ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: أضغاث أحلام الثلاثاء 18 مارس 2014, 12:09 am | |
| أضغاث أحلام سامح المحاريق - أخذت برامج تفسير الأحلام تحجز مكانا ثابتا ومتقدما على الخارطة البرامجية لكثير من المحطات الفضائية، وبعض الصحف والمجلات تفرد لها صفحات وتغطيات، وما إن يشتهر شخص ما بقدرته على التعامل مع ألغاز الأحلام حتى يتحول إلى مصدر إهتمام بالنسبة لمعارفه، مستشار من طراز خاص، يتذكرونه في اللحظات الأولى لاستيقاظهم، ولكن العلم لا يعترف بهذه الأمور كلها، فيتهرب من يؤمنون بتفسير الأحلام إلى خانة الروحانيات، وأحيانا الدين، من أجل تفسير انشغالهم بهذه المسألة. والحقيقة أن الدين، إذ يتحدث عما يراه النائم، فهو يتحدث عن أشخاص بعينهم، في حالات بذاتها، وهو لا يناقش مسألة الأطياف والخيالات التي تنتاب النائم، ولكنه يعرض لبعض الرؤى التي شاهدها الأنبياء وكانت تحمل تكليفات إلهية، وهذه مسألة مختلفة تماما عن النشاط الحلمي الذي يعايشه جميع البشر بصورة يومية. الشخص لا يحلم كل بضعة أيام، أو من وقت لآخر، ولكنه يحلم طيلة الوقت الذي يكون فيه نائما، بمعنى أنه يحلم مثلما يتنفس تقريبا، وبذلك تنتفي صفة الفرادة عن الحلم، ولكن الشخص عندما يستيقظ ينسى جميع الأحلام، إلا تلك التي شهدت اضطرابا أثناء نومه، بمعنى حدوث المقاطعة نتيجة صوت مرتفع، أو انفعال جسدي، فيكون انتقل إلى مرحلة معينة من الوعي، وبالتالي يتمكن من اقتناص بضعة مشاهد، يعتقد أنها حلم يحمل رسائل له من المستقبل، ويطلب من الآخرين أن يقوموا بتفسيرها، وعادة ما يصدق التفسير ويعتبره يحمل بشارة أو إنذارا ما، وفي الحقيقة، أنه لا يحمل أي شيء استثنائي خارج شروط الحياة العادية التي يعايشها الفرد. الحلم ليس نافذة على المستقبل، هو يمكن أن يكون توقعا من الشخص، ومن عقله، الذي يعيد ترتيب بعض المقدمات، متحررا من التحفظ الذي يحمله الشخص في حياته اليومية، ومن ثم يتوصل إلى نتائح منطقية ومعقولة، وعند حدوث هذه النتائج يعتقد أنها تحقيق للحلم، مع أنها مجرد محطات في حياته، ترتبت على نتائج صنعها هو أو فرضت عليه، وبكل بساطة، فإن عقله الباطن، قام بالتفكير خارج الصندوق، وفي وضعية مريحة، فتمكن من رؤية مسارات، وليس الإطلال على الغيب، وفي حالات كثيرة، يظهر الحلم أمنيات شخصية، سواء سلبية أو ايجابية، وبما أن الأمنيات تتحقق في الواقع بصورة أو بأخرى، ومن تلقاء ذاتها، يتصور الشخص أن حلمه يتحقق، بينما ما يتحقق فعلا هو تطور طبيعي للأحداث. لا أحد يمكنه أن يفسر الأحلام، إلا بعض المتخصصين أو الأشخاص الذين يعملون المنطق في تفهم الرموز، وبعضها من الأمور المتعارف عليها في علم النفس، مثل الأحلام التي تتعلق بالأماكن المرتفعة، أو الهرب من بعض الأشخاص، أو زيارة مدن غريبة، أو الفوضى، أو القتال، وجميعها يمكن أن تتعلق بأمور موازية في الواقع اليومي المعاش، ولكن يبقى أفضل شخص يمكنه أن يقوم بتفسير الحلم، هو الشخص نفسه، فوحده يمكنه بقليل من التأمل والاسترخاء، والتخلص من الفزع والتحرر من الخوف، أو من السعادة التي يصنعها أحد الأحلام، أن يتفهم ما الذي يعنيه تفسير حلم ما، ولكن ما الذي يمكن أن يستفيده الشخص من تفسير أحلامه بنفسه؟ إن غاية كل إنسان هي أن يفهم ذاته، أن يعرفها تماما، وفي الحياة الواعية، فإن الإنسان يستخدم الكثير من الحيل النفسية من أجل أن يحافظ على صورته أمام نفسه، بمعنى آخر، الحلقة غير المنتهية من خداع الذات، وفي النوم، فإن هذه الحيل النفسية تتراجع، ويمكن أن تكشف طريقة التفكير والمشاعر التي تنتاب الشخص النائم مع ما يراه من خيالات جانبا من شخصيته الحقيقية، ويمكنه أيضا أن يتعرف على سبب بعض مواقفه في الحياة، وأن يتعرف مثلا، على الأشخاص الذي تسببوا في متاعبه النفسية، فالشخص ضعيف الثقة في ذاته، غير القادر على التعامل بإيجابية مع الآخرين، وربما المنطوي، وكان ذلك نتيجة تسلط الأب وممارسته القمع في المنزل، فإنه يمكن أن يحلم بأبيه غاضبا، أو يشعر بعدم الارتياح في حالة كان والده أحد الشخصيات في الحلم، والشخص الذي يحلم بالموتى أو الأشخاص البعيدين، عليه أن يتذكر طبيعة علاقته معهم، وأن يحاول وصف هذه العلاقة بالإيجابية أو السلبية، وتذكر بعض المواقف المرتبطة بهم، ومحاولة تلخيص مشاعره، ليفهم ما الذي يعني حضورهم في نومه، ولو كان ذلك بعد غياب. الشخص لا يرى شيئا من خارج حياته، ومن خارج خبراته اليومية، ولكنه يمكن أن يرى تداخلا بين الأشياء، ومن ذلك المركب يشاهد أماكن وأشخاصا جددا، وعليه أن يحاول لدى استيقاظه أن يتذكر بعضا من التفاصيل، وأن يميز بين التفاصيل ليتمكن من معرفة سبب تخالط المعطيات في حلمه، وسبب تآلفها في الحلم، ما يرمز له ذلك من استكمال أو نقصان، وفي هذه الحالة يمكن أن يعرف أي مزاج حقيقي أو ذائقة يمتلكها، وما الذي يحاول أن يتجنبه أو يستكمله في أي شيء. المسألة مرهقة، والأحلام عالم خصب لفهم الذات، وبدلا من تضييع الوقت في مطاردة المفسرين الذين يسترزقون أو يمارسون التسلية، فإنها أرض جديرة بالاكتشاف، والمكان الصحيح للإنسان ليبحث عن نفسه، هو ذاته ورؤيته لنفسه من الداخل، وليس أي مكان آخر، والحلم هو الذات بدون أقنعتها التي يرتديها الناس مضطرين لمواراة المشاعر الخام التي تتعرض مع سلطة المجتمع وسطوته على الفرد. |
|