منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 السيرة النبوية الشريفة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:18 am

السيره النبويه للدكتور طارق السويدان باسلوب رائع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحبابي أقدم لكم السيرة النبوية للدكتور طارق السويدان بأسلوب رائع جدا

أتمنى لكم أوقات طيبه



الشريط الأول
زمزم والكعبة وتاريخ العرب

4shared.com - online file sharing and storage - download ط²ظ…ط²ظ… ظˆط§ظ„ظƒط¹ط¨ط© ظˆطھط§ط±ظٹط® ط§ظ„ط¹ط±ط¨.mp3




الشريط الثاني
مولد ونشأة النبي صلى الله عليه وسلم
4shared.com - online file sharing and storage - download ظ…ظˆظ„ط¯ ظˆظ†ط´ط£ط© ط§ظ„ظ†ط¨ظٹ طµظ„ظ‰ ط§ظ„ظ„ظ‡ ط¹ظ„ظٹظ‡ ظˆط³ظ„ظ….mp3


الشريط الثالث
تعنت الكفار ،البعثة ، حياته قبلها ، بداية الدعوة ، إسلام حمزة

4shared.com - online file sharing and storage - download طھط¹ظ†طھ ط§ظ„ظƒظپط§ط± طŒط§ظ„ط¨ط¹ط«ط© طŒ ط*ظٹط§طھظ‡ ظ‚ط¨ظ„ظ‡ط§ طŒ ط¨ط¯ط§ظٹط© ط§ظ„ط¯ط¹ظˆط© طŒ ط¥ط³ظ„ط§ظ… ط*ظ…ط²ط©.mp3


الشريط الرابع

تعذيب الكفار للمسلمين، عام الحزن، إسلام عمر، المقاطعة

4shared.com - online file sharing and storage - download طھط¹ط°ظٹط¨ ط§ظ„ظƒظپط§ط± ظ„ظ„ظ…ط³ظ„ظ…ظٹظ†طŒ ط¹ط§ظ… ط§ظ„ط*ط²ظ†طŒ ط¥ط³ظ„ط§ظ… ط¹ظ…ط± طŒ ط§ظ„ظ…ظ‚ط§ط·ط¹ط©.mp3


الشريط الخامس

إسلام النجاشي، رحلة الإسراء والمعراج، بداية انطلاق الدعوة، قصة بيعة العقبة الثانية

4shared.com - online file sharing and storage - download ط§ط³ظ„ط§ظ… ط§ظ„ظ†ط¬ط§ط´ظٹ طŒ ط±ط*ظ„ط© ط§ظ„ط§ط³ط±ط§ط، ظˆط§ظ„ظ…ط¹ط±ط§ط¬ طŒ ط¨ط¯ط§ظٹط© ط§ظ†ط·ظ„ط§ظ‚ ط§ظ„ط¯ط¹ظˆط© طŒ ظ‚طµط© ط¨ظٹط¹ط© ط§ظ„ط¹ظ‚ط¨ط© ط§ظ„ط«ط§ظ†ظٹط©.mp3


الشريط السادس
هجرته وما صاحبها من أحداث ، قصة تغيير القبلة ، اعتراض قافلة أبو سفيان

4shared.com - online file sharing and storage - download ظ‡ط¬ط±طھظ‡ظˆظ…ط§ طµط§ط*ط¨ظ‡ط§ ظ…ظ† ط£ط*ط¯ط§ط« طŒ ظ‚طµط© طھط؛ظٹظٹط± ط§ظ„ظ‚ط¨ظ„ط© طŒ ط§ط¹طھط±ط§ط¶ ظ‚ط§ظپظ„ط© ط£ط¨ظˆ ط³ظپظٹط§ظ†.mp3


الشريط السابع
غزوة بدر الكبرى وما صاحبها من أحداث ، غزوة بني قينقاع

4shared.com - online file sharing and storage - download ط؛ط²ظˆط© ط¨ط¯ط± ط§ظ„ظƒط¨ط±ظ‰ ظˆظ…ط§ طµط§ط*ط¨ظ‡ط§ ظ…ظ† ط£ط*ط¯ط§ط« طŒ ط؛ط²ظˆط© ط¨ظ†ظٹ ظ‚ظٹظ†ظ‚ط§ط¹.mp3


الشريط الثامن

غزوة أحد وما تلاها من أحداث ، غزوة حمراء الآسد ، فاجعة بئر معونة
4shared.com - online file sharing and storage - download ط؛ط²ظˆط© ط£ط*ط¯ ظˆظ…ط§ طھظ„ط§ظ‡ط§ ظ…ظ† ط£ط*ط¯ط§ط« طŒ ط؛ط²ظˆط© ط*ظ…ط±ط§ط، ط§ظ„ط¢ط³ط¯ طŒ ظپط§ط¬ط¹ط© ط¨ط¦ط± ظ…ط¹ظˆظ†ط©.mp3


الشريط التاسع

إجلاء بني النضير من المدينة ، بداية غزوة الأحزاب ، خيانة بني قريظة ، هزيمةالآحزاب

4shared.com - online file sharing and storage - download ط§ط¬ظ„ط§ط، ط¨ظ†ظٹ ط§ظ„ظ†ط¶ظٹط± ظ…ظ† ط§ظ„ظ…ط¯ظٹظ†ط© طŒ ط¨ط¯ط§ظٹط© ط؛ط²ظˆط© ط§ظ„ط¢ط*ط²ط§ط¨ طŒ ط®ظٹط§ظ†ط© ط¨ظ†ظٹ ظ‚ط±ظٹط¸ط© طŒ ظ‡ط²ظٹظ…ط©ط§ظ„ط¢ط*ط²ط§ط¨.mp3


الشريط العاشر
نهاية بني قريظة وتأديب الأحزاب غزوة بني المصطلق وقصة آلافك

4shared.com - online file sharing and storage - download ظ†ظ‡ط§ظٹط© ط¨ظ†ظ‰ ظ‚ط±ظٹط¸ط© ظˆطھط§ط¯ظٹط¨ ط§ظ„ط§ط*ط²ط§ط¨ ط؛ط²ظˆط© ط¨ظ†ظ‰ ط§ظ„ظ…طµط·ظ„ظ‚ ظˆظ‚طµط© ط§ظ„ط§ظپظƒ.mp3


الشريط الحادي عشر
التخطيط لفتح مكة بيعة الرضوان و صلح الحديبية وبداية فتح خيبر

4shared.com - online file sharing and storage - download ط§ظ„طھط®ط·ظٹط· ظ„ظپطھط* ظ…ظƒط© ط¨ظٹط¹ط© ط§ظ„ط±ط¶ظˆط§ظ† ظˆ طµظ„ط* ط§ظ„ط*ط¯ظٹط¨ظٹط© ظˆط¨ط¯ط§ظٹط© ظپطھط* ط®ظٹط¨ط±.mp3

الشريط الثاني عشر

قصة فتح خيبر وإسلام صفية رضي الله عنها وعمرة القضاء

4shared.com - online file sharing and storage - download ظ‚طµط© ظپطھط* ط®ظٹط¨ط± ظˆط§ط³ظ„ط§ظ… طµظپظٹط© ط±ط¶ظ‰ ط§ظ„ظ„ظ‡ ط¹ظ†ظ‡ط§ ظˆط¹ظ…ط±ط© ط§ظ„ظ‚ط¶ط§ط،.mp3


الشريط الثالث عشر
رسائل الرسول إلى الملوك وقصة معركة مؤتة

4shared.com - online file sharing and storage - download ط±ط³ط§ط¦ظ„ ط§ظ„ط±ط³ظˆظ„ ط§ظ„ظ‰ ط§ظ„ظ…ظ„ظˆظƒ ظˆظ‚طµط© ظ…ط¹ط±ظƒط© ظ…ط¤طھط©.mp3



الشريط الرابع عشر
نقض قريش لصلح الحديبية وفتح مكة

4shared.com - online file sharing and storage - download ظ†ظ‚ط¶ ظ‚ط±ظٹط´ ظ„طµظ„ط* ط§ظ„ط*ط¯ظٹط¨ظٹط© ظˆظپطھط* ظ…ظƒط©.mp3



الشريط الخامس عشر

إحداث غزوة حنين وتوزيع الغنائم

4shared.com - online file sharing and storage - download ط§ط*ط¯ط§ط« ط؛ط²ظˆط© ط*ظ†ظٹظ† ظˆطھظˆط²ظٹط¹ ط§ظ„ط؛ظ†ط§ط¦ظ….mp3




الشريط السادس عشر

غزوة تبوك وكشف المنافقين

4shared.com - online file sharing and storage - download ط؛ط²ظˆط© طھط¨ظˆظƒ ظˆظƒط´ظپ ط§ظ„ظ…ظ†ط§ظپظ‚ظٹظ†.mp3



الشريط السابع عشر
عام إسلام الوفود وقصة ظهور مسيلمة الكذاب و حجة الوداع

4shared.com - online file sharing and storage - download ط¹ط§ظ… ط§ط³ظ„ط§ظ… ط§ظ„ظˆظپظˆط¯ ظˆظ‚طµط© ط¸ظ‡ظˆط± ظ…ط³ظٹظ„ظ…ط© ط§ظ„ظƒط¯ط§ط¨ ظˆ ط*ط¬ط© ط§ظ„ظˆط¯ط§ط¹.mp3


الشريط الثامن عشر والأخير
خطبة الوداع , وفاته , قصة مبايعة أبوبكر الصديق للخلافة

4shared.com - online file sharing and storage - download ط®ط·ط¨ط© ط§ظ„ظˆط¯ط§ط¹ , ظˆظپط§طھظ‡ , ظ‚طµط© ظ…ط¨ط§ظٹط¹ط© ط£ط¨ظˆط¨ظƒط± ط§ظ„طµط¯ظٹظ‚ ظ„ظ„ط®ظ„
ط§ظپط©آ¨[/center].mp3
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:20 am

]نسب النبي صلى الله عليه وسلم

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نذار بن معد بن عدنان . إلى هنا معلوم الصحة . وما فوق عدنان مختلف فيه . ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب . والقول بأنه إسحاق باطل .

ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل . وكانت وقعة الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته وإلا فأهل الفيل نصارى أهل كتاب دينهم خير من دين أهل مكة . لأنهم عباد أوثان . فنصرهم الله نصرا لا صنع للبشر فيه تقدمة للنبي الذي أخرجته قريش من مكة . وتعظيما للبلد الحرام .

قصة الفيل

وكان سبب قصة أصحاب الفيل - على ما ذكر محمد بن إسحاق - أن أبرهة بن الصباح كان عاملا للنجاشي ملك الحبشة على اليمن فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة - شرفها الله - فبنى كنيسة بصنعاء . وكتب إلى النجاشي " إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب " فسمع به رجل من بني كنانة فدخلها ليلا . فلطخ قبلتها بالعذرة . فقال أبرهة من الذي اجترأ على هذا ؟ قيل رجل من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت . فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها . وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك فسأله أن يبعث إليه بفيله . وكان له فيل يقال له محمود لم ير مثله عظما وجسما وقوة . فبعث به إليه . فخرج أبرهة سائرا إلى مكة . فسمعت العرب بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم .

فخرج ملك من ملوك اليمن ، يقال له ذو نفر . فقاتله . فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا ، فقال أيها الملك فاستبقني خيرا لك ، فاستبقاه وأوثقه .

وكان أبرهة رجلا حليما . فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب . فقاتلوهم فهزمهم أبرهة . فأخذ نفيلا ، فقال له أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة . فاستبقني خيرا لك . فاستبقاه . وخرج معه يدله على الطريق .

فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف . فقال له أيها الملك نحن عبيدك . ونحن نبعث معك من يدلك . فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم . فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره . وبعث أبرهة رجلا من الحبشة - يقال له الأسود بن مفصود - على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس . فجمع الأسود إليه أموال الحرم . وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير .

ثم بعث رجلا من حمير إلى أهل مكة ، فقال أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال بل جئت لأهدم البيت . فانطلق فقال لعبد المطلب ذلك .

فقال عبد المطلب : ما لنا به يدان . سنخلي بينه وبين ما جاء له . فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم . فإن يمنعه فهو بيته وحرمه . وأن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة .

قال فانطلق معي إلى الملك - وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب - فأتاه فقال يا ذا نفر هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك .

فأرسل إليه فقال لأبرهة إن هذا سيد قريش يستأذن عليك . وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف لأمرك ، وأنا أحب أن تأذن له .

وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما . فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه . وكره أن يجلس معه على سريره . وأن يجلس تحته . فهبط إلى البساط فدعاه فأجلسه معه . فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله .

فقال أبرهة لترجمانه قل له إنك كنت أعجبتني حين رأيتك . ولقد زهدت فيك . قال لم ؟ قال جئت إلى بيت - هو دينك ودين آبائك ، وشرفكم وعصمتكم - لأهدمه . فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير ؟ قال أنا رب الإبل . والبيت له رب يمنعه منك .

فقال ما كان ليمنعه مني . قال فأنت وذاك . فأمر بإبله فردت عليه . ثم خرج وأخبر قريشا الخبر . وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال خوفا عليهم من معرة الجيش . ففعلوا . وأتى عبد المطلب البيت . فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول

يا رب لا أرجو لهم سواكا

يا رب فامنع منهمو حماكا

إن عدو البيت من عاداكا

فامنعهمو أن يخربوا قراكا

وقال أيضا :

لا هم إن المرء يمنع رحله

وحلاله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم

ومحالهم غدوا محالك

جروا جموعهم وبلادهم

والفيل كي يسبوا عيالك

إن كنت تاركهم وكعب

تنا فأمر ما بدا لك

ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه . وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول . وعبأ جيشه . وهيأ فيه . فأقبل نفيل إلى الفيل . فأخذ بأذنه . فقال ابرك محمود . فإنك في بلد الله الحرام . فبرك الفيل فبعثوه فأبى . فوجهوه إلى اليمن ، فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك . فصرفوه إلى الحرم فبرك . وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل فأرسل الله طيرا من قبل البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار . حجرين في رجليه وحجرا في منقاره . فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم . فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك . وليس كل القوم أصابت . فخرج البقية هاربين يسألون عن - 36 - نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن . فماج بعضهم في بعض . يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل . وبعث الله على أبرهة داء في جسده . فجعلت تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ . وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك .





وفاة عبد الله والد رسول الله

قد اختلف في وفاة أبيه هل توفي بعد ولادته أو قبلها ؟ الأكثر على أنه توفي وهو حمل . ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء منصرفها من المدينة من زيارة أخواله . ولم يستكمل إذ ذاك ست سنين .

فكفله جده عبد المطلب . ورق عليه رقة لم يرقها على أولاده . فكان لا يفارقه . وما كان أحد من ولده يجلس على فراشه - إجلالا له - إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقدم مكة قوم من بني مدلج من القافة . فلما نظروا إليه قالوا لجده احتفظ به . فلم نجد قدما أشبه بالقدم الذي في المقام من قدمه . فقال لأبي طالب اسمع ما يقول هؤلاء واحتفظ به .

وتوفي جده في السنة الثامنة من مولده . وأوصى به إلى أبي طالب . وقيل إنه قال له

أوصيك يا عبد مناف بعدي

بمفرد بعد أبيه فرد

وكنت كالأم له في الوجد

تدنيه من أحشائها والكبد

فأنت من أرجى بني عندي

لرفع ضيم ولشد عضد





عبد المطلب جد رسول الله

قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظا على العهود . متخلقا بمكارم الأخلاق . يحب المساكين ويقوم في خدمة الحجيج ويطعم في الأزمات . ويقمع الظالمين . وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رءوس الجبال . وكان له أولاد أكبرهم الحارث . توفي في حياة أبيه . وأسلم من أولاد الحارث عبيدة . قتل ببدر وربيعة ، وأبو سفيان وعبد الله .

ومنهم الزبير بن عبد المطلب شقيق عبد الله . وكان رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار . شريفا شاعرا . ولم يدرك الإسلام . واسم من أولاده عبد الله . واستشهد بأجنادين . وضباعة ومجل وصفية وعاتكة .

وأسلم منهم حمزة بن عبد المطلب ، والعباس .

ومنهم أبو لهب مات عقيب بدر . وله من الولد عتيبة الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله السبع . وله عتبة ومعتب . أسلما يوم الفتح . ومن بناته أروى . تزوجها كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس . فولدت له عامرا وأروى . فتزوج أروى عفان بن أبي العاص بن أمية . فولدت له عثمان ثم خلف عليها عقبة بن أبي معيط ، فولدت له الوليد بن عقبة ، وعاشت إلى خلافة ابنها عثمان .

ومنهن برة بنت عبد المطلب ، أم أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي .

ومنهن عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية . وهي صاحبة المنام قبل يوم بدر . واختلف في إسلامها .

ومنهن صفية أم الزبير بن العوام . أسلمت وهاجرت .

وأروى أم آل جحش - عبد الله وأبي أحمد وعبيد الله وزينب وحمنة .

وأم عبد المطلب : هي سلمى بنت زيد من بني النجار ، تزوجها أبوه هاشم بن عبد مناف . فخرج إلى الشام - وهي عند أهلها ، وقد حملت بعبد المطلب - فمات بغزة . فرجع أبو رهم بن عبد العزى وأصحابه إلى المدينة بتركته . وولدت امرأته سلمى : عبد المطلب . وسمته شيبة الحمد . فأقام في أخواله مكرما . فبينما هو يناضل الصبيان فيقول أنا ابن هاشم سمعه رجل من قريش ، فقال لعمه المطلب إني مررت بدور بني قيلة فرأيت غلاما يعتزي إلى أخيك . وما ينبغي ترك مثله في الغربة . فرحل إلى المدينة في طلبه . فلما رآه فاضت عيناه وضمه إليه وأنشد شعرا :

عرفت شيبة والنجار قد جعلت

أبناءها حوله بالنبل تنتصل

عرفت أجلاده فينا وشيمته

ففاض مني عليه وابل هطل

فأردفه على راحلته فقال يا عم ذلك إلى الوالدة . فجاء إلى أمه . فسألها أن ترسل به معه فامتنعت . فقال لها : إنما يمضي إلى ملك أبيه وإلى حرم الله . فأذنت له . فقدم به مكة ، فقال الناس هذا عبد المطلب . فقال ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم .

فأقام عنده حتى ترعرع . فسلم إليه ملك هاشم من أمر البيت والرفادة والسقاية وأمر الحجيج وغير ذلك .

وكان المطلب شريفا مطاعا جوادا ، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه . وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي . وله من الولد الحارث ومخرمة وعباد وأنيس وأبو عمر وأبو رهم وغيرهم .

ولما مات وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح شيبة . فغصبه إياها ، فسأل رجالا من قريش النصرة على عمه . فقالوا : لا ندخل بينك وبين عمك فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتا معها :

يا طول ليلي لأحزاني وإشغالي

هل من رسول إلى النجار أخوالي ؟

بني عدي ودينار ومازنها

ومالك عصمة الحيران عن حالي

قد كنت فيهم وما أخشى ظلامة ذي

ظلم عزيزا منيعا ناعم البال

حتى ارتحلت إلى قومي ، وأزعجني

لذاك مطلب عمي بترحالي

فغاب مطلب في قعر مظلمة

ثم انبرى نوفل يعدو على مالي

لما رأى رجلا غابت عمومته

وغاب أخواله عنه بلا والي

فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم

لا تخذلوه فما أنتم بجذالي

فلما وقف خاله أبو سعد بن عدي بن النجار على كتابه بكى . وسار من المدينة في ثمانين راكبا ، حتى قدم مكة . فنزل بالأبطح فتلقاه عبد المطلب ، وقال المنزل يا خال . فقال لا والله حتى ألقى نوفلا . فقال تركته بالحجر جالسا في مشايخ قومه . فأقبل أبو سعد حتى وقف عليهم فقام نوفل قامئا ، فقال يا أبا سعد أنعم صباحا . فقال لا أنعم الله لك صباحا ، وسل سيفه . وقال ورب هذا البيت لئن لم ترد على ابن أختي أركاحه لأمكنن منك هذا السيف . فقال رددتها عليه . فأشهد عليه مشايخ قريش . ثم نزل على شيبة فأقام عنده ثلاثا . ثم اعتمر ورجع إلى المدينة . فقال عبد المطلب :

ويأبى مازن وأبو عدي

ودينار بن تيم الله ضيمي

بهم رد الإله علي ركحي

وكانوا في انتساب دون قومي

فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم وحالفت بنو هاشم : خزاعة على بني عبد شمس ونوفل . فكان ذلك سببا لفتح مكة . كما سيأتي .

فلما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب قالوا : نحن ولدناه كما ولدتموه فنحن أحق بنصره . وذلك أن أم عبد مناف منهم . فدخلوا دار الندوة وتحالفوا وكتبوا بينهم كتابا .






عبد الله والد رسول الله

وأما عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم فهو الذبيح .

وسبب ذلك أن عبد المطلب أمر في المنام بحفر زمزم . ووصف له موضعها . وكانت جرهم قد غلبت آل إسماعيل على مكة ، وملكوها زمانا طويلا . ثم أفسدوا في حرم الله . فوقع بينهم وبين خزاعة حرب وخزاعة من قبائل اليمن ، من أهل سبأ . ولم يدخل بينهم بنو إسماعيل . فغلبتهم خزاعة . ونفت جرهما من مكة . وكانت جرهم قد دفنت الحجر الأسود ، والمقام وبئر زمزم . وظهر بعد ذلك قصي بن كلاب على مكة . ورجع إليه ميراث قريش . فأنزل بعضهم داخل مكة - وهم قريش الأباطح - و بعضهم خارجها - وهم قريش الظواهر - فبقيت زمزم مدفونة إلى عصر عبد المطلب . فرأى في المنام موضعها . فقام يحفر فوجد فيها سيوفا مدفونة وحليا ، وغزالا من ذهب مشنفا بالدر . فعلقه عبد المطلب على الكعبة . وليس مع عبد المطلب إلا ولده الحارث . فنازعته قريش ، وقالوا له أشركنا ، فقال ما أنا بفاعل . هذا أمر خصصت به . فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه .

فنذر حينئذ عبد المطلب : لئن آتاه الله عشرة أولاد وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة . فلما تموا عشرة . وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه . وكتب كل منهم اسمه في قدح . وأعطوها القداح قيم هبل - وكان الذي يجيل القداح - فخرج القدح على عبد الله . وأخذ عبد المطلب المدية ليذبحه . فقامت إليه قريش من ناديها فمنعوه . فقال كيف أصنع بنذري ؟ فأشاروا عليه أن ينحر مكانه عشرا من الإبل . فأقرع بين عبد الله وبينها . فوقعت القرعة عليه . فاغتم عبد المطلب ، ثم لم يزل عشرا عشرا ، ولا تقع القرعة إلا عليه إلى أن بلغ مائة . فوقعت القرعة على الإبل . فنحرت عنه . فجرت سنة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل عليه السلام وأباه عبد الله . ثم ترك عبد المطلب الإبل لا يرد عنها إنسانا ولا سبعا . فجرت الدية في قريش والعرب مائة من الإبل وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام . وقالت صفية بنت عبد المطلب :

نحن حفرنا للحجيج زمزم

سقيا الخليل وابنه ال
مكرم

جبريل الذي لم يذمم

شفاء سقم وط
عام مطعم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:32 am

أبو طالب عم رسول الله

وأما أبو طالب فهو الذي يتولى تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد جده كما تقدم ورق عليه رقة شديدة . وكان يقدمه على أولاده .

قال الواقدي : قام أبو طالب - من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة من النبوة ثلاث وأربعين - يحوطه ويقوم بأمره ويذب عنه . ويلطف به .

وقال أبومحمد بن قدامة : كان يقر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم . وله في ذلك أشعار . منها :

ألا أبلغا عني على ذات بيننا

لؤيا . وخصا من لؤي بني كعب

بأنا وجدنا في الكتاب محمدا

نبيا كموسى ، خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة

ولا خير ممن خصه الله بالحب

ومنها :

تعلم خيار الناس أن محمدا

وزيرا لموسى والمسيح ابن مريم

فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا

فإن طريق الحق ليس بمظلم

ولكنه أبى أن يدين بذلك خشية العار . ولما حضرته الوفاة . دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية - فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرددها عليه وهما يرددان عليه حتى كان آخر كلمة قالها هو على ملة عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله تعالى ( 9 : 113 ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ونزل قوله تعالى ( 38 : 56 ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء - الآية .

قال ابن إسحاق : وقد رثاه ولده علي بأبيات منها :

أرقت لطير آخر الليل غردا

يذكرني شجوا عظيما مجددا

أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى

جوادا إذا ما أصدر الأمر أوردا

فأمست قريش يفرحون بموته

ولست أرى حيا يكون مخلدا

أرادوا أمورا زيفتها حلومهم

ستوردهم يوما من الغي موردا

يرجون تكذيب النبي وقتله

وأن يفترى قدما عليه ويجحدا

كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم

صدور العوالي والحسام المهندا

خلف أبو طالب أربعة ذكور وابنتين . فالذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي ، وبين كل واحد عشر سنين . فطالب أسنهم ثم عقيل ثم جعفر ثم علي .

فأما طالب فأخرجه المشركون يوم بدر كرها . فلما انهزم الكفار طلب فلم يوجد في القتلى ، ولا في الأسرى ، ولا رجع إلى مكة ، وليس له عقب .

وأما عقيل فأسر ذلك اليوم . ولم يكن له مال . ففداه عمه العباس . ثم رجع إلى مكة . فأقام بها إلى السنة الثامنة . ثم هاجر إلى المدينة . فشهد مؤتة مع أخيه جعفر . وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من منزل ؟ واستمرت كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - كما ذكرنا -

فلما بلغ اثنتي عشرة سنة - وقيل تسعا خرج به أبو طالب إلى الشام في تجارة فرآه بحيري الراهب وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام ، خوفا عليه من اليهود . فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة .

ووقع في الترمذي " أنه بعث معه بلالا " وهو غلط واضح . فإن بلالا إذ ذلك لعله لم يكن موجودا .




خروجه إلى الشام وزواجه خديجة

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها ، ومعه ميسرة غلامها . فوصل بصرى .

ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد . وهي أول امرأة تزوجها ، وأول امرأة ماتت من نسائه . ولم ينكح عليها غيرها . وأمره جبريل " أن يقرأ عليها السلام من ربها ويبشرها ببيت في الجنة من قصب " .



تحنثه في غار حراء

ثم حبب إليه الخلاء . والتعبد لربه فكان يخلو بغار حراء يتعبد فيه . وبغضت إليه الأوثان ودين قومه . فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك . وأنبته الله نباتا حسنا ، حتى كان أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا ، وأعزهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا . وأحفظهم لأمانة . حتى سماه قومه " الأمين " لما جمع الله فيه من الأحوال الصالحة . والخصال الكريمة المرضية .




بناء الكعبة

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة قامت قريش في بناء الكعبة حين تضعضعت .

قال أهل السير كان أمر البيت - بعد إسماعيل عليه السلام - إلى ولده ثم غلبت جرهم عليه . فلم يزل في أيديهم حتى استحلوا حرمته . وأكلوا ما يهدى إليه . وظلموا من دخل مكة ثم وليت خزاعة البيت بعدهم إلا أنه كان إلى قبائل من مضر ثلاث خلال-

الإجازة بالناس من عرفة يوم الحج إلى مزدلفة ، تجيزهم صوفة .

والثانية الإفاضة من جمع ، غداة النحر إلى منى . وكان ذلك إلى يزيد بن عدوان ، وكان آخر من ولي ذلك منهم أبو سيارة .

والثالثة إنساء الأشهر الحرم . وكان إلى رجل من بني كنانة يقال له حذيفة ثم صار إلى جنادة بن عوف .

قال ابن إسحاق : ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة جمعت قريش لبنيان الكعبة . وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ، ويهابون هدمها ، وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها . وذلك أن قوما سرقوا كنز الكعبة وكان في بئر في جوف الكعبة . وكان البحر قد رمى سفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم ، فتحطمت . فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها .

وكان بمكة رجل قبطي نجار . فهيأ لهم بعض ما كان يصلحها . وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيه ما يهدى لها كل يوم فتتشرق على جدار الكعبة ، وكانت مما يهابون . وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا اخزألت وكشت وفتحت فاها . فبينما هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة ، بعث الله إليها طائرا فاختطفها . فذهب بها . فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا . عندنا عامل رفيق وعندنا خشب . وقد كفانا الله الحية .

فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها : قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي فتناول من الكعبة حجرا . فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا . ولا مظلمة أحد من الناس .

ثم إن قريشا تجزأت الكعبة . فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة . وما بين الركن الأسود واليماني - 44 - لبني مخزوم . وقبائل من قريش انضافت إليهم . وكان ظهر الكعبة : لبني جمح وبني سهم . وكان شق الحجر : لبني عبد الدار ولبني أسد بن عبد العزى ، ولبني عدي . وهو الحطيم .

ثم إن الناس هابوا هدمها . فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول . ثم قام عليها . وهو يقول اللهم لا ترع - أو لم نزغ - اللهم إنا لا نريد إلا الخير . ثم هدم من ناحية الركنين . فتربص الناس تلك الليلة . وقالوا : إن أصيب لم نهدم منها شيئا . ورددناها كما كانت وإلا فقد رضي الله ما صنعنا . فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله . فهدم وهدم الناس معه .

حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس - أساس إبراهيم عليه السلام - أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة أخذ بعضها بعضا . فأدخل بعضهم عتلة بين حجرين منها ليقلع أحدهما . فلما تحرك الحجر : انتفضت مكة بأسرها . فانتهوا عند ذلك الأساس .

ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة . ثم بنوها . حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود . فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما . تعاهدوا - هم وبنو عدي بن كعب - على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم . فسموا " لعقة الدم " فمكثت قريش على ذلك أربع ليال . أو خمسا .

ثم إنهم اجتمعوا في المسجد . فتشاوروا وتناصفوا .

فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي - وكان يومئذ أسن قريش كلهم - قال اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب المسجد . ففعلوا . فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأوه قالوا " هذا الأمين رضينا به هذا محمد " فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر . فقال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوبا " فأتي به . فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب . ثم ارفعوا جميعا " ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة . وكانوا يرفعون أزرهم على عواتقهم ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبط به - أي طاح على وجهه - ونودي " استر عورتك " فما رئيت له عورة بعد ذلك .

فلما بلغوا خمسة عشر ذراعا سقفوه على ستة أعمدة .

وكان البيت يكسى القباطي . تم كسي البرود . وأول من كساه الديباج الحجاج بن يوسف .

وأخرجت قريش الحجر لقلة نفقتهم . ورفعوا بابها عن الأرض لئلا يدخلها إلا من أرادوا . وكانوا إذا أرادوا أن لا يدخلها أحد لا يريدون دخوله تركوه حتى يبلغ الباب ثم يرمونه .

فلما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله بشيرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه و
سراجا من يرا .

بعض ما كان عليه أهل الجاهلية

ونذكر قبل ذلك شيئا من أمور الجاهلية وما كانت عليه قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال قتادة : ذكر لنا : أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون . كلهم على الهدى ، وعلى شريعة من الحق . ثم اختلفوا بعد ذلك . فبعث الله نوحا عليه السلام . وكان أول رسول إلى أهل الأرض . قال ابن عباس في قوله تعالى ( 2 : 213 ) كان الناس أمة واحدة قال على الإسلام كلهم . وكان أول ما كادهم به الشيطان هو تعظيم الصالحين وذكر الله ذلك في كتابه في قوله ( 71 : 23 ) وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال ابن عباس : كان هؤلاء قوما صالحين . فلما ماتوا في شهر جزع عليهم أقاربهم . فصوروا صورهم .

وفي غير حديثه " قال أصحابهم لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة " قال فكان الرجل يأتي أخاه وابن عمه فيعظمه حتى ذهب ذلك القرن . ثم جاء قرن آخر . فعظموهم أشد من الأول . ثم جاء القرن الثالث فقالوا : ما عظم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله فعبدوهم . فلما بعث الله إليهم نوحا - وغرق من غرق - أهبط الماء هذه الأصنام من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدة . فلما نضب الماء بقيت على الشط فسفت الريح عليها التراب حتى وارتها .




عمرو بن لحي أول من غير دين إبراهيم

وكان عمرو بن لحي سيد خزاعة كاهنا وله رئي من الجن فأتاه . فقال " عجل السير والظعن من تهامة بالسعد والسلامة ائت جدة ، تجد أصناما معدة فأوردها تهامة ولا تهب وادع العرب إلى عبادتها تجب " فأتى جدة فاستثارها ، ثم حملها حتى أوردها تهامة .

وحضر الحج ، فدعا العرب إلى عبادتها . فأجابه عوف بن عذرة فدفع إليه ودا فحمله . فكان بوادي القرى بدومة الجندل . وسمى ابنه عبد ود فهو أول من سمي به . فلم يزل بنوه يسدنونه حتى جاء الإسلام . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لهدمه . فحالت بينه وبينه بنو عذرة ، وبنو عامر . فقاتلهم فقتلهم . ثم هدمه وجعله جذاذا .

وأجابت عمرو بن لحي بن مضر بن نزار . فدفع إلى رجل من هذيل سواعا ، فكان بأرض يقال لها : وهاط من بطن نخلة . يعبده من يليه من مضر . وفي ذلك قيل

تراهم حول قبلتهم عكوفا كما عكفت هذيل على سواع

وأجابته مذحج . فدفع إلى نعيم بن عمر المرادي يغوث . وكان بأكمة باليمن تعبده مذحج ومن والاها .

وأجابته همدان فدفع إليهم يعوق فكان بقرية يقال لها خيوان . تعبده همدان ومن والاها من اليمن .

وأجابته حمير ، فدفع إليهم نسرا . فكان بموضع بسبأ تعبده حمير ومن والاها .

فلم تزل هذه الأصنام تعبد حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فكسرها .

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار . فكان أول من سيب السوائب وفي لفظ وغير دين إبراهيم وفي لفظ عن ابن إسحاق فكان أول من غير دين إبراهيم ونصب الأوثان

وكان أهل الجاهلية على ذلك فيهم بقايا من دين إبراهيم مثل تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف بعرفة ومزدلفة ، وإهداء البدن . وكانت نزار تقول في إهلالها " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك " فأنزل الله ( 30 : 38 ) ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون



صنم مناة

ومن أقدم أصنامهم مناة . وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد بين مكة والمدينة . وكانت العرب تعظمه قاطبة ولم يكن أحد أشد تعظيما له من الأوس والخزرج ، وبسبب ذلك أنزل الله تعالى ( 2 : 158 ) إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما - الآية فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح .


صنم اللات

ثم اتخذوا اللات في الطائف ، قيل إن أصل ذلك رجل كان يلت السويق للحاج فمات . فعكفوا على قبره . وكانت صخرة مربعة وكان سدنتها ثقيف ، وكانوا قد بنوا عليها بيتا . فكان جميع العرب يعظمونها ، وكانت العرب تسمي زيد اللات ، وتيم اللات . وهي في موضع منارة مسجد الطائف . فلما أسلمت ثقيف ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار .

صنم العزى

ثم اتخذوا العزى . وهي أحدث من اللات . وكانت بوادي نخلة . فوق ذات عرق وبثوا عليها بيتا . وكانوا يسمعون منها الصوت . وكانت قريش تعظمها . فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد فأتاها فعضدها ، وكانت ثلاث سمرات . فلما عضد الثالثة فإذا بحبشية نافشة شعرها ، واضعة يدها على عاتقها ، تضرب بأنيابها . وخلفها سادنها . فقال خالد

يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك

ثم ضربها ففلق رأسها ، فإذا هي حممة . ثم قتل السادن .

صنم هبل

وكانت لقريش أصنام في جوف الكعبة وحولها . وأعظمها : هبل . وكان من عقيق أحمر على صورة الإنسان . وكانوا إذا اختصموا ، أو أرادوا سفرا : أتوه فاستقسموا بالقداح عنده وهو الذي قال فيه أبو سفيان يوم أحد " اعل هبل " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا : الله أعلى وأجل

وكان لهم إساف ونائلة . قيل أصلهما أن إسافا رجل من جرهم ، ونائلة امرأة منهم فدخلا البيت ففجر بها فيه . فمسخهما الله فيه حجرين فأخرجهما فوضعوهما ليتعظ بهما الناس فلما طال الأمد وعبدت الأصنام عبدا .
ذو الخلصة

وكان لخثعم وبجيلة صنم يقال له ذو الخلصة ، بين مكة والمدينة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي ألا تريحني من ذي الخلصة ؟ فسار إليه بأحمس . فقاتلته همدان ، فظفر بهم وهدمه .

وكان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام . وكان لأهل كل واد بمكة صنم إذا أراد أحدهم سفرا كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به .
صنم عم أنس

قال ابن إسحاق ، وكان لخولان صنم يقال له عم أنس ، وفيهم أنزل الله ( 6 : 136 ) وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون

فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش ( 38 : 5 ) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب

وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت . وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة . ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة : وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنما . فجعل يطعن في وجوهها وعيونها ، ويقول ( 17 : 81 ) جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وهي تتساقط على رءوسها ، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحرقت .



بدء الوحي

في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت أول ما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة . فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء . فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد . قبل أن ينزع إلى أهله . ويتزود لذلك . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فجأه الحق ، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ . قال فأخذني فغطني ، حتى بلغ مني الجهد . ثم أرسلني . فقال اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة . تم أرسلني ، فقال لي في الثالثة اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة بنت خويلد . فقال زملوني ، زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع . فقال لخديجة - وأخبرها الخبر - لقد خشيت على نفسي . فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا . إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى - ابن عم خديجة - وكان قد تنصر في الجاهلية . وكان يكتب الكتاب العبراني . فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي . فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك . فقال له ورقة يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال له ورقة هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ؟ قال أو مخرجي هم ؟ قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي . وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم أنشد ورقة

لججت ، وكنت في الذكرى لجوجا

لهم طالما بعث النشيجا

ووصف من خديجة بعد وصف

فقد طال انتظاري يا خديجا

ببطن المكتين على رجائي

حديثك أن أرى منه خروجا

بما خبرتنا من قول قس

من الرهبان أكره أن يعوجا

بأن محمدا سيسود قوما

ويخصم من يكون له حجيجا

ويظهر في البلاد ضياء نور

يقيم به البرية أن تموجا

فيلقى من يحاربه خسارا

ويلقى من يسالمه فلوجا

فيا ليتي إذا ما كان ذا كم

شهدت وكنت أولهم ولوجا

ولوجا بالذي كرهت قريش

ولو عجت بمكتها عجيجا

أرجي بالذي كرهوا جميعا

إلى ذي العرش - إن سفلوا - عروجا

وهل أمر السفالة غير كفر

بمن يختار من سمك البروجا

فإن يبقوا وأبق تكن أمور

يضج الكافرون لها ضجيجا

وإن أهلك فكل فتى سيلقى

من الأقدار متلفة خروجا

فلم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا . حتى كان يذهب إلى رءوس شواهق الجبال يريد أن يلقي بنفسه منها ، كلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام ، فقال " يا محمد إنك رسول الله حقا " فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة تبدى له جبريل فيقول له ذلك . فبينما هو يوما يمشي إذ سمع صوتا من السماء . قال " فرفعت بصري . فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت إلى أهلي ، فقلت : دثروني . دثروني . فأنزل الله ( 73 : 1 ، 2 ) يا أيها المدثر قم فأنذر فحمي الوحي وتتابع "

انواع الوحي

وكان الوحي الذي يأتيه صلى الله عليه وسلم أنواعا : أحدها : الرؤيا . قال عبيد بن عمر " رؤيا الأنبياء وحي " ثم قرأ ( 37 : 102 ) إني أرى في المنام أني أذبحك

الثاني : ما كان الملك يلقيه في روعه - أي قلبه - من غير أن يراه كما قال صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي : أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله . فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته

الثالث أن الملك يتمثل له رجلا فيخاطبه . وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا .

الرابع أنه كان يأتيه مثل صلصلة الجرس وهو أشد عليه . فيلتبس به الملك . حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد . وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض وجاءه مرة وفخذه على فخذ زيد بن ثابت ، فكادت ترض .

الخامس أن يأتيه الملك في الصورة التي خلق عليها . فيوحي إليه ما شاء الله وهذا وقع مرتين كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النجم .

السادس ما أوحاه الله له فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها .

قال ابن القيم رحمه الله أول ما أوحى إليه ربه أن يقرأ باسم ربه الذي خلق . وذلك أول نبوته صلى الله عليه وسلم . فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره بالتبليغ . ثم أنزل الله عليه يا أيها المدثر قم فأنذر فنبأه باقرأ وأرسله بـ يا أيها المدثر ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين . ثم أنذر قومه . ثم أنذر من حولهم من العرب . ثم أنذر العرب قاطبة . ثم أنذر العالمين .

فأقام بضع عشرة سنة ينذر بالدعوة من غير قتال ولا جزية . ويأمره الله بالكف والصبر . ثم أذن له في الهجرة وأذن له في القتال . ثم أمره أن يقاتل من قاتله ويكف عمن لم يقاتله . ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله .



أول من آمن

ولما دعا إلى الله استجاب له عباد من كل قبيلة . فكان حائز السبق صديق الأمة أبا بكر رضي الله عنه . فوازره في دين الله . ودعا معه إلى الله . فاستجاب لأبي بكر عثمان وطلحة وسعد رضي الله عنهم .

وبادر إلى استجابته أيضا صديقة النساء خديجة رضي الله عنها . وبادر إلى الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وكان ابن ثمان سنين وقيل أكثر إذ كان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من عمه .



شأن زيد بن حارثة

وبادر زيد بن حارثة رضي الله عنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلاما لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها . وقدم أبوه حارثة وعمه في فدائه . فقالا للنبي صلى الله عليه وسلم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير . جئناك في ابننا عبدك فأحسن لنا في فدائه . فقال صلى الله عليه وسلم " فهل غير ذلك ؟ قالوا : وما هو ؟ قال أدعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم . وإن اختارني : فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني " قالوا : قد زدتنا على النصف وأحسنت . فدعاه . فقال " هل تعرف هؤلاء ؟ " قال نعم أبي وعمي . قال " فأنا من قد علمت وقد رأيت صحبتي لك . فاخترني ، أو اخترهما " فقال ما أنا بالذي أختار عليك أحدا . أنت مكان أبي وعمي . فقالا : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية . وعلى أبيك وعمك ، وأهل بيتك ؟ قال نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئا ، ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك خرج إلى الحجر . فقال " أشهد أن زيدا ابني ، أرثه ويرثني فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما . فانصرفا . ودعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فنزلت ( 33 : 5 ) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله قال الزهري : ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد .

وأسلم ورقة بن نوفل . وفي جامع الترمذي " أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في المنام في هيئة حسنة

ودخل الناس في دين الله واحدا بعد واحد . وقريش لا تنكر ذلك حتى بادأهم بعيب دينهم وسب آلهتهم وأنها لا تضر ولا تنفع . فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة . فحمى الله رسوله بعمه أبي طالب . لأنه كان شريفا معظما . وكان من حكمة أحكم الحاكمين بقاؤه على دين قومه لما في ذلك من المصالح التي تبدو لمن تأملها .

وأما أصحابه فمن كان له عشيرة تحميه امتنع بعشيرته وسائرهم تصدوا له بالأذى والعذاب . منهم عمار بن ياسر ، وأمه سمية وأهل بيته . عذبوا في الله . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهم - وهم يعذبون - يقول صبرا يا آل ياسر . فإن موعدكم الجنة


سمية أول شهيدة

ومر أبو جهل بسمية - أم عمار رضي الله عنهما - وهي تعذب وزوجها وابنها . فطعنها بحربة في فرجها فقتله
ا .

وكان الصديق إذا مر بأحد من العبيد يعذب اشتراه وأعتقه . منهم بلال . فإنه عذب في الله أشد العذاب . ومنهم عامر بن فهيرة ، وجارية لبني عدي كان عمر يعذبها على الإسلام . فقال أبو قحافة - عثمان بن عامر - لابنه أبي بكر يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا . فلو أعتقت قوما جلدا يمنعونك ؟ فقال إني أريد ما أريد . وكان بلال كلما اشتد
به العذاب يقول أحد
،
أحد .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:33 am

ابتداء الدعوة

وقال الزهري : لما ظهر الإسلام أتى جماعة من كفار قريش إلى من آمن من عشائرهم فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا أن يفتنوهم عن دينهم . قال الترمذي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان وغيرهم . قالوا " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين مستخفيا " . تم أعلن في الرابعة . فدعا الناس عشر سنين يوافي المواسم كل عام يتبع الناس في منازلهم . وفي المواسم بعكاظ ومجنة ، وذي المجاز يدعوهم أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه . ولهم الجنة فلا يجد أحدا ينصره ويحميه . حتى ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة فيقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب ، وتدين لكم بها العجم . فإذا متم كنتم ملوكا في الجنة وأبو لهب وراءه يقول لا تطيعوه . فإنه صابئ كذاب . فيردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الرد . ويؤذونه ويقولون عشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك . وهو يقول اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا ولما نزل عليه قوله تعالى ( 36 : 214 ) وأنذر عشيرتك الأقربين صعد الصفا فنادى واصباحاه فلما اجتمعوا إليه قال لو أخبرتكم أن خيلا تريد أن تخرج عليكم من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ما جربنا عليك كذبا . قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ، ما جمعتنا إلا لهذا ؟ فأنزل الله قوله تعالى تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب

قال ابن القيم رحمه الله دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله مستخفيا ثلاث سنين ثم نزل عليه ( 15 : 94 ) فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين


أول دم أريق

وفي السنة الرابعة ضرب سعد بن أبي وقاص رجلا من المشركين فشجه . وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب فيصلون فيها . فرآهم رجل من الكفار ومعه جماعة من قريش . فسبوهم . وضرب سعد بن أبي وقاص رجلا منهم فسال دمه . فكان أول دم أهريق في الإسلام .


استهزاء المشركين

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه - مثل عمار بن ياسر ، وخباب بن الأرت ، وصهيب الرومي وبلال وأشباههم - فإذا مرت بهم قريش استهزءوا بهم وقالوا : أهؤلاء - جلساؤه - قد من الله عليهم من بيننا ؟ فأنزل الله ( 6 : 53 ) أليس الله بأعلم بالشاكرين وفيهم نزل ( 16 : 41 ) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) وقال أبو جهل والله لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على رقبته . فبلغه أن رسول الله يصلي ، فأتاه . فقال ألم أنهك عن الصلاة ؟ فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتنتهرني ، وأنا أعز أهل البطحاء ) فنزل قوله تعالى ( 96 : 9 ، 10 ) أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وفي بعض الروايات أنه قال ألم أنهك ؟ فوالله ما في مكة أعز من نادي .

وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال أبو جهل " يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل نعم فقال واللات والعزى ، لئن رأيته لأطأن على رقبته . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، وزعم ليطأن رقبته ، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه . وقال بيني وبينه خندق من نار وهول وأجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا فأنزل الله تعالى - لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه - ( 96 : 6 ، 7 ) كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى


الهجرة الأولى إلى الحبشة

وفي السنة الخامسة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لما اشتد عليهم العذاب والأذى . وقال إن فيها رجلا لا يظلم الناس عنده

وكانت الحبشة متجر قريش . وكان أهل هذه الهجرة الأولى : اثني عشر رجلا وأربع نسوة . وكان أول من هاجر إليها : عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وستر قوم إسلامهم .

وممن خرج الزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبو سلمة وامرأته رضي الله عنهم . خرجوا متسللين سرا ، فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار . فحملوهم إلى الحبشة . وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر . فلم يدركوا منهم أحدا . وكان خروجهم في رجب . فأقاموا بالحبشة شعبان ورمضان . ثم رجعوا إلى مكة في شوال لما بلغهم أن قريشا صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفوا عنه .

وكان سبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم . فلما بلغ ( 53 : 18 ، 19 ) أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم . وقد علمنا أن الله يخلق ويرزق ويحيي ويميت ولكن آلهتنا تشفع عنده . فلما بلغ السجدة سجد وسجد معه المسلمون والمشركون كلهم . إلا شيخا من قريش . رفع إلى جبهته كفا من حصى فسجد عليه . وقال يكفيني هذا . فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا ، وخاف من الله خوفا عظيما ، فأنزل الله ( 22 : 52 - 55 ) وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته - الآيات ولما استمر النبي صلى الله عليه وسلم على سب آلهتهم عادوا إلى شر مما كانوا عليه وازدادوا شدة على من أسلم .



الهجرة الثانية إلى الحبشة

فلما قرب مهاجرة الحبشة من مكة ، وبلغهم أمرهم توقفوا عن الدخول . ثم دخل كل رجل في جوار رجل من قريش . ثم اشتد عليهم البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره . فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية . فخرجوا .

وكان عدة من خرج في المرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلا - إن كان فيهم عمار ابن ياسر - ومن النساء تسعة عشر امرأة .

فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة : رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ، ومن النساء ثمان . ومات منهم رجلان بمكة . وحبس سبعة . وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا .



كتاب رسول الله إلى النجاشي يزوجه أم حبيبة

فلما كان شهر ربيع سنة سبع من الهجرة . كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام . وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان . وكانت مهاجرة زوجها عبد الله بن جحش . فتنصر هناك ومات نصرانيا .

وكتب إليه أيضا : أن يبعث إليه من بقي من أصحابه . فلما قرأ الكتاب أسلم . وقال لو قدرت أن آتيه لأتيته . وزوجه أم حبيبة وأصدقها عنه أربعمائة دينار . وحمل بقية أصحابه في سفينتين . فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد فتحها .



بعث قريش إلى النجاشي تطلب إرجاع المسلمين

ولما كان بعد بدر اجتمعت قريش في دار الندوة . وقالوا : إن لنا في الذين عند النجاشي ثأرا . فاجمعوا مالا . واهدوه إلى النجاشي ، لعله يدفع إليكم من عنده ولتنتدب لذلك رجلين من أهل رأيكم . فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد مع الهدي . فركبا البحر . فلما دخلا ، على النجاشي سجدا ، وسلما عليه . وقالا : قوما لك ناصحون . وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك لأنهم قوم اتبعوا رجلا كذابا . خرج فينا يزعم أنه رسول الله ولم يتبعه إلا السفهاء فضيقنا عليهم وألجأناهم إلى شعب بأرضنا ، لا يخرج منهم أحد ولا يدخل عليهم أحد . فقتلهم الجوع والعطش . فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك . فاحذرهم . وادفعهم إلينا لنكفيكهم وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي تحيي بها ، رغبة عن دينك .

فدعاهم النجاشي . فلما حضروا . صاح جعفر بن أبي طالب بالباب " يستأذن عليك حزب الله " فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه . ففعل . قال نعم . فليدخلوا بإذن الله وذمته . فدخلوا ولم يسجدوا له . فقال ما منعكم أن تسجدوا لي ؟ قالوا : إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان . فبعث الله فينا نبيا صادقا . وأمرنا بالتحية التي رضيها الله . وهي " السلام " تحية أهل الجنة .

فعرف النجاشي أن ذلك حق . وأنه في التوراة والإنجيل .

فقال أيكم الهاتف يستأذن ؟ فقال جعفر أنا . قال فتكلم .

قال إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم . وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي . فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ، فتسمع محاورتنا .

فقال عمرو لجعفر تكلم . فقال جعفر للنجاشي سله أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم . فقال عمرو : بل أحرار كرام .

فقال هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ قال عمرو : ولا قطرة .

فقال هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو : ولا قيراط .

فقال النجاشي : فما تطلبون منه ؟ قال كنا نحن وهم على أمر واحد على دين آبائنا . فتركوا ذلك واتبعوا غيره .

فقال النجاشي : ما هذا الذي كنتم عليه . وما الذي اتبعتموه ؟ قل واصدقني .

فقال جعفر أما الذي كنا عليه فتركناه وهو دين الشيطان . كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة . وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له .

فقال تكلمت بأمر عظيم . فعلى رسلك .

ثم أمر بضرب الناقوس . فاجتمع إليه كل قسيس وراهب . فقال لهم أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيا ؟ قالوا : اللهم نعم . قد بشرنا به عيسى ، وقال من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي .

فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به ؟ وما ينهاكم عنه ؟ .

فقال يقرأ علينا كتاب الله ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر . ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم . ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له .

فقال اقرأ مما يقرأ عليكم . فقرأ سورتي العنكبوت والروم . ففاضت عينا النجاشي من الدمع . وقال زدنا من هذا الحديث الطيب . فقرأ عليهم سورة الكهف .

فأراد عمرو أن يغضب النجاشي . فقال إنهم يشتمون عيسى وأمه .

فقال ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم . فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين . فقال والله ما زاد المسيح على ما تقولون نقيرا .

وفيه نزل قول الله تعالى ( 5 : 83 - 85 ) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق - الآيات .

فأقبل النجاشي على جعفر . ثم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من سبكم غرم . فلا هوادة اليوم على حزب إبراهيم .




موت النجاشي

ولما مات النجاشي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه كما يصلي على الجنائز . فقال المنافقون يصلي على علج مات بأرض الحبشة . فأنزل الله تعالى ( 3 : 199 ) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله الآية .

وقيل إن إرسال قريش في طلبهم كان قبل الهجرة إلى المدينة ، وفي سنة خمس من النبوة استتر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم .



إسلام حمزة بن عبد المطلب

وفي السنة السادسة أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر .

قال ابن إسحاق : مر أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا : فآذاه ونال منه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد . وكانت مولاة لعبد الله بن جعدان في مسكن لها على الصفا ، تسمع ما يقول أبو جهل . وأقبل حمزة من القنص متوشحا قوسه . وكان يسمى : أعز قريش . فأخبرته مولاة ابن جدعان بما سمعت من أبي جهل . فغضب . ودخل المسجد - وأبو جهل جالس في نادي قومه - فقال له حمزة يا مصفر استه . تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه موضحة . فثار رجال من بني مخزوم . وثار بنو هاشم . فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة . فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا . فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز . فكفوا عنه بعض ما كانوا ينالون منه .



إسلام عمر رضي الله عنه

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : إما عمر بن الخطاب . أو أبي جهل بن هشام فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قال لعمر رضي الله عنه لم سميت الفاروق ؟ فقال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام . ثم شرح الله صدري للإسلام . وأول شيء سمعته من القرآن ووقر في صدري ( 20 : 8 ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسألت عنه ؟ فقيل لي : هو في دار الأرقم . فأتيت الدار - وحمزة في أصحابه جلوسا في الدار . ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت - فضربت الباب فاستجمع القوم . فقال لهم حمزة ما لكم ؟ فقالوا : عمر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخذ بمجامع ثيابي . ثم نترني نترة لم أتمالك أن وقعت على ركبتي . فقال ما أنت بمنته يا عمر ؟ فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد . فقلت : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا ؟ قال بلى . فقلت : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن ، فخرجنا في صفين . حمزة في صف . وأنا في صف - له كديد ككديد الطحن - حتى دخلنا المسجد . فلما نظرت إلينا قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط . فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق .

وقال صهيب لما أسلم عمر رضي الله عنه جلسنا حول البيت حلقا ، فطفنا واستنصفنا مما غلظ علينا .




حماية أبي طالب لرسول الله

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزايد أمره ويقوى ، ورأوا ما صنع أبو طالب به . مشوا إليه بعمارة بن الوليد . فقالوا : يا أبا طالب ، هذا أنهد فتى في قريش وأجمله . فخذه وادفع إلينا هذا الذي خالف دينك ودين آبائك فنقتله فإنما هو رجل برجل . فقال بئسما تسومونني ، تعطوني ابنكم أربيه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه ؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل : يا أبا طالب قد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص منك بكل طريق . قال والله ما أنصفتموني ، ولكنك أجمعت على خذلاني . فاصنع ما بدا لك .

وقال أشراف مكة لأبي طالب إما أن تخلي بيننا وبينه فنكفيكه . فإنك على مثل ما نحن عليه أو أجمع لحربنا . فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك على هذا ، حتى نهلكه أو يكف عنا ، فقد طلبنا التخلص من حربك بكل ما نظن أنه يخلص . فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي ، إن قومك جاءوني ، وقالوا كذا وكذا ، فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني ما لا أطيق أنا ولا أنت . فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك . فقال صلى الله عليه وسلم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه فقال امض على أمرك ، فوالله لا أسلمك أبدا ودعا أبو طالب أقاربه إلى نصرته فأجابه بنو هاشم وبنو المطلب ، غير أبي لهب ، وقال أبو طالب

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وأبشر وقر بذاك منك عيونا

ودعوتني ، وعرفت أنك ناصحي

ولقد صدقت ، وكنت ثم أمينا

وعرضت دينا قد عرفت بأنه

من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

حصار بني هاشم في الشعب

ولما اجتمعوا - مؤمنهم وكافرهم - على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعت قريش . فأجمعوا أمرهم على أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم . حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل . وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق " أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل " فأمرهم أبو طالب أن يدخلوا . شعبه فلبثوا فيه ثلاث سنين . واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق . فلا يتركون طعاما يدخل مكة ، ولا بيعا إلا بادروا فاشتروه .

ومنعوه أن يصل شيء منه إلى بني هاشم . حتى كان يسمع أصوات نسائهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع . واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب ، فأوثقهم . وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا ، وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله .

فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأمره أن يأتي أحد فرشهم . وفي ذلك عمل أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة التي قال فيها

ولما رأيت القوم لا ود فيهمو

وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقد صارحونا بالعداوة والأذى

وقد طاوعوا أمر العدو المزايل

صرت لهم نفسي بسمراء سمحة

وأبيض عضب من تراث المقاول

وأحضرت عند البيت رهطي وأسرتي

وأمسكت من أثوابه بالوصائل

أعوذ برب الناس من كل طاعن

علينا بسوء أو ملح بباطل

ومن كاشح يسعى لنا بمغيظة

ومن ملحق في الدين ما لم يحاول

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه

وراق ليرقى في حراء ونازل

وبالبيت - حق البيت - من بطن مكة

وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذ يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة

على قدميه حافيا غير ناعل

وأشواط بين المروتين إلى الصفا

وما فيهما من صورة وتماثل

وبالمشعر الأقصى ، إذا عمدوا له

الإل إلى مفضى الشراج القوابل

ومن حج بيت الله من كل راكب

ومن كل ذي نذر ومن كل راجل

وليلة جمع والمنازل من منى

وهل فوقها من حرمة ومنازل ؟

فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ؟

وهل من معيذ يتقي الله عادل ؟

كذبتم وبيت الله نترك مكة

ونظعن إلا أمركم في بلابل

كذبتم وبيت الله نبزى محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن آبائنا والحلائل

وينهض قوم في الحديد إليكمو

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

وإنا لعمر الله إن جد ما أرى

لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

بكفي فتى مثل الشهاب سميدع

أخي ثقو حامي الحقيقة باسل

وما ترك قوم - لا أبا لك - سيدا

يحوط الذمار غير ذرب مواكل

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في حرمة وفواضل

فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح

حسود كذوب مبغض ذي دغائل

ومر أبو سفيان عني معرضا

كما مر قيل من عظام المقاول

تفر إلى نجد وبرد مياهه

وتزعم أني لست عنك بغافل

أمطعم لم أخذلك في يوم نجدة

ولا معظم عند الأمور الجلائل

أمطعم إن القوم ساموك خطة

وإني متى أوكل فلست بآكلي

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا

عقوبة شر عاجلا غير آجل

فعبد مناف أنتمو خير قومكم

فلا تشركوا في أمركم كل واغل

وكنتم حديثا حطب قدر فأنتمو

الآن حطاب أقدر ومراجل

فكل صديق وابن أخت نعده

لعمري وجدنا غبه غير طائل

سوى أن رهطا من كلاب بن مرة

براء إلينا من معقة خاذل

ونعم ابن أخت القوم غير مكذب

زهيرا حساما مفردا من حمائل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

وإخوته دأب المحب المواصل

فمن مثله في الناس أي مؤمل

إذا قاسه الحكام عند التفاضل ؟

حليم رشيد عادل غير طائش

يوالي إلها ليس عنه بغافل

فوالله لولا أن أجيء بسبة

تجر على أشياخنا في المحافل

لكنا اتبعناه على كل حالة

من الدهر جدا ، غير قول التهازل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ، ولا يعنى بقول الأباطل

حدبت بنفسي دونه وحميته

ودافعت عنه بالذرى والكلاكل



نقض الصحيفة

ثم بعد ذلك مشى هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي . وكان يصل بني هاشم في الشعب خفية بالليل بالطعام - مشى إلى زهير بن أبي أمية المخزومي - وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب - وقال يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم ؟ فقال ويحك ، فما أصنع وأنا رجل واحد ؟ أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها . قال أنا . قال أبغنا ثالثا . قال أبو البختري بن هشام . قال ابغنا رابعا . قال زمعة بن الأسود . قال أبغنا خامسا . قال المطعم بن عدي . قال فاجتمعوا عند الحجون ، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة . فقال زهير أنا أبدأ بها .

فجاءوا إلى الكعبة - وقريش محدقة بها - فنادى زهير يا أهل مكة ، إنا نأكل الطعام . ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى . والله لا أقعد حتى تشق الصحيفة القاطعة الظالمة . فقال أبو جهل : كذبت . والله لا تشق . فقال زمعة أنت والله أكذب . ما رضينا كتابتها حين كتبت . وقال أبو البختري صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقار عليه . فقال المطعم بن عدي . وكذب من قال غير ذلك . نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها . وقال هشام بن عمر في ذلك . فقال أبو جهل هذا أمر قد قضي بليل تشوور فيه بغير هذا المكان .

وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلم تترك اسما لله إلا لحسته و بقي ما فيها من شرك وظلم وقطيعة وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم . فذكر ذلك لعمه . فقال لا ، والثواقب ما كذبتني . فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب ، حتى أتى المسجد وهو حافل في قريش . فلما رأوهم ظنوا أنهم خرجوا من شدة الحصار وأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب . فقال قد حدث أمر . لعله أن يكون بيننا وبينكم صلحا . فأتوا بصحيفتكم - وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها ، فلا يأتون بها - فأتوا بها معجبين . لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوع إليهم قالوا : قد آن لكم أن تفيئوا وترجعوا خطرا لهلكة قومكم .

فقال أبو طالب : لأعطينكم أمرا فيه نصف . إن ابني أخبرني - ولم يكذبني - أن الله عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم وأنه محا كل اسم له فيها ، وترك فيها غدركم وقطيعتكم . فإن كان ما قال حقا ، فوالله لا نسلمه إليكم حتى نموت عن آخرنا . وإن كان الذي يقول باطلا ، دفعناه إليكم فقتلتموه . أو استحييتموه . قالوا : قد رضينا . ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر . فقالوا : هذا سحر من صاحبكم فارتكسوا وعادوا إلى شر ما هم عليه . فتكلم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا - كما تقدم - وقال أبو طالب شعرا يمدح النفر الذين تعاقدوا على نقض الصحيفة . ويمدح النجاشي ، منه

جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا

على ملأ يهدى بحزم ويرشد

أعان عليها كل صقر كأنه

إذا ما مشى في رفرف الدرع أجرد

قعودا لدى جنب الحجون كأنهم

مقاولة بل هم أعز وأمجد

وأسلم هشام بن عمرو يوم الفتح . وخرج بنو هاشم من شعبهم وخالطوا الناس . وكان خروجهم في سنة عشر من النبوة . مات أبو طال
ب بعد ذل
ك بستة أشهر .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:38 am

موت خديجة وأبي طالب

وماتت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بأيام . فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه بعد موت خديجة وعمه وتجرءوا عليه وكاشفوه بالأذى . وأرادوا قتله . فمنعهم الله من ذلك .

قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما " حضرتهم . وقد اجتمع أشرافهم في الحجر . فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالوا : ما رأينا مثل صبرنا عليه سفه أحلامنا . وشتم آباءنا . وفرق جماعتنا ، فبينما هم في ذلك . إذ أقبل . فاستلم الركن . فلما مر بهم غمزوه " . وفي حديث أنه قال لهم في الثانية لقد جئتكم بالذبح وأنهم قالوا له يا أبا القاسم ما كنت جهولا . فانصرف راشدا .

فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا : ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا أتاكم بما تكرهون تركتموه . فبينما هم كذلك . إذ طلع عليهم فقالوا : قوموا إليه وثبة رجل واحد . فلقد رأيت عقبة بن أبي معيط آخذا بمجامع ردائه وقام أبو بكر دونه وهو يبكي . يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ . وفي حديث أسماء فأتى الصريخ إلى أبي بكر . فقالوا : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا وله غدائر أربع فخرج وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر . فرجع إلينا لا يمس شيئا من غدائر إلا رجع معه .

ومرة كان يصلي عند البيت ، ورهط من أشرافهم يرونه فأتى أحدهم بسلا جزور . فرماه على ظهره . وكانوا يعلمون صدقه وأمانته . وأن ما جاء به هو الحق . لكنهم كما قال الله تعالى ( 6 : 33 ) فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون

وذكر الزهري : أن أبا جهل . وجماعة معه وفيهم الأخنس بن شريق ، استمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فقال الأخنس لأبي جهل يا أبا الحكم : ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا . وحملوا فحملنا . وأعطوا فأعطينا . حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان . قالوا : ما نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذا ؟ والله لا نسمع له أبدا . ولا نصدقه أبدا " .

وفي رواية " إني لأعلم أن ما يقول حق ، ولكن بني قصي قالوا : فينا الندوة فقلنا : نعم . قالوا : وفينا الحجابة فقلنا : نعم . قالوا : فينا السقاية . فقلنا : نعم . وذكر نحوه " .


سؤالهم عن الروح وأهل الكهف

وكانوا يرسلون إلى أهل الكتاب يسألونهم عن أمره ؟ قال ابن إسحاق عن ابن عباس : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ، إلى أحبار اليهود بالمدينة ، فقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته . فإنهم أهل الكتاب . وعنده ما ليس عندنا من علم الأنبياء .

فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألاهم عنه ؟ ووصفا لهم أمره . فقالت لهما أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث . فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فهو رجل منقول . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب . وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها . فما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فأقبلا ، حتى قدما مكة . فقالوا : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد . قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها .

فجاءوا رسول الله فسألوه عما أخبرهم أحبار يهود . فجاءه جبريل بسورة الكهف فيها خبر ما سألوه عنه . من الفتية والرجل الطواف . وجاءه بقوله ( 17 : 85) ويسألونك عن الروح - الآية .

قال ابن إسحاق : فافتتح السورة بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروا عليه من ذلك . فقال ( 18 : 1 ) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني أنك رسول مني ، أي تحقيق ما سألوه عنه من نبوتك ولم يجعل له عوجا أي أنزله معتدلا . لا خلاف فيه - وذكر تفسير السورة - إلى أن قال ( 18 : 9 ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي ما رأوا من قدرتي في أمر الخلائق ، وفيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك وأعجب .

وعن ابن عباس : الذي آتيتك من الكتاب والسنة أعظم من شأن أصحاب الكهف . قال ابن عباس : والأمر على ما ذكروا . فإن مكثهم نياما ثلاثمائة سنة آية دالة على قدرة الله ومشيئته

وهي آية دالة على معاد الأبدان كما قال تعالى : ( 18 : 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم هل تعاد الأرواح وحدها ؟ أم الأرواح والأبدان ؟ فجعلهم الله آية دالة على معاد الأبدان وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصتهم . من غير أن يعلمه بشر . آية دالة على نبوته . فكانت قصتهم آية دالة على الأصول الثلاثة الإيمان بالله . ورسوله واليوم الآخر .

ومع هذا : فمن آيات الله ما هو أعجب من ذلك . وقد ذكر الله سبحانه وتعالى سؤالهم عن هذه الآيات التي سألوه عنها ليعلموا : هل هو نبي صادق . أو كاذب ؟ فقال ( 18 : 83 - 100 ) ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا - إلى قوله - وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا وقوله ( 13 : 7 - 103 ) لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين - إلى قوله - إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون والقرآن مملوء من إخباره بالغيب الماضي . الذي لا يعلمه أحد من البشر . إلا من جهة الأنبياء . لا من جهة الأولياء ولا من جهة غيرها .

وقد عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم لا يتعلم هذا من بشر . ففيه آية وبرهان قاطع على صدقه ونبوته .


قول الوليد بن المغيرة في القرآن سحر

وعن ابن عباس قال إن الوليد بن المغيرة ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال اقرأ علي . فقرأ عليه ( 16 : 90 ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى الآية فقال أعد . فأعاد . فقال والله إن له لحلاوة . وإن عليه لطلاوة . وإن أعلاه لمثمر . وإن أسفله لمغدق . وإنه ليعلو ولا يعلى عليه . وإنه ليحطم ما تحته . وما يقول هذا بشر .

وفي رواية " وبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه . فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا . قال ولم ؟ قال آتيت محمدا لتعوض مما قبله . قال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا . قال فقل فيه قولا يبلغ قومك : إنك منكر له . قال ماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم أعلم بالأشعار مني إلخ " .

وفي رواية أن الوليد بن المغيرة قال لهم - وقد حضر الموسم - " ستقدم عليكم وفود العرب من كل جانب وقد سمعوا بأمر صاحبكم . فأجمعوا فيه رأيا ، ولا تختلفوا ، فيكذب بعضكم بعضا . فقالوا : فأنت فقل . فقال بل قولوا وأنا أسمع . قالوا : نقول كاهن . قال ما هو بزمرة الكهان ولا سجعهم . قالوا نقول مجنون قال ما هو بمجنون . لقد رأينا الجنون وعرفناه . فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخالجه . قالوا : نقول شاعر . قال ما هو بشاعر . لقد عرفنا الشعر رجزه وهزجه وقريضه . ومقبوضه ومبسوطه قالوا : نقول ساحر قال ما هو بساحر . لقد رأينا السحرة وسحرهم فما هو بعقدهم ولا نفثهم قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال ما نقول من شيء من هذا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك . فجعلوا يجلسون للناس لا يمر بهم أحد إلا حذروه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأنزل الله في الوليد بن المغيرة ( 74 : 11 - 26 ) ذرني ومن خلقت وحيدا - إلى قوله - سأصليه سقر . ونزل في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله وفيما جاء به من عند الله ( 15 : 91 ) الذين جعلوا القرآن عضين أي أصنافا . وكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات فمنها ما يأتيهم الله به لحكمة أرادها الله سبحانه .


انشقاق القمر

فمن ذلك أنهم سألوه أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر . وأنزل قوله ( 54 : 1 - 3 ) اقتربت الساعة وانشق القمر الآيات إلى قوله وكل أمر مستقر فقالوا : سحركم انظروا إلى السفار فإن كانوا رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق . فقدموا من كل وجه . فقالوا : رأينا . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما طلب من الآيات - التي يقترحون - رغبة منه في إيمانهم فيجاب بأنها : لا تستلزم الهدى . بل توجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها .



سؤالهم الآيات

والله سبحانه قد يظهر الآيات الكثيرة . مع طبعه على قلب الكافر كفرعون قال تعالى ( 6 : 109 - 111 ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها - إلى قوله - ولكن أكثرهم يجهلون وقال تعالى ( 17 : 59 ) وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون الآية .

بين سبحانه وتعالى : أنه إنما منعه أن يرسل بها إلا أن كذب بها الأولون فإذ كذب هؤلاء كذلك استحقوا عذاب الاستئصال . وروى أهل التفسير وأهل الحديث عن ابن عباس . قال " سأله أهل مكة أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا . فقيل له إن شئت نستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا هلكوا ، كما هلك من قبلهم . فقال بل أستأني بهم فأنزل الله وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون الآية .

وروى ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية . قال رحمة لكم أيها الأمة إنا لو أرسلنا بالآيات فكذبتم بها : أصابكم ما أصاب من قبلكم . وكانت الآيات تأتيهم آية بعد آية . فلا يؤمنون بها قال تعالى ( 6 : 4 - 6 ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين الآيات .

أخبر سبحانه بأن الآيات تأتيهم فيعرضون عنها ، وأنهم سيرون صدق ما جاءت به الرسل كما أهلك الله من كان قبلهم بالذنوب التي هي تكذيب الرسل فإن الله سبحانه وتعالى يقول ( 38 : 59 ) وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا الآية وأخبر بشدة كفرهم بأنهم لو أنزل عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لكذبوا به وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكا لجعله على صورة الرجل . إذ كانوا لا يستطيعون أن يروا الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها . وحينئذ يقع اللبس عليهم لظنهم الرسول بشرا لا ملكا .

وقال تعالى ( 17 : 90 - 96 ) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات . وهذه الآيات لو أجيبوا إليها ، ثم لم يؤمنوا : لأتاهم عذاب الاستئصال وهي لا توجب الإيمان بل إقامة للحجة والحجة قائمة بغيرها . وهي أيضا مما لا يصلح فإن قولهم حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا يقتضي تفجيرها بمكة فيصير واديا ذا زرع والله سبحانه وتعالى قضى بسابق حكمته أن جعل بيته بواد غير ذي زرع لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا . فيكون حجهم للدنيا .

وإذا كان له جنة من نخيل وعنب كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته . وكذلك إذا كان له قصر من زخرف . وهو الذهب . أما إسقاط السماء كسفا : فهذا لا يكون إلا يوم القيامة . وأما الإتيان بالله والملائكة قبيلا ، : فهذا لما سأل قوم موسى موسى ما هو دونه أخذتهم الصاعقة . وقال تعالى ( 4 : 153 - 161 ) يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء الآيات .

بين سبحانه أن المشركين وأهل الكتاب سألوه إنزال كتاب من السماء وبين أن الطائفتين لا يؤمنون إذا جاءهم ذلك وأنهم إنما سألوه تعنتا ، فقال عن المشركين ( 6 : 7 ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس الآية .

وقال عن أهل الكتاب ( 4 : 153 ) فقد سألوا موسى أكبر من ذلك - إلى قوله - ميثاقا غليظا فهم - مع هذا - نقضوا الميثاق وكفروا بآيات الله وقتلوا النبيين . فكان فيه من الاعتبار أن الذين لا يهتدون إذا جاءتهم الآيات المقترحة لم يكن في مجيئها منفعة لهم بل فيها وجوب عقوبة عذاب الاستئصال إذا لم يؤمنوا ، وتغليظ الأمر عليهم . كما قال تعالى ( 4 : 160 ) فبظلم من الذين هادوا الآية . فكان في إنزال مثل هذه أعظم رحمة وحكمة .

ولما طلب الحواريون من المسيح المائدة كانت من الآيات الموجبة لمن كفر بها عذابا ، لم يعذب الله به أحدا من العالمين . وكان قبل نزول التوراة يهلك الله المكذبين بالرسل بعذاب الاستئصال عاجلا . وأظهر آيات كثيرة لما أرسل موسى ليبقى ذكرها في الأرض . إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال . كما قال تعالى ( 28 : 43 ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بل كان بنو إسرائيل لما كانوا يفعلون ما يفعلون - من الكفر والمعاصي - يعذب الله بعضهم ويبقي بعضهم إذ كانوا لا يتفقون على الكفر ولم يزل في الأرض منهم أمة باقية على الصلاح . قال تعالى ( 7 : 168 ) وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك الآية وقال ( 3 : 113 ، 114 ) من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون الآيتين .

وكان من حكمته تعالى ورحمته - لما أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين - أن لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كالمستهزئين الذين قال الله فيهم ( 15 : 95 ، 96 ) إنا كفيناك المستهزئين الآيات . والذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه كلبا من كلابه فافترسه الأسد كما قال تعالى ( 9 : 52 ) قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده الآية . فأخبر سبحانه أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود وتارة بغير ذلك .

فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم كما جرى لقريش وغيرهم . فإنه لو أهلكهم لبادوا ، وانقطعت المنفعة بهم ولم يبق لهم ذرية تؤمن بخلاف ما عذبهم به من الإذلال والقهر فإن في ذلك ما يوجب عجزهم والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها ، فلا تكاد تنصرف عنها . بخلاف عجزها عنها . فإنه يدعوها إلى التوبة كما قيل من العصمة أن لا تقدر ولهذا آمن عامتهم . وقد ذكر الله في التوراة لموسى

" إني أقسي قلب فرعون . فلا يؤمن بك لتظهر آياتي وعجائبي " .

بين أن في ذلك من الحكمة انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الأرض إذ كان موسى أخبر بتكليم الله له وبكتابة التوراة له فأظهر له من الآيات ما يبقى ذكره في الأرض . وكان في ضمن ذلك من تقسية قلب فرعون ما أوجب هلاكه وهلاك قومه . وفرعون كان جاحدا للصانع . فلذلك أوتي موسى من الآيات ما يناسب حاله .

وأما بنو إسرائيل - مع المسيح - فكانوا مقرين بالكتاب الأول . فلم يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه موسى . ولم يكن محتاجا إلى جنس تقرير النبوة إذ كانت الرسل قبله جاءت بما يثبت ذلك . وإنما الحاجة إلى تثبيت نبوته . ومع هذا فقد أظهر الله على يديه من الآيات مثل آيات من قبله وأعظم ومع هذا لم يأت بآيات الاستئصال . بل بين الله في القرآن أنها لا تنفعهم بل تضرهم . لأنه علم أن قلوبهم كقلوب الأولين . كما قال تعالى ( 51 : 52 ، 53 ) كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به الآية وقال تعالى ( 2 : 118 ) كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم الآية وقال تعالى ( 54 : 43 ) أكفاركم خير من أولئكم ؟ الآية وسورة اقتربت التي ذكر فيها انشقاق القمر وإعراضهم عن الآيات وقولهم سحر مستمر وقال فيها ( 54 : 4 ) ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر أي يزجرهم عن الكفر زجرا شديدا ، إذ كان في تلك الأنباء صدق الرسل والإنذار بالعذاب الذي وقع بالمتقدمين . ولهذا يقول عقيب كل قصة فكيف كان عذابي ونذر أي عذابي لمن كذب رسلي ، وإنذاري لهم بذلك قبل مجيئه .

ثم قال أكفاركم أيتها الأمة خير من أولئكم الذي كذبوا الرسل من قبلكم أم لكم براءة في الزبر ؟ أم يقولون نحن جميع منتصر ؟ وذلك أن كونكم تعذبون مثلهم . إما لكونكم لا تستحقون ما استحقوا ، أو لكون الله أخبر أنه لا يعذبكم فهذا بالنظر إلى فعل الله . وأما بالنظر إلى قوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه . فيقولون نحن جميع منتصر فإنهم أكثر وأقوى ، كما قالوا ( 19 : 73 ) أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا - إلى قوله - أثاثا ورئيا أي أموالا ومنظرا .

فقال تعالى ( 54 : 45 ) سيهزم الجمع ويولون الدبر أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بهزيمتهم وهو بمكة في قلة الأتباع وضعف منهم . ولا يظن أحد - قبل أن يهاجر - بالعادة المعروفة أن أمره يعلو ، ويقاتلهم . فكان كما أخبر . وذلك ببدر وتلك سنة الله . كما قال تعالى ( 48 : 33 ) سنة الله التي قد خلت من قبل الآية . وحيث يظهر الكفار ويغلبون فإنما يكون ذلك لذنوب المؤمنين التي أوجبت نقص إيمانهم فإذا تابوا نصرهم الله كما قال تعالى ( 3 : 139 ) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين فإذا كان من تمام الحكمة والرحمة أن لا يهلكهم بالاستئصال كالذين من قبلهم قال تعالى أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر كان لا يأتي بموجب ذلك مع إتيانه سبحانه بما يقيم الحجة أكمل في الحكمة والرحمة إذ كان ما أتى به حصل به كمال الهدى والحجة وما امتنع منه دفع من عذاب الاستئصال ما أوجب بقاء جمهور الأمة حتى يهتدوا ويؤمنوا .

وكان في إرسال خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم من الحكمة البالغة والمنن السابغة ما لم يكن في رسالة غيره . صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .


خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

ولما اشتد البلاء من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت عمه خرج إلى الطائف ، رجاء أن يؤوه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم حتى يبلغ رسالة ربه . ودعاهم إلى الله عز وجل فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا ، وآذوه أشد الأذى . ونالوا منه ما لم ينل قومه . وكان معه زيد بن حارثة مولاه . فأقام بينهم عشرة أيام . لا يدع أحدا من أشرافهم إلا كلمه فقالوا : اخرج من بلدنا . وأغروا به سفهاءهم . فوقفوا له سماطين . وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السفه هي أشد وقعا من الحجارة . حتى دميت قدماه وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فانصرف إلى مكة محزونا .

وفي مرجعه دعا بالدعاء المشهور اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك ، أو ينزل بي سخطك . لك العتبى حتى ترضى . ولا حول ولا قوة إلا بك فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة - وهما جبلاها اللذان هي بينهما - فقال بل أستأني بهم . لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا

فلما نزل بنخلة في مرجعه قام يصلي من الليل ما شاء الله فصرف الله إليه نفرا من الجن . فاستمعوا قراءته ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه ( 46 : 28 - 32 ) وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن - إلى قوله - أولئك في ضلال مبين وأقام بنخلة أياما . فقال زيد بن حارثة رضي الله عنه كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ - يعني قريشا - فقال يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا . وإن الله ناصر دين. ه ومظهر نبيه .

ثم انتهى إلى مكة . فأرسل رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدي أدخل في جوارك ؟ فقال نعم . فدعا المطعم بنيه وقومه فقال البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت . فإني قد أجرت محمدا . فلا يهجه أحد . فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه . وصلى ركعتين . وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محدقون به في السلاح حتى د
خل بيته

حدقون به في السلاح حتى دخل بيته
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:39 am

الإسراء والمعراج

ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس راكبا على البراق صحبة جبريل عليه السلام . فنزل هناك . وصلى بالأنبياء إماما . وربط البراق بحلقة باب المسجد . ثم عرج به إلى السماء الدنيا . فرأى فيها آدم . ورأى أرواح السعداء عن يمينه والأشقياء عن شماله . ثم إلى الثانية . فرأى فيها عيسى ويحيى . ثم إلى الثالثة . فرأى فيها يوسف . ثم إلى الرابعة . فرأى فيها إدريس . ثم إلى الخامسة . فرأى فيها هارون . ثم إلى السادسة . فرأى فيها موسى . فلما جاوزه بكى . فقيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي أن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي . ثم عرج به إلى السماء السابعة . فلقي فيها إبراهيم . ثم إلى سدرة المنتهى . ثم رفع إلى البيت المعمور . فرأى هناك جبريل في صورته له ستمائة جناح وهو قوله تعالى ( 53 : 13 - 14 ) ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وكلمه ربه وأعطاه ما أعطاه . وأعطاه الصلاة . فكانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وأخبرهم اشتد تكذيبهم له وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس . فجلاه الله له حتى عاينه . وجعل يخبرهم به . ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا . وأخبرهم عن عيرهم التي رآها في مسراه ومرجعه وعن وقت قدومها ، وعن البعير الذي يقدمها . فكان كما قال . فلم يزدهم ذلك إلا ثبورا . وأبى الظالمون إلا كفورا .


فصل في الهجرة

قد ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي عكاظ وغيرها . يدعوهم إلى الله . فلم يجبه أحد منهم . ولم يؤوه . فكان ممن صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم يهود المدينة : أن نبيا يبعث في هذا الزمان فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد .

وكانت الأنصار تحج ، كغيرها من العرب ، دون اليهود . فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله . وتأملوا أحواله . قال بعضهم لبعض تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به اليهود . فلا يسبقنكم إليه وقدر الله بعد ذلك . أن اليهود يكفرون به . فهو قوله تعالى ( 2 : 89 ) ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين والآية بعدها .



بيعة العقبة الأولى

فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة : ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج . منهم أسعد بن زرارة وجابر بن عبد الله بن رئاب السلمي . فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا . ثم رجعوا إلى المدينة ، فدعوا إلى الإسلام . فنشأ الإسلام فيها ، حتى لم تبق دار إلا ودخلها . فلما كان العام المقبل جاء منهم اثني عشر رجلا - الستة الأول . خلا جابرا - ومعهم عبادة بن الصامت ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وغيرهم . الجميع اثنا عشر رجلا .

وكان الستة الأولون قد قالوا له - لما أسلموا - إن بين قومنا من العداوة والشر ما بينهم . وعسى الله أن يجمعهم بك ، وسندعوهم إلى أمرك . فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ، وكان الأوس والخزرج أخوان لأم وأب . أصلهم من اليمن من سبأ . وأمهم قيلة بنت كاهل - امرأة من قضاعة - ويقال لهم لذلك أبناء قيلة . قال الشاعر .

بهاليل من أولاد قيلة لم يجد

عليهم خليط في مخالطة عتبا

فوقعت بينهم العداوة بسبب قتيل فلبثت بينهم الحرب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأها الله بالإسلام . وألف بينهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قوله ( 3 : 103 ) واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا - الآية .

فلما جاءه الاثني عشر رجلا العام الآتي - الذين ذكرنا - ومنهم اثنان من الأوس : أبو الهيثم وعويم بن ساعدة والباقي من الخزرج .

فلما انصرفوا بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام . فنزل على أبي أمامة - أسعد بن زرارة - فخرج بمصعب - في إحدى خرجاته - فدخل حائطا من حيطان بني ظفر . فجلسا فيه واجتمع إليهما رجال ممن أسلم .



إسلام سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير

فقال سعد بن معاذ - سيد الأوس - لأسيد بن حضير اذهب إلى هذين اللذين قد أتيا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما . فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي ، ولولا ذلك لكفيتك ذلك . وكان سعد وأسيد سيدي قومهما . فأخذ أسيد حربته . ثم أقبل إليهما . فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك . فاصدق الله فيه . قال مصعب إن يكلمني أكلمه . فوقف عليهما . فقال ما جاء بكما إلينا ؟ تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلا ، إن كان لكما في أنفسكما حاجة . فقال له مصعب أو تجلس فتسمع . فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره . فقال أنصفت . ثم ركز حربته وجلس فكلمه مصعب بالإسلام وتلا عليه القرآن . قال فوالله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتهلله .

ثم قال ما أحسن هذا وما أجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ . قالا له تغتسل وتطهر ثوبك . ثم تشهد شهادة الحق . ثم تصلي ركعتين فقام واغتسل . وطهر ثوبه . وتشهد وصلى ركعتين . ثم قال إن ورائي رجلا إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه . وسأرشده إليكما الآن - سعد بن معاذ - ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد في قومه وهم جلوس في ناديهم .

فقال سعد أحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . فلما وقف على النادي . قال له سعد ما فعلت ؟ فقال كلمت الرجلين . فوالله ما رأيت بهما بأسا . وقد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت .

وقد حدثت : أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه - وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك - ليخفروك . فقام سعد مغضبا ، للذي ذكر له . فأخذ حربته فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما . ثم قال لأسعد بن زرارة والله يا أبا أمامة . لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، تغشانا في دارنا بما نكره ؟ .

وقد كان أسعد قال لمصعب جاءك والله سيد من ورائه قومه . إن يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد .

فقال له مصعب أو تقعد فتسمع ؟ فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال قد أنصفت . ثم ركز حربته فجلس .

فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن . قال فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتهلله . ثم قال كيف تصنعون إذا أسلمتم ؟ قالا : تغتسل وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق . ثم تصلي ركعتين ففعل ذلك . ثم أخذ حربته . فأقبل إلى نادي قومه . فلما رأوه قالوا : نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به فقال يا بني عبد الأشهل كيف أمرى فيكم ؟ قالوا : سيدنا . وابن سيدنا ، وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة . قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله . فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا أسلموا ، إلا الأصيرم . فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد .

فأسلم وقاتل وقتل ولم يسجد لله سجدة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا فأقام مصعب في منزل أسعد يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف .

وذلك أنهم كان فيهم قيس بن الأسلت الشاعر . وكانوا يسمعون منه فوقف بهم عن الإسلام حتى كان عام الخندق ، بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلما كان من العام المقبل . وجاء موسم الحج . قال من أسلم من الأنصار : حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فخرجوا مع مشركي قومهم حجاجا .


بيعة العقبة الثانية

فلما وصلوا واعدوه العقبة ، من أواسط أيام التشريق للبيعة بعد ما انقضى حجهم . فقال له العباس ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك ؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب . فلما كان الليل تسللوا من رحالهم مختفين ومعهم عبد الله بن عمرو بن حرام - أبو جابر - وهو مشرك وكانوا يكاتمونه الأمر . فلما كانت الليلة التي واعدوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا أبا جابر ، إنك شريف من أشرافنا . وإنا نرغب بك أن تكون حطبا للنار غدا ، قال وما ذلك ؟ فأخبروه الخبر . فأسلم وشهد العقبة وكان نقيبا .

فلما مضى ثلث الليل خرجوا للميعاد حتى اجتمع عنده من رجل ورجلين ومعه عمه العباس - وهو يومئذ على دين قومه - ولكنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له .

فلما نظر العباس في وجوههم قال هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء أحداث وكان أول من تكلم . فقال يا معشر الخزرج - وكانت العرب تسمي الجميع الخزرج - إن محمدا منا حيث علمتم وقد منعناه من قومنا وهو في منعة في بلده إلا أنه أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم . فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم . وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه - بعد خروجه إليكم - فمن الآن فدعوه . فإنه في عز ومنعة .

قالوا : قد سمعنا ما قلت . فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك ولربك ما شئت .

فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبايعكم على أن تمنعوني - إذا قدمت عليكم - مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . ولكم الجنة

فكان أول من بايعه البراء بن معرور . فقال والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا . فبايعنا يا رسول الله . فنحن أهل الحرب والحلقة ورثناها صاغرا عن كابر . فاعترضه أبو الهيثم بن التيهان ، وقال إن بيننا وبين الناس حبالا ونحن قاطعوها ، فهل عسيت - إن أظهرك الله - أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لا والله بل الدم الدم والهدم الهدم ، أنتم مني وأنا منكم . أحارب من حاربتم . وأسالم من سالمتم

فلما قدموا يبايعونه أخذ بيده أصغرهم - أسعد بن زرارة - فقال رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف . فإما أنتم تصبرون على ذلك . فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه . فهو أعذر لكم عند الله . فقالوا : أمط عنا يدك ، فوالله ما نذر هذه البيعة ولا نستقيلها .

فقاموا إليه رجلا رجلا يأخذ منهم ويعطيهم بذلك الجنة ثم كثر اللغط فقال العباس على رسلكم . فإن علينا عيونا .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم . وأنا كفيل على قومي "وفي رواية " أن موسى اتخذ من قومه اثني عشر نقيبا

فكان نقيب بني النجار : أسعد بن زرارة . ونقيب بني سلمة : البراء بن معرور ، وعبد الله بن عمرو بن حرام . ونقيب بني ساعدة : سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو . ونقيب بني زريق : رافع بن مالك بن عجلان . ونقيب بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ونقيب القوافل عبادة بن الصامت . ونقيب الأوس : أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان . ونقيب بني عوف سعد بن خيثمة .

وكان جميع أهل العقبة : سبعين رجلا وامرأتين .

فلما بايعوه صرخ الشيطان بأنفذ صوت سمع قط : يا أهل الأخاشب ، هل لكم في محمد والصبأة معه ؟ قد اجتمعوا على حربكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة ، أما والله يا عدو الله لأفرغن لك " تم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارفضوا إلى رحالكم

فقال العباس بن عبادة بن نضلة : والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل مكة غدا بأسيافنا . فقال " لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم " فرجعوا

فلما أصبحوا غدت عليهم جلة قريش . فقالوا : إنه بلغنا أنكم جئتم صاحبنا البارحة تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا . وإن الله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . فانبعث رجال - ممن لم يعلم - يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء والذين يشهدون ينظر بعضهم إلى بعض . وجعل عبد الله بن أبي ابن سلول يقول هذا باطل . ما كان هذا . وما كان قومي ليفتاتوا علي بمثل هذا . لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا . حتى يؤامروني .

فقام القوم - وفيهم الحارث بن هشام - وعليه نعلان جديدان . فقال كعب بن مالك : كلمة - كأنه يريد أن يشرك القوم فيما قالوا - فقال يا آبا جابر ما تستطيع أن تتخذ - وأنت سيد من سادتنا - مثل نعلي هذا الفتى ؟ فسمعها الحارث . فجعلها من رجليه . ثم رمى بهما إليه . وقال والله لتنتعلنهما . فقال أبو جابر مه ؟ أحفظت الفتى . فاردد إليه نعليه ؟ فقال لا أردهما إليه والله فأل صالح . لئن صدق الفأل لأسلبنه .

فلما انفصلت الأنصار عن مكة : صح الخبر عند قريش . فخرجوا في طلبهم فأدركوا سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو . فأعجزهم المنذر ومضى . وأما سعد فقالوا له أنت على دين محمد ؟ قال نعم فربطوا يديه إلى عنقه بنسعة رحله . وجعلوا يسحبونه بشعره ويضربوه - وكان ذا جمة - حتى أدخلوه مكة ، فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية . فخلصاه من أيديهم .

وتشاورت الأنصار أن يكروا إليه . فإذا هو قد طلع عليهم . فرحلوا إلى المدينة .

وكان الذي أسره ضرار بن الخطاب الفهري وقال

تداركت سعدا عنوة فأسرته

وكان شفائي ، لو تداركت منذرا

ولو نلته طلت هناك جراحة

أحق دماء أن تهان وتهدرا

فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه

فخرت بسعد الخير حين أسرته

وقلت : شفائي لو تداركت منذرا

وإن امرأ يهدي القصائد نحونا

كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا

فلا تك كالشاة التي كان حتفها

بحفر ذراعيها . فلم ترض محفرا

ولا تك كالوسنان يحلم أنه

بقرية كسرى ، أو بقرية قيصرا

ولا تك كالثكلى ، وكانت بمعزل

عن الثكل . لو أن الفؤاد تفكرا

ولا تك كالعاوي ، وأقبل نحره

ولم يخشه سهم من النبل مضمرا

أتفخر بالكتان لما لبسته

وقد يلبس الأنباط ريطا مقصرا

فلولا أبو وهب لمرت قصائد

على شرف البيداء يهوين حسرا

وسمعت قريش قائلا يقول بالليل على أبى قبيس

فإن يسلم السعدان يصبح محمد

بمكة لا يخشى خلاف المخالف

قالوا : من هما ؟ قال أبه سفيان أسعد بن بكر أم سعد بن هزيم ؟ فلما كانت الليلة القابلة سمعوه يقول

فيا سعد - سعد الأوس - كن أنت ناصرا

ويا سعد - سعد الخزرجين - الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدى . وتمنيا

على الله في الفردوس منة عارف

فإن ثواب الله للطالب الهدى

جنان من الفردوس ذات رفارف

فقال أبو سفيان هذا والله سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ .


الهجرة إلى المدينة

وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في الهجرة إلى المدينة . فبادروا إليها . وأول من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد ، وزوجته أم سلمة . ولكنها حبست عنه سنة وحيل بينها وبين ولدها . ثم خرجت بعد هي وولدها إلى المدينة .

ثم خرجوا أرسالا ، يتبع بعضهم بعضا . ولم يبق منهم بمكة أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي - أقاما بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما - وإلا من احتبسه المشركون كرها .

وأعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى ي
ؤمر بالخروج . وأعد أبو بكر
جهازه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:41 am

تآمر قريش بدار الندوة على قتل رسول الله

فلما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا بأهليهم إلى المدينة : عرفوا أن الدار دار منعة وأن القوم أهل حلقة وبأس فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيشتد أمره عليهم . فاجتمعوا في دار الندوة . وحضرهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد .

فتذاكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار كل منهم برأي والشيخ يرده ولا يرضاه إلى أن قال أبو جهل قد فرق لي فيه برأي ما أراكم وقعتم عليه قالوا : ما هو ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاما جلدا . ثم نعطيه سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل . فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع ولا يمكنها معاداة القبائل كلها ، ونسوق ديته .

فقال الشيخ لله در هذا الفتى . هذا والله الرأي . فتفرقوا على ذلك .

فجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة .

وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصف النهار - في ساعة لم يكن يأتيه فيها - متقنعا ، فقال " أخرج من عندك " فقال إنما هم أهلك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله . قال " نعم " فقال أبو بكر فخذ - بأبي أنت وأمي - إحدى راحلتي هاتين فقال " بالثمن

وأمر عليا أن يبيت تلك الليلة على فراشه .

واجتمع أولئك النفر يتطلعون من صير الباب ويرصدونه يريدون بياته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها ؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم . فأخذ حفنة من البطحاء فذرها على رءوسهم وهو يتلو ( 36 : 9 ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وأنزل الله ( 8 : 30 ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر . فخرجا من خوخة في بيت أبي بكر ليلا . فجاء رجل فرأى القوم ببابه فقال ما تنتظرون ؟ قالوا : محمدا . قال خبتم وخسرتم قد والله مر بكم وذر على رءوسكم التراب . قالوا : والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم .

فلما أصبحوا : قام علي رضي الله عنه عن الفراش فسألوه عن محمد ؟ فقال لا علم لي به . ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار ثور ، فنسجت العنكبوت على بابه .

وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي وكان هاديا ماهرا - وكان على دين قومه - وأمناه على ذلك وسلما إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث .

وجدت قريش في طلبهما ، وأخذوا معهم القافة حتى انتهوا إلى باب الغار . فوقفوا عليه . فقال أبو بكر يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا . فقال " ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ لا تحزن إن الله معنا

وكانا يسمعان كلامهم إلا أن الله عمى عليهم أمرهما .

وعامر بن فهيرة يرعى غنما لأبي بكر ويتسمع ما يقال عنهما بمكة . ثم يأتيهما بالخبر ليلا . فإذا كان السحر سرح مع الناس .

قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز . وصنعنا لهما سفرة في جراب . فقطعت أسماء بنت أبي بكر . قطعة من نطاقها ، فأوكت به فم الجراب وقطعت الأخرى عصاما للقربة . فبذلك لقبت " ذات النطاقين " .

ومكثا في الغار ثلاثا . حتى خمدت نار الطلب . فجاءهما ابن أريقط بالراحلتين فارتحلا ، . وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة .



قصة سراقة بن مالك

فلما آيس المشركون منهما جعلوا لمن جاء فيها دية كل واحد منهما ، لمن يأتي بهما أو بأحدهما . فجد الناس في الطلب . والله غالب على أمره .

فلما مروا بحي من مدلج مصعدين من قديد . بصر بهم رجل فوقف على الحي . فقال لقد رأيت آنفا بالساحل أسودة ما أراها إلا محمدا وأصحابه .

ففطن بالأمر سراقة بن مالك ، فأراد أن يكون الظفر له . وشد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه . فقال بل هما فلان وفلان خرجا في طلب حاجة لهما . ثم مكث قليلا . ثم قام فدخل خباءه وقال لجاريته اخرجي بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة . ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه . فلما قرب منهم وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يكثر الالتفات ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت - قال أبو بكر يا رسول الله هذا سراقة بن مالك قد رهقنا . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض .

فقال قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما . فادعوا الله لي ، ولكما أن أرد الناس عنكما ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلصت يدا فرسه . فانطلق . وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا ، فكتب له أبو بكر بأمره في أديم . وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة . فجاء به فوفى له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرجع . فوجد الناس في الطلب فجعل يقول قد استبرأت لكم الخبر ، وقد كفيتم ما ههنا . فكان أول النهار جاهدا عليهما . وكان آخره حارسا لهما .


قصة أم معبد

ثم مروا بخيمة أم معبد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقي من مر بها ، يسألاها : هل عندها شيء يشترونه ؟ فقالت والله لو عندنا شيء ما أعوزكم القرى . والشاء عازب - وكانت سنة شهباء - فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال " ما هذه الشاة ؟ " قالت خلفها الجهد عن الغنم . فقال " هل بها من لبن ؟ " قالت هي أجهد من ذلك . قال " أتأذنين لي أن أحلبها ؟ " قالت نعم - بأبي أنت وأمي - إن رأيت بها حليبا فاحلبها .

فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها ، وسمى الله ودعا ، فتفاجت عليه ودرت . فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا . ثم شرب هو . وحلب فيه ثانيا فملأ الإناء . ثم غادره عندها وارتحلوا .

فقل ما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا . فلما رأى اللبن قال من أين هذا ؟ والشاء عازب . ولا حلوبة في البيت .

قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك ومن حديثه كيت وكيت قال والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه . صفيه لي يا أم معبد .

قالت ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صورته صحل وفي عنقه سطع . وفي لحيته كثاثة أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر إذا صمت علاه الوقار وإذا تكلم علاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب . حلو المنطق . لا نذر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدون ربعة لا تقتحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول . غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا ، وأحسنهم قدرا . له رفقاء يحفون به . إذا قال استمعوا لقوله . واذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود . لا عابس ولا مفند .

قال أبو معبد هذا - والله صاحب - قريش الذي تطلبه . ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن ، إن وجدت إلى ذلك سبيلا . وأصبح صوت عال بمكة يسمعونه ولا يرون القائل يقول

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر وارتحلا به

فأفلح من أمسى رفيق محمد

فيا لقصي ما زوى الله عنكمو

به من فخار . لا يحاذى وسؤدد

وقد غادرت وهنا لديها بحالب

يرد بها في مصدر ثم مورد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنكموا إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت

له بصريح ضرة الشاة مزيد

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقدس من يسري إليه ويغتدي

ترحل عن قوم . فزالت عقولهم

وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به - بعد الضلالة - ربهم

وأرشدهم من يتبع الحق يرشد

وقد نزلت منه على أهل يثرب

ركاب هدى ، حلت عليهم بأسعد

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب الله في كل مشهد

وإن قال في يوم مقالة غائب

فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد

ليهن أبا بكر سعادة جده

بصحبته من يسعد الله يسعد

ويهن بني كعب مكان فتاتهم

ويقعدها للمؤمنين بمرصد

قالت أسماء بنت أبي بكر . مكثنا ثلاث ليال لا ندري : أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات غناء العرب ، والناس يتبعونه ويسمعون منه ولا يرونه حتى خرج من أعلى مكة فعرفنا أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قالت ولما خرج أبو بكر احتمل معه ماله . فدخل علينا جدي أبو قحافة - وقد ذهب بصره - فقال إني والله لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه . قلت : كلا والله قد ترك لنا خيرا . وأخذت حجارة فوضعتها في كوة البيت . وقلت : ضع يدك على المال . فوضعها ، وقال لا بأس . إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن قالت والله ما ترك ل
نا
شيئا وإنما أردت أن أسكت
الشيخ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:45 am

دخول رسول الله المدينة

ولما بلغ الأنصار مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة . كانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه . فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إلى منازلهم . فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته . فخرجوا على عادتهم . فلما حميت الشمس رجعوا ، فصعد رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة . فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب . فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا صاحبكم قد جاء هذا جدكم الذي تنتظرونه . فثار الأنصار إلى السلام ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف . وكبر المسلمون فرحا بقدومه . وخرجوا للقائه فتلقوه وحيوه بتحية النبوة . وأحدقوا به مطيفين حوله .

فلما أتى المدينة ، عدل ذات اليمين حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، ونزل على كلثوم بن الهدم - أو على سعد بن خيثمة - فأقام في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة . وأسس مسجد قباء . وهو أول مسجد أسس بعد النبوة .

فلما كان يوم الجمعة ركب . فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف . فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي . ثم ركب . فأخذوا بخطام راحلته يقولون . هلم إلى القوة والمنعة والسلاح . فيقول خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة فلم تزل ناقته سائرة لا يمر بدار من دور الأنصار ، إلا رغبوا إليه في النزول عليهم فيقول دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم فبركت ولم ينزل عنها ، حتى نهضت وسارت قليلا . ثم رجعت وبركت في موضعها الأول . فنزل عنها .

وذلك في بني النجار ، أخواله صلى الله عليه وسلم .

وكان من توفيق الله لها . فإنه أحب أن ينزل على أخواله يكرمهم . فجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم . وبادر أبو أيوب خالد بن زيد إلى رحله فأدخله بيته . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المرء مع رحله وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بخطام ناقته . فكانت عنده . وأصبح كما قال قيس بن صرمة - وكان ابن عباس يختلف إليه ليحفظها عنه .

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

يذكر لو يلقى حبيبا مواتيا

ويعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوى ولم ير داعيا

فلما أتانا واستقر به النوى

وأصبح مسرورا بطيبة راضيا

وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم

بعيد ولا يخشى من الناس باغيا

بذلنا له الأموال من جل مالنا

وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

نعادي الذي عادى من الناس كلهم

جميعا . وإن كان الحبيب المصافيا

ونعلم أن الله لا رب غيره

وأن كتاب الله أصبح هاديا

وكما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه .

قومي الذين هموا آووا نبيهمو

وصدقوه وأهل الأرض كفار

إلا خصائص أقوام همو تبع

في الصالحين مع الأنصار أنصار

مستبشرين بقسم الله . قولهمو

لما أتاهم كريم الأصل مختار

أهلا وسهلا . ففي أمن وفي سعة

نعم النبي . ونعم القسم والجار

فأنزلوه بدار لا يخاف بها

من كان جارهمو . دار هي الدار

وقاسموه بها الأموال إذ قدموا

مهاجرين . وقسم الجاحد النار

وكما قال

نصرنا وآوينا النبي محمدا

على أنف راض من معد وراغم

قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة . وأنزل الله عليه ( 17 : 80 ) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان . فسأل الله سلطانا نصيرا ، فأعطاه . قال البراء . : أول من قدم علينا : مصعب بن عمير ، وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرآن الناس القرآن . ثم جاء عمار بن ياسر ، وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا . ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فما رأيت الناس فرحوا بشيء فرحهم به حتى جعل النساء والصبيان والإماء يقلن قدم رسول الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أنس شهدته يوم دخل المدينة ، فما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوأ من اليوم الذي دخل المدينة علينا . وشهدته يوم مات . فما رأيت يوما قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات

فأقام في بيت أبي أيوب حتى بنى حجره ومسجده .

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو في منزل أبي أيوب - زيد بن حارثة وأبا رافع . وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة ، فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه . وسودة بنت زمعة زوجه وأسامة بن زيد ، وأم أيمن . وأما زينب فلم يمكنها زوجها أبو العاص بن الربيع من الخروج وخرج عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر . وفيهم عائشة .


بناء المسجد

قال الزهري : بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع مسجده وكان مريدا لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار ، كانا في حجر أسعد بن زرارة . فساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله . فأبى رسول الله فاشتراه منهما بعشرة دنانير .

وفي الصحيح أنه قال يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم . قالوا : لا ، والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله وكان فيه شجر غرقد ونخل ، وقبور للمشركين . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت وبالنخيل والشجر فقطع . وصفت في قبلة المسجد . وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخرة مائة ذراع . وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه . وأساسه قريبا من ثلاثة أذرع . ثم بنوه باللبن . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم وينقل اللبن والحجارة بنفسه ويقول

اللهم إن العيش عيش الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرة

وكان يقول

هذا الحمال لا حمال خيبر

هذا أبر ربنا وأطهر

وجعلوا يرتجزون ويقول أحدهم في رجزه

ولئن قعدنا والرسول يعمل

لذاك منا العمل المضلل

وجعل قبلته إلى بيت المقدس . وجعل له ثلاثة أبواب باب في مؤخرة وباب يقال له باب الرحمة . والباب الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجعل عمده الجذوع . وسقفه الجريد . وقيل له ألا تسقفه ؟ قال " عريش كعريش موسى " وبنى بيوت نسائه إلى جانبيه . بيوت الحجر باللبن وسقفها بالجذوع والجريد .


بناؤه بعائشة

فلما فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد . وكان بناؤه بها في شوال من السنة الأولى ، وكان بعض الناس . يكره البناء في شوال . قيل إن أصله أن طاعونا وقع في الجاهلية وكانت عائشة تتحرى أن تدخل نساءها في شوال وتخالفهم . وجعل لسودة بيتا آخر .


المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين

ثم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكانوا تسعين رجلا . نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة وعلى أن يتوارثوا بعد الموت دون ذوي الأرحام . إلى وقعة بدر . فلما أنزل الله ( 8 : 75 ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله . والتوارث إلى الأرحام .

وقيل إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية . واتخذ عليا أخا لنفسه والأثبت الأول .

وفي الصحيح عن عائشة قالت " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهي وبيئة . فمرض أبو بكر . وكان يقول إذا أخذته الحمى .

كل امرئ مصبح في أهله

والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول

ألا ليت شعري . هل أبيتن ليلة

بواد وحولي إذخر وجليل ؟

وهل أردن يوما مياه مجنة ؟

وهل يبدون لي شامة وطفيل ؟

اللهم العن ابن ربيعة ، وأمية بن خلف ، وشيبة بن ربيعة . كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء .

فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد . اللهم صححها . وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل جماها إلى الجحفة . قالت فكان المولود يولد في الجحفة . فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى " .



حوادث السنة الأولى

وفي السنة الأولى : زيد في صلاة الحضر ركعتين . فصارت أربع ركعات .

وفيها : نزل أهل الصفة المسجد . وكانت مكانا في المسجد ينزل فيه فقراء المهاجرين الذي لا أهل لهم ولا مال . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرقهم في أصحابه إذا جاء الليل ويتعشى طائفة منهم معه حتى جاء الله بالغنى .

وهذه السنة الرابعة عشر من النبوة هي الأولى من الهجرة كما تقدم . ومنها أرخ التاريخ .

وتوفي فيها من الأعيان أسعد بن زرارة قبل أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بناء المسجد . وتوفي البراء بن معرور في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . وهو أول من مات من النقباء . وفيها : توفي ضمرة بن جندب . وكان قد مرض بمكة . فقال لبنيه اخرجوا بي منها فخرجوا به يريد الهجرة . فلما بلغ أضاة بني عقار - أو التنعيم - مات . فأنزل الله تعالى ( 4 : 100 ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله - الآية .

وكلثوم بن الهدم الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيها : وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة من اليهود . وكتب بينه وبينهم كتابا .

إسلام عبد الله بن سلام

وبادر عالم اليهود وحبرهم عبد الله بن سلام فأسلم . وأبى عامتهم إلا الكفر وكانوا ثلاث قبائل قينقاع والنضير وقريظة . فنقض الثلاث العهد . وحاربهم .

فمن على بني قينقاع وأجلى بني النضير . وقتل بني قريظة . ونزلت سورة الحشر في بني النضير وسورة الأحزاب في بني قريظة .


حوادث السنة الثانية

وفي السنة الثانية رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأذان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقيه على بلال .

وفيها : فرض صوم رمضان . ونسخ صوم عاشوراء . وبقي صومه مستحبا .

وفيها : زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فاطمة رضي الله عنها .

وفيها : صرف الله عز وجل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة .


تحويل القبلة

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ستة عشر شهرا ، قبل اليهود . وكان يحب أن يصرفه الله إلى الكعبة . وقال لجبريل ذلك . فقال إنما أنا عبد . فادع ربك واسأله . فجعل يقلب وجهه في السماء يرجو ذلك حتى أنزل الله عليه ( 2 : 144 - 155 ) قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام الآيات .

وكان في ذلك حكمة عظيمة ومحنة للناس مسلمهم وكافرهم . فأما المسلمون فقالوا ( 3 : 6 ) آمنا به كل من عند ربنا وهم الذين هدى الله ولم تكن بكبيرة عليهم .

وأما المشركون فقالوا ( 2 : 142 ) ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها .

وأما المنافقون فقالوا إن كانت القبلة الأولى حقا : فقد تركها . وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل .

ولما كان ذلك عظيما وطأ الله سبحانه قبله أمر النسخ وقدرته عليه وأنه سبحانه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله . ثم عقب ذلك بالمعاتبة لمن تعنت على رسوله ولم ينقد له .

ثم ذكر بعده اختلاف اليهود والنصارى ، وشهادة بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شيء . ثم ذكر شركهم بقولهم اتخذ الله ولدا .

ثم أخبر أن المشرق والمغرب لله . فأينما ولى عباده وجوههم فثم وجهه . وأخبر رسوله أن أهل الكتاب لا يرضون عنه حتى يتبع قبلتهم .

ثم ذكر خليله إبراهيم وبناءه البيت بمعاونة ابنه إسماعيل عليهما السلام وأنه جعل إبراهيم إماما للناس وأنه لا يرغب عن ملته إلا من سفه نفسه .

ثم أمر عباده أن يأتموا به وأن يؤمنوا بما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليهم وإلى سائر النبيين .

وأخبر أن الله - الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم - هو الذي هداهم إلى هذه القبلة التي هي أوسط القبل وهم أوسط الأمم كما اختار لهم أفضل الرسل وأفضل الكتب .

وأخبر أنه فعل ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة إلا الظالمين فإنهم يحتجون عليهم بتلك الحجج الباطلة الواهنة . التي لا ينبغي أن تعارض الرسل بأمثالها وليتم نعمته عليه ويهديهم .

ثم ذكر نعمته عليهم بإرسال الرسول الخاتم وإنزال الكتاب . وأمرهم بذكره وشكره ورغبهم في ذلك بأنه يذكر من ذكره ويشكر من شكره .

وأمرهم بما لا يتم ذلك إلا به وهو الاستعانة بالصبر والصلاة . وأخبرهم أنه مع الصابرين .


فصل [ الإذن بالقتال ]

ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وأيده الله بنصره وبالمؤمنين . وألف بين قلوبهم بعد العداوة . ومنعته أنصار الله من الأحمر والأسود رمتهم العرب واليهود عن قوس واحد وشمروا عن ساق العداوة والمحاربة .

والله يأ
مر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو والصفح حتى قويت الشوكة . فحينئذ أذن لهم في القتال ولم يفرضه عليهم فقال تعالى ( 22 : 39 ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . وهي أول آية نزلت في القتال .

ثم فرض عليهم قتال من قاتلهم فقال تعالى ( 2 : 190 ) وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم - الآية . ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة فقال ( 9 : 37 ) وقاتلوا المشركين ك
افة كما يقاتلونكم كافة - الآية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:54 am

بعض خصائص رسول الله
[color=olive]
[/color]وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه في الحرب على أن لا يفروا وربما بايعهم على الموت . وربما بايعهم على الجهاد . وربما بايعهم على الإسلام .

وبايعهم على الهجرة قبل الفتح .

وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله .

وبايع نفرا من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئا . فكان السوط يسقط من أحدهم . فينزل فيأخذه ولا يسأل أحدا أن يناوله إياه .

وكان يبعث البعوث يأتونه بخبر عدوه . ويطلع الطلائع ويبث الحرث والعيون ، حتى لا يخفى عليه من أمر عدوه شيء .

وكان إذا لقى عدوه دعا الله واستنصر به وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله والتضرع له .

وكان كثير المشاورة لأصحابه في الجهاد .

وكان يتخلف في ساقتهم . فيزجي الضعيف ويردف المنقطع .

وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها .

وكان يرتب الجيش والمقاتلة ويجعل في كل جنبة كفؤا لها . وكان يبارز بين يديه بأمره . وكان يلبس للحرب عدته . وربما ظاهر بين درعين كما فعل يوم بدر . وكان له ألوية .

وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثا ثم قفل

وكان إذا أراد أن يغير ينتظر . فإذا سمع مؤذنا لم يغر وإلا أغار .

وكان يجب الخروج يوم الخميس بكرة . وكان إذا اشتد البأس اتقوا به وكان أقربهم إلى العدو .

وكان يحب الخيلاء في الحرب . وينهي عن قتل النساء والولدان . وينهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو .


أول لواء عقده رسول الله

وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول موسى بن عقبة - لواء حمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان في السنة الأولى ، بعثه في ثلاثين رجلا من المهاجرين خاصة يعرض عيرا لقريش جاءت من الشام ، فيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل حتى بلغوا سيف البحر من ناحية العيص ، فالتقوا واصطفوا للقتال فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني .

وكان موادعا للفريقين . فلم يقتتلوا .


سرية عبيدة بن الحارث

ثم بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في شوال من تلك السنة في سرية إلى بطن رابغ في ستين رجلا من المهاجرين خاصة . فلقي أبا سفيان عند رابغ . فكان بينهم الرمي . ولم يسلوا السيوف . وإنما كانت مناوشة .

وكان سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهم في سبيل الله ، ثم انصرف الفريقان وقدم ابن إسحاق سرية حمزة .
سرية سعد بن أبي وقاص

ثم بعث سعد بن أبي وقاص في ذي القعدة من تلك السنة إلى الخرار من أرض الحجاز ، يعترضون عيرا لقريش . وعهد إليه أن لا يجاوز الخرار ، وكانوا عشرين . فخرجوا على أقدامهم يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار . حتى بلغوا الخرار ، فوجدوا العير قد مرت بالأمس . ثم دخلت السنة الثانية .


غزوة الأبواء

فغزا فيها صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء . وكانت أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه . خرج في المهاجرين خاصة يعترض عيرا لقريش فلم يلق كيدا . وفيها وادع بني ضمرة على أن لا يغزوهم ولا يغزوه ولا يعينوا عليه أحدا .


غزوة بواط

ثم غزا بواطا في ربيع الأول . خرج يعترض عيرا لقريش فيها أمية بن خلف ومائة رجل من المشركين . فبلغ بواطا - جبلا من جبال جهينة - فرجع ولم يلق كيدا .


خروجه لطلب كرز بن جابر

ثم خرج في طلب كرز بن جابر الفهري . وقد أغار على سرح المدينة ، فاستاقه . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره حتى بلغ سفوان من ناحية بدر وفاته كرز .


غزوة العشيرة

ثم خرج في جمادى الآخرة في مائة وخمسين من المهاجرين يعترضون عيرا لقريش ذاهبة إلى الشام . وخرج في ثلاثين بعيرا يتعاقبونها . فبلغ ذات العشيرة من ناحية ينبع . فوجد العير فاتته بأيام . وهي التي خرجوا لها يوم بدر لما جاءت عائدة من الشام . وفيها : وادع بني مدلج وحلفاءهم .


بعث عبد الله بن جحش

ثم بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة في رجب في اثني عشر رجلا من المهاجرين كل اثنين على بعير . فوصلوا إلى نخلة ، يرصدون عيرا لقريش . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب له كتابا . وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين . فلما فتح الكتاب إذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا ، فامض حتى تنزل بنخلة بين مكة والطائف ، فترصد قريشا ، وتعلم لنا أخبارها .

فأخبر أصحابه بذلك وأخبرهم أنه لا يستكرههم فقالوا : سمعا وطاعة . فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرهما . فتخلفا في طلبه . ومضوا حتى نزلوا نخلة .


قتل عمرو بن الحضرمي

فمرت بهم عير قريش تحمل زبيبا وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي ، فقتلوه وأسروا عثمان ونوفلا ابني عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة . فقال المسلمون نحن في آخر يوم من رجب . فإن قاتلناكم انتهكنا الشهر الحرام وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم . ثم أجمعوا على ملاقاتهم . فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله وأسروا عثمان والحكم . وأفلت نوفل . ثم قدموا بالعير والأسيرين حتى عزلوا من ذلك الخمس . فكان أول خمس في الإسلام وأول قتل في الإسلام وأول أسر . فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه . واشتد إنكار قريش لذلك . وزعموا : أنهم وجدوا مقالا . فقالوا قد أحل محمد الشهر الحرام . واشتد على المسلمين ذلك حتى أنزل الله ( 2 : 217 ) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله الآية . يقول سبحانه هذا الذي أنكرتموه - وإن كان كبيرا - فما ارتكبتمونه من الكفر بالله والصد عن سبيله وبيته وإخراج المسلمين منه أكبر عند الله


معنى الفتنة

و " الفتنة " هنا الشرك كقوله ( 2 : 193 ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة وقوله ( 6 : 23 ) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين أي ما تكن عاقبة شركهم وآخرة أمرهم إلا أن أنكروه وتبرءوا منه .

وحقيقتها : الشرك الذي يدعو إليه صاحبه ويعاقب من لم يفتتن به . ولهذا قال تعالى ( 85 : 10 ) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا الآية . فسرت بتعذيب المؤمنين وإحراقهم بالنار ليرجعوا عن دينهم .

وقد تأتي " الفتنة " ويراد بها : المعصية . كقوله تعالى ( 9 : 49 ) ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني - الآية . وكفتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره وكالفتن التي وقعت بين أهل الإسلام .

وأما التي يضيفها الله لنفسه فهي بمعنى الامتحان والابتلاء والاختبار .





وقعة بدر الكبرى يوم الفرقان

فلما كان في رمضان بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع أبي سفيان فيها أموال قريش فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إليها فخرج مسرعا في ثلاثمائة وبضع عشرة رجلا . ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود . وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير . واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم .

فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة واستعمله على المدينة .

ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير والراية إلى علي وراية الأنصار إلى سعد بن معاذ .

ولما قرب من الصفراء : بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء يتحسسان أخبار العير .

وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري . وبعثه حثيثا إلى مكة مستصرخا قريشا بالنفير إلى عيرهم . فنهضوا مسرعين . ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب . فإنه عوض عنه رجلا بجعل . وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب . ولم يتخلف عنهم من بطون قريش إلا بني عدي فلم يشهدها منهم أحد وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى ( 8 : 47 ) بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله فجمعهم على غير ميعاد كما قال تعالى ( 8 : 43 ) ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد .

ولما بلغ رسول الله خروج قريش : استشار أصحابه . فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم ثانيا . فتكلم المهاجرون . ثم ثالثا . فعلمت الأنصار : أن رسول الله إنما يعنيهم فقال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله - وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من ديارهم - وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليهم أن لا ينصروك إلا في ديارهم . وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم . فامض بنا حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت . وأعطنا منها ما شئت . وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت . فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك .

وقال المقداد بن الأسود : إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى ( 5 : 24 ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقاتل من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك . فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع منهم . وقال سيروا وأبشروا . فإن الله وعدني إحدى الطائفتين . وإني قد رأيت مصارع اليوم . وكره بعض الصحابة لقاء النفير وقالوا : لم نستعد لهم فهو قوله تعالى ( 8 : 5 - 8 ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين لشركائهم - إلى قوله - ولو كره المجرمون .

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر . وخفض أبو سفيان . فلحق بساحل البحر . وكتب إلى قريش : أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم . فأتاهم الخبر . فهموا بالرجوع . فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها نطعم من حضرنا ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان . وتسمع بنا العرب . فلا تزال تهابنا أبدا وتخافنا .

فأشار الأخنس بن شريق عليهم بالرجوع فلم يفعلوا . فرجع هو وبنو زهرة . فلم يزل الأخنس في بني زهرة مطاعا بعدها .

وأراد بنو هاشم الرجوع . فقال أبو جهل لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع فساروا إلا طالب بن أبي طالب . فرجع .

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر . فقال الحباب بن المنذر : إن رأيت أن نسير إلى قلب - قد عرفناها - كثيرة الماء عذبة فتنزل عليها . ونغور ما سواها من المياه ؟ وأنزل الله تلك الليلة مطرا واجدا صلب الرمل . وثبت الأقدام . وربط على قلوبهم . ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة . وجعل يشير بيده ويقول هذا مصرع فلان . وهذا مصرع فلان إن شاء الله فما تعدى أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم . فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها جاءت تحادك وتكذب رسولك . اللهم فنصرك الذي وعدتني . اللهم أحنهم الغداة وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه . وقال اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك . اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد .

فالتزمه أبو بكر الصديق من ورائه وقال حسبك مناشدتك ربك يا رسول الله . أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك . واستنصر المسلمون الله واستغاثوه . فأوحى الله إلى الملائكة ( 8 : 12 ) أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان وأوحى الله إلى رسوله ( 8 : 9 ) أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين بكسر الدال وفتحها . قيل إردافا لكم . وقيل يردف بعضهم بعضا لم يجيئوا دفعة واحدة .

فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها . وقلل الله المسلمين في أعينهم حتى قال أبو جهل - لما أشار عتبة بن ربيعة بالرجوع خوفا على قريش من التفرق والقطيعة إذا قتلوا أقاربهم - إن ذلك ليس به . ولكنه - يعني عتبة - عرف أن محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه . وقلل الله المشركين أيضا في أعين المسلمين ليقضي الله أمرا كان مفعولا .

وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي - أخا عمرو بن الحضرمي - أن يطلب دم أخيه . فصاح . وكشف عن استه يصرخ واعمراه واعمراه . فحمى القوم . ونشبت الحرب .

وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف . ثم انصرف وغفا غفوة . وأخذ المسلمين النعاس وأبو بكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسه . وعنده سعد بن معاذ وجماعة من الأنصار على باب العريش . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع . ويتلو هذه الآية ( 54 : 45 ) سيهزم الجمع ويولون الدبر

ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين . فتناولوهم قتلا وأسرا . فقتلوا سبعين وأسروا سبعين .

وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة : يطلبون المبارزة . فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فقالوا : أكفاء كرام . ما لنا بكم من حاجة . إنما نريد من بني عمنا . فبرز إليهم حمزة وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعلي بن أبي طالب . فقتل علي قرنه الوليد . وقتل حمزة قرنه شيبة . واختلف عبيدة وعتبة ضربتين كلاهما أثبت صاحبه . فكر حمزة وعلي على قرن عبيدة فقتلاه . واحتملا عبيدة قد قطعت رجله . فقال لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أولى منه بقوله

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

ومات بالصفراء وفيهم نزلت ( 22 : 19) هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية . فكان علي رضي الله عنه يقول أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عز وجل يوم القيامة

ولما عزمت قريش على الخروج وذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب . فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك . فقال ( 8 : 48) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم . فلما تعبئوا للقتال ورأى الملائكة فر ونكص على عقبيه فقالوا : إلى أين يا سراقة ؟ فقال ( 8 : 48) إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب .

وظن المنافقون ومن في قلبه مرض أن الغلبة بالكثرة فقالوا ( 8 : 50 ) غر هؤلاء دينهم فأخبر الله سبحانه أن النصر إنما هو بالتوكل على الله وحده .

ولما دنا العدو : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظ الناس . وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر وأن الله قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيله .

فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح تمرات من قرنه يأكلهن . ثم قال لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة " فرمى بهن وقاتل حتى قتل فكان أول قتيل .

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه ترابا فرمى به في وجوه القوم . فلم تترك رجلا منهم إلا ملأت عينيه . فهو قوله تعالى ( 8 : 17 ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .

واستفتح أبو جهل فقال اللهم أقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة .

ولما وضع المسلمون أيديهم على العدو يقتلون ويأسرون - وسعد بن معاذ واقف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من الأنصار في العريش - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهية . فقال كأنك تكره ما يصنع الناس ؟ قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين . وكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال

ولما بردت الحرب وانهزم العدو : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينظر لنا ما صنع أبو جهل ؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه معوذ وعوف - ابنا عفراء - حتى برد . فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل ؟ فقال لمن الدائرة اليوم ؟ قال لله ورسوله . ثم قال له هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال وهل فوق رجل قتله قومه ؟ فاحتز رأسه عبد الله بن مسعود . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال قتلته فقال " آلله الذي لا إله إلا هو ؟ - ثلاثا - ثم قال الحمد لله الذي صدق وعده . ونصر عبده . وهزم الأحزاب وحده . انطلق فأرنيه . فانطلقنا فأريته إياه . فلما وقف عليه قال هذا فرعون هذه الأمة .

وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف وابنه عليا . فأبصره بلال - وكان يعذبه بمكة - فقال رأس الكفر أمية ؟ لا نجوت إن نجا . ثم استحمى جماعة من الأنصار . واشتد عبد الرحمن بهما يحجزهما منهم فأدركوهم . فشغلهم عن أمية بابنه علي ففرغوا منه ثم لحقوهما . فقال له عبد الرحمن ابرك . فبرك وألقى عليه عبد الرحمن بنفسه . فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه . وأصاب بعض السيوف رجل عبد الرحمن . وكان أمية قد قال له قبل ذلك من المعلم في صدره بريش النعام ؟ فقال له ذلك حمزة بن عبد المطلب . قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل .

وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن . فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب فلما أخذه وهزه عاد في يده سيفا طويلا فلم يزل يقاتل به حتى قتل يوم الردة . ولما انقضت الحرب أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى . فقال بئس عشيرة النبي كنتم . كذبتموني . وصدقني الناس . وخذلتموني ونصرني الناس . وأخرجتموني . وآواني الناس . ثم أمر بهم فسحبوا حتى ألقوا في القليب - قليب بدر - ثم وقف عليهم فقال يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا فلان ويا فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فقال عمر يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟ فقال ما أنت بأسمع لما أقول منهم .

ثم ارتحل مؤيدا منصورا قرير العين معه الأسرى والمغانم . فلما كان بالصفراء قسم الغنائم وضرب عنق النضر بن الحارث . ثم لما نزل بعرق الظبية : ضرب عنق عقبة بن أبي معيط .

ثم دخل المدينة مؤيدا منصورا . قد خافه كل عدو له بالمدينة . فأسلم بشر كثير من أهل المدينة ودخل عبد الله بن أبي رأس المنافقين وأصحابه في الإسلام .

وجملة من حضر بدرا : ثلاثمائة وبضع عشرة رجلا . واستشهد منهم أربعة عشر رجلا .

قال ابن إسحاق : كان أناس قد أسلموا . فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسهم أهلهم بمكة . وفتنوهم فافتتنوا . ثم ساروا مع قومهم إلى بدر . فأصيبوا فأنزل الله فيهم ( 4 : 97 ) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية .


قسم غنائم بدر

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغنائم فجمعت فاختلفوا . فقال من جمعها : هي لنا . وقال من هزم العدو لولانا ما أصبتموها ، وقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق بها منا . قال عبادة بن الصامت : فنزعها الله من أيدينا . فجعلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين وأنزل الله تعالى ( 8 : 1 ) يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول الآيات .

وذكر ابن إسحاق عن نبيه بن وهب . قال " فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى على أصحابه . وقال استوصوا بالأسرى خيرا فكان أبو عزيز بن عمير عند رجل من الأنصار ، فقال له أخوه مصعب شد يدك به . فإن أخته ذات متاع . فقال أبو عزيز يا أخي ، هذه وصيتك بي ؟ فقال مصعب إنه أخي دونك . قال عزيز وكنت مع رهط من الأنصار حين قفلوا ، فكانوا إذا قدموا طعاما خصوني بالخبز وأكلوا التمر . لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ، ما يقع في يد رجل منهم كسرة إلا نفحني بها . قال فأستحي فأردها على أحدهما . فيردها علي ما يمسها .

أسارى بدر

واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأسرى ، وهم سبعون . وكذلك القتلى سبعون أيضا . فأشار الصديق أن يؤخذ منهم فدية تكون لهم قوة . ويطلقهم لعل الله يهديهم للإسلام . فقال عمر لا والله ما أرى ذلك . ولكني أرى أن تمكننا ، فنضرب أعناقهم . فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديد الشرك فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر . فقال " إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة . وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال ( 14 : 36 ) فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، إذ قال ( 5 : 118 ) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم الآية . وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال ( 10 : 88 ) ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم الآية . وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال ( 71 : 67 ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ثم قال أنتم اليوم عالة . فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق . فأنزل الله تعالى ( 8 : 67 ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض الآيتين قال عمر فلما كان من الغد غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد - هو وأبو بكر - يبكيان . فقلت : يا رسول الله أخبرني ما يبكيك ؟ وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما .

فقال أبكي للذي عرض علي أصحابك من الغد من أخذهم الفداء . فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة منه - وقال لو نزل عذاب ما سلم منه إلا عمر .

وقال الأنصار له صلى الله عليه وسلم نريد أن نترك لابن أختنا العباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة .


غزوة بني قينقاع

فكانت فيها غزوة بني قينقاع . وكانوا من يهود المدينة . فنقضوا العهد . فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر ليلة . فنزلوا على حكمه فشفع فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول . وألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم . فأطلقهم له وكانوا سبعمائة رجل . وهم رهط عبد الله بن سلام .


غزوة أحد

وفيها كانت وقعة أحد في شوال .

وذلك أن الله تبارك وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر ، وترأس فيهم أبو سفيان لذهاب أكابرهم أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين . ويجمع الجموع . فجمع قريبا من ثلاث آلاف من قريش ، والحلفاء والأحابيش . وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا . ثم أقبل بهم نحو المدينة . فنزل قريبا من جبل أحد .

فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إليهم . وكان رأيه أن لا يخرجوا . فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه السكك والنساء من فوق البيوت ووافقه عبد الله بن أبي - رأس المنافقين - على هذا الرأي . فبادر جماعة من فضلاء الصحابة - ممن فاته بدر - وأشاروا على رسول الله بالخروج . وألحوا عليه .

فنهض ودخل بيته ولبس لأمته وخرج عليهم فقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج . ثم قالوا : إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل فقال " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه " .

فخرج في ألف من أصحابه واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا : رأى " أن في سيفه ثلمة وأن بقرا تذبح . وأنه يدخل يده في درع حصينة . فتأول الثلمة برجل يصاب من أهل بيته والبقر بنفر من أصحابه يقتلون والدرع بالمدينة " فخرج وقال لأصحابه " عليكم بتقوى الله والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو . وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا " . فلما كان بالشوط - بين المدينة وأحد - انخذل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر وقال عصاني . وسمع من غيري ما ندري : علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ؟

فرجع وتبعهم عبد الله بن عمرو - والد جابر - يحرضهم على الرجوع . ويقول " قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع " فرجع عنهم وسبهم . وسأل نفر من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعينوا بحلفائهم من يهود . فأبى ، وقال " من يخرج بنا على القوم من كثب ؟ " . فخرج به بعض الأنصار ، حتى سلك في حائط لمربع بن قيظي من المنافقين - وكان أعمى - فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول لا أحل لك أن تدخل في حائطي ، إن كنت رسول الله . فابتدروه ليقتلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر " .

ونفذ حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي الدنيا . وجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم .

فلما أصبح يوم السبت تعبأ للقتال . وهو في سبعمائة منهم خمسين فارسا . واستعمل على الرماة - وكانوا خمسين - عبد الله بن جبير . وأمرهم أن لا يفارقوا مركزهم ولو رأوا الطير تختطف العسكر . وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم . وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين .

وأعطى اللواء مصعب بن عمير ، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى الأخرى : المنذر بن عمرو . واستعرض الشباب يومئذ . فرد من استصغر عن القتال - كابن عمر وأسامة بن زيد والبراء وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت ، وعرابة الأوسي - وأجاز من رآه مطيقا .

وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف . وفيهم مائتا فارس . فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد . وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل .

ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه إلى أبي دجانة .

وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر - عبد عمرو بن صيفي - الفاسق . وكان يسمى الراهب . وهو رأس الأوس في الجاهلية . فلما جاء الإسلام شرق به وجاهر بالعداوة . فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه . فلما ناداهم وتعرف إليهم قالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق . فقال لقد أصاب قومي بعدي شر . ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا . ثم أرضخهم بالحجارة .

وأبلى يومئذ أبو دجانة وطلحة وحمزة وعلي ، والنضر بن أنس وسعد بن الربيع بلاء حسنا . وكانت الدولة أول النهار للمسلمين . فانهزم أعداء الله وولوا مدبرين . حتى انتهوا إلى نسائهم . فلما رأى ذلك الرماة قالوا : الغنيمة الغنيمة . فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا . فأخلوا الثغر وكر فرسان المشركين عليه فوجدوه خاليا . فجاءوا منه وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة - وهم سبعون - وولى الصحابة .

وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرحوه جراحات وكسروا رباعيته . وقتل مصعب بن عمير بين يديه . فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب . وأدركه المشركون يريدون قتله . فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا . ثم جلدهم طلحة بن عبيد الله حتى أجهضهم عنه . وترس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك .

وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها بيده . فكانت أحسن عينيه .

وصرخ الشيطان إن محمدا قد قتل فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين فمر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه . ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ ، فقال يا سعد إني لأجد ريح الجنة من دون أحد . فقاتل حتى قتل . ووجد به سبعون جراحة .

وقتل وحشي الحبشي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه . رماه بحربة على طريقة الحبشة .

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين . فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك . فصاح بأعلى صوته يا معشر المسلمين هذا رسول الله فأشار إليه أن اسكت . فاجتمع إليه المسلمون . ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه .

فلما أسندوا إلى الجبل أدركه أبي بن خلف على فرس له كان يزعم بمكة أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اقترب منه طعنه رسول الله " صلى الله عليه وسلم " في ترقوته فكر منهزما . فقال له المشركون ما بك من بأس . فقال والله لو كان ما بي بأهل ذي المحاز لماتوا أجمعين . فمات بسرف . وحانت الصلاة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا .

وشد حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان . فلما تمكن منه حمل عليه شداد بن الأسود فقتله وكان حنظلة جنبا . فإنه سمع الصيحة وهو على بطن امرأته - قام من فوره إلى الجهاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تغسله

وكان الأصيرم - عمرو بن ثابت بن وقش - يأبى الإسلام . وهو من بني عبد الأشهل . فلما كان يوم أحد : قذف الله الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت له . فأسلم وأخذ سيفه . فقاتل حتى أثبتته الجراح ولم يعلم أحد بأمره . فلما طاف بنو عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم وجدوا الأصيرم - وبه رمق يسير - فقالوا : والله إن هذا الأصيرم . ثم سألوه ما الذي جاء بك ؟ أحدب على قومك ، أم رغبة في الإسلام ؟ فقال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت . ومات من وقته . فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " هو من أهل الجنة " ولم يصل لله سجدة قط

ولما انقضت الحرب أشرف أبو سفيان على الجبل ونادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه . فقال أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه . فقال أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجيبوه .

فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم . فلم يملك عمر نفسه أن قال يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله لك معهم ما يسوءك . ثم قال اعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تجيبوه ؟ " قالوا : ما نقول ؟ قال " قولوا : الله أعلى وأجل " ثم قال لنا العزى ، ولا عزى لكم قال " ألا تجيبوه ؟ " قالوا : ما نقول ؟ قال " قولوا : الله مولانا . ولا مولى لكم " ثم قال يوم بيوم بدر . والحرب سجال فقال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار .

وأنزل الله عليهم النعاس في بدر وفي أحد . والنعاس في الحرب من الله . وفي الصلاة ومجالس الذكر من الشيطان .

وقاتلت الملائكة يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ففي الصحيحين عن سعد قال رأيت رسول الله يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عليهما ثياب بيض . كأشد القتال وما رأيتهما قبل ولا بعد

ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار - وهو يتشحط في دمه - فقال يا فلان أشعرت أن محمدا قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم فنزل ( 3 : 144 ) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية .

وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله عز وجل به المؤمنين . وأظهر به المنافقين . وأكرم فيه من أراد كرامته بالشهادة . فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد : إحدى وستون آية من آل عمران ، أولها ( 3 : 121 - 180 وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال الآيات .

ولما انصرفت قريش تلاوموا فيما بينهم . وقالوا : لم تصنعوا شيئا ، أصبتم شوكتهم ثم تركتموهم وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم . فارجعوا حتى نستأصل بقيتهم .

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنادى في الناس بالمسير إليهم وقال " لا يخرج معنا إلا من شهد القتال " فقال له ابن أبي : أركب معك ؟ قال لا . فاستجاب له المسلمون - على ما بهم من القرح الشديد - وقالوا : سمعا وطاعة . وقال جابر يا رسول الله إني أحب أن لا تشهد مشهدا إلا كنت معك . وإنما خلفني أبي على بناته فأذن لي أسير معك . فأذن له .

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد ، فبلغ ذلك أبا سفيان ومن معه فرجعوا إلى مكة . وشرط أبو سفيان لبعض المشركين شرطا على أنه إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يخوفهم ويذكر لهم أن قريشا أجمعوا للكرة عليكم ليستأصلوا بقيتكم . فلما بلغهم ذلك قالوا ( 3 : 173 حسبنا الله ونعم الوكيل . ثم دخلت السنة الرابعة . فكانت فيها وقعة خبيب وأصحابه في صفر .


وقعة بئر معونة

وفي هذا الشهر بعينه من السنة المذكورة كانت وقعة أهل بئر معونة . وفي شهر ربيع الأول كانت غزوة بني النضير . ونزل فيها سورة الحشر . ثم دخلت السنة الخامسة .


غزوة المريسيع

فكانت فيها غزوة المريسيع على بني المصطلق فأغار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم غارون . فسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والنعم والشاه . وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث ، سيد القوم وقعت في سهم ثابت بن قيس . فكاتبها ، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، فأعتق المسلمون - بسبب هذا التزوج - مائة أهل بيت من بني المصطلق . وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:56 am

قصة الإفك

وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك . وذلك أن عائشة رضي الله عنها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بقرعة - وتلك كانت عادته مع نسائه - فلما رجعوا : نزل في طريقهم بعض المنازل . فخرجت عائشة لحاجتها ، ثم رجعت . ففقدت عقدا عليها . فرجعت تلتمسه . فجاء الذين يرحلون هودجها . فحملوه . وهم يظنونها فيه . لأنها صغيرة السن . فرجعت - وقد أصابت العقد - إلى مكانهم . فإذا ليس به داع ولا مجيب . فقعدت في المنزل وظنت أنهم يفقدونها ، ويرجعون إليها . فغلبتها عيناها . فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش لأنه كان كثير النوم . فلما رآها عرفها - وكان يراها قبل الحجاب - فاسترجع . وأناخ راحلته فركبت وما كلمها كلمة واحدة . ولم تسمع منه إلا استرجاعه . ثم سار يقود بها ، حتى قدم بها . وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة . فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته . ووجد رأس المنافقين عدو الله عبد الله بن أبي متنفسا . فتنفس من كرب النفاق والحسد . فجعل يستحكي الإفك ويجمعه ويفرقه . وكان أصحابه يتقربون إليه به .

فلما قدموا المدينة : أفاض أهل الإفك في الحديث . ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم . ثم استشار في فراقها . فأشار عليه علي بفراقها ، وأشار عليه أسامة بإمساكها .

واقتضى تمام الابتلاء أن حبس الله عن رسوله الوحي شهرا في شأنها ، ليزداد المؤمنون إيمانا ، وثباتا على العدل والصدق . ويزداد المنافقون إفكا ونفاقا ولتتم العبودية المرادة من الصديقة وأبويها ، وتتم نعمة الله عليهم ولينقطع رجاؤها من المخلوق وتيأس من حصول النصر والفرج إلا من الله .

فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها أبواها . فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري . فإن العبد إذا اعترف بذنبه . ثم تاب تاب الله عليه " .

قالت لأبيها : أجب عني رسول الله . قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله .

فقالت لأمها مثل ذلك وقالت أمها مثل ذلك .

قالت فقلت : إن قلت إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني . ولا أجد لي ولكم مثلا . إلا أبا يوسف حيث قال ( 12 : 18 ) فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون

قالت فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما أنا : فعلمت أن الله لا يقول إلا الحق . وأما أبواي فوالذي ذهب بأنفاسهما ، ما أقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خفت أن أرواحهما ستخرجان . فكان أول كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الله يا عائشة فقد برأك .

فقال أبوي قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله " . وكان حسان رضي الله عنه ممن قيل عنه إنه يتكلم مع أهل الإفك فقال يعتذر إلى عائشة . ويمدحها :

حصان رزان ما ترن بريئة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

عقيلة حي من لؤي بن غالب

كرام المساعي . مجدهم غير زائل

مهذبة قد طيب الله خيمها

طهرها من كل سوء وباطل

لئن كان ما قد قيل عني قلته

فلا رفعت سوطي إلي أناملي

وكيف ؟ وودي ما حييت ، ونصرتي

لآل رسول الله زين المحافل

وكانت عائشة لا ترضى أن يذكر حسان بشيء يكرهه وتقول إنه الذي يقول

فإن أبي ، ووالدتي ، وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

فأنزل الله تعالى في هذه القصة أول سورة النور من قوله ( 24 : 1 - 26 ) الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم إلى آخر القصة .

غزوة الأحزاب

وفي هذه السنة - وهي سنة خمس - كانت وقعة الخندق في شوال . وسببها : أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين يوم أحد ، خرج أشرافهم - كسلام بن أبي الحقيق - وغيره إلى قريش بمكة يحرضونهم على غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم من أنفسهم النصر لهم . فأجابتهم قريش . ثم خرجوا إلى غطفان : فاستجابوا لهم ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك فاستجاب لهم من استجاب .

فخرجت قريش - وقائدهم أبو سفيان - في أربعة آلاف . ووافقهم بنو سليم بمر الظهران ، وبنو أسد ، وفزارة وأشجع وغيرهم . وكان من وافى الخندق من المشركين عشرة آلاف .

فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم إليه استشار أصحابه . فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبادر إليه المسلمون . وعمل فيه بنفسه . وكان في حفره من آيات نبوته ما قد تواتر الخبر به .

وخرج صلى الله عليه وسلم وهم يحفرون في غداة باردة . فلما رأى ما بهم من الشدة والجوع . قال

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرة

فقالوا مجيبين له

نحن الذين بايعوا محمدا

على الجهاد ما بقينا أبدا

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين . فتحصن بالجبل من خلفه - جبل سلع - وبالخندق أمامه . وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة .

وانطلق حيي بن أخطب إلى بني قريظة ، فدنا من حصنهم فأبى كعب بن أسد أن يفتح له . فلم يزل يكلمه حتى فتح له . فلما دخل الحصن قال جئتك بعز الدهر . جئتك بقريش وغطفان وأسد ، على قادتها لحرب محمد قال بل جئتني والله بذل الدهر جئتني بجهام قد أراق ماءه . فهو يرعد ويبرق ليس فية شيء .

فلم يزل حتى نقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل مع المشركين . وسر بذلك المشركون وشرط كعب على حيي أنهم إن لم يظفروا بمحمد أن يجيء حتى يدخل معهم في حصنهم فيصيبه ما يصيبهم فشرط ذلك ووفى له .

وبلغ رسول الله الخبر . فبعث إليهم السعدين - سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة - وخوات بن جبير . وعبد الله بن رواحة ليتعرفوا الخبر . فلما دنوا معهم وجدوهم على أخبث ما يكون . وجاهروهم بالسب . ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فانصرفوا ولحنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحنا .

فعظم ذلك على المسلمين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله أكبر أبشروا ، يا معشر المسلمين " .

واشتد البلاء ونجم النفاق . واستأذن بعض بني حارثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى المدينة . وقالوا ( 33 : 13) إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا

وأقام المشركون محاصرين رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا . ولم يكن بينهم قتال لأجل الخندق ، إلا أن فوارس من قريش - منهم عمرو بن عبد ود - أقبلوا نحو الخندق . فلما وقفوا عليه قالوا : إن هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها . ثم تيمموا مكانا ضيقا منه وجالت بهم خيلهم في السبخة ودعوا إلى البراز . فانتدب لعمرو : علي بن أبي طالب ، فبارزه . فقتله الله على يدي علي . وكان من أبطال المشركين .

وانهزم أصحابه . ولما طالت هذه الحال على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف - رئيسي غطفان - على ثلث ثمار المدينة وينصرفا بقومهما . وجرت المفاوضة على ذلك . واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين . فقالا : إن كان الله أمرك : فسمعا وطاعة . وإن كان شيئا تحب أن تصنعه صنعناه . وإن كان شيئا تصنعه لنا ، فلا . لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا . أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك ، نعطيهم أموالنا ؟ والله لا نعطيهم إلا السيف . فصوب رأيهما .

وقال " إنما هو شيء أصنعه لكم ، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة " .

ثم إن الله عز وجل - وله الحمد - صنع أمرا من عنده خذل به العدو .

فمن ذلك أن رجلا من غطفان - يقال له نعيم بن مسعود - جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال قد أسلمت ، فمر بي بما شئت . فقال " إنما أنت رجل واحد . فخذل عنا ما استطعت . فإن الحرب خدعة " . فذهب إلى بني قريظة - وكان عشيرا لهم - فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه . فقال إنكم قد حاربتم محمدا . وإن قريشا إن أصابوا فرصة انتهزوها ، وإلا انشمروا قالوا : فما العمل ؟ قال لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن . فقالوا : قد أشرت بالرأي . ثم مضى إلى قريش فقال هل تعلمون ودي لكم ونصحي ؟ قالوا : نعم . قال إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم وإنهم قد أرسلوا إلى محمد أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم فإن سألوكم فلا تعطوهم . ثم ذهب إلى غطفان . فقال لهم مثل ذلك .

فلما كانت ليلة السبت من شوال بعثوا إلى يهود إنا لسنا معكم بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف . فاغدوا بنا إلى محمد حتى نناجزه فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه . ومع هذا فلا نقاتل معكم حتى تبعثوا لنا رهائن .

فلما جاءهم رسلهم قالوا : قد صدقكم والله نعيم . فبعثوا إليهم إنا والله لا نبعث إليكم أحدا . فقالت قريظة قد صدقكم والله نعيم . فتخاذل الفريقان .

وأرسل الله على المشركين جندا من الريح فجعلت تقوض خيامهم ولا تدع لهم قدرا إلا كفأتها ، ولا طنبا إلا قلعته وجندا من الملائكة يزلزلون بهم ويلقون في قلوبهم الرعب كما قال الله ( 33 : 9 ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان } يأتيه بخبرهم . فوجدهم على هذه الحال وقد تهيئوا للرحيل . فرجع إليه فأخبره برحيلهم .

فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق ، راجعا والمسلمون إلى المدينة . فوضعوا السلاح . فجاءه جبريل وقت الظهر فقال أقد وضعتم السلاح ؟ إن الملائكة لم تضع أسلحتها ، انهض إلى هؤلاء - يعني بني قريظة - فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة " .

فخرج المسلمون سراعا ، حتى إذا دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار . وقذف الله في قلوبهم الرعب . فقال لهم رئيسهم كعب بن أسد : إني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، خذوا أيها شئتم نصدق هذا الرجل ونتبعه . فإنكم تعلمون أنه النبي الذي تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة .

قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا .

قال فاقتلوا أبناءكم ونساءكم واخرجوا إليه مصلتي سيوفكم حتى يحكم الله بينكم وبينه .

قالوا : فما ضر العيش بعد أبنائنا ونسائنا ؟

قال فانزلوا الليلة . فعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوكم فيها لأنها ليلة السبت - لعلنا نصيب منهم غرة . قالوا : لا نفسد سبتنا .
وقد علمت ما أصاب من اعتدوا في السبت . قال ما بات رجل منكم - منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما . ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فحكم فيهم سعد بن معاذ فحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء . وأنزل الله في غزوة الخندق صدر سورة الأحزاب . وذكر قصتهم في قوله ( 33 : 9 - 27 ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم - إلى قوله - وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ثم
دخلت ال
سنة السا
دسة .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 4:59 am

صلح الحديبية

وفيها كانت وقعة الحديبية . وعدة الصحابة إذ ذاك ألف وأربعمائة . وهم أهل الشجرة ، وأهل بيعة الرضوان . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم معتمرا ، لا يريد قتالا . فلما كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث عينا من خزاعة يخبره عن قريش . حتى إذا كان قريبا من عسفان أتاه عينه فقالا : إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا جموعا ، وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت .

حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن خالد بن الوليد بكراع الغميم ، فخذوا ذات اليمين " .

فما شعر بهم خالد حتى إذا هو بغبرة الجيش . فانطلق يركض نذيرا . وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان في ثنية المرار ، التي يهبط عليهم منها : بركت راحلته فقال الناس حل حل . فقالوا : خلأت القصواء فقال " ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل . ثم قال والذي نفس محمد بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها " .

ثم زجرها فوثبت به . فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية ، على ثمد قليل الماء . فلم يلبث الناس أن نزحوه . فشكوا إليه . فانتزع سهما من كنانته . وأمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه .

وفزعت قريش لنزوله . فأحب أن يبعث إليهم رجلا . فدعا عمر فقال يا رسول الله ليس لي بمكة أحد من بني عدي بن كعب يغضب لي إن أوذيت ، فأرسل عثمان . فإن عشيرته بها ، وإنه يبلغ ما أردت . فدعاه فأرسله إلى قريش ، وقال " أخبرهم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمارا ، وادعهم إلى الإسلام وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات . فيبشرهم في الفتح وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة حتى لا يتخفى فيها الإيمان " .

فانطلق عثمان . فمر على قريش . فقالوا : إلى أين ؟ فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ويخبركم أنه لم يأت لقتال . وإنما جئنا عمارا . قالوا : قد سمعنا ما تقول . فانفذ إلى حاجتك .

وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص ، فرحب به . وحمله على الفرس ، وأردفه أبان حتى جاء مكة . وقال المسلمون قبل أن يرجع خلص عثمان من بيننا إلى البيت .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون " قالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص ؟ قال " ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه " .

واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح . فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر . فكانت معركة . وتراموا بالنبل والحجارة . وصاح الفريقان وارتهن كل منهما من فيهم .

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل . فدعا إلى البيعة . فتبادروا إليه وهو تحت الشجرة . فبايعوه على أن لا يفروا . فأخذ بيد نفسه وقال " هذه عن عثمان " .

ولما تمت البيعة رجع عثمان فقالوا له اشتفيت من الطواف بالبيت . فقال بئسما ظننتم بي . والذي نفسي بيده لو مكثت بها سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف . ولقد دعتني قريش إلى الطواف فأبيت . فقال المسلمون رسول الله أعلم بالله وأحسننا ظنا .

وكان عمر أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة وهو تحت الشجرة ، فبايعه المسلمون كلهم . لم يتخلف إلا الجد بن قيس .

وكان معقل بن يسار آخذا بغصنها يرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان أول من بايعه أبو سنان وهب بن محصن الأسدي ، وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات في أول الناس ووسطهم وآخرهم .

فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء في نفر خزاعة - وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة - فقال إني تركت ابن لؤي وعامر بن لؤي : قد نزلوا أعداد مياه الحديبية ، معهم العوذ المطافيل . وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت . فقال " إنا لم نجئ لقتال أحد . وإنما جئنا معتمرين . وإن قريشا نهكتهم الحرب وأضرت بهم . فإن شاءوا ماددتهم ويخلوا بيني وبين الناس . فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلا فقد جموا ، وإن أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقتلناهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذن الله أمره " .

قال بديل سأبلغهم ما تقول . فانطلق حتى أتى قريشا ، فقال إني قد جئتكم من عند هذا الرجل وسمعته يقول قولا . فإن شئتم عرضته عليكم .

فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء . وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا .

فقال عروة بن مسعود إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته . فقالوا : ائته . فأتاه . فجعل يكلمه . فقال له نحوا من قوله لبديل . فقال عروة أي محمد ، أرأيت لو استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى ، فوالله إني لأرى أو شابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك .

فقال أبو بكر : امصص بظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟ .

قال عروة من ذا يا محمد ؟ قال أبو بكر . قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي - لم أجزك بها - لأجبتك .

وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويرمق أصحابه . فوالله ما انتخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم . فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمر ابتدروا أمره . وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه . وإذا تكلم خفضوا أصواتهم . وما يجدون إليه النظر تعظيما له .

فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك - كسرى ، وقيصر . والنجاشي - والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدا . والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده . ثم أخبرهم بجميع ما تقدم ثم قال وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .

قال رجل من بني كنانة " دعوني آته فقالوا : ائته . فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن . فابعثوها له " ففعلوا واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك . قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت . فرجع إلى أصحابه فأخبرهم . فبينا هم كذلك إذ جاء سهيل بن عمرو . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد سهل لكم من أمركم " .

ففال هات اكتب بيننا وبينك كتابا . فدعا الكاتب وهو علي بن أبي طالب - فقال " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل أما الرحمن فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب " باسمك اللهم " كما كنت تكتب . فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال صلى الله عليه وسلم " اكتب باسمك اللهم " ثم قال " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " فقال سهيل والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولكن اكتب " محمد بن عبد الله " فقال " إني رسول الله وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " على أن تخلوا بيننا وبين البيت . فنطوف به " فقال سهيل والله لا تحدث العرب أننا أخذنا ضغطة ولكن ذاك من العام المقبل . فقال سهيل " وعلى أن لا يأتيك رجل منا ، وإن كان على دينك ، إلا رددنه إلينا " فقال المسلمون " سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ " .

فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل وقد خرج من أسفل مكة يرسف في قيوده حتى رمى بنفسة بين أظهر المسلمين . فقال سهيل هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنا لم نقض الكتاب بعد " فقال إذا والله لا أصالحك على شيء أبدا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فأجزه لي " قال ما أنا بمجتزه لك . قال " بلى فافعل " قال ما أنا بفاعل . قال أبو جندل يا معشر المسلمين كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟ ألا ترون ما لقيت ؟ وكان قد عذب في الله عذابا شديدا - قال عمر بن الخطاب : " والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ألست نبي الله ؟ فال . بلى . قلت : ألسنا على حق وعدونا على الباطل ؟ قال بلى . قلت علام نعطي الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال إني رسول الله وهو ناصري . ولست أعصيه . قلت . أو لست تحدثنا : أنا نأتي البيت ونطوف به ؟ قال بلى ، أفأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا . قال فإنك آتيه ومطوف به . قال فأتيت أبا بكر . فقلت له مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وزاد فاستمسك بغرزه حتى نموت .

فوالله إنه لعلى الحق . فعملت لذلك أعمالا " . فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " قوموا فانحروا . ثم احلقوا " قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام ولم يكلم أحدا منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه .

فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا . وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما . ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله ( 60 : 10 ) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن - حتى بلغ - بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك .

وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم أنزل الله سورة الفتح ( 48 : 1 إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر - الآية . فقال عمر أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال نعم . قال الصحابة هذا لك يا رسول الله فما لنا ؟ فأنزل الله ( 48 : 4 ، 5 ) هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم - الآيتين إلى قوله - فوزا عظيما

ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير - رجل من قريش - مسلما ، فأرسلوا في طلبه رجلين وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك . فدفعه إلى الرجلين . فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة . فنزلوا يأكلون من تمر لهم .

فقال أبو بصير لأحدهما : إني أرى سيفك هذا جيدا . فقال أجل . والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أرني أنظر إليه . فأمكنه منه . فضربه حتى برد . وفر الآخر . حتى بلغ المدينة . فدخل المسجد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد رأى هذا ذعرا " فلما انتهى إليه قال قتل والله صاحبي ، وإني لمقتول .

فجاء أبو بصير ، فقال يا نبي الله قد أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم . فقال صلى الله عليه وسلم " ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد " .

فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم . فخرج حتى أتى سيف البحر . وتفلت منهم أبو جندل . فلحق بأبي بصير . فلا يخرج من قريش رجل - قد أسلم - إلا لحق به .

حتى اجتمعت منهم عصابة . فوالله ما يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم . فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن .


غزوة خيبر

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، مكث بالمدينة عشرين يوما ، أو قريبا منها . ثم خرج إلى خيبر . واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة وقدم أبو هريرة حينئذ المدينة مسلما . فوافى سباعا في صلاة الصبح . فسمعه يقرأ ويل للمطففين فقال - وهو في الصلاة - ويل أبي فلان له مكيالان إذا اكتال بالوافي ، وإذا كال كال بالناقص .

وقال سلمة بن الأكوع : خرجنا إلى خيبر . فقال رجل لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنياتك ؟ فنزل يحدو ويقول

لا هم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا

فقال صلى الله عليه وسلم " من هذا السائق ؟ " قالوا : عامر بن الأكوع . قال " رحمه الله " فقال رجل من القوم : وجبت يا رسول الله لولا متعتنا به ؟ .

قال فأتينا خيبر . فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة . فلما تصافوا خرج مرحب يخطر بسيفه ويقول -

قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فنزل إليه عامر وهو يقول -
قد علمت خيبر أني عامر
شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين . فوقع سيف مرحب في ترس عامر فعضه . فذهب عامر يسفل له - وكان سيفه قصرا - فرجع إليه سيف فأصاب ركبته فمات .

قال سلمة فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم زعموا أن عامرا حبط عمله فقال " كذب من قال ذلك إن له أجران - وجمع بين إصبعيه - إنه لجاهد مجاهد ، قل عربي مشى بها مثله " . ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قال " قفوا " فوقف الجيش .

فقال " اللهم رب السموات وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين . فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، وخير ما فيها . ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها ، وشر ما فيها . أقدموا باسم الله " .

فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة . وكانت أرضا وخمة شديدة الحر . فجهد المسلمون جهدا شديدا . فقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم . فوعظهم وحضهم على الجهاد .

وكان فيهم عبد أسود فقال يا رسول الله إني رجل أسود اللون قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي . فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة ؟ قال " نعم " فتقدم . فقاتل حتى قتل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه " لقد حسن الله وجهك ، وطيب ريحك . وكثر مالك " وقال " لقد رأيت زوجتيه من الحور العين تتنازعان جبة عليه . وتدخلان فيما بين جلده وجبته " .

فافتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بعضها ، ثم تحول إلى الكعبة ، والوطيح ، والسلالم . فإن خيبر كانت جانبين الأول الشق والنطاة ، الذي افتتح أولا . والثاني : ما ذكرنا .

فحاصرهم حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه الصلح . ونزل إليه سلام ابن أبي الحقيق فصالحهم على حقن الدماء وعلى الذرية ويخرجون من خيبر ، ويخلون ما كان لهم من مال وأرض . وعلى الصفراء والبيضاء والحلقة إلا ثوبا على ظهر إنسان .

فلما أراد أن يجليهم قالوا : نحن أعلم بهذه الأرض منكم . فدعنا نكون فيها . فأعطاهم إياها ، على شطر ما يخرج من ثمرها وزرعها .

ثم قسمها على ستة وثلاثين سهما ، كل سهم مائة سهم . فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم . نصفها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينزل به من أمور المسلمين . والنصف الآخر قسمه بين المسلمين


قدوم جعفر بن أبي طالب وصحبه من الحبشة

وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه . ومعهم الأشعريون : أبو موسى ، وأصحابه .

قال أبو موسى بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن . فخرجنا مهاجرين إليه - أنا وأخوان لي - في بضع وخمسين رجلا من قومي . فركبنا سفينة . فألقتنا إلى النجاشي ، فوافقنا جعفر وأصحابه عنده فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا . فأقمنا حتى قدمنا فتح خيبر . وكان ناس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة . فدخلت أسماء بنت عميس على حفصة . فدخل عليها عمر وعندها أسماء . فقال من هذه ؟ قالت أسماء . قال الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة . نحن أحق برسول الله منكم . فغضبت وقالت كلا والله لقد كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم . وكنا في أرض البعداء البغضاء . وذلك في ذات الله وفي رسوله وايم الله لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك . فقال ما قلت له ؟ قالت قلت له كذا وكذا . قال ليس بأحق بي منكم . له لأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم - يا أهل السفينة - هجرتان

فكان أبو موسى وأصحاب السفينة يأتونها أرسالا ، يسألونها عن الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .



محاصرة رسول الله بعض اليهود بوادي القرى

ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى وكان به جماعة من اليهود ، وانضاف إليهم جماعة من العرب .

فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة . فقتل مدعم - عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . كان رفاعة بن زيد الجذامي وهبه لرسول الله فقال الناس هنيئا له الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلا ، والذي نفسي بيده . إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها القسمة لتشتعل عليه نارا فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك من نار ، أو شراكان من نار .

فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا . وبرز رجل منهم . فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله . ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله . حتى قتل منهم أحد عشر رجلا . فقاتلهم حتى أمسوا . ثم غدا عليهم . فلم ترتفع الشمس قدر رمح حتى افتتحها عنوة . وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا . فقسمه في أصحابه .وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها . ولما رجع إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من النخيل

قالت عائشة رضي الله عنها لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر


بعث سرية إلى الحرقات

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحرقات من جهينة . فلما دنوا منهم بعث الأمير الطلائع . فلما رجعوا بخبرهم أقبل حتى دنا منهم ليلا ، وقد هدءوا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال " أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تعصوني ، ولا تخالفوا أمري . فإنه لا رأي لمن لا يطاع . ثم رتبهم . فقال يا فلان أنت فلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق كل منكم صاحبه وزميله وإياكم أن يرجع أحد منكم فأقول . أين صاحبك ؟ فيقول لا أدري . فإذا كبرت فكبروا . وجردوا السيوف . ثم كبروا وحملوا حملة واحدة . وأحاطوا بالقوم وأخذتهم سيوف الله


عمرة القضية

فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا عمرة القضية . حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها ، إلا الجحف والمجان والنبل والرماح . ودخلوا بسلاح الراكب - السيوف - وبعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث يخطبها . فجعلت أمرها إلى العباس . فزوجه إياها .

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يكشفوا عن المناكب ويسعوا في الطواف ليرى المشركون قوتهم - وكان يكايدهم بكل ما استطاع - فوقف أهل مكة - الرجال والنساء والصبيان - ينظرون إليه وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت . وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز يقول

خلوا بني الكفار عن سبيله
خلوا فكل الخير في رسوله
قد أنزل الرحمن في تنزيله
في صحف تتلى على رسوله
بأن خير القتل في سبيله
يا رب إني مؤمن بقيله
إني رأيت الحق في قبوله
اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله

فأقام بمكة ثلاثا . ثم أتاه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى . فصاح حويطب نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا . فقد مضت الثلاث فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل

ثم دخلت السنة الثامنة . فكانت فيها
غزوة مؤتة

وسببها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك الروم - أو بصرى - فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني . فقتله - ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره - فاشتد ذلك عليه فبعث البعوث . واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة " فتجهزوا . وهم ثلاثة آلاف .

فلما حضر خروجهم . ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم . فبكى عبد الله بن رواحة . فقالوا ما يبكيك ؟ فقال أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم . ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار ( 16 : 71 ) وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ولست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود ؟ فقال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم . وردكم إلينا صالحين . فقال ابن رواحة

لكنني أسأل الرحمن مغفرة
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدتي :
يا أرشد الله من غاز . وقد رشدا

ثم مضوا حتى نزلوا معان . فبلغهم أن هرقل بالبلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه من لخم وجذام وبلي وغيرهم مائة ألف .

فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم .

وقالوا : نكتب إلى رسول الله فنخبره . فإما أن يمدنا ، وإما أن يأمرنا بأمره فشجعهم عبد الله بن رواحة ، وقال والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة . وما نقاتل الناس بقوة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظفر . وإما شهادة .

فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع . فانحاز المسلمون إلى مؤتة . ثم اقتتلوا عندها والراية في يد زيد . فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم . فأخذها جعفر فقاتل بها . حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها . ثم قاتل حتى قطعت يمينه . فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره . فاحتضن الراية حتى قتل . وله ثلاث وثلاثون سنة .

رضي الله عنهم . ثم أخذها عبد الله بن رواحة . فتقدم بها ، وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويقول

أقسم بالله لتنزلنه
لتنزلن أو لتكرهنه
يا ظالما قد كنت مطمئنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة
مالي أراك تكرهين الجنة ؟
ويقول أيضا

يا نفس إن لم تقتلي تموتي
هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت
إن تفعلي فعلهما هديت

ثم نزل فأتاه فناداه ابن عم له بعرق من لحم . فقال شد بهذا صلبك ، فإنك لقيت في أيامك هذه ما لقيت . فأخذها فانتهس منها نهسة ثم سمع الخطمة في ناحية الناس . فقال وأنت في الدنيا ؟ فألقاها من يده وتقدم . فقاتل حتى قتل .

ثم أخذ الراية خالد بن الوليد . فدافع القوم وخاشى بهم ثم انحازوا ، وانصرف الناس .

وقال ابن عمر وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبه وما أقبل منه تسعين جراحة .

وقال زيد بن أرقم كنت يتيما لعبد الله بن رواحة . فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله . فوالله إنه ليسير ذات ليلة إذ سمعته وهو ينشد شعرا :

إذا أديتني وحملت رحلي
مسيرة أربع بعد الحسام
فشأنك فانعمي ، وخلاك ذم
ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني
بأرض الشام مستنهي الثواء
وردك كل ذي نسب قريب
إلى الرحمن منقطع الإخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل
ولا نخل أسافلها ورائي

قال فبكيت . فخفقني بالسوط وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بي
ن شعبتي
الرحل
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 5:01 am

غزوة الفتح الأعظم

وكانت سنة ثمان في رمضان .

وسببها : أن بكرا عدت على خزاعة في مائهم " الوتير " فبيتوهم وقتلوا منهم . وكان في صلح الحديبية " أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش فعل " فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء يقال له الوتير ، قريبا من مكة . وأعانت قريش بني بكر بالسلاح . وقاتل معهم بعضهم مستخفيا ليلا ، حتى لجأت خزاعة إلى الحرم .

فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر لنوفل بن معاوية الديلي - وكان يومئذ قائدهم - يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك . فقال كلمة عظيمة لا إله له اليوم . يا بني بكر أصيبوا ثأركم . فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم . أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟

فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه فقال

يا رب إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتموا ولدا وكنا والدا

ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرا أيدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا

أبيض مثل البدر يسمو صعدا

إن سيم خسفا وجهه تربدا

في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا

وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذل وأقل عددا

هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نصرت يا عمرو بن سالم " .

ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس " كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة . بعثته قريش . وقد رهبوا للذي صنعوا " .

ثم قدم أبو سفيان . فدخل على ابنته أم حبيبة . فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه . فقال يا بنية ما أدري : أرغبت بي عن هذا الفراش ، أم رغبت به عني ؟ قالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأنت مشرك نجس . فقال والله لقد أصابك بعدي شر . ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكلمه فلم يرد عليه شيئا . ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه في أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم . فقال ما أنا بفاعل . ثم أتى عمر فقال أنا أشفع لكم ؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به .

ثم دخل على علي وعنده فاطمة - والحسن غلام يدب بين يديها - فقال يا علي ، إنك أمس القوم بي رحما وإني جئت في حاجة فلا أرجعن خائبا . اشفع لي إلى محمد . فقال قد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه - فقال لفاطمة هل لك أن تأمري ابنك هذا ، فيجير بين الناس . فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ فقالت ما يبلغ ابني ذلك . وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال يا أبا الحسن إني رأيت الأمور قد اشتدت علي فانصحني .

قال والله ما أعلم شيئا يغني عنك . ولكنك سيد بني كنانة فقم وأجر بين الناس ثم الحق بأرضك .

فقال أوترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟ قال لا ، والله ما أظنه ولكن ما أجد لك غير ذلك .

فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره . وانصرف عائدا إلى مكة . فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال جئت محمدا فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئا ، ثم جئت ابن أبي قحافة . فلم أجد فيه خيرا . ثم جئت عمر بن الخطاب ، فوجدته أدنى العدو - يعني : أعدى العدو ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بكذا وكذا . ففعلت . قالوا : فهل أجاز ذلك محمدا ؟ قال لا . قالوا : ويلك ، والله إن زاد الرجل على أن لعب بك .

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها

فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا ، يخبرهم فيه بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودفعه إلى سارة - مولاة لبني عبد المطلب - فجعلته في رأسها . ثم فتلت عليه قرونها . وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير إلى المرأة فأدركاها بروضة خاخ . فأنكرت . ففتشا رحلها . فلم يجدا فيه شيئا فهدداها . فأخرجته من قرون رأسها . فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدعا حاطبا . فقال " ما هذا يا حاطب ؟ " فقال لا تعجل علي يا رسول الله . والله إني لمؤمن بالله ورسوله وما ارتددت ولا بدلت ، ولكني كنت امرئ ملصقا في قريش ، لست من أنفسهم . ولي فيهم أهل وعشيرة وولد . وليس لي فيهم قرابة يحمونهم . وكان من معك لهم قرابات يحمونهم . فأحببت أن أتخذ عندهم يدا . قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره . فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنقه . فإنه قد خان الله ورسوله . وقد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم . فقد غفرت لكم .

فذرفت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم .

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمى الله الأخبار عن قريش ، لكنهم على وجل . فكان أبو سفيان يتجسس هو وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء .

وكان العباس قد خرج قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا . فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة . فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران نزل عشاء فأمر الجيش فأوقدوا النيران . فأوقد أكثر من عشرة آلاف نار . فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وخرج يلتمس لعله يجد بعض الحطابة أو أحدا يخبر قريشا . ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها عنوة .

قال فوالله إني لأسير عليها ، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل يتراجعان يقول أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا .

قال يقول بديل هذه والله خزاعة حمشتها الحرب .

قال يقول أبو سفيان خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها .

فقلت : أبا حنظلة ؟ فعرف صوتي ، فقال أبا الفضل ؟ قلت : نعم قال ما لك ، فداك أبي وأمي ؟ قال قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله قال فما الحيلة ؟

قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك . فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتيه بك ، فأستأمنه لك . فركب خلفي . ورجع صاحباه فجئت به . فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا ؟ فإذا رأونا قالوا : عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته . حتى مررت بنار عمر فقال من هذا ؟ وقام إلي . فلما رأى أبا سفيان قال عدو الله ؟ الحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عقد ولا عهد .

ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وركضت البغلة فسبقته واقتحمت عنها . فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودخل عليه عمر . فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان . قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه . فقلت : يا رسول الله إني قد أجرته .

فلما أكثر عمر قلت : مهلا يا عمر . فوالله لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا . قال مهلا يا عباس . فوالله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم . وما بي إلا أني عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك . فإذا أصبحت فأتني به . ففعلت . ثم غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ قال بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد . قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، أما هذه ففي النفس حتى الآن منها شيء .

فقال له العباس ويحك . وأسلم قبل أن يضرب عنقك . قال فشهد شهادة الحق فأسلم .

فقال العباس إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا ، قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن .

فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها فخرجت حتى حبسته . ومرت القبائل على راياتها . حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء - لكثرة الحديد وظهوره فيها - فيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا الحدق . فقال سبحان الله يا عباس . من هؤلاء ؟ قلت : هذا رسول في المهاجرين والأنصار - قال ما لأحد بهؤلاء طاقة .

وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة . فلما مر بأبي سفيان قال اليوم يوم الملحمة . اليوم تستحل الحرمة . اليوم أذل الله قريشا فذكره أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال كذب سعد . ولكن هذا اليوم يوم تعظم فيه الكعبة اليوم أعز الله قريشا ثم نزع اللواء من سعد . ودفعه إلى قيس ابنه . ومضى أبو سفيان . فلما جاء قريشا صرخ بأعلى صوته . هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قالوا : قاتلك الله وما تغني عنا دارك " ؟ قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن . ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة من أعلاها ، وأمر خالد بن الوليد ، فدخلها من أسفلها ، وقال إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا ، حتى توافوني على الصفا . فما عرض لهم أحد إلا أناموه .

وتجمع سفهاء قريش عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهل بن عمرو ، بالخندمة ليقاتلوا . وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت له امرأته والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء . فقال والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال

إن يقبلوا اليوم فمالي علة

هذا سلاح كامل وإله

وذو غرارين سريع القتلة

ثم شهد الخندمة . فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد : ناوشوهم شيئا من قتال فأصيب من المشركين اثني عشر ثم انهزموا فدخل حماس على امرأته . فقال ؟ أغلقي علي بابي . فقالت أين ما كنت تقول ؟ فقال

إنك لو شهدت يوم الخندمه

إذ فر صفوان وفر عكرمه

وأبو يزيد قائم كالمؤتمه

واستقبلنا بالسيوف المسلمه

يقطن كل ساعد وجمجمه

ضربا فلا يسمع إلا غمغمه

لهم نهيت خلفنا وهمهمه

لم تنطقي باللوم أدنى كلمه

وقال أبو هريرة : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدخل مكة .

فبعث الزبير على إحدى المجنبتين . وبعث خالدا على المجنبة الأخرى . وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر . فأخذوا بطن الوادي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته وقد وبشت قريش أوباشها ، وقالوا : نقدم هؤلاء . فإذا كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطيناه الذي سألنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا هريرة " فقلت : لبيك يا رسول الله . قال اهتف لي بالأنصار . ولا يأتيني إلا أنصاري فهتفت بهم فجاءوا ، فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ؟ - ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى - احصدوهم حصدا ، حتى توافوني على الصفا قال أبو هريرة : فانطلقنا . فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتل . وركزت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح . ثم نهض والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى دخل المسجد فأقبل إلى الحجر فاستلمه . ثم طاف بالبيت . وفي يده قوس وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما . فجعل يطعنها بالقوس ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد والأصنام تتساقط على وجوهها .

وكان طوافه على راحلته ولم يكن محرما يومئذ فاقتصر على الطواف .

فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة . فأمر بها ففتحت فدخلها . فرأى فيها الصور ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال قاتلهم الله والله إن استقسما بها قط وأمر بالصور فمحيت . ثم أغلق عليه الباب هو وأسامة وبلال فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب . حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف وصلى هناك . ثم دار في البيت وكبر في نواحيه ووحد الله . ثم فتح الباب وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ، ينظرون ماذا يصنع بهم ؟ فأخذ بعضاتي الباب وهم تحته . فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ، ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتل الخطإ شبه العمد - السوط والعصا - ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها ، يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء . الناس من آدم وآدم من تراب " ثم تلا هذه الآية ( 49 : 13 ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ثم قال " يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ، قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم . قال فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء

ثم جلس في المسجد فقام إليه علي - ومفتاح الكعبة في يده - فقال رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية - صلى الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم " أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي له فقال هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء

وأمر بلالا أن يصعد على الكعبة فيؤذن - وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، وأشراف قريش جلوس بفناء الكعبة - فقال عتاب لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فقال الحارث أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته . فقال أبو سفيان لا أقول شيئا ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء . فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم . فقال " قد علمت الذي قلتم " ثم ذكر ذلك لهم . فقال الحارث وعتاب نشهد أنك رسول الله . والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا . فنقول أخبرك .

ثم دخل صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ فاغتسل . وصلى ثمان ركعات صلاة الفتح وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا بلدا صلوا هذه الصلاة .

ولما استقر الفتح أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كلهم إلا تسعة نفر فإنه أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة : عبد الله بن أبي سرح ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعبد العزى بن خطل والحارث بن نفيل ومقيس بن صبابة ، وهبار بن الأسود ، وقينتان لابن خطل وسارة مولاة لبني عبد المطلب .

فأما ابن أبي سرح فجاء فارا إلى عثمان . فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقبل منه بعد أن أمسك عنه رجاء أن يقوم إليه بعض أصحابه فيقتله .

وأما عكرمة . فاستأمنت له امرأته بعد أن هرب وعادت به فأسلم وحسن إسلامه .

وأما ابن خطل ، ومقيس والحارث وإحدى القينتين فقتلوا .

وأما هبار ففر ثم جاء فأسلم . وحسن إسلامه . واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسارة ولإحدى القينتين . فأسلمتا .

فلما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض . فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، أو يعضد بها شجرة . فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له إن الله أذن لرسوله . ولم يأذن لك . وإنما أحلت لي ساعة من نهار

وهم فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف . فلما دنا منه قال " أفضالة ؟ " قال نعم فضالة يا رسول الله قال ماذا تحدث به نفسك ؟ قال لا شيء . كنت أذكر الله فضحك صلى الله عليه وسلم . ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه وكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه قال فضالة فرجعت إلى أهلي . فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت هلم إلى الحديث . فقال لا . وانبعث فضالة يقول

قالت هلم إلى الحديث . فقلت : لا

يأبى الإله عليك والإسلام

لو قد رأيت محمدا وقبيله

بالفتح يوم تكسر الأصنام

لرأيت دين الله أضحى بينا

والشرك يغشى وجهه الإظلام

وفر يومئذ صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل . فاستأمن عمير بن وهب رسول الله لصفوان فلحقه . وهو يريد أن يركب البحر فرده . واستأمنت أم حكيم بنت الحارث بن هشام لزوجها عكرمة ، فلحقت به باليمن فردته .

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم .

وبث صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأوثان التي حول مكة . فكسرت كلها ، منها اللات ، والعزى ، ومناة . ونادى مناديه بمكة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره

هدم عمرو بن العاص صنم سواع

وبعث عمرو بن العاص في شهر رمضان إلى سواع - وهو لهذيل - قال فأتيته وعنده السادن فقال ما تريد ؟ قلت : أهدمه قال لا تقدر على ذلك قلت : لم ؟ قال تمنع . قلت : حتى الآن أنت على الباطل ؟ ويحك . وهل يسمع أو يبصر ؟ فدنوت منه فكسرته . وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته . فلم نجد فيه شيئا . فقلت للسادن كيف رأيت ؟ قال أسلمت لله .
بعث سعد بن زيد لهدم مناة

ثم بعث سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل الأشهلي الأنصاري في شهر رمضان إلى مناة . وكانت عند قديد بالمشلل للأوس والخزرج وغسان وغيرهم .

فخرج في عشرين فارسا ، حتى انتهى إليها . وعندها سادنها ، فقال ما تريد ؟ قال هدمها . قال أنت وذاك . فأقبل سعد يمشي إليها ، وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها . فقال لها السادن مناة دونك بعض عصاتك .

فضربها سعد فقتلها ، وأقبل إلى الصنم فهدمه . ولم يجدوا في خزانتها
شيئا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 5:05 am

غزوة حنين

قال ابن إسحاق : لما سمعت هوازن بالفتح جمعها مالك بن عوف النصري مع هوازن ثقيف كلها .

فلما أجمع مالك السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم . فلما نزل بأوطاس اجتمعوا إليه . وفيهم دريد بن الصمة الجشمي وهو شيخ كبير ليس فيه إلا رأيه وكان شجاعا مجربا .

فقال بأي واد أنتم ؟ قالو : بأوطاس . قال نعم مجال الجيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس . ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير . ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم .

قال أين مالك ؟ فدعي له فقال إنك أصبحت رئيس قومك . وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام . فلم فعلت هذا ؟ قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم . قال راعي ضأن والله وهل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك : لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه . وإن كانت عليك : فضحت في أهلك ومالك . ثم قال ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد . قال غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغيبوا . ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب . فمن شهدها ؟ قالوا عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر . قال ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران . يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة - بيضة هوازن - إلى نحور الخيل شيئا . ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم . ثم ألق الصبا على متون الجيل . فإن كانت لك : لحق بك من وراءك . وإن كانت عليك : ألقاك ذاك وقد أحرزت أهلك ومالك .

قال والله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر عقلك ، والله لتطيعني يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي .

قالوا : أطعناك . فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني .

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع

أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع

ثم قال مالك إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد .

ثم بعث عيونا من رجاله فأتوه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب والهلع . فقال لهم ويلكم ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق . والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى . فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .

ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن حدرد الأسلمي . وأمره أن يداخلهم حتى يعلم علمهم . فانطلق . فداخلهم حتى علم ما هم عليه . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر .

فلما أراد المسير ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا - وهو يومئذ مشرك - فقال له يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا ، نلق فيه عدونا غدا " فقال أغضبا يا محمد ؟ قال " بل عارية مضمونة ، حتى نؤديها إليك فأعطاه مائة درع بما يكفيها السلاح . فخرج صلى الله عليه وسلم . ومعه ألفان من أهل مكة ، وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة . فكانوا اثني عشر ألفا . واستعمل عتاب بن أسيد على مكة .

فلما استقبلوا وادي حنين ، انحدروا في واد من أودية تهامة أجوف في عماية الصبح . قال جابر وكانوا قد سبقونا إليه فكمنوا في شعابه ومضايقه . قد تهيئوا . فوالله ما راعنا إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد فانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد . وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال يا أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله

وبقي معه نفر من المهاجرين وأهل بيته فاجتلد الناس . فوالله ما رجعت الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكانوا حين رأوا كثرتهم قالوا " لن نغلب اليوم عن قلة " فوقع بهم ما وقع ابتلاء من الله لقولهم ذلك .

قال ابن إسحاق : ولما وقعت الهزيمة تكلم رجال من جفاة أهل مكة بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وصرخ حبلة بن الحنبل ألا بطل السحر اليوم . فقال له أخوه صفوان بن أمية - وكان بعد مشركا - اسكت فض الله فاك . فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن

وذكر ابن إسحاق عن شيبة بن عثمان الحجبي . قال " لما كان يوم الفتح قلت : أسير مع قريش إلى هوازن ، لعلي أصيب من محمد غرة . فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش وأقول لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا تبعه ما اتبعته أبدا .

فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف فدنوت أريد ما أريد ورفعت سيفي حتى كدت أسوره . فرفع لي شواظ من نار كالبرق كاد أن يمحشني . فوضعت يدي على بصري خوفا عليه . فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فناداني يا شيب ، ادن " فدنوت ، فمسح صدري . قال " اللهم أعذه من الشيطان فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي . ثم قال ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي . الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي . لو لقيت تلك الساعة أبي لأوقعت به السيف . فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى تراجع الناس وكروا كرة رجل واحد . وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستوى عليها . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معسكره فدخل خباءه . فدخلت عليه ما دخل عليه غيري ، حبا لرؤية وجهه وسرورا به فقال يا شيب ، الذي أراد الله لك ، من الذي أردت لنفسك " . قال العباس إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت امرئ جسيما شديد الصوت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى من الناس إلي أيها الناس أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب فلم أر الناس يلوون على شيء . فقال " أي عباس اهتف بأصحاب السمرة " فناديت : يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة . فكان الرجل يريد أن يرد بعيره فلا يقدر . فيأخذ سلاحه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويؤم الصوت فأتوا من كل ناحية لبيك لبيك . حتى إذا اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا . فكانت الدعوة أولا " يا للأنصار يا للأنصار " ثم خلصت الدعوة " يا لبني الحارث بن الخزرج " وكانوا صبرا عند الحرب .

وفي صحيح مسلم ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات . فرمى بها وجوه القوم ثم قال انهزموا ، ورب محمد . فما هو إلا أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا

ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ، ومنهم مالك بن عوف . وعسكر بعضهم بأوطاس . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر من توجه نحو أوطاس أبا عامر الأشعري فأدرك بعضهم فناوشوه القتال فهزمهم الله تعالى . وقتل أبو عامر . فأخذ الراية أبو موسى الأشعري . فلما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ا للهم اغفر لأبي عامر . واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم أن يجمع . وكان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين ألفا ، والغنم أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة .

فاستأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدموا موالين مسلمين بضعة عشر ليلة . ثم بدأ بالأموال فقسمها : وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس . فأعطى أبا سفيان مائة من الإبل . وأربعين أوقية . وأعطى ابنه يزيد مثل ذلك . وأعطى ابنه معاوية مثل ذلك . وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل . ثم سأله مائة أخرى فأعطاه .

وذكر ابن إسحاق أصحاب المائة وأصحاب الخمسين .

ثم أمر يزيد ثابت بإحصاء الغنائم والناس ثم فضها على الناس .

قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء . وجدت الأنصار في أنفسهم . حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقي والله رسول الله قومه . فدخل عليه سعد بن عبادة ، فذكر له ذلك . فقال " فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي ، قال " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " فجاء رجال من المهاجرين . فتركهم فدخلوا . وجاء آخرون فردهم . فلما اجتمعوا ، أتاه سعد . فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال يا معشر الأنصار : ما مقالة بلغتني عنكم ؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا . فهداكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ وأعداء . فألف الله بين قلوبكم بي ؟ " . قالوا : الله ورسوله أمن وأفضل . ثم قال ألا تجيبوني ، يا معشر الأنصار ؟ . قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله ولرسوله المن والفضل . قال " أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك . أوجدتم علي يا معشر الأنصار في أنفسكم لعاعة من الدنيا ، تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ولولا الهجرة لكنت امرئ من الأنصار . ولو سلك الناس شعبا وواديا ، وسلكت الأنصار شعبا وواديا ، لسلكت شعب الأنصار وواديها ، الأنصار شعار والناس دثار اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " .

قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا

وقدمت الشيماء بنت الحارث - أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة - فقالت يا رسول الله . أنا أختك ، فبسط لها رداءه . وأجلسها عليه وقال " إن أحببت فعندي مكرمة وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك " فقالت بل تمتعني ، وتردني إلى قومي . ففعل وأسلمت . فأعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعماء وشاء


المن على سبي هوازن

وقدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا فسألوه أن يمن عليهم السبي والأموال فقال إن معي من ترون ، وإن أحب الحديث إلي أصدقه . فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ فقالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا . فقال " إذا صليت الغداة فقوموا ، فقولوا إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين وبالمؤمنين على رسول الله أن يرد إلينا سبينا " . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة قاموا ، فقالوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب : فهو لكم وسأسأل لكم الناس . فقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال عباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا . فقالت بنو سليم ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال العباس وهنتموني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن هؤلاء القوم قد جاءوا مسلمين . وقد استأنيت بسببهم وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا : فمن كان عنده شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل ذلك . ومن أحب أن يستمسك بحقه فليرده عليهم . وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا " فقال الناس قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال " إنا لا نعرف من رضي منكم ممن لم يرض فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم . فردوا عليهم أبناءهم ونساءهم وكسا النبي صلى الله عليه وسلم السبي قبطية قبطية


فصل [ الحكم المستفاد من غزوة حنين ]

لما تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فتح مكة : اقتضت حكمة الله أن أمسك قلوب هوازن عن الإسلام لتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح وليظهر حزبه على الشوكة التي لم يلق المسلمون مثلها . فلا يقاومهم أحد بعد من العرب . وأذاق المسلمين أولا مرارة الكسرة مع قوة شوكتهم ليطمئن رءوسا رفعت بالفتح ولم تدخل حرمه كما دخله رسوله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه ليكاد يمس قربوس سرجه تواضعا لربه . وليبين سبحانه - لمن قال " لن نغلب اليوم عن قلة " - إن النصر إنما هو من عنده سبحانه وأن من يخذله فلا ناصر له غيره . وأنه سبحانه الذي تولى نصر دينه لا كثرتكم . فلما انكسرت قلوبهم أرسل إليها خلع الجبر مع بريد النصر ( 9 : 26 ) ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر إنما تفيض على أهل الانكسار ( 28 : 6 ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين


غزوة الطائف

ولما أراد المسير إلى الطائف - وكانت في شوال سنة ثمان - بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين - صنم عمرو بن حممة الدوسي - يهدمه وأمره أن يستمد قومه يوافيه بالطائف . فخرج سريعا . فهدمه وجعل يحثو النار في وجهه ويقول

يا ذا الكفين لست من عبادكا

ميلادنا أكبر من ميلادكا

إني حشوت النار في فؤادكا

وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا . فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام - وقدم بدبابة ومنجنيق .

قال ابن سعد : لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وتهيئوا للقتال . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزل قريبا من حصن الطائف . وعسكر هناك . فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا ، كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة . وقتل منهم اثني عشر رجلا . فارتفع صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم . فحاصرهم ثمانية عشر يوما . ونصب عليهم المنجنيق - وهو أول من رمى به في الإسلام - وأمر بقطع أعناب ثقيف . فوقع الناس فيها يقطعون فسألوه أن يدعها لله وللرحم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أدعها لله وللرحم

ونادى مناديه " أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا : فهو حر " فخرج منهم بضعة عشر رجلا ، فيهم أبو بكرة بن مسروح ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه .

ولم يأذن في فتح الطائف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأذن بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا : نرحل ولم يفتح علينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغدوا على القتال فغدوا ، فأصابهم جراحات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا قافلون إن شاء الله " فسروا بذلك وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك

فلما ارتحلوا واستقلوا قال قولوا : آيبون تائبون ، عابدون لربنا حامدون وقيل يا رسول الله ادع الله على ثقيف ، فقال اللهم اهد ثقيفا وأت بهم

ثم خرج إلى الجعرانة . فدخل منها إلى مكة محرما بعمرة فقضاها . ثم رجع إلى المدينة .


فصل

قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان . وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف .

وكان من حديثهم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة . فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيهم نخوة الامتناع فقال يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم . وكان فيهم كذلك محببا مطاعا .

فخرج يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم . فلما أشرف لهم على علية - وقد دعاهم إلى الإسلام - رموه بالنبل من كل وجه . فأصابه سهم فقتله فقيل له ما ترى في دمك ؟ فقال كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي . فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم . فادفنوني معهم فدفنوه معهم . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه

ثم أقامت ثقيف بعد مقتل عروة شهرا . ثم ائتمروا بينهم . ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد أسلموا وبايعوا . فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، كما أرسلوا عروة .

فكلموا عبد ياليل بن عمرو ، وعرضوا عليه ذلك . فأبى ، وخشي أن يصنع به كما صنع بعروة فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا . فأجمعوا أن يرسلوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك منهم عثمان بن أبي العاص . فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة ، فاشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم . فلقيه أبو بكر فقال أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل . ثم خرج المغيرة إلى أصحابه . فروح الظهر معهم . وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية . فضرب عليهم قبة في ناحية المسجد .

وكان فيما سألوه أن يدع لهم اللات لا يهدمها ثلاث سنوات فأبى . فما برحوا يسألونه سنة فيأبى حتى سألوه شهرا واحدا . فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى . وإنما يريدون بذلك - فيما يظهرون - أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم ويكرهون أن يروعوهم بهدمها ، حتى يدخلهم الإسلام . فأبى إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها .

فلما أسلموا أمر عليهم عثمان بن أبي العاص - وكان من أحدثهم سنا - وذلك أنه كان من أحرصهم على التفقه في الدين وتعلم القرآن .

فلما توجهوا راجعين بعث معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان فأبى ، وقال ادخل أنت على قومك . وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم . فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول . وقام دونه بنو مغيث خشية أن يرمى ، كما فعل بعروة وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها . فلما هدمها أخذ مالها وحليها وأرسل به إلى أبي سفيان .


مافي غزوة الطائف من الفقه

فيها من الفقه جواز القتال في الأشهر الحرم . ونسخ تحريم ذلك .

وفيها : أنه لا يجوز إبقاء مواضع الطواغيت والشرك بعد القدرة عليها يوما واحدا . فإنها شعائر الكفر . وهي أعظم المنكرات وهكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا تعبد من دون الله وكذلك الأحجار والأشجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر لها . وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ، أو أعظم شركا عندها ، وبها .

ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلف وترزق وتميت وتحيي . وإنما كانوا يفعلون عندها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم . وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم وغلبة التقاليد . وصار المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ، والسنة بدعة والبدعة سنة ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير . وطمست الأعلام . واشتدت غربة الإسلام .

ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين . وفيها : صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه المشاهد من عابديها . فيجب على الإمام أن يصرفها في الجهاد ومصالح المسلمين وكذلك أوقافها تصرف
في مصالح الم
سلمين .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

السيرة النبوية الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية الشريفة   السيرة النبوية الشريفة Emptyالإثنين 28 يناير 2013, 5:08 am

فصل حوادث سنة تسع

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ودخلت سنة تسع بعث المصدقين يأخذون الصدقات من الأعراب .

وفيها : بعث عليا رضي الله عنه إلى صنم طيئ ليهدمه . فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر . فهدموه وملئوا أيديهم من السبي والنعم والشاء . وفي السبي سفانة أخت عدي بن حاتم ، وهرب عدي إلى الشام . ووجد في خزانته ثلاثة أسياف وثلاثة أدرع . وقسم علي الغنائم في الطريق ولم يقسم السبي من آل حاتم حتى قدم بهم المدينة .

قال عدي : ما كان رجل من العرب أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، حين سمعت به . وكنت رجلا شريفا نصرانيا . وكنت أسير في قومي بالمرباع . وكنت في نفسي على دين . فقلت لغلام لي راع لإبلي : اعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا . فإذا سمعت بجيش محمد قد وطئ هذه البلاد فآذني . فأتاني ذات غداة فقال ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنع الآن . فإني قد رأيت رايات فسألت عنها ؟ فقالوا : هذه جيوش محمد . قلت : قرب لي أجمالي . فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة . فلما قدمت الشام أقمت بها ، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ .

وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام . فمر بها . فقالت يا رسول الله غاب الوافد . وانقطع الوالد وأنا عجوز كبيرة . ما بي من خدمة فمن علي من الله عليك . فقال من وافدك ؟ قالت عدي بن حاتم ، قال الذي فر من الله ورسوله ؟ - وكررت عليه القول ثلاثة أيام - قالت فمن علي وسألته الحملان فأمر لها به وكساها وحملها وأعطاها نفقة .

فأتتني . فقالت لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها . ائته راكبا أو راهبا ، فقد أتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه . قال فأتيته ، وهو جالس في المسجد . فقال القوم هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فأخذ بيدي - وكان قبل ذلك قال إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي - فقام إلي فلقيت امرأة ومعها صبي . فقالا : إن لنا إليك حاجة . فقام معهما حتى قضى حاجتهما . ثم أخذ بيدي حتى أتى داره . فألقت له الوليدة وسادة . فجلس عليها ، وجلست بين يديه . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال ما يفرك ؟ أيفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله سوى الله ؟ فقلت : لا . فتكلم ساعة . ثم قال أيفرك أن يقال الله أكبر ؟ وهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ قلت : لا ، قال فإن اليهود مغضوب عليهم . والنصارى ضالون فقلت : فإني حنيف مسلم . فرأيت وجهه ينبسط فرحا .

ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار . وجعلت آتيه طرفي النهار . فبينا أنا عنده إذ جاءه قوم في ثياب من صوف من هذه الثمار فصلى ثم قام . فحث بالصدقة عليهم وقال أيها الناس ارضخوا من الفضل ولو بصاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم - أو النار - ولو بتمرة ولو بشق تمرة . فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة . فإن أحدكم لاق الله فقائل له أقول لكم ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول بلى ، فيقول أين ما قدمت لنفسك ؟ فينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله . فلا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فكلمة طيبة . فإني لا أخاف عليكم الفاقة . فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة ما بين يثرب والحيرة ، ما تخاف على مطيتها السرق . فجعلت أقول فأين لصوص طيئ ؟ .


قصة كعب بن زهير

قال ابن إسحاق : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وأن من بقي من شعراء قريش - ابن الزبعرى ، وهبيرة بن أبي وهب - قد هربوا في كل وجه . فإن كان لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائبك . وكان قد قال -

ألا بلغا عني بجيرا رسالة

فهل لك فيما قلت ؟ ويحك . هل لكا ؟

فبين لنا ، إن كنت لست بفاعل

على أي شيء غير ذلك دلكا ؟

على خلق لم تلف أما ولا أبا

عليه . ولم تلق عليه أخا لكا

فإن أنت لم تفعل . فلست بآسف

ولا قائل إما عثرت : لعالكا

سقاك بها المأمون كأسا روية

وأنهلك المأمون منها وعلكا

فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاك بها المأمون ، صدق والله . وإنه لكذوب أنا المأمون ولما سمع على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه قال أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه .

ثم قال بجير بن زهير : -

من مبلغ كعبا ، فهل لك في التي

تلوم عليها باطلا ، وهي أحزم ؟

إلى الله - لا العزى ولا اللات - وحده

فتنجو إذا كان النجاء وتسلم

لدى يوم لا ينجو ، وليس بمفلت

من الناس إلا طاهر القلب مسلم

فدين زهير - وهو لا شيء - دينه

ودين أبي سلمى علي محرم

فلما بلغ كعبا ضاقت عليه الأرض . وأشفق على نفسه فلما لم يجد من شيء بدا ، قال قصيدته التي مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج حتى قدم المدينة .

فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة . فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر لي أنه قام فجلس إليه - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه - فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ قال نعم قال أنا كعب بن زهير

فحدثني عاصم بن عمرو : أنه وثب عليه رجل من الأنصار . فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه . فقال دعه عنك ، فقد جاء تائبا نازعا عما كان عليه فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بجير . فقال قصيدته التي أولها : -

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

ومنها : -

أمست سعاد بأرض لا يبلغها

إلا العتاق النجيبات المراسيل

إلى أن قال

تسعى الغواة جنابيها ، وقولهمو :

إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

وقال كل صديق كنت آمله

لا ألهينك . إني عنك مشغول

فقلت : خلوا سبيلي . لا أبا لكمو

فكل ما قدر الرحمن مفعول

نبئت أن رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا ، هداك الذي أعطاك نافلة ال

قرآن فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة . ولم

أذنب وإن كثرت في الأقاويل

إلى أن قال

إن الرسول لنور يستضاء به

وصارم من سيوف الله مسلول

في فتية من قريش قال قائلهم

ببطن مكة - لما أسلموا - زولوا

زالوا . فما زال أنكاس ولا كشف

عند اللقاء ولا ميل معازيل

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم

ضرب إذا عرد السود التنابيل

شم العرانين أبطال لبوسهمو

من نسج داود في الهيجا سرابيل

ليسوا مفاريح إن نالت رماحهمو

قوما ، وليسوا مجازيعا إذا نيلوا

لا يقع الطعن إلا في نحورهمو

وما لهم عن حياض الموت تهليل

قال عاصم بن عمرو : فلما قال إذا عرد السود التنابيل وإنما عنانا معشر الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار : -

من سره كرم الحياة فلا يزل

في مقنب من صالح الأنصار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر

إن الخيار همو بني الأخيار

الذائذين الناس عن أديانهم

بالمشرفي وبالقنا الخطار

والبائعين نفوسهم لنبيهم

يوم الهياج وفتنة الكفار

والناظرين بأعين محمرة

كالجمر غير كليلة الإبصار

والباذلين نفوسهم لنبيهم

للموت يوم تعانق وكرار

يتطهرون يرونه نسكا لهم

بدماء من علقوا من الكفار

قوم إذا خوت النجوم فإنهم

للطارقين النازلين مقاري

فصل في غزوة تبوك

قال ابن إسحاق : كانت في زمان عسرة من الناس وجدب من البلاد حين طابت الثمار - فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم وكان صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورى بغيرها ، إلا ما كان منها ، فإنه جلاها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان .

فقال ذات يوم - وهو في جهازه - للجد بن قيس هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ " فقال يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني ؟ فقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فقال " قد أذنت لك ففيه نزلت ( 9 : 49 ) ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني - الآية .

وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر فنزل ( 9 : 81 ) وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا - الآية .

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض أهل الغنى على النفقة . فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا . وأنفق عثمان ثلاثمائة بعير بأحلاسها ، وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عينا

وجاء البكاءون - وهم سبعة - يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون

وقام علبة بن يزيد فصلى من الليل وبكى . ثم قال اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها : من مال أو جسد أو عرض ثم أصبح مع الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين المتصدق في هذه الليلة ؟ فلم يقم أحد ، ثم قال أين المتصدق ؟ فلم يقم . فقام إليه فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم " أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة ‏

وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فلم يعذرهم .

واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري . فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب منهم الثلاثة - كعب بن مالك : وهلال بن أمية . ومرارة بن الربيع - وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر . ثم لحقاه . وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا من الناس والخيل عشرة آلاف فرس . وأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة وهرقل يومئذ بحمص .

قال ابن إسحاق : ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عليا على أهله . فقال المنافقون ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه . فأخذ سلاحه ولحق به بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا استثقالا ، فقال كذبوا ، ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك . أولا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي فرجع .

ودخل أبو خيثمة إلى أهله في يوم حار بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له ماء وهيأت له طعاما . فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا . فقال رسول الله في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . فهيئا لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل تبوك .

وقد كان عمير بن وهب الجمحي أدرك أبا خيثمة في الطريق فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة له إن لي ذنبا . فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل . حتى إذا دنا من رسول الله قال الناس راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة " قالوا : يا رسول الله هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله . فقال له " أولى لك يا أبا خيثمة " فأخبره الخبر ، فقال له خيرا ، ودعا له

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر - من ديار ثمود - قال لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم مثل ما أصابهم وقال لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ، وأمرهم أن يهريقوا الماء وأن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة

وفي صحيح مسلم عن أبي حميد الساعدي قال " انطلقنا حتى قدمنا تبوك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستهب عليكم الليلة ريح شديدة . فلا يقم أحد منكم . فمن كان له بعير فليشد عقاله . فهبت ريح شديدة فقام رجل . فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ ‏‏

قال ابن إسحاق : وأصبح الناس ولا ماء معهم . فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله . فأرسل الله سحابة . فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء .

ثم سار حتى إذا كان ببعض الطريق جعلوا يقولون تخلف فلان فيقول دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه وتلوم على أبي ذر بعيره . فلما أبطأ عليه أخذ متاعه على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا .

ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله إن هذ الرجل يمشي على الطريق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأملوه . قالوا : يا رسول الله هو والله أبو ذر . فقال رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده

وفي صحيح ابن حبان عن أم ذر قالت " لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت ، فقال ما يبكيك ؟ فقلت : وما لي لا أبكي ، وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا ; ولا يدان لي في تغييبك ؟ فقال أبشري ولا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر - وأنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المسلمين . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا ذلك الرجل فوالله ما كذبت ولا كذبت - فأبصري الطريق . فكنت أشتد إلى الكثيب أتبصر ثم أرجع فأمرضه فبينا أنا وهو كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تخد بهم رواحلهم قالت فأشرت إليهم . فأسرعوا إلي حتى وقعوا علي . فقالوا : يا أمة الله ما لك قلت : امرئ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا : من هو ؟ قلت : أبو ذر قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه . فقال لهم أبشروا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث - ثم قال وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي ولامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي ، أو لها . فإني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا ، أو بريدا أو نقيبا . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار . قال يا عم أنا أكفنك في ردائي هذا . وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي ، قال فأنت تكفنني ، فكفنه الأنصاري ، وأقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان

ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، أتاه صاحب أيلة ، فصالحه وأعطاه الجزية وأتاه أهل جربا وأذرح ، فأعطوه الجزية وكتب لهم كتابا . فهو عندهم .

ثم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، وقال لخالد " إنك تجده يصيد البقر " فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة - وهو على سطح له - فبانت البقر تحك بقرونها باب القصر . فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال لا والله . قالت فمن يترك مثل هذه ؟ قال لا أحد . ثم نزل فأمر بفرسه فأسرج له وركب معه نفر من أهل بيته . فلما خرجوا ، تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه . وقدم به خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه . وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله . فرجع إلى قريته .

قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله بتبوك بضعة عشر ليلة . ثم انصرف إلى المدينة .

قال وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي : أن ابن مسعود كان يحدث قال " قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها . فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر . وإذا عبد الله ذو البجادين - والبجاد الكساء الأسود - المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه . وهو يقول أدليا إلي أخاكما . فأدلياه إليه . فلما هيأه لشقه قال اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه " قال يقول عبد الله بن مسعود : " يا ليتني كنت صاحب الحفرة

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، حتى كان بينه وبين المدينة ساعة . وكان أصحاب مسجد الضرار أتوه - وهو يتجهز إلى تبوك - فقالوا : يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة . وإنا نحب أن تصلي فيه . فقال إني على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم

فلما نزل بذي أوان ، جاءه خبر المسجد من السماء . فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي . فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه " فخرجا مسرعين حتى أتيا بني سالم بن عوف - وهم رهط مالك بن الدخشم - فقال لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل . فأشعل فيه نارا . ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وأنزل الله سبحانه ( 9 : 107 - 110 ) والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين - إلى قوله - والله عليم حكيم

قال ابن عباس في الآية هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر الفاسق ابنوا مسجدكم واستعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح . فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآت بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من بنائه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : إنا قد فرغنا من بناء مسجدنا . ونحب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة . فأنزل الله عز وجل ( 9 : 108 ) لا تقم فيه أبدا - إلى قوله - لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم يعني الشك إلا أن تقطع قلوبهم يعني بالموت .

ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، خرج الناس لتلقيه ، والنساء والصبيان والولائد يقلن

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

وكانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه . وأنزل الله فيها سورة براءة .

وكانت تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده " المبعثرة " لما كشفت من سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم .

وفي غزوة تبوك : كانت قصة تخلف كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي . ممن شهدوا بدرا . ولم يكن لهم عذر في التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، جاء المعذرون من الأعراب من المنافقين يحلفون أنهم كانوا معذورين . فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرجأ كعب بن مالك وصاحبيه حتى أنزل الله في شأنهم وفي توبتهم - وكانوا من خيار المؤمنين - ( 9 : 117 - 119 ) لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا الآيتين خلفهم الله وأخر توبتهم ليمحصهم ويطهرهم من ذنب تأخرهم . لأنهم
كانوا من ال
صادقين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
السيرة النبوية الشريفة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السيرة النبوية الشريفة للدكتور راغب السرجانى
»  الهجرة النبوية الشريفة
»  ملخص قصير عن السيرة النبوية
» السيرة النبوية للدكتور طارق السويدان
» السيرة النبوية سرد بأسلوب رائع جدا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: