من السهل أن تتعلّم ومن الصعب أن تُعلّم
إذا لم تتّصف ظاهرة الغش بالكم.. وبأنّها قاهرة فهي ليست بظاهرة..
أصاب النّاس الدّهشة والعجب من نتائج التوجيهي والنسب المئويّة التي أعلنت ؛ ولم يدُر بخلدهم للوهلة الأولى أن من أسباب هذه النتائج الحجر الوقائي الذي مورس على عملية الغش بحيث نقدت الخبيث من الطيب.
يُنظّر المرء ويُنظّر، وأحياناً يخطئ النظر وأحياناً أخرى يصيب، ولا أدّعي الصواب كلّه في ما أرى وفيما أقول، ولكن أحاول أن أفكر بصوت عالٍ وأنقل رؤياي تواصلاً مع الآخرين، وغايتي في ذلك الإصلاح لعبادٍ أمثالي في نفس البلاد، ومعنى ذلك أنّي ما برحتُ تحت منظومة أي إصلاح.
بناء على ما تقدّم فإني ما زلت في حالة تنظير للنظام الوقائي لواقع الغش في الإمتحانات والرادع إلى حد كبير إن صح هذا التوصيف.
إنّ المسؤول الذي رسم ونفّذ هذا النظام قد قام بإجراءات إداريّة قبل ذلك في ذات التربيّة والتعليم لعلاج ترّهل إداريّ وتسيب في قلّة من الموظفين ؛ ولقد أحيط بإنتقادات شديدة وتذمّرات عديدة.
جوبهت إجراءات هذا المسؤول الإداريّة -(التي ظنّ أنّها إصلاحيّة)- بإنتقاد غير مسؤول يسفّه مجهوده ؛ فبرز التساؤل الذي يقلب الموازين: لمَ لم يقم ذلك المسؤول بإصلاح المدارس قبل أن يصلح الوزارة ومديرياتها ؟ لا شك أن هذا النقد ينبع من قاعدة جهل عميقة تفتقر إلى الحكمة التي تقتضي البدء بالإصلاح من قمة الهرم التربويّ التعليميّ ؛ وهكذا فلا توضع العربة أمام الحصان كما يطالبون!!! ولقد وصف المسؤول السابق بأنّه «ديكتاتوريّ» ليس بالمعنى المستبّد ولكن بالمعنى المستفرد برأيه الذي يضرب بعرض الحائط آراء من حوله من الخاصّة ومن العامّة مع أنّ هذه الدكتاتوريّة هي حاجة ومطلب ضروري -أحياناً- بشرطها الكافي.
يصاحب نتائج التوجيهي عادةً ضجةً كبيرة من نوع أنّ الأسئلة صعبة كثيراً أو أن بعضها من خارج المادة أو أنّ الوقت المعطى لا يغطي أسئلة الإمتحان أو أنّه لا توازي بين الوقت المعطى وبين كم ونوع الأسئلة. أو أن التصليح فيه محاباة كبيرة. ( مع أنّ أسماء الطلبة غير مكشوفة للمصلّحين كما هو معروف ).
بادئ ذي بدء، لقد مارسنا أنا وغيري الإمتحانات منذ الصفوف الدنيا وحتى الدكتوراه فلم نجد في أيّ ورقة إمتحان أيّ سؤال صعب أوّ خارج المادة على الإطلاق ؛ أمّا فيمّا يتعلق بالوقت وعدم كفايته للإجابة على الأسئلة الموضوعة فهذا فيه من الصحة ما يوجب النظر فيه. وما وجدته في الواقع هو من الممكن أن يوجد سؤال لم يدرس موضوعه أو يفهم بشكل كافٍ، وهذا مما لا يتنبه له الطلبة في كثير من الأحيان، فهم يعلّقون قصورهم في الدراسة أو في الفهم على المعلّم ذاته ؛ ولا يعني ممّا سبق أن المعلّم لا يتحمّل مسؤوليّة النتائج بشكل عام وضعف الطلبة في التحصيل بشكل خاص؛ لا جرم أنّ الضعف والقصور ليس في الطالب وحده وإنّما في المعلّم ذاته ؛ فالمدارس تحوي عدداً لا بأس به من المعلميّن ممن لا يرغبون في التعليم أو من غير المؤهلين للتدريس إمّا لسبب نفسيّ ما يعاني منه المدّرس، وإمّا لعلّة فنيّة في المدرّس ذاته الذي لا يملك موهبة التعليم ؛ فالتعليم فنٌ صعبٌ لا يتقنه إلاّ المحترفون بهذا الفن، فمن السهل أن يتعلم المرء ومن الصعب أن يُعلّم، هذه مشكلة تواجه التربية والتعليم ومتعذّر حلّها، ذلك أن أعداد الطلبة يفوق كثيراً أعداد المعلميّن الملتزمين والمؤهلين والذين يجدون في التعليم متعة لا يضاهيها شيء، بل هي حياة متجدّدة باستمرارهم في ممارسة عمليّة التعليم، قد يكون الضعف أو القصور- وقليل ما هو- في المنهج المؤلف ؛ إمّا من غير المختصين في المادّة بحيث أنّهم غير مؤهلين لإخراج المواد من ناحية الفكر أو العرض ؛ وإمّا أنّ المنهج مترجم من الأجنبيّة التي يبدأ عرضها من الشمال إلى اليمين مثلاً، فينقل المكلّف بإصدار منهج المادة كما هي باللغة الأجنبية ؛ فلا يحتار الطالب فقط، وإنّما من توّلى التدريس لهذا الكتاب أو ذاك ولم يكن له دراية ببنية اللغة الأجنبيّة المكتوبة. وهذا ما وجدته -منذ سنين- في كتاب رياضيّات كانت تدرّسه إحدى معلمات الإبتدائيّة، وكان يشكو المعلم من عدم فهم التلميذ للمسألة المكتوبة، فأخذت الكتاب بين يديّ، وبعد برهة وضعته أمام المرآة فانعكس العرض ؛ فأصبح يُقرأ من اليمين إلى اليسار كما هو في لغتنا العربيّة، ولقد حدثت نفس المشكلة مع طلبة الماجستير في مادة فلسفة العلوم، حيث اشتكى الطلبة من كتاب المادة لمؤلف أجنبي اعتمد لهم وصعب عليهم فهمه، ولمّا اطلعت عليه وجدت مكمن الصعوبة في مترجم المادة الذي يترجم حرفيّاً مما يزيد الغموض غموضاً، فنصحت الطلبة وقتها بأن يقرأوا الكتاب باللغة الأجنبيّة , ففعلوا وفهموا أكثر.
تتداخل في المسيرة التعليميّة قضية هي -في نظري- أخطر وأهمّ ما يؤثر على تحصيل الطالب وعلى أخلاقه أيضاً. وتكمن المشكلة في كيفية التعامل مع الطالب بطريقة حضاريّة تعلّمه معنى التمدّن والرقيّ حيث أنّ بعض المعلميّن لا يتمتعون برصيد تربوي يتضمن حصيلة أخلاقيّة عالية أو يتميّز بأسلوب لا يهين الطالب أو يحقّره أو ينقص من شأنه الأكاديميّ، وللأسف فهذه المشكلة لا تُعاني منها المدارس فقط وإنّما الجامعات أيضاً ولكن بنسب أقّل من المدارس ؛ لذلك كان من الأهميّة بمكان الالتفات إلى هذه المسألة وإعطائها الأولويّة، ومعالجتها من قبل أخصائيين يعقدون دورات تربويّة وإرشاديّة للمعلميّن أولاً ثم للطلاّب ثانيّةً لتحسين الوضع التربوي العام ولإفراز القدوة الحسنة المؤهلة للتعليم تربويّاً وليس أكاديميّاً فقط.