أمينة منصور الحطاب - ثمة أفكار تدور في الأذهان تترجمها الأقلام على شكل كتابات كالخواطر والأشعار والقصص والمقالات تحكي عن أمور تثير اهتمام الناس تشغلهم أحيانًا وتؤرقهم أحيانًا أخرى ، تلامس عواطفهم ومشاعرهم وتخاطب فيهم العقل الوجدان في خضم هذه الحياة ، هكذا نشأت عندي فكرة كتابة المقالات فكلما تعمقت في موضوع تعليمي أحسست أنه يلامس واقعنا التربوي قولبته على شكل مقال علّه يجيب عن بعض التساؤلات ويطرح أخرى قد تجد لها أصداءً من المتابعة والاهتمام ، بهذه الطريقة تعلّمت أبجديات مهنة التعليم وبها أيضا ما زلت أتعلم ضمن ما نسميه السياق الحقيقي للمعرفة أي بالممارسة والتعاون مع الآخرين وبالقراءة من الكتب وسماع غيري من المحاضرين ، وهذه الحقيقة لا مناص من الاعتراف بها ؛ فإذا أردت المعلومات فعليك بالقراءة ، أما إذا أردت الفهم فعليك بالتجربة ، فالتعليم الأفضل والأسرع يأتي من التجربة أكثر بكثير من التلقين وسماع الآخرين.
واقعنا التعليمي
في مدارسنا يحبذ الكثير من المعلمين عملية التلقين في التعليم ،واعتماد الكتاب المدرسي كمصدر أساسيٍّ للتعلّم. فما أن يدخل المعلم حصته الصفية حتى يمطر طلبته بوابل مستمر من المعلومات وكأنه المصدر الوحيد للمعرفة ، فهو من يتكلم ويشرح ويفسر ويطبق ويحلل وأظنه هو فقط من يتعلم ! وعلى الطلبة الانصات ،والابتعاد عن النقاش ، وممنوع عليهم إبداء أي نشاط ، فالسكون أساس الالتزام ،والجلوس في المعقد الصفي من قواعد النظام المدرسي ، وهذا هو الجنون بعينه لأنه ينافي الفطرة والطبيعة الإنسانية ،فالتعلم الفعّال لا يتم إلا من خلال الحركة والنشاط مما يكسبه صفة الديمومة ويبقيه مدى الحياة.
التعلم المبني على النشاط
يرتكز التعلم المبني على النشاط على القيام بنشاطات تسمح بالحركة الجسدية أثناء عملية التعلم بهدف استخدام أكبر قدر ممكن من الحواس ، وإعطاء الفرصة للجسد والعقل للانخراط معا في العملية التعليمية ، بينما يميل التعليم الكلاسيكي لإبقاء المتعلمين ساكنين في مقاعدهم لفترة طويلة من الزمن ، وهي الحالة التي تؤدي نظريًا إلى شلل في الدماغ وإبطاء عملية التعلم أو حتى إيقافه كليا. إذ لا بد من الحركة لإيقاظ المتعلمين وتنشيط الدورة الدموية في أدمغتهم، وهذا يمكننا من الحصول على نتائج إيجابية من عملية التعلم ، ومن هنا فإن التعلم المبني على النشاط أكثر فاعلية في التعليم من ذلك المبني على العروض التعليمية ، لأنه ببساطة يجعل الطلبة ينخرطون في التعلم بكافة حواسهم وبكامل ذواتهم ويشعرهم بالمتعة والانجاز.
التعلم المثالي
لقد أثبتت الدراسات أنه للوصول إلى تعليم مثالي لا بد من الجمع بين الحركة الجسدية والنشاط الفكري واستخدام كافة الحواس لا سيما السمعية والبصرية منها بشكل متزامن ومتوازٍ ، وفيما يلي شرح لهذه المكونات:
التعلم الجسدي
ونعني به التعلم الملموس أو الحس حركي لأنه يعتمد على التجريب ، وتحريك الجسم أثناء التعلّم ، وإخراج المتعلمين من مقاعدهم بين الفينة والأخرى للقيام بنشاط تعليميٍّ مثل : المحاكاة والألعاب الفردية ، والرحلات ، وإجراء التجارب وغيرها من النشاطات.
التعلم السمعي
إن العقل السمعي لدى الإنسان أكبر تأثيرًا مما يمكن أن نتخيل ، إذ لا تتوقف الأذنان عن استقبال المعلومات السمعية وإرسالها لمراكز التخزين في الذاكرة. ومن جهة أخرى فنحن عندما نصدر أصواتنا الشخصية ونسمعها نفعّل بذلك مراكز دماغية ذات أهمية ؛ لذا علينا إفساح المجال أمام المتعلمين لمناقشة ما تعلموه وتشجيعهم على التحدث عما فهموه.
التعلم البصري
إن الحدة البصرية وإن كانت ضعيفة عند البعض إلا أنها بشكل عام قوية عند المعظم ، والسبب في ذلك امتلاك الدماغ لأدوات معالجة بصرية أكثر بكثير مما للحواس الأخرى من أدوات . لذا كان من المهم أن يشاهد المتعلمون ما يتعلمونه من الكتاب المدرسي أو من البرامج الحاسوبية بأشكال بصرية متنوعة و الرسومات والصور والأيقونات ،بل إن الأفضل من ذلك أن يصنعوا المساعدات البصرية بأنفسهم ويرسموا لها المخططات.
التعلم الفكري
ويقصد به عملية خلق الفهم السليم من خلال ربط التجارب يبعضها وبالحقائق مما يسمح للدماغ ببناء شبكات ووصلات عصبية جديدة ، وبالفكر يحوّل الانسان الخبرة إلى معرفة ، والمعرفة إلى فهم ، والفهم إلى حكمة.
أن مهنة التعليم علم وفن ، فما تعلمناه في الجامعات يحتاج للمسات فن وذوق وجمال تضفي على عملية التعلم النكهة الانسانية والطابع الحضاري الذي ينهض بهذه الأجيال ويرتقي بها نحو السمو والعلياء.