القاعدة الشرعية التي اتفق عليها كبار علمائنا وفقهائنا تنص على أن ارتكاب المعاصي والكبائر - وان اصر عليها صاحبها ولم يتب عنها - تخدش الايمان وتنقصه ولكنها لا تهدمه ولا تنقضه من أساسه، ولا تنفيه بالكلية (فكيف لو اعتذر وتاب) والدليل على ذلك كثير في الكتاب والسنة، ومنه: ان القرآن نص على أخوة القاتل لأولياء المقتول في آية القصاص (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر، والعبد بالعبد، والانثى بالانثى، فمن عفا له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء اليه باحسان)، كما أن القرآن الكريم أثبت الايمان للطائفتين المقتتلتين (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما..).
وفي سيرة رسولنا محمد عليه السلام ما يؤكد ذلك ويثبته، روى البخاري عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي عليه السلام كان اسمه عبدالله وكان يلقب (حمارا) وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي عليه السلام: لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه لا يحب الله ورسوله، وفي بعض الروايات: لقد علمت أنه يحب الله ورسوله.. كما ورد في حديث آخر عن قصة شارب الخمر الذي أمر النبي عليه السلام بضربه فضربوه، فلما انصرف قال بعض القوم: اخزاك الله، فقال عليه السلام (لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان) وفي رواية (لا تكونوا عون الشيطان على اخيكم)، (ولكن قولوا: اللهم اغفر له. اللهم ارحمه).
الخطأ - اذن - لا يجرد المسلم من ايمانه، ولا من ملته، و لا من الأخوة التي يرتبط فيها مع غيره من المسلمين، كما ان المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله، ولا تحرمه منهما ايضا.
واذا كان ذلك ما اخبرنا به عليه السلام، وما فعله بنفسه مع العصاة، فما بالنا نصر على تنكب طريقه حتى ونحن نعاقب من اساء اليه.. وما بالنا نطرد اخواننا من الرحمة والعفو، حتى وان تابوا واعتذروا، ونعين عليهم الشيطان بدل أن نعينهم عليه؟
هذا فيما يتعلق بالتوبة اما الهداية فهي مرتبطة بالله تعالى الذي اعطى كل شيء خلفه ثم هدى ولا يمكن لأحد - حتى الانبياء - ان يهدي الناس الا بمشيئة الله تعالى انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ولكن ثمة انواعاً من الهداية: هداية الفطرة التي وضعها الله في الكائنان كلها ، وخص الانسان المكلف بها وهديناه النجدين وهداية الدلالة والبيان والارشاد يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام والمقصود هو القرآن ، ثم وانك لتهدي الى صراط مستقيم والمقصود رسوله ، ثم هداية التوفيق والالهام والسداد اهدنا الصراط المستقيم وثمة هداية الى الجنة والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم وهداية الى النار فاهدوهم الى صراط الجحيم .. الخ.
وقد ورد مصطلح الهداية في القرآن الكريم عشرات المرات ، على اكثر من خمسة وعشرين وجهاً ، جاء احيانا بمعنى الدلالة او دين الاسلام او المعرفة ، وتارة بمعنى الارشاد او التوفيق او الالهام ، ويردد المسلم في كل يوم وليلة في صلاته اكثر من سبع عشرة مرة قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم وفي مطلع سورة البقرة يخبرنا الله تعالى بأن هذا القرآن هدى للمتقين ، ثم يخبرنا في السورة نفسها انه هدى للناس أجمعين.
قلنا ان الهداية الهية بامتياز ، لكن الانسان مطالب بالبحث عنها والسعي اليها وايجاد ما يلزم من الوسائل والطرق لتحصيلها ، فاذا ما استهدى زاده الله هدى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للايمان ومصادر الهداية متعددة منها الوحي والعقل والحواس ، ويبقى الوحي أهمها ، لأن الخطأ وارد في المصادر الاخرى اما التنزيل فثابت وصحيح ، وحسب الانسان ان يجاهد في دنياه بما اعطاه الله من امكانيات وبما سخره له في الكون من موجودات ، لينال الهداية ويفوز بنعمتها يا عبادي كلكم ضال الا من هديته ، فاستهدوني أهدًيكُمّ .. وعليه فالاستهداء بالايمان وبالعمل الصالح وبالتقرب الى الله بالصدقات والنوافل ، وبالنظر والتأمل في الكون هو واجب الانسان وهو يبحث عن الهداية.. او يتمنى ان يكون مع المهتدين.