السلام المفقود من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط
قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأربعاء 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إن من المستحيل تحقيقَ سلام عادل في أوكرانيا إذا فقدت كييف حيادها، بالانضمام إلى تكتل مثل حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.
بالتوازي، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن محادثات السلام لن تبدأ إلا إذا وافقت أوكرانيا على التخلي عن مساحات ضمها الجيش الروسي في حربه، وتوقفت كييف عن مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
الروسي واضح في شروطه لوقف حرب تقف على أعتاب عامها الثالث، والتي – بحسب التقارير الميدانية – لا نهاية قريبة لها، مع إصرار الغرب على عدم السماح لروسيا بتحقيق الانتصار. هذا ما يدفع بهذه الدول لتقديم الدعم اللوجيستي والعسكري والاستخباراتي لكييف، كي تستطيع الصمود والتصدي للتوغل الروسي في أراضي أوكرانيا.
توسعت الحرب في الشرق الأوسط، ونقلت إسرائيل حربها من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية، حيث يشهد لبنان أعنف حرب في تاريخ صراعه مع المحتل، ويتوقع البعض أن تتدحرج الحرب مع الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل
تبدلت المعركة في الميدان وتعقدت، إذ رغم أن الغرب لم يعطِ الضوء الأخضر لكييف لاستخدام أسلحته بعيدة المدى، فإن كييف عمدت إلى تطوير ترسانتها الصاروخية، عبر كشفها عن تطوير لصواريخ باليستية قادرة على ضرب الجيش الروسي في العمق. لم يتوقف الأمر هنا، بل تبدّلت المعادلة في شرق أوروبا، مع دخول القوات الأوكرانية الأراضي الروسية في مقاطعة كورسك، علّها تجد في ذلك تحسّن موقفها في المفاوضات المنتظرة.
حرب أوكرانيا وجدت لا لكي تنتهي على قاعدة تسويات، ولا على أساس العودة إلى ما قبل 24 فبراير/ شباط 2022، فالروسي على ما يبدو مصرٌّ على تحقيق شروطه، بينما – بالمقابل – الداعم الرئيسي لأوكرانيا وفي المقدمة الولايات المتحدة – لا يزال مصرًّا على سياسة "الاحتواء" للدول الصاعدة، وعلى رأسها روسيا، التي يصرّ مسؤولوها على إقامة النظام الجديد متعدد الأقطاب.
بينما العالم يتوجس من أن تشعل حرب أوكرانيا الحرب العالمية الثالثة، تفاجأ ببداية حرب أخرى تشنها حكومة بنيامين نتنياهو على قطاع غزة؛ بهدف القضاء على حركة حماس، لتخرج إلى العالم سرديات مختلفة، منها إعادة تشكيل خريطة المنطقة بحسب ما يتناسب مع مصالح إسرائيل فيها.
توسعت الحرب في الشرق الأوسط، ونقلت إسرائيل حربها من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية، حيث يشهد لبنان أعنف حرب في تاريخ صراعه مع العدو، ويتوقع البعض أن تتدحرج الحرب مع الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
هناك دور أميركي في بناء فوضى كبرى في المنطقة، نشرتها إدارة بايدن، وهي استمرار لسياسات متتالية لحكومات تعاقبت على السلطة في الإدارات الأميركية، لطرح مشروع الفوضى الخلاقة لبناء الشرق الأوسط الجديد
أمام مشهدية الحرب من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط، يبرز لاعب رئيسي خلف الكواليس، يتمثل في الولايات المتحدة ودورها في إشعال الحروب. إذ أخذت أميركا على عاتقها محاربة روسيا من خلال أوكرانيا، حيث تسعى من خلال تلك الحرب إلى تحقيق هدفين:
الهدف الأول يرتبط بسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ توليه السلطة في البيت الأبيض، إذ طرح سياسة الاحتواء للقوى الصاعدة – على رأسها روسيا وحليفتها بكين – في مشروع الانقلاب على الهيمنة الأميركية في العالم.
أما الهدف الثاني من وراء الدور الأميركي في الصراع الأوكراني، فهو حاجة أميركا إلى جعل أوروبا خائفة أمام الدب الروسي، كي تُبقي القارة العجوز إلى جانبها، لا بل خاضعة لقراراتها.
هذا ما تريده الولايات المتحدة خصوصًا، وإنّ هناك أصواتًا خرجت من عواصم أوروبية، على رأسها فرنسا، لتأسيس جيش أوروبي قادر على حماية مصالح أوروبا، هذا ما يسهل العمل على بكين وموسكو في بناء نظام عالمي قائم على تعددية قطبية.
لا يقف المتابع للأحداث الدائرة في الشرق الأوسط، عند ما تريده الحركة الصهيونية التي وصلت إلى السلطة وشكلت حكومة نتنياهو، ومع بداية رِحلتها نحو إقامة دولة قومية يهودية. أبعد من الطموح والأحلام، هناك دور أميركي في بناء فوضى كبرى في المنطقة، نشرتها إدارة بايدن، وهي استمرار لسياسات متتالية لحكومات تعاقبت على السلطة في الإدارات الأميركية، لطرح مشروع الفوضى الخلاقة لبناء الشرق الأوسط الجديد.
هذا ما أكدته الوقائع منذ عام 2006، من خلال ما صرحت به وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس من بيروت عن انطلاق المشروع الأميركي، والمشروع لم يزل قائمًا إلى عام 2024، مع سعي هذا المشروع إلى إبطال مفعول اتفاقية سايكس بيكو، وإلى إعادة تقسيم المنطقة، بما يتناسب مع المصلحة الأميركية.
الفوضى الخلاقة – كما طرحها عالم النفس مارتن كروزرز – بهدف إعادة ترتيب نفسية المريض، تبنتها الإدارة الأميركية لتطبيقها على منطقة الشرق الأوسط، ومن أفضل من نتنياهو لتطبيقها؟
حتى لو فُرضت التسويات في المنطقة، وفي شرقي أوروبا، سيبقى السلام مفقودًا ما دام أن الأميركي لم يصل إلى أهدافه، وأنه لم يستطع لجم جنون نتنياهو في توسيع الحرب
تستفيد أميركا من تلك الفوضى على صعد مختلفة، منها فصل الارتباط بين الدول والشركات النفطية، تمامًا كما حال شركة النفط الوطنية العراقية المملوكة من الحكومة العراقية؛ حيث إن الفوضى في المنطقة قد تضع حقول النفط في يد جماعات تستطيع أن تبيعها في السوق السوداء بأسعار أدنى من سعر السوق، فهذا ما كان عليه تنظيم الدولة عندما فرض سيطرته على حقول النفط في سوريا والعراق، وكان التنظيم بحاجة إلى ميزانية كبرى، فما كان منه إلا بيع براميلها لأميركا بالسوق السوداء.
تحتاج أميركا إلى نقاط توتر في العالم، علّ ذلك يساعدها على تحقيق أهدافها، ويضمن لشركاتها الاستفادة بتحقيق فائض من الأرباح. ولأجل ذلك كانت أميركا بحاجة إلى فولوديمير زيلنيسكي آخر في الشرق الأوسط، فكان نتنياهو الرجل الذي قدم أهم خدمة لواشنطن لإعادة نفوذها فيها، وجعلها تمسك أوراقًا كانت قد سُحبت منها مع دخول روسيا في الحرب السورية، ووصول الصين عبر تعبيد مشروعها "طريق والحرير".
لهذا، حتى لو فُرضت التسويات في المنطقة، وفي شرقي أوروبا، سيبقى السلام مفقودًا ما دام أن الأميركي لم يصل إلى أهدافه، وأنه لم يستطع لجم جنون نتنياهو في توسيع الحرب.. كما أن بايدن لم يستطع إقناع نتنياهو، وثنيه عن مهاجمة طهران، بعد اتصال هاتفي حصل بين الرجلين يوم الأربعاء 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.