كارثة الكيانات القطرية!
الكيانات القطرية هي أكبر وأخطر كارثة ابتليت بها الأمة الإسلامية في تاريخها، وذلك لأسباب كثيرة، من أبرزها تدمير إمكانات الوحدة بين المسلمين، وإطلاق أسوأ ما في نفوسهم من مظاهر الأنانية والتصارع والانعزال والخسة والاستعداد للارتماء في أحضان القوى المعادية للإسلام من أجل الدفاع عن تلك الكيانات الهشة، التي لا تخدم في الحقيقة إلا القوى الخارجية التي وقفت خلف إنشائها، ومن بعدها العصابات المحلية العميلة الفاسدة التي أوكلت إليها تلك القوى مهام التحكم المباشر بتلك الكيانات، بينما يظل أعضاء الأغلبية الساحقة من الذين ابتليوا بالتبعية لتلك الكيانات أقرب لقطعان العبيد المحرومة من الحرية والكرامة، حتى وإن تمتعوا في حالات قليلة بشيء من العيش المرفه.
إن الكيانات القطرية تعبر عن مفهوم متناقض بالضرورة مع الإسلام، فالإسلام يؤكد قيماً تشاركية راسخة من قبيل أن الأرض جميعها لله، وأن الناس شركاء فيها وفي خيراتها، وأن المسلمين إخوة، لا يسلم أحدهم الآخر أو يظلمه أو يحقره أو يخذله. والمتأمل فيما تقوم عليه الكيانات القطرية من أسس وسياسات يكتشف ببساطة أنها تعادي تماماً كل تلك القيم الإسلامية. فأين هو الإسلام في أن يمنع المسلم أخاه المسلم من دخول كيانه العتيد، وأن يستعبده ويذله ويتكبر عليه في حال السماح له بالدخول للعمل مثلاً لأنه لا يحمل جنسية ذلك الكيان! وأين الإسلام في أن يعيش المسلم حياة مترفة يصاب فيها بالتخمة، بينما يموت أخوه المسلم جوعاً لمجرد أنه ينتمي لكيان فقير! وأين الإسلام في أن يرى المسلم في أخيه عدواً لدوداً ينبغي معاداته لوجوده ضمن حدود كيان قطري آخر ينافس كيانه على أرض أو بئر نفط أو حتى مباراة كرة قدم، ولا بأس بالاستعانة بأعداء الإسلام والاستقواء بهم ضد ذلك الأخ إن لزم الأمر!
إن الكيانات القطرية التي أوجدتها ووضعت حدودها القوى الاستعمارية الخارجية أو الطغم المحلية الأنانية المستغلة، أو كليهما، قد أصبحت أصنام جاهلية أخرى يعبدها الناس من دون الله. فالكل يعلم أن سب الذات الإلهية أو نبي الإسلام ورموزه قد يمر دون عقاب يذكر في معظم الكيانات القطرية فيما يسمى بالعالم الإسلامي، أما إهانة أعلام تلك الكيانات أو حكامها فتعد جريمة نكراء قد تلقي بفاعلها وراء الشمس! والكل يعرف تلك الشعارات الثلاثية التي تشيع في الكيانات القطرية العربية، التي تساوي نظرياً بين الله والوطن والحاكم، وإن كانت تجعل من الحاكم الإله الفعلي على أرض الواقع، فتجبر الناس على تقديسه وإطاعة أوامره دون نقاش!
وحتى تخفي تلك الكيانات القطرية وجهها الحقيقي القبيح القائم على الاستغلال والقهر تبنت أو استوردت مفهوم الوطن، وجعلت منه قناعا تخدع به السذج من عبيدها. فبات المرء مجبرا على أن يكون ولاؤه الأول للأخير لما سمي بالوطن، والقوانين المفروضة في هذا الوطن، مهما تعارضت مع دينه وأخلاقه وعقله ومصالحه. ليصبح مطالبا بأن يشهر سيفه في وجه أخيه المسلم بحجة الدفاع عن وطنه ومصالح وطنه، مع أنه لا يدافع في واقع الأمر إلا عن الطغم الحاكمة التي لا تكترث على الإطلاق إن هلك في سبيل بقائها!
إن ما على المسلمين اليوم في البلدان العربية النضال من أجله كأولوية لا بد منها هو إسقاط أكذوبة الأوطان، التي لا تمثل في حقيقة الأمر إلا كيانات قطرية مصطنعة، ما وجدت مذ وجدت، إلا لكي تكرس وجود الطغاة الخارجيين والداخليين وتحمي مصالحهم وامتيازاتهم المنهوبة من دماء الحمقى الذين يدينون لهم بالتبعية والخضوع.
صدقوني أنه لن تقوم للمسلمين قائمة ما داموا يرتضون بالحركة ضمن حدود اللعبة التي رسمها لهم أعداءهم وحسب القوانين التي اختلقوها لهم. وأول ما يحتاجون إليه على طريق نيل الحرية ولعب الدور الذي خلقهم الله للعبه على هذه الأرض هو اختراق تلك الحدود الزائفة وكسر تلك القواعد المخادعة، القائمة على تجزئتهم وإضعافهم وتمكين قوى الطغيان والعمالة من التحكم بهم والتلاعب بمصائرهم.
وأول ما يجدر بالمسلم أن يفعله على ذلك الصعيد هو تحديد هويته بصدق وحسم، وهذا أمر في منتهى الأهمية والخطورة. فالمسلم الحقيقي يعرّف نفسه على أنه مسلم أولاً وأخيراً، دون أدنى اهتمام يذكر بالمكان الذي ولد فيه أو الكيان الذي يحمل أوراقه الثبوتية. فمن يعرف نفسه بأنه مصري أو عراقي أو سوري أو جزائري أو سعودي، بما يتجاوز المعنى الجغرافي للتعريف، وهو يتحدث بفخر، لا يختلف كثيراً عن أبي جهل وأمثاله من أصحاب العصبيات القبلية الجاهلية المنتنة، الذين سيستقرون في الجحيم. فعندما يموت المرء، سيسأل عن دينه، وفيما إذا كان مسلما أم لا، فهذا هو ما سينجيه، وليس انتسابه لهذا الكيان القطري أو ذاك!