[rtl]الأقصى .. حرم لا ينقضه هيكل مزعوم[/rtl]
[rtl]
[/rtl][rtl]
وليد سليمان - في كتابه الصادر في عمان عام 2009 نطلع على حقائق هامة حول «هكيل اليهود المزعوم» من خلال بحث الدكتور المهندس المعماري الاستشاري بديع العابد، مثل تركيزه على أنه منذ احتلال الكيان الصهيوني اليهودي للقدس سنة 1967م ودعاوى ومزاعم هذا الكيان تتوالى بوجود هيكلهم المزعوم. فتارة يزعمون أنه مكان قبة الصخرة المشرفة، وتارة شمالها، وتارة مكان الكأس بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وأخرى في محيط الحرم. وهدفهم من هذه المزاعم هو تحقيق حضور مادي معماري يهودي لمزاحمة الحضور المعماري الإسلامي في الحرم الشريف كمرحلة أولى تمهد لأزاله الوجود الإسلامي برمته، معماريا وبشريا، من القدس، والقضاء على شخصيتها البصرية وهوايتها المعمارية العربية الإسلامية. وهذه المرحلة تمهد بدورها لهدم كنيسة القيامة وأزاله الوجود المسيحي من المدينة لتصبح مدينة يهودية كما تقضي الشريعة اليهودية.
وتهدف دراسة الدكتور العابد إلى بيان حقيقة الهيكل المزعوم ونفي وجوده، وتوضيح نوايا وغايات الكيان الصهيوني اليهودي حول الحرم الشريف ومدينة القدس. ولتحقيق هذه الأهداف. فما بين حقيقة الهيكل المزعوم موضحا تكوينه الفراغي وعناصره المعمارية وأصولها الدينية والحضارية. ثم تعرض لمحاولات المعماريين والآثار بين اليهود لتحديد موقع الهيكل المزعوم داخل الحرم الشريف وفي محيطه، مبينا المصادر الكتابية الدينية اليهودية والتاريخية التي استندوا إليها في هذه المحاولات، موضحًا التناقضات بين هذه المصادر.
ويقول :» سأفند هذه المحاولات بالبراهين الهندسية وبالأدلة العلمية والمادية والدينية وبالبيانات المنطقية، والأخص الهدف الرئيسي لهذه الدراسة وهو تفنيد الادعاءات اليهودية بوجود الهيكل المزعوم، الذي لا سند الدراسة وهو تنفيذ الادعاءات اليهودية بوجود الهيكل المزعوم، الذي لا سند لها في التاريخ، ولا اثر لها على ارض الواقع، ولا حضور إلا في خيالهم .»
وبين أن المعابد في حضارات العراق القديم كانت تبنى على دكة (مصطبة) عالية كمساكن للآلهة. كما أن الأثاث المستعمل في هذه المعابد هو نفس الأثاث الوارد وصفه في الهيكل المزعوم. وكذلك طقوس العبادة المنصوص عليها في الإسفار الخمسة (التوراة) وفي وصف الهيكل المزعوم لا تختلف عن طقوس العبادة في الحضارة الكنعانية وحضارات العراق القديم والحضارة المصرية الفرعونية.
وهذا يوضح أن ما ورد في العهد القديم من وصف للهيكل المزعوم ليس إلا اختلاقا من مُدوِّنيه، ونقلاً عن المعابد الكنعانية وغيرها، ومما يعزز هذا الرأي هو أن الكتابية اليهودية تزعم أن سيدنا سليمان بني سورا لمدينة حاصور، وهذا يعني أن سليمان كان مطلعا على المعبد الكنعاني في حاصور. كما إن عمليه التقليد في حد ذاتها توضح أن الهيكل حاجة نفسية أكثر منه ضرورة دينية . ومما يؤكد هذا الرأي أن بناء الهيكل المزعوم لم يتم إلا بعد انقضاء 480 سنة على الخروج اليهودي .
وبعد أن أصبح لليهود كيان سياسي موجود على الرغم من هشاشته وقصر مدته، إن صدقت المصادر الكتابية اليهودية. يوضح هذا الرأي، أن اليهود كانوا غير قادرين على بناء الهيكل المزعوم الذي لا تتجاوز مساحته 300 متر مربع، فالمصادر الكتابية اليهودية، كما أشرت سابقا، تذكر إن سيدنا سليمان استعان بالملك حيرام ملك صور، لمساعدته في بناء الهيكل المزعوم (ملوك أول 18-2:5)، وان العمال الذين بنوا الهيكل، الذين كان عددهم (153600) عامل، كانوا «أجانب» غير يهود (أخبار الأيام الثاني1:2)، والبالغ (183300) عامل غير يهودي!؟ فإذا كان اليهود عاجزين عن إنتاج عمال مهرة وحرفيين بعد 480 عاما من خروجهم من مصر، وبعد أن وصلوا إلى تنوع من الاستقرار الحضاري. فكيف كانوا قادرين على تنفيذ ما جاء من وصف فني لعناصر خيمة الاجتماع في التيه؟ فهذا بدوره يؤكد أن مدوني العهد القديم اختلقوا وصف كل من خيمة الاجتماع والهيكل المزعوم. كما أن بعض المختصين بتاريخ الشرق القديم يعزون الأصول المعمارية لكل من تصميم خيمة الاجتماع والهيكل المزعوم إلى أصول مصريه قديمة، كما بينت سابقا. وبهذا يتضح لنا أن الهيكل المزعوم مبنى عبادة مستعار، وليس وليد حاجة أو ضرورة دينية. فلو كان كذلك، أي وليد ضرورة، لما اقتصرت الديانة اليهودية على مبنى عبادة واحد، ولما علقت العبادة اليهودية بعد الدمار المزعوم للهيكل المزعوم.
مصادر وصف الهيكل المزعوم
إن المصادر النظرية التي اعتمد عليها في عمل نموذج الهيكل المزعوم أربعة وجميعها متناقضة مع بعضها البعض وهي:
1- العهد القديم
2- وصف المؤرخ اليهودي جوزيفيوس في كتابيه آثار اليهود Antiquities of Jews & Wars of Jews
3- المشناة (شروح العهد القديم والجزء الرئيسي في التلمود)
4- درج (لفافة) الهيكل من وثائق قمران( البحر الميت) Dead Sea Scrolls
فما ورد في المشناة، وهي الشروح الشفوية للعهد القديم، وتشكل الجزء الرئيسي من التلمود (والجزء الآخر هو الجمارة)، لا يتوافق مع وصف المؤرخ جوزيفيوس.
كما أن ما جاء في سفري الملوك الأول وحزقيال من العهد القديم يتناقض كليا مع ما جاء في درج الهيكل من وثائق قمران. حيث ضاعف الأخير مساحه الهيكل إلى ثلاثة أضعاف مساحه هيكل هيرود ويخصص حوشاً لكل سبط من أسباط إسرائيل وذلك حسب ترتيب الأسباط حول خيمة الاجتماع في التيه. بينما ما ورد في سفر حزقيال يتطلب أضعاف مساحة القدس الحالية.
كما أن مصدري العهد القديم ودرج الهيكل ما هما إلا تصورات لتصميم الهيكل المزعوم، وهما متناقضان بالكامل، ناهيك عما أن ما ورد في العهد القديم جاء في الأسفار المتأخرة وليس في الأسفار الخمسة الأولى(التوراة).
أي أن ما جاء في العهد القديم ليس أمرا إلهيا، أي ليس من الشريعة اليهودية، بل من النبوءات والإضافات (الأسفار التاريخية) التي وضعت من قبل مُدون أو مُدوني العهد القديم، التي أعيد تحريرها وكتابتها أكثر من مرة.
بينما وصف جوزيفيوس تم بعد دمار الهيكل المزعوم على يد الإمبراطور الروماني تيطس سنه70م لان جوزيفيوس كان قائدا عسكريا في الجليل أسره القائد الروماني فسبيسيان Vespasian والد تيطس Titus، حيث تحول عن اليهودية في الأسر، ورافق تيطس في حروبه وعمل مؤرخا له، أي أن اشتغاله بالتاريخ كان بعد دمار الهيكل المزعوم لا يخرج عما جاء من وصف للهيكل المزعوم في سفر الملوك، أي أن وصفه ربما يكون نقلا وليس عيانا.
واللافت للنظر انه لم يرد ذكر للهيكل المزعوم على قوس النصر الذي بناه تيطس في روما تخلدا لانتصاراته الحربية. وهذا يعزز رأيي في أن الهيكل المزعوم لا وجود مادي له.
وأما المشناة فلم يتم جمعها إلا في القرن الثاني الميلادي، واشتملت على وصف لمقاسات الهيكل المزعوم ووصف آخر للممارسة طقوس القرابين، والمشناة متناقضة كليا مع وصف جوزيفيوس. فعلى سبلي المثال مقاسات الهيكل المزعوم وملحقاته عند جوزيفيوس (350×350 ذراع) بينما في المشناة (500×500 ذراع) .
أما ما ورد في القران الكريم من آيات خاصة بعناصر معماريه، والتي قد يتبادر للبعض أنها تشير إلى الهيكل المزعوم، كان الأمر مختلفاً تماماً. فالمحاريب التي ورد ذكرها (في الآية 13 من سورة سبأ) « يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ... « ، فالمحاريب لا تعني مبان للعبادة، بل تعني المباني الرفيعة العالية كما فسرها الفخر الرازي في تفسيره الموسوم بمفاتيح الغيب، وهي ليست بالضرورة مباني دينية. كما أن المسجد الذي ورد ذكره( في الاية1 من سورة الإسراء)....» لا يعني البناء بل مكان السجود. وهو المكان الذي سيصبح مسجدا فيما بعد، أي باعتبار ما يكون. ونفس التحديد حصل في الكعبة المشرفة( في الاية 26 من سورة الحج): وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ..»أي حددنا موقع بناء الكعبة لإبراهيم، الذي أمر ببنائها لاحقا كما ورد ( في الايه 127 من سورة البقرة ) « وإذ يرفع إبراهيم قواعد البيت وإسماعيل ...» وهذا يعني إن موقع البناء حدد أولاً، ثم أن عمليه البناء تمت لاحقا. أي أن موقع المسجد الأقصى حد أولا وعملية البناء تمت لاحقا. وابتدأت في عهد عمر بن الخطاب واكتملت في عهد الوليد بن عبدالملك. وانه لا وجود لمسجد مبني قبل تحرير القدس سنة (15هـ-636م)على يد عمر بن الخطاب،بل لموقع المسجد الذي ذُكر في سورة الإسراء .
كما أن ما ورد في المصادر العربية الاسلامية عن وجود مسجد لداود لا سند له في التاريخ، ولم نجد له دليلا في المدونات اليهودية، ولا حضور له على ارض الواقع، وان ما قام به داود هو بناء مذبح كما زعم العهد القديم. ولم يثبت يقينا أن موقع هذا المذبح كان في موقع الحرم الشريف الحالي. وربما يرجع هذا الخلط بين المسجد والمذبح إلى عدم معرفه علماء المسلمين بماهية الديانة اليهودية وطقوس ممارسة عبادتها، القائمة على تقديم القرابين على يد الكهنة، الذين نصبوا أنفسهم وسطاء بين عامه اليهود والله . كما أن أماكن العبادة اليهودية مقتصرة على مبنى واحد، وهو الهيكل المزعوم، الذي يحظر دخوله على عامة اليهود ويقتصر فقط على الكهنة. وهذا يتناقض مع وظيفة المسجد وطبيعة العبادة الإسلامية التي تمارس مباشرة من عامة المسلمين وبدون وسطاء بينهم وبين الله، ناهيك عن أن مباني العبادة الإسلامية (المساجد) مفتوحة لكل المسلمين في كل الأوقات، وهي من كثرة بحيث يتعذر حصرها.
والادعاء بوجود هيكل لا أساس له، فجميع أعمال التنقيب التي قام بها علماء الآثار ومهندسو الجيش البريطاني، والأثاريون والغربيون واليهود منذ سنه 1838-2008 لم تسفر عن كشف أي بقايا أثرية لها علاقة بالهيكل المزعوم.
وخرج علماء الآثار اليهود بنتيجة قاطعة، مفادها انه لا وجود مادي للهيكل المزعوم. إلا أن أطماعهم السياسية لا تريد الاعتراف بما توصل إليه علم الآثار من نتائج، ناهيك عن حاجتهم النفسية لهوية معمارية تدعم كيانهم السياسي المصطنع، الأمر الذي دفعهم لتوظيف مصادرهم الكتابية المحرفة والملفقة مرة أخرى ليعززوا زعمهم بوجود الهيكل!! .[/rtl]