ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75881 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: لماذا سباقات التسلّح والحروب الدائمة؟ السبت 16 نوفمبر 2013, 8:28 pm | |
| لماذا سباقات التسلّح والحروب الدائمة؟
هل نعيش في عالم مجنون؟ كلا. الأحرى أن يقال إننا «عدنا» للعيش في عالم مجنون. بعد سقوط جدار برلين في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، خرجت علينا أميركا المنتصرة بنظريات باهرة تبشر بنهاية التاريخ، تاريخ الديكتاتوريات والتوتاليتاريات والإستبداد، وبداية نظام عالمي جديد ليبرالي - ديمقراطي- حر إلى الأبد. ولأن الديمقراطيات لا تقاتل بعضها البعض، كما يقال، إستنتج الجميع بأن السلام الدولي آت لا محالة، وأن العالم سيخرج أخيراً من جنونه الذي جعله طيلة نصف قرن يتراقص على شفير الفناء النووي، ليدخل جنة العقل والعقلانية. لكن يبدو أن هذا الإستنتاج كان مجنوناً هو الآخر. أنظروا حولكم. ماذا ترون؟ أميركا - بوش تريد زرع 10 قواعد لإعتراض الصواريخ في بولندا، تخدمها 10 محطات رادار متطورة في جمهورية التشيك. الهدف؟ حماية أوروبا من التهديدات الصاروخية والنووية الكورية الشمالية والإيرانية. من قال إن بيونغ يانغ وطهران تنويان تهديد أوروبا؟ جورج بوش. ومن صدّقه؟ حتماً ليس الروس، الذين اعتبروا، عن حق، أن هذه الخطوة هدفها أمنهم القومي وقوتهم النووية الرادعة، فعمدوا على عجل إلى إعادة تصويب صواريخهم النووية نحو أوروبا وأميركا، وأعلنوا أنهم ينوون تطوير ترسانتهم الذرية. أنظروا حولكم. كتاب جديد للمحققين الصحافيين أدريان ليفي وكاثرين سكوت - كلارك بعنوان «الخداع»، يكشف عن حقيقة مذهلة: واشنطن هي التي ساعدت العالم الذري الباكستاني عبد القدير خان وفريقه على تطوير القنبلة الذرية، ثم هي التي فرضت (في البداية) عقوبات على إسلام أباد بسبب تفجيرها هذه القنبلة!. أنظروا حولكم. دراسة للكونغرس الأميركي تؤكد أن الولايات المتحدة (المنتصرة في الحرب العالمية الباردة) لا تزال هي المصدّر الأول للسلاح إلى الدول النامية، أو الفقيرة، تليها روسيا وبريطانيا. قيمة المبيعات بلغت 28،8 مليار دولار عام 2006. لكن القصة لا تتوقف هنا بالطبع. يجب أن نضيف إليها أكلاف الحرب العالمية ضد «الإرهاب» التي تخوضها أميركا في العراق وأفغانستان والقرن الأفريقي وآسيا الوسطى، والتي كلفت حتى الآن أكثر من 500 مليار دولار. والحبل ما زال على الجرار. كل هذا يجري حولنا، فيما الديمقراطية تواصل تقدمها الظافر في كل أنحاء العالم، مكتسحة في طريقها ما تبقى من بقايا النظام والتاريخ العالميين القديمين. لكن كل هذا لم يحقق السلام ولم يجلب الحليب والعسل للعالم. حدث العكس: الحروب انفجرت. التسلح تفاقم. الأسلحة النووية ازدادت. وعاد الرقص على حوافي الهاوية بأعنف مما كان من قبل. هل هو الجنون ؟
إنقلاب أميركا
أجل. لكن ليس بالنسبة لتجار السلاح وصنّاعه، ولا لشركات العولمة النهمة أبداً لفتح الأسواق الإستهلاكية الجديدة بقوة السلاح، ولا للنخبة المصرفية العالمية التي تموّل كل الأطراف في كل الحروب، ولا أخيراً للرئيس بوش الذي لا يريد أن يغادر البيت الأبيض إلا وهو قد نفّذ ما يسمعه من أصوات سماوية تحضّه على خوض المزيد من الحروب. ولا أيضاً بالنسبة للإقتصاد الأميركي الذي يبدو أنه بات معتمداً كلياً على العسكرة والحروب لضمان استمرارية نموه وازدهاره. إيمانويل تود الفيلسوف وعالم الإجتماع والانثروبولوجيا الفرنسي، لامس هذه الحقيقة في كتابه الأخير «ما بعد الإمبراطورية: انهيار النظام الأميركي». وهو خرج بخلاصات مهمة ومثيرة: فهو يرى الولايات المتحدة تحوّلت منذ ثمانينات القرن العشرين، ثم بالتحديد في الفترة بين 1990و2000، من دولة منتجة وصناعية ومكتفية ذاتياً، إلى دولة مستهلكة غير منتجة ومعتمدة على العالم صناعياً ومالياً. وهو يفسّر المحاولات الأميركية لإقامة إمبراطورية عسكرية وسياسية، على أنها دليل ضعف لا قوة. انحدار لا صعود. فأميركا تحاول عبر سلسلة الحروب التي تشنها ضد الأطراف الضعيفة في العالم (أفغانستان، العراق، تنظيم «القاعدة») إرهاب القوى الكبرى الرئيسة في العالم (أوروبا، اليابان، روسيا، الصين)، والإثبات لها بأنه لا غنى عن دورها للحفاظ على أمن النظام الإقتصادي العالمي. وهو يقول إن أميركا لن تنجح في النهاية في إقامة هذه الإمبراطورية، لأنها تفتقد إلى أهم عناصر بناء الامبراطوريات: القدرات المالية والإقتصادية الكافية لتمويل التوسع الإمبراطوري؛ الايديولوجيا العالمية القادرة على استيعاب كل دول العالم الأخرى بوصفها قوى متساوية الحقوق، كما فعلت الإمبراطورية الرومانية؛ وأخيراً الإستعداد لإرضاء القوى الكبرى الأخرى. وتبعاً لذلك، يتوقع تود إنهيار النظام العالمي الأميركي عبر أحد طريقين: انفصال محور فرنسا - ألمانيا واليابان وروسيا (أي القوى الرئيسة في قارة أوراسيا) عن الزعامة الأميركية وتشكيل تحالف مستقل ضدها. أو كساد كبير في البورصة المالية الأميركية سيكون أضخم بكثير من انهيار عام 1929. تود يعتبر إن الولايات المتحدة التي كانت تعتبر حلاّلة المشاكل خلال سنوات طويلة، باتت الآن هي المشكلة بالنسبة لباقي العالم. إذ بعد أن كانت الضامن للحرية السياسية والنظام الإقتصادي الليبرالي لمدة نصف قرن، يبدو الآن أكثر فأكثر أنها تساهم في خلق الفوضى العالمية عبر الحفاظ حيثما استطاعت على الشكوك والنزاعات. فهي تواجه دولاً صغيرة كإيران والعراق وكوريا لا تشكل خطراً عليها. وهي تستفز روسيا في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا، وتقيم قواعد عسكرية لمحاصرتها في آسيا الوسطى. هذا في حين يهدد البنتاغون باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية لفرض الإرادة الاميركية على الجميع. باختصار، أميركا تمارس سياسة «الرجل المجنون» لإرهاب الجميع . الأوروبيون لا يفهمون أسباب رفض أميركا حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، برغم مقدرتها التامة على ذلك. وهم بدأوا يتساءلون ما إذا كانت واشنطن تتعمد إبقاء بؤرة توتر دائمة في الشرق الاوسط، ودفع العالم الإسلامي لمعاداة الغرب. وهم يرون في تضخيم حجم تنظيم «القاعدة»، مجرد تبرير لشن العمليات في أي مكان في العالم. إن رفع الإرهاب إلى درجة القوة العالمية، يبرر مأسسة حالة حرب دائمة في كل أنحاء الكرة الأرضية. حرب عالمية رابعة، وفق بعض المحللين الأميركيين. كل شيء يدل على أن الولايات المتحدة، ولسبب غامض، تعمل للحفاظ على درجة من التوتر الدولي: حالة حرب محدودة ولكن دائمة.
الخوف من العزلة
أين يتركنا كل ذلك؟ ليس هناك تفسير مرضٍ للسلوك الأميركي، عدا ذلك الذي يقول بأن الولايات المتحدة باتت تشعر أنها لم تعد مفيدة للعالم. وهذا يمكن أن يفسر قلقها وتوتر بعض توجهات سياساتها الخارجية. تهميش أميركا قد يكون مفاجئاً لعالم يعيش وهم القوة الأميركية الطاغية. لكن، هذه هي الحقيقة: أميركا التي لم يعد في وسعها العودة إلى العزلة، تخشى الإنعزال في عالم لم يعد يحتاجها. خوف أميركا من الإنعزال ليس أمراً مستجداً. فحتى حين كانت تعيش في عزلة في القرن التاسع عشر، إلا أن هذا لم يكن انعزالاً لأنها كانت متصلة بالعالم إقتصادياً ومستقلة عنه سياسياً ودبلوماسياً. منذ وقت مبكر، كانت أميركا في حاجة إلى المال والعمال المهرة من الخارج، ولا سيما من أوروبا. في الحرب العالمية الأولى، لم تكن الولايات المتحدة في حاجة إلى العالم. العالم كان في حاجة إليها. وبعد الحرب العالمية الثانية كانت أميركا تنتج نصف سلع العالم الإقتصادية، لكن في تلك الفترة بدأت تحولات خطيرة. فنظام العولمة الذي أقامته أميركا في أوروبا واليابان استناداً إلى فتح أسواقها في إطار التجارة الحرة، أدى في النهاية إلى تغيير بناها الداخلية، فأضعف إقتصادها، وشوّه مجتمعها. وحينها، باتت أميركا معتمدة على العالم بدل أن يكون العكس هو الصحيح. العجوزات التجارية الأميركية بدأت بالظهور في السبعينات، وأصبحت منذ ذلك الحين معلماً بارزاً من معالم الإقتصاد العالمي. سقوط الشيوعية أدى الى تسارع الإعتماد الأميركي على العالم. فبين 1990و2000 قفز العجز التجاري الأميركي من 100 الى 450 مليار دولار. وفي بداية القرن الحادي والعشرين ، لم يعد في وسع أميركا أن تعيش مما تنتج . وهنا نشأت المفارقة : في الوقت الذي كانت فيه بقية دول العالم تستقر بفضل التقدم في الصحة والتعليم والديموغرافيا والديمقراطية فتصبح غير معتمدة على أميركا، لم يعد في وسع هذه الأخيرة العيش من دون العالم. لكن مهلاً. إذا ما كانت الولايات المتحدة قد انحدرت إلى درجة كبيرة كقوة اقتصادية، إلا أنها نجحت إلى حد كبير في امتصاص ثروات الإقتصاد العالمي. وهذا ما يدفعها الى القتال سياسياً وعسكرياً للحفاظ على هيبتها بصفتها قوة لا يمكن الإستغناء عنها في العالم. وهذا الآن ما يطرح المشكلة الآتية بالنسبة للعالم: كيف يمكن التعاطي مع قوة عظمى معتمدة على غيرها اقتصادياً، لكنها أيضاً بلا فائدة سياسياً؟ هذه التطورات في السياسة الخارجية ترافقت مع أخرى لا تقل خطورة في الداخل الأميركي. فالمجتمع يتغير إلى نظام لا مساواتي إلى حد كبير. وهذه نقطة أوضحها بجلاء الكاتب الأميركي مايكل ليند في كتابه «الأمة الأميركية الجديدة»، والتي ركز فيها على بروز طبقة فاحشة الثراء تمسك بكل مفاصل الإقتصاد الأميركي، وتعيد توجيه السياسات الإقتصادية بما يكرّس اللامساواة إلى حد كبير. وهذا يضعف الآن الديمقراطية الأميركية، في الوقت ذاته الذي تتقدم فيه هذه الديمقراطية في العالم. إن انتقال الولايات المتحدة إلى الأوليغارشية (حكم الأقلية) المتطرفة، يدفع الى توقع قيامها بممارسات عدوانية ومغامرات عسكرية أكثر خطورة. لا بل لا يمكننا الآن استبعاد أن تشن هذه الإعتداءات حتى على دول ديمقراطية، لأن النخب الأوليغارشية مستعدة لإشعال الحروب بين الديمقراطيات. العالم، إذا، يقف أمام تناقضين: الأول الإعتماد الإقتصادي الأميركي الجديد على العالم. والثاني التوزيع الجديد للطاقة الديمقراطية في كل أنحاء العالم، ولا سيما في قارة أوراسيا . حالما نضع هذه التطورات بعين الإعتبار، نستطيع أن نفهم بعض أسباب غرابة التصرفات الأميركية. فيما أن الديمقراطية تضعف في داخل أميركا نفسها، سيكون من الصعب على هذه الأخيرة الدفاع عنها في العالم. الأولوية الأولى لأميركا الآن هي الحصول على السلع والموارد والرساميل من العالم. وبالتالي، من الآن فصاعداً سيكون هدف الولايات المتحدة هو السيطرة السياسية على موارد العالم. بيد أن القوة الإقتصادية والعسكرية والايديولوجية المنحدرة للولايات المتحدة، لا تسمح لها بالسيطرة بفعالية على العالم الذي أصبح شاسعاً، وكثير السكان، ومتعلماً، وأكثر ديمقراطية. تذليل العقبات الحقيقية أمام الهيمنة الأميركية (أساساً اللاعبين الإستراتيجيين الأوروبيين والروس واليابانيين) هي ببساطة مهمة مستحيلة. سيكون على أميركا بشكل متزايد التفاوض مع هذه القوى، والرضوخ لها في كثير من الأحيان. لكن في النهاية، سيكون على الولايات المتحدة العثور على حل، أكان حلاً حقيقياً أم متخيلاً، لتبعيتها الإقتصادية المقلقة. حتى ذلك الحين، ستفعل الولايات المتحدة كل ما في وسعها للبقاء كمركز للعالم، خاصة القيام بنشاطات عسكرية درامية تتمحور حول ثلاثة أمور: 1 - عدم حل أية مشكلة بشكل نهائي، لتبرير سلسلة لا تنتهي من العمليات العسكرية في كل أنحاء العالم من جانب الدولة العظمى الوحيدة. 2 - تركيز كل الطاقات على الدول الضعيفة كالعراق وإيران وكوريا الشمالية وكوبا.. الخ، بهدف استعراض القوة الأميركية ومنع الدول الكبرى الأخرى من التفكير بالقيام بأدوار ما. وهذه الدول هي أوروبا واليابان وروسيا وربما الصين. 3 - تطوير أنظمة أسلحة جديدة يتم تسويقها إعلامياً على أنها دليل التفوق الكاسح الأميركي، في إطار سباق تسلح لا نهاية له. مثل هذه الإستراتيجية تجعل الولايات المتحدة بشكل غير متوقع عقبة في طريق السلام العالمي. لكن ليس ثمة ضرورة هنا للإصابة بالهستيريا حول بروز إمبراطورية أميركية، لأن هذه الاخيرة في الحقيقة في طور التفكك لا الصعود.
أميركا والعرب
ماذا الآن عن أميركا والعالم العربي - الإسلامي؟ العديد من المحللين الغربيين يعتقدون أن التطرف الراهن في هذا العالم الإسلامي ليس أمراً مفاجئاً، بل هو مجرد أزمة انتقالية مؤقتة ناجمة عن التمزقات التي تسببها الحداثة. لا بل هم يرون أن العالم الإسلامي يتقدم على الجبهتين اللتين ستخرجانه من الأزمة، وهما: إنتشار التعليم وانخفاض معدلات الولادة. النموذج هنا هو ماليزيا التي بلغت نسبة التعلم فيها 88 في المئة. كما ان إيران اقتربت كثيراً لهذين السببين من مصيرها الديمقراطي. لكنه يتوقع اضطرابات في السعودية وباكستان. ويلاحظ المحللون أن معظم العنف العسكري الأميركي موّجه ضد العالم الإسلامي، للأسباب الآتية: العرب والمسلمون باتوا «الآخر» في العلاقات الخارجية الأميركية، تماماً كما أن الزنوج والمكسيكيين من أصل هندي أحمر باتوا «الآخر» في داخل المجتمع الأميركي. وهذا ترجم نفسه انحيازاً أميركياً مطلقاً لإسرائيل وجهود هوس أميركي بالسيطرة على النفط العربي، بهدف إحكام الخناق على أوروبا واليابان اللتين تعتمدان عليه كلياً. رغبة أميركا في ضرب قوى ضعيفة لإبراز مدى قوتها الهائلة. والدول العربية والإسلامية نموذج مثالي لذلك بسبب ضعفها.
حروب العولمة
هل ثمة مبالغات ما في هذه التقديرات للدور " التفجيري " الأميركي الجديد في العالم؟ كلا البتة. ولسنا نحن من يقول ذلك، بل مخطط أميركي يعتبر من أبرز المحللين الإستراتيجيين في وزارة الدفاع الأميركية. إنه توماس بارنيت، الذي نشر دراسة مؤخراً بعنوان «خريطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين»، أوضح فيها أن الولايات المتحدة تبحث الآن عن استراتيجية جديدة تحل مكان تلك التي كانت موجودة إبان الحرب الباردة. يقول: أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، كشفت عن وجود ثغرة بين القوة العسكرية التي كان هدفها هزيمة الشيوعية، وبين قوة عسكرية مغايرة يجب أن تعمل لضمان تحقيق العولمة. ثورة المعلومات والإتصالات غيّرت معالم الصورة الدولية، لكن الولايات المتحدة كأمة لما تفهم بعد مضاعفات هذا التطور الكبير. قواتها العسكرية لا تزال تعمل على أساس ردود الفعل على الأزمات. صحيح أنها تدخلت عسكرياً في حقبة التسعينات بأكثر مما فعلت طيلة الحرب الباردة، إلا أن البنتاغون صنّف هذه التحركات تحت خانة «العمليات العسكرية» لا تحت خانة «الحرب»، وكأنه يريد أن يقول إنها لا معنى استراتيجياً لها. وهذا ليس صحيحاً، برأي الكاتب. فالعمليات العسكرية وحالات الإنتشار الحربي تركزت في تلك الأجزاء من العالم المستبعدة مما يسميه «مركز العولمة الفاعل». وهو يعرفّ هذا المركز كالآتي: 1 - أية دولة أو منطقة تكون فاعلة إذا ما كانت تتفاعل مع مضمون التدفقات التي تتأتى من خلال إدماجها ما هو قومي بما هو اقتصاد عالمي (الأفكار، المال، الإعلام). 2 - أية دولة أو منطقة تكون فاعلة حين تسعى إلى تنسيق «قواعد حكمها الداخلي» مع الحكم العالمي الصاعد للديمقراطية، وحكم القانون، والأسواق الحرة (مثلا عبر الإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية). ما الدول أو المناطق التي تقطن الآن مركز العولمة؟ إنها برأيه أميركا الشمالية، أوروبا، روسيا، اليابان، الصين (عدا ريفها)، الهند، أستراليا، نيوزيلندا، جنوب أفريقيا، والأرجنتين والبرازيل وتشيلي. مجموع سكان هؤلاء يبلغ 4 مليارات نسمة. ومن خلال مسحه لـ 140 عملية عسكرية أميركية في فترة التسعينات، يكتشف بارنيت أن القوات الأميركية ذهبت بالتحديد إلى الدول الواقعة خارج مركز العولمة التي يسميها «الفجوة غير المندمجة»، وهي: حوض الكاريبي، أفريقيا، البلقان، القوقاز، آسيا الوسطى، الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا والكثير من جنوب شرق آسيا. في كل هذه المناطق التشابك المتعولم ضعيف أو غائب. إن دولاً ما تكون «غير متصلة» حين تفشل في كسب ثقة الشركات متعددة الجنسيات بها، الأمر الذي يحد من الإستثمارات الخارجية. وهذا يمكن أن يحدث لأن الدولة تكون ثيوقراطية، أو معزولة جغرافياً، أو مرتبطة بالعالم عبر دولة فاسدة. ويرى المؤلف أن أحداث 11 أيلول/سبتمبر كانت هبة من السماء، برغم قسوتها. فهي كانت دعوة من التاريخ للولايات المتحدة كي تفيق من حلم التسعينات وتبدأ في فرض قواعد جديدة للعالم. العدو في العالم الجديد ليس الإسلام ولا المكان، بل عدم الإرتباط بالعولمة الذي يعني العزلة، والحرمان، والقمع، وعدم التعليم. وهذه كلها علامات خطر. وبالتالي، إذا فشلت دولة ما في الإنضمام إلى العولمة، أو رفضت الكثير من تدفقاتها الثقافية، فإنها ستجد في النهاية القوات الأميركية على أراضيها. وفي هذا الإطار يرى بارنيت أن تدخلات التسعينات لم تعكس لا الفوضى ولا العشوائية بل تحديدات جديدة لطبيعة الصراع في عصرنا. وهو صراع تاريخي يصرخ مطالباً برؤية أميركية جديدة لعالم يستأهل خلقه. ويشدد على أن لدى الولايات المتحدة مسؤولية استخدام قوتها الهائلة لجعل العولمة عالمية حقاً. وإلا فإن أجزاء من البشرية ستدان بصفتها خارج النظام وستعرّف على أنها عدو. وحالما تحدد الولايات المتحدة أعداءها، فإنها ستشن الحرب عليهم، مطلقة الدمار والقتل. وهي حين تتذكر بأن اللاإرتباط بالعولمة هو العدو النهائي، فإنها، بتمديدها العولمة، لا تهزم فقط الأعداء الذين تواجههم اليوم، بل تزيل أيضاً جيلاً كاملاً من التهديدات التي قد يواجهها الأحفاد . كل هذا برأي، بارنيت، ليس إدماجاً بالقوة، ولا تمدداً إمبراطورياً، بل توسيعاً للحرية! هل اتضحت الرسالة؟ يفترض ذلك: الولايات المتحدة، في حلَّتها الإقتصادية الإستهلاكية الجديدة المعتمدة برمتها تقريباً على الإقتصاد العالمي، في حاجة إلى حروب دائمة لتبرير أمرين متلازمين: زعامتها السياسية والايديولوجية، التي تشكل بدورها ذريعتها الرئيسة لفرض «خوات» على العالم، ولإجبار الدول الأخرى على تمويل عجوزاتها الهائلة. من دون حروب دائمة وسباقات تسلح وأزمات كبرى، لا زعامة أميركية وبالتالي لا إزدهارَ اقتصادياً في الولايات المتحدة. والعالم الإسلامي، وفي القلب منه الشرق الأوسط الكبير، هو على الأرجح الآن الساح الرئيس لمعظم الحروب وسباقات التسلح الأميركية.
سعد محيو
|
|