مقام الخضر.. (اللابس الظفر) (2)
شمعة وأيقونة وبخور..
أصداء صلاة يتشربها المكان.. مغارة منحوتة بالصخر، دائما تستعيد ذكرى مقدسة شهدت عليها.. أثر قديم تم اكتشافه حديثا على أرضية الكنيسة.. مقاعد لامستها المشاعر الروحانية للمصلين.. والحديث لا يتوقف حول مقام الخضر الأخضر، حيث الرابط قديم بينه وبين كل مقامات ومزارات الخضر في غير مكان على هذه الأرض.
صورة القدّيس
مبارك هو في كل مكان، وأنى كان حلوله..
نتصفح الذاكرة، ونتتبع أسطر المهابة، فنقرأ ما كتبه الارشمندريت بولس نعمان في كتابه (خمسة أعوام في شرق الأردن)، وكان هذا في الثلث الأول من القرن الماضي، حيث كتب في الفصل المخصص للمزارات، قائلا: «.. وأما (الخضر الأخضر)، فهو مكرم من بادية البلقاء ومؤاب، فهو على زعم العرب أول من امتطى جوادا وحمل رمحا وانتضى سيفا، وعلّمهم الخوض في ساحات الوغى. وهو شفيع للأعراب يذكرونه في سائر أحوالهم. دخل بدوي الى كنيسة مادبا وفيها صورة القديس جاورجوس على جواده الأبيض فقال: يا خضر الأخضر، يا ليتني أبيع مالي وحلالي وابتاع حصانا كهذا. ويدّعي الأعراب أنه لُقّب بالخضر لأنه حيثما جلس اخضرّ ما حوله. ويقولون أنه بلغ نهر الحياة في الجنة فشرب منه، وهو لا يعلم، وهو حيّ الى يوم ينفخ في الصور وتنشر الأموات من القبور. وله إكرام في شرقي الأردن لا يكاد يناله غيره من الأولياء. وله في ضواحي الكرك عدة مزارات نذكر أشهرها: مزار السعيدات، وعبد السيد، والبديوي، والسهيلي، والشيخ يعقوب. وفي كفر ربّه الشيخ صلاح».
«أعددت لك الأكاليل التي لا تذبل»
أما عن قصة القديس جاورجيوس، كما تروى في الكنائس، ولدى رجال الدين، وهي متوارثة عند البسطاء مثلما عند المتدينين حيث يستذكرونها بإجلال وتقديس، وهنا نتتبع تلك القصة/العظة مستندين في كتابتنا هذه على كتيب كنيسة القديس جاورجيوس-الخضر، لنوردها على النحو التالي: «ولد القديس (جاورجيوس) نحو سنة 280م من أب روماني مسيحي وأم مسيحية من مدينة اللد (فلسطين). ترعرع وتلقن أصول الايمان على يد والدته، وباع أملاك أبيه في كبادوك وتصدق بقسم منها على الفقراء وقسم آخر حرر به العبيد والأسرى. أصدر الملك ديوكيليتيانوس قرار ينكل بكل من يعترف بالناصري المصلوب الها ويرفض السجود أو تقديم الذبائح للأصنام. قرر القديس الوقوف الى جانب اخوانه في الدين موبخا الوثنيين على اضطهادهم مما اغضب الوالي لخسارته أفضل قادة الجيش عنده فأخذ يستميله بالوعود والوعيد بالتعذيب، والقديس ثابت العزم ناكرا العيش الرغيد ومتمسكا بايمانه بالمسيح. زجّ في أعماق السجن المظلمة ووضعوا حجر الطاحون على صدره والقديس صابر يبتسم، كما أوثقوه وعرّوه وجلدوه وربطوه بعمود كاوين جسمه حتى كلوا والقديس يحتمل بشجاعة عظيمة كل التعذيبات مرددا (لا شىء يفصلني عن محبة المسيح، ولا حزن ولا ضيق ولا اضطهاد ولا جوع ولا عري ولا عذاب ولا سيف)، وظل مستهزئا بكل تهديد حتى ضاق صدر الحاكم فأمر بإلباسه نعلين من حديد محمّى على النار مسوقين اياه بالعصا والقديس يركض أمامهم كالغزالة، ثم رُبط الى دولاب من الحديد تغشاه أسنان وبرموا الدولاب بسرعة فتمزق جسد القديس وسالت منه الدماء الغزيرة وهو يبتسم ويصلي، كان يشفي بوضع اليد على كل مريض وسقيم يزوره في السجن، ثم دفن وهو حي في حفرة ويداه مرفوعتان ولا يظهر منه سوى الرأس لثلاثة أيام لعل قواه تخور من التعب ولكنه كان يزداد ايمانا وصبرا واحتمالا. أمر الوالي بعد ذلك بوضعه في أتون الكأس المضطرم حيث زاره بعد ثلاثة أيام ظانا أن الأوثان قد انتصرت على القائد المسيحي فوجده في قميص ناصع البياض ووجهه يطفح نورا ساطعا سامعا صوت الرب قائلا: (إنك يا حبيبي جاورجيوس ستكون عندي بعد ثلاثة أيام في الملكوت السماوي حيث أعددت لك الأكاليل التي لا تذبل). أمر الحاكم أحد السحرة المهرة بالقضاء على سحر القديس فجاءه بكأس طافحة سما زعافا، رسم القديس إشارة الصليب على وجهه وشرب الكأس حتى الثمالة ولم يصب بأذى متمما قول السيد في خدامة المؤمنين (وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يشربون السم فلا يضرهم) مر16:17-18، وأعادوا الكرة مع القديس رابطين يديه خوفا من أن يرسم إشارة الصليب ولكنه سألهم من أين تريدون أن أشرب؟أمن هنا أم هنا؟ أمن هنا أم هنا؟ راسما بذلك إشارة الصليب بفمه وجرع الكأس التي لم تؤثر عليه بشىء، فأمن الساحر صارخا (أنا مسيحي)، فأمر الوالي بقطع رأسه في الحال، ثم بدأ يستميل القديس ويشوقه لمشاهدة الأصنام فتظاهر القديس برغبته بالعودة الى عبادة الأوثان وتم احتفال كبير بهذه المناسبة ولكن ما ان وطأت قدماه المعبد حتى صرخت الشياطين بأفواه الأصنام (لا إله إلا إله جاورجيوس) وسقطت كلها متحطمة، أمنت على الفور زوجة الوالي صارخة أنا مسيحية، فقطع رأس القديس ورأسها أيضا. قام خدام القديس بأخذ جثمانه وأخفاه حسب وصية القديس الى أن شيد له الملك قسطنطين كنيسة في اللد ونقل رفاته اليها سنة 323م».
«عيد لِد»
مبارك هو الخضر أنى حلّ، ولذا فقد كثرت عجائب ترتبط بهذا القديس بعد استشهاده في كل البلاد، وتسابقت الشعوب الى إكرامه وتشييد الكنائس على اسمه، وصوروه ممتطيا جواده وهو يطعن برمحه التنين (الشيطان) العقلي طعنة لا شفاء منها، محاميا عن الكنيسة.
كما أنه قد اتخذته المملكة البيزنطية القديس شفيعا لها في الحروب ونسبت الى شفاعته انتصارات باهرة، وأيضا اتخذه البريطانيون وملكتهم شفيعا لهم، وضربت العملة باسمه، ودعي كثير من الملوك باسمه وأصبح عيده الزاميا في البلاد، إذ أن هناك عيدين مرتبطين بالخضر، واحد بتاريخ 16/11 وهو عيد استشهاد الخضر، والثاني بتاريخ 6/5 وهو عيد نقل جثمانه الى اللد ومتعارف عليه شعبيابـِ(عيد لد).
عجائب.. وبركات
يقول الأب مروان طعامنة حول زيارة مقام الخضر، والتبارك به، والعجائب والمعجزات المتعلقة به، أنه «يزور هذا المقام كثير من المرضى، والمحتاجين، والمتضايقين، من مسيحيين ومسلمين. كما أنه في الشتاء كانت النساء القديمات يقفن أمام الكنيسة ويطلبن الغيث ان تأخر المطر، وما يروحن إلا والدنيا شاتيه.. وفي حالات شفاء صارت في المقام من الأمراض المزمنة.. والناس يجوا ويوخذوا من المقام الزيت والشمع والبخور للصحة والشفاء والتبارك بالخضر».
وإضافة الى ما سبق فهناك تفصيلات لعجائب حصلت ببركة الخضر سجلتها كنيسة القديس جاورجيوس-الخضر في السلط، حيث تم رصد بعض تلك العجائب على النحو التالي:
«المجاورون للموقع كانوا في بعض الليالي يشعرون بحركة حصان يركض داخل الكنيسة والصوت كان واضحا، ثم كانت الكنيسة تضاء وتطفأ وهي مغلقة. كما أن البخور يتصاعد من داخل الكنيسة في أيام الجمع والسبت والأحد ويصل الى البيوت المجاورة. وفي في عام 1959م كانت تسكن بجوار كنيسة القديس جاورجيوس عائلة مسيحية ارثوذكسية وكانت ليلة ماطرة وعاصفة، حيث كان أحد الأبناء خارج البيت وكانت الزوجة نائمة والزوج يستمع الىالراديو وبصوت منخفض فطلبت الزوجة منه تخفيض صوت الراديو حيث سمعت صوت الضجيج، فأجاب الزوج بأن صوت الراديو منخفض جدا، وعند اغلاق الراديو واذا بالصوت يصدر من داخل كنيسة القديس جاورجيوس والصوت كان وقع أقدام فرس تسير من أول الكنيسة الى الساحة الخارجية ذهابا وإيابا، وكانت الأنوار الساطعة تشع داخل الكنيسة حيث تملّك الأسرة الخوف الشديد وهذا دليل الى أن القديس جاورجيوس يحضر دائما. وأيضا فهناك مريضة بالسرطان كانت بحالة سيئة جدا والمرض متفشي بها، والأطباء أفادوا ذويها بأنها لن تعيش سوى أسابيع قليلة، وكانت المريضة تحضر الى كنيسة القديس جاورجيوس باستمرار وأسبوعيا لتنظيف الكنيسة وتصلي وتدهن من زيت القناديل لإيمانها بأن القديس قادر على شفائها حيث تحسنت المريضة وراجعت الطبيب المختص الذي دهش بأنها لا تزال حية وعاشت بعد ذلك أكثر من خمسة عشر عاما الى أن لاقت وجه ربها. وهناك حكاية تروى للتدليل على أن القديس جاورجيوس نصير في الحروب، حيث يقال بأنه في اليوم الثاني من معركة الكرامة المشهورة حضر جندي مسلم من القوات المسلحة الأردنية وبلباس المعركة حيث يعمل سائق دبابة وطلب أن يزور كنيسة القديس جاورجيوس ليصلي، وعند سؤاله عن سبب حضوره مباشرة من المعركة الى الكنيسة روى القصة التالية بأنه كان في المقدمة وعند حدوث المعركة كان يسير بدبابته ويرى أمامه القديس جاورجيوس يمتطي جواده وبيده سيف يسير مخترقا المقدمة يقاتل بضراوة وهو يسير خلفه بالدبابة حيث حصل النصر للقوات الأردنية وصدت العدو رغم قوته. ويروى أيضا بأنه قبل 55 عاما كان هناك أخوان مريضان بمرض الجنون، أحضروهما الىالكنيسة وربطوهما بالحبال، وتركوهما ليلة كاملة داخل الكنيسة، وفي الصباح حضر الناس لمشاهدتهم، وبقدرة الرب كانوا قد شفوا تماما من هذا المرض.