زواج الأب بعد وفاة الأم.. "نار" تأكل الأبناء 

زواج الأب بعد وفاة الأم.. "نار" تأكل الأبناء 

لا يختلف أحد على أن وفاة الأم تؤثر على الأسرة من مختلف الجوانب، مهما كان عمر الأبناء، فالأم “تلم” العائلة، على حد تعبير راية، التي فقدت والدتها منذ سنوات قليلة، إلا أن الألم الذي ما تزال تشعر به عند زياة أهلها يشعرها بـ”الحزن”.

وتقول راية، وهي متزوجة ولديها طفلان، إنها منذ وفاة والدتها وزواج أبيها من أخرى، أصبح بيت العائلة “بلا روح”، وبحرقة تتابع حديثها “رحلت من كات تستقبلنا بدفئها وبحبها وحنانها، وبالدعاء”.

راية التي باتت تشعر بالحزن عند زيارة بيت أهليها بعد وفاة والدتها، قللت من زياراتها كونها فقدت “حس أمها وعبقها”، في المنزل، لاسيما أن والدها رغم تقدمه بالسن ووجود أفراد العائلة جميعهم إلى جانبه أصر أن يتزوج بعد عشرة طويلة جمعته بالوالدة رحمها الله.

حالة أسماء لا تختلف كثيرا عن راية، حيث تقول “تزوج والدي الستيني بعد وفاة والدتي بشهرين فقط، على الرغم من أن علاقتهما كانت مميزة وفيها الكثير من المودة والمحبة”، متابعة “لم نعترض على زواجه نهائياً، كونه أصبح يعيش وحده في المنزل وبحاجة إلى من يقوم على رعايته”.

وتضيف أسماء “أنا وأخواني متزوجون ومن الصعب أن نقوم بزيارة والدنا كل يوم ومساعدته في أعمال المنزل، وهو رفض الخروج من البيت للعيش عند أحدنا”، فكان خيار الزواج “أصعب الأمرين” وفق وصفها.

وتقول أسماء بحزن “الجرح لم يلتئم بعد فترة شهرين قصيرة جدا لنجد واحدة أخرى حلت مكان والدتنا”، متابعة “فقدان الأم يوجع القلب وزواج الأب بعد وفاتها يوجعه أكثر”، مستدركة “غير أن الواقع يحتم أحيانا أن يتقبل الإنسان الأمر على مضض”.

وتعتقد الاختصاصية الأسرية والنفسية الدكتورة خولة السعايدة أن حب الأب للزوجة ووفاءه لها له انعكاساته على الأبناء، من حيث رؤيتهم لمدى الحب، ما ينعكس إيجابياً عليهم ويُشعرهم بالأمان والطمأنينة على بيت العائلة، إلا أن الصورة السلبية التي أحدثها المجتمع عن زوجة الأب، تحفز البناء على عدم تقبلها في البيت بدلاً من الأم، حتى بعد وفاتها.

من الناحية المجتمعية، يرى اختصاصي علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور سري ناصر أن المشكلة في مجتمعاتنا أنه يحتكم لمعتقدات وأفكار كثيرة، قد تحتمل الخطأ والصواب، ومنها الاحتكام إلى أمور الزواج، كما في زواج الأب أو الأم، ووجود زوجة أب في البيت.

وبالنسبة للأبناء فإن وفاة الأم تعني فقدانهم للحنان والعطف والسؤال الدائم منها، لذلك يكون لوفاتها وقع خاص على البناء، سواء أكانوا متزوجين أو مقيمين معها في البيت خلال وفاتها، ووفاتها تعني فقدان جانب كبير من سبب تواجدهم وحضورهم في بيت العائلة، ووجود زوجة أب في البيت بعد فترة من الوقت لوفاة الأم يعد نوعاً من مسببات الألم لهم، إذ إنهم يعتقدون بأن زوجة الأب “أخذت مكان الأم”.

ويعتقد ناصر أن التعميم في الحالات التي يتم فيها زواج الأب على أنها “مرفوضة وغير مقبولة” لا يمكن تعميمه على جميع الحالات، فهناك الكثير من الحالات التي تشير إلى أن زوجة الأب “قد تكون إنسانه محببة وودودة وتساعد في بناء نسيج البيت”.

وتبين السعايدة أن الأفكار السلبية التي التصقت بزوجة الأب إما ان تكون “وهمية أو من تجارب شخصية سابقة”، بالإضافة إلى الدور الكبير للإعلام من خلال عرض زوجة الأب على أنها “امرأة قاسية ومتسلطة”، من خلال المسلسلات والافلام، والتي لها كبير الأثر في عقول الأفراد وترسيخ الأفكار لديهم.

وفي حالة أخرى، يجلس الأب أبو خالد في منزله مع زوجته التي عقد عليها قبل سنوات قليلة لتساعده على قضاء حوائجه في البيت بعد أن توفيت زوجته الأولى، ولم يكن في البيت سوى ابنته التي تزوجت فيما بعد، إذ أكد أنه قرر التفكير في الزواج بعد أن لاحظ أن ابنته التي كانت في الجامعة غير قادرة على أن توفق بين عمل البيت ودراستها، لذلك فكر في الزواج من فتاة في “سن مناسب”، حتى تكون قادرة على التفاهم مع ابنته.

إلا أن ذلك لم يكن بالقرار السهل، إذ واجه بعض الرفض من أبنائه، وخاصة المتزوجين منهم، كونهم لم يتقبلوا فكرة وجود امرأة في البيت غير والدتهم، إلا أن تدخل بعض الأطراف من العائلة كان سبباً في إقناعهم، وبالفعل تم الزواج، وبعد فترة من الوقت تزوجت إبنته، وبقي هو وزوجته الجديدة في البيت.

ويرى أبو خالد أن زواج الرجل بأخرى بعد وفاة زوجته لا يعني بالضرورة أن يكون “شخصا ناكراً للعشرة ولا يحب زوجته”، كما يعتقد ويقول البعض، بل إن الرجل لا يكون قادراً على تحمل أعباء المنزل، ويريد من يشاركه باقي أيام حياته، خاصة وأن الأبناء يكونون متزوجين ومنشغلين بحياتهم اليومية وأبنائهم، وهنا لا يجد الرجل سوى زوجه يشاطرها حياته.

وبحسب ناصر، فإن المجتمع الذي يرفض فكرة زواج الأب بعد وفاة زوجته، قد تكون لديه “نظرة خاطئة، ومتأثرة بوسائل الإعلام التي تبين أن وجودها في البيت قد يؤثر في طريقة تفكير الأب ومحبته في طريقة تعامله مع أبنائه”، متابعا “وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون صحيحا”، مشيرا إلى أن “الرجل بحاجة إلى سيدة بجانبه تساعده في حياته، بعيداً عن نظرة المجتمع وأفكاره”.

وترى السعايدة أن للأب دورا كبيرا في أن يجعل أبناءه يتقبلون زوجة ابيهم، حيث إنها تساعده وتخدمه في حياته، وأن “لا أحد يأخذ مكان أحد”، ويكون ذلك بتوطيد العلاقة بينهم، مع التأكيد على إيجاد وسيلة تواصل بينهم، بغض النظر عن أعمارهم، وتبادل الاحترام فيما بينهم.