظني أنّ عدم الأخذ بالعناية الواجبة والعناية بتحقيق النتائج بما ينسجم مع القدرات المتوفرة
وغياب المشاورات وعدم الأخذ بعين الاعتبار إجراءات إدارة المخاطر أدّى إلى تجاوز الخطوط
المقبولة للمجتمع الدولي خاصة ما يتعلق بمهاجمة البلدات الإسرائيلية وأسر عدد من المدنيين بما
فيهم كبار السن وأطفال مما أفقد الفلسطينيين في تلك اللحظة التضامن الدولي العنصر الأساس
لضمان مشروعية العملية العسكرية الواسعة "طوفان الأقصى" والداعم للنضال الفلسطيني في
مواجهة الاحتلال.