تالا أيوب
المظلوم...،
المعذب في الأرض،
الحب عذاب،
بحبك يا ...
هذه العبارات وغيرها العديد نراها بكثرة في أماكن متعددة، على أسوار المدارس مثلاً، وفي الشوارع العامة والساحات وعلى مقاعد الدراسة والأشجار، والذي عادة يلجأ الأطفال والمراهقون الى كتابتها وخربشتها بفحم أو لون أو صبغ حتى لا يستطيع محوها أحد، ليس هذا وحسب بل وصل فيهم الأمر الى الكتابة والرسم داخل حمامات المدارس والجامعات.
ففن الرسم والكتابة على الجدران ليس بالجديد، فقد عُرف منذ العصور البدائية حيث لجأ الانسان القديم الى تجسيد قوته وطبيعة حياته من خلال الرسم على جدران الكهوف وجلود الحيوانات وجذوع الأشجار. وفي منتصف القرن العشرين تطور هذا الأداء وأصبح يُعرف باسم «الفن الجرافيتي».
ولكن هذه الظاهرة المنتشرة في الوقت المعاصر لها كفتين الاولى إيجابية وأخرى السلبية، فقد باتت معظم الشوارع تفقد بريقها وأناقتها من جرّاء غزو هذه العبارات لها، وبالأخص تلك الخادشة للحياء. وفي الجهة المقابلة تزينت جدران بعض الأسوار بأجمل الرسومات ذات الأشكال والألوان الجميلة.
فلماذا تُشوه شوارعنا بكتابة الكلمات البذيئة على أسوارها؟
ولماذا لا نستبدلها برسومات جميلة تزيد الشوارع جمالاً وفناً؟
وما هي الدوافع وراء قيام الأطفال والمراهقون بهذه الأفعال؟
تفريغ طبيعي للحب
المستشار في شؤون التربية ،الخبير بالمناهج التربوية «د.قيمر القيمري» ، قال ان دوافع هذه الظاهرة «متعددة الاتجاهات، فالدوافع لدى الأطفال اما تكون نتيجة تفريغ طبيعي للحب والتعلق وبالأخص باتجاه الوالدين، أو أن تكون محاولة لتقليد عناصر موجودة في بيئة الطفل».
فقد عبرت معلمة روضة عن اكتشاف رسماً على صدر وبطن طفلة ..وعندما سألتها :من تكون ؟
أجابتها انها أمي(...) وأحب أن يرافقني رسمها في المدرسة.
وتابع: «والكثير من جماليات رسم الأطفال يظهر على جذوع الشجر أثناء الرحلات، رغبة منهم للفت النظر عن وجود ابداع، أو قد يكون نتيجة الخوف وعدم القدرة على التعبير الجهري أو اللفظي، ويتم ذلك من خلال الرسم والكتابة بدلاً من الكلام المباشر».
رغبة في التعبير عن الذات
كشف «سمير» عن سبب كتابته على بعض الأسوار قائلاً: «لقد كنت أعاني من حالة نفسية صعبة في فترة المراهقة، فأنا كبير على أن يهينني والدي ويغضب مني ويعاقبني جراء أخطاء ارتكبتها، وفي الوقت ذاته لا أستطيع التعبير والبوح بصوت مرتفع والدفاع عن نفسي لتسلط وجبروت والدي فكنت أعبر عن غضبي بالكتابة والرسم على أحد الاسوار المجاورة «.
..هناك ما يخص الدوافع النفسية والعصبية لدى المراهقين والراشدين ، وعن ذلك بيّن «د.القيمري» سببها نفسي ومتمثلاً ذلك في رغبة المراهق في التعبير عن ذاته دون الظهور أو الالتزام، كما وتمثّل أيضاً حالة كبت لا يستطيع المراهق البوح بها ويخجل أو يخاف التعبير عنها. وهذا يظهر كثيراً في حمامات المدارس والجامعات وكذلك على مقاعد الصفوف والقاعات. أو قد تكون محاولة لأخذ نصائح أو طلب دعاء أو حل لأمر ما يمثل عند المراهق معاناة وآهات من الحب أو الزواج أو مشكلة تعليمية عند معلم أو معلمة أو أستاذ جامعي. أو قد يكون الدافع هو محاولة للفت النظر، بالأخص عندما يشعر المراهق أن من يحب يتجاهله، أو جماعة مهمة أو أصدقاء يتفادونه. كما أن السخرية والاستهزاء والكره والحقد لشخص أو لجماعة ما أو فريق رياضي بعينه أو مدرّس أو مدرسة أو أستاذ جامعي يكون دافعاً أيضاً عند المراهقين والراشدين. بالاضافة الى إظهار الرغبة بالانتقام ممن يعتقد أنه قد ظلمه من حبيب أو مدرّس أو جماعة.
مشاعر مختلطة
للأسباب الاجتماعية دورها وحساسيتها : «ان التشهير وتشويه سمعة من يكره من فريق رياضي، أو جماعة حبيب تخلى عنه تعتبر احدى الدوافع الاجتماعية، وذلك بالاضافة الى التعبير عن القمع الأسري أو المدرسي أو الجامعي أو الاجتماعي الذي يعتقده المراهق، فباعتقاده بأنه مقموع من جهة معينة ويريد ازالته أو اشعار الآخرين به».
وتابع «د.القيمري»: «ومن الأسباب أيضاً التحذير من العواقب اذا لم تلبي حاجاته أو التعصب الرياضي والفكري، أو اظهار قوة الانتماء الفكري والاجتماعي والرياضي وغيرها و... ، بالاضافة الى تخليد الذكرى للمكان والزمان الذي أوشك على تركه فيحاول المراهق تجسيد الشوق والحنين بالكتابة والرسم وبالأخص على مقاعد الدراسة».
فيما عبرت «لبنى» عن ذكريات المراهقة قائلة: «كنت أستمتع بتواجدي في مكان ما في الساحة الخلفية من منزلنا السابق قبل الرحيل الى منزلنا الحالي، لأكتب الذكريات المتعلقة بتلك الفترة على الجدار وأأرخ اليوم ليصبح ذكرى جميلة، وأعيش المشاعر ذاتها التي كنت أمر بها في ذلك الوقت كلما ذهبت وقرأتها».
الاضطهاد والقمع
هناك عوامل سياسية من وراء الكتابات والخربشات ؛ رصدها «د. القيمري» ..وحدد اطارها بالقول : «التعبير عن الاحساس إما الاضطهاد والقمع (مثل الجدار العازل) أو الحب والانتماء، والتعبير عن المعارضة، والدعاية والإعلان كتلك التي نراها في مجالس الطلبة، والانتخابات البرلمانية وغيرها وكذلك الاعلانات التجارية». ..و أن: «جزءاً من الرسومات والكتابات مؤدبة محتشمة، وقسم أكبر فاضح يدل على تدني مستوى الثقافة، وتتم الكتابة والرسم إما من قبل فرد أو جماعة، بالاضافة الى أنها ظاهرة عامة في جميع دول العالم».
كيفية التخفيف من هذه الظاهرة
هناك من الحلول ما يمكن أن تخفف أو تهذّب من هذه الظاهرة تكمن في عدة جوانب ابتداء من الارشاد الديني والتربوي، وحرية الرأي والاستماع لأداء المراهقين وتقبل اقتراحاتهم وتجنب الاضطهاد والقمع داخل المؤسسات التعليمية وداخل الأسرة، كما ويوضع «صندوق اقتراحات» تظهر رغبات المراهقين وميولهم واتجاهاتهم بدلاً من الجدران ومقاعد الدراسة.
بالإضافة الى عمل «دراسات حالة» بشكل مستمر عن الأسباب، وتحليل ما يكتبه الأطفال والمراهقين وعدم إهمالها بهدف التوصل للدوافع، والانتباه الى النشاطات التي تلبي الحاجة وتقضي على الملل.
كما من الممكن التعبير عن المكنونات الداخلية برسم أجمل وألطف اللوحات على الأسوار والحاويات والذي بدا ذلك واضحاً لدى العديد من القائمين على المبادرات الفعالة والهادفة.
الاحد 2014-05-04