كلمات محمد حسنين هيكل الأخيرة: الرحلة انتهت لا تعاندوا القدر
February 17, 2016
القاهرة ـ «القدس العربي» ووكالات: رحل الكاتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل «الأستاذ»، عن عمر ناهز 93 عاما بعد صراع مع المرض، فكانت قد ساءت الحالة الصحية لهيكل منذ ثلاثة أسابيع، حين بدأ بالخضوع لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته، بعد تعرضه لأزمة شديدة بدأت بمياه على الرئة رافقها فشل كلوي استدعى غسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعياً، كما امتنع عن تناول الأدوية والطعام في آخر أيامه إلى أن انتهى به القدر أمس.
وأعلن الكاتب الصحافي جمال فهمي، أحد أصدقاء الكاتب الراحل هيكل، إن أخر كلمات الأستاذ لأبنائه هي: «الرحلة انتهت لا تعاندوا القدر».
علم صحافي قدير
ونعى الرئيس عبد الفتاح السيسي ببالغ الحزن والأسى، الراحل محمد حسنين هيكل، وتقدم الرئيس بخالص التعازي والمواساة لأسرته وذويه وكافة تلاميذه ومحبيه من أبناء الوطن وخارجه.
وأكد الرئيس، «أن مصر فقدت عَلَماً صحافياً قديراً، أثرى الصحافة المصرية والعربية بكتاباته وتحليلاته السياسية التي تناولت فترات ممتدة من تاريخ مصر والأمة العربية، فكان شاهداً على أحداث ومحطات تاريخية هامة في التاريخ المعاصر، فضلاً عن إسهاماته العديدة من خلال الكثير من المؤلفات التي تناولت العديد من الأزمات والأحداث التي مرت بها مصر ومنطقة الشرق الأوسط».
ووجه البعض التعازي الحارة للكاتب الراحل، فنعى يحيى قلاش، نقيب الصحافيين، الكاتب الراحل هيكل، واصفًا رحيله بالخسارة التي لا تقدر، مشددًا على أنه قيمة غير مسبوقة في المهنة وتاريخها وفي تاريخ البلد.
وأضاف في تصريح له: «أن هيكل ليس مجرد صحافي وليس مجرد جرنالجي كبير وصل بقلمه إلى العالمية، وإنما كان مفكرًا وسياسيًا وقيمة وطنية كبيرة».
وأشار قلاش، إلى أن تأثير هيكل على أكثر من جيل وحضوره الطاغي في كل الأحداث سيجعله دائمًا يحتل مكانة من الصعب، أن يصل لها أحد، موضحا أن الراحل كان أحد أعمدة المهنة وأحد دعائمها وأحد النماذج التى مازالت تحتذى بها فى فترة المهنة فيه مضطربة.
وذكر نقيب الصحافيين، أن هيكل كان هو الأمان للجماعة الصحافية ومركز ثقل وتوازن ومرجعية وأن رحيله خسارة كبيرة.
ونعى الكاتب الصحافي خالد صلاح، رئيس تحرير مؤسسة «اليوم السابع»، الأستاذ هيكل، وقال خالد صلاح في تغريدة له عبر حسابه الرسمي على «تويتر»: «رحم الله الأستاذ هيكل، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه».
كما نعى محمود الشريف، وكيل مجلس النواب، هيكل، قائلا،» إن مصر فقدت كاتبًا عظيمًا كان له دور مهم فى مراحل تاريخية متعددة»، مشيرًا إلى أنه التقى شخصيًا مع «هيكل» عدة مرات خلال بعض اللقاءات وتبادلا أطراف الحديث حيث كان البعد الوطني فيها هو المحور الأساسي.
أدى دوره الوطني
وأضاف أتذكر مقالات هيكل التي يكتبها لتحمل رسائل متعددة عظيمة المعاني، غزيرة المضمون، قائلاً: «لقد أدى دوره الوطني على أكمل وجه».
وأعرب الشريف عن خالص تعازيه لأسرة الكاتب الصحافي والجماعة الصحافية في فقيدها، داعيًا أن يتغمد الفقيد برحمته ويسكنه فسيح جناته.
ونعت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية برئاسة الأستاذ الدكتور شريف شاهين، الكاتب الصحافي الأهم في تاريخ الوطن العربي محمد حسنين هيكل، وقدمت التعازي لذوي الفقيد، مؤكدة أنها تعزي الأمة العربية في مصابها الأليم وهى تواري الثرى واحدًا من أهرامات الثقافة والفكر العربي، وتعلن الهيئة استعدادها التام لاستقبال مكتبة الفقيد والوثائق التي كانت بحوزته وذلك لفهرستها وحفظها بما يليق بمكانة الكاتب الكبير.
فيما نعاه الفنان نبيل الحلفاوي وكتب تغريدة له عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، قائلا: «هيكل هو من أنشأ المراكز المتخصصة في الأهرام، رحمه الله كان يكتب السياسة بأسلوب أدبي رفيع، عزاؤنا لأسرته وتلاميذه وللصحافة العربية».
وأشاد الأزهر بدوره «في إثراء الحياة السياسية والصحافية بكتاباته الراقية التي ساهمت في تشكيل وعي كثير من المصريين ونهضت بالصحافة المصرية».
وأشاد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي «بالدور البارز الذي قام به الفقيد الراحل سواء من خلال مسؤولياته الحكومية في الدولة المصرية أو على الصعيد الفكري وإسهاماته الكبرى في الحياة العربية المعاصرة».
ووصفه عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في تصريح لقناة (سي.بي.سي اكسترا) التلفزيونية المصرية بأنه «قامة من القامات الرفيعة في مصر».
مسيرة طويلة
وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عين هيكل وزيرا للإرشاد القومي عام 1970 بجانب رئاسته لتحرير الأهرام.
وخلال رحلة طويلة بين الصحافة والسياسة كان صديقا مقربا لملوك ورؤساء أبرزهم في حياته المهنية عبد الناصر وبينهم الملك عبد الله أول من حكم الأردن وأحمد بن بلة أول رئيس للجزائر بعد استقلالها عام 1962 ومحمد رضا بهلوي آخر حكام إيران وآية الله الخميني زعيم الثورة الإيرانية التي أنهت حكم الشاه عام 1979. كما كان صديقا للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران.
وعبر تلك الرحلة تولى هيكل مهام ومناصب صحافية وسياسية. وخلال عمله وزيرا للإرشاد القومي أسند إليه عبد الناصر الإشراف على وزارة الخارجية لفترة وجيزة في وقت كانت فيه مصر تخوض حرب استنزاف ضد إسرائيل وتستعد لحرب تسترد بها سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
عمل هيكل مراسلا في دول منها إيران التي كانت موضوعا لكتابه الأول (إيران فوق بركان) عام 1951 ثم كتب بالإنكليزية عن إيران كتاب (عودة آية الله) عام 1982 والذي ترجم إلى العربية بعنوان (مدافع آية الله).
وكانت المحطة الأبرز في مسيرة هيكل الصحافية حين انتقل عام 1957 من رئاسة تحرير مجلة (آخر ساعة) الأسبوعية التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم إلى رئاسة تحرير صحيفة (الأهرام).
ومنذ العاشر من أغسطس/ آب 1957 ظل يكتب مقاله الشهير (بصراحة) في العدد الأسبوعي من الأهرام كل يوم جمعة واستمر في كتابته حتى الأول من فبراير/ شباط 1974 حين ترك الأهرام بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات وتفرغ لكتابة الكتب والمقالات وصار من أشهر كتاب العالم.
حاور هيكل أغلب الرموز السياسية والثقافية والفكرية في القرن العشرين منهم عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين والقائد البريطاني الفيلد مارشال برنارد مونتغمري والزعيم الهندي جواهر لال نهرو وصدرت هذه المحاورات في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ).
وكان هيكل مستشارا لعبد الناصر حتى رحيله يوم 28 سبتمبر/ أيلول 1970 وأصدر كتبا تدافع عن مشروعه للوحدة العربية ومنها (لمصر لا لعبد الناصر) ثم اختلف مع السادات بعد حرب أكتوبر تشرين الأول 1973.
وفي سبتمبر/أيلول 1981 أمر السادات باعتقال هيكل ضمن حملة شملت 1536 معارضا حزبيا وصحافيا ظلوا رهن الاعتقال إلى ما بعد اغتيال السادات بأيدي إسلاميين متشددين في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1981.
عشرات الكتب
وكتب هيكل شهادته على عصر السادات في كتابه (خريف الغضب) الذي أغضب محبي السادات لتعرضه فيه لبشرة والدته ست البرين السمراء.
وصدرت لهيكل عشرات الكتب التي تجمع بين التوثيق والتأريخ والشهادة ومنها (بين الصحافة والسياسية) و(حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر) و(الخليج العربي.. مكشوف) و(الإمبراطورية الأمريكية) و(المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) في ثلاثة مجلدات تشرح المسار التاريخي للمفاوضات.
وحمل المجلد الأول عنوانا فرعيا هو (الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية) والثاني (عواصف الحرب وعواصف السلام) والثالث (سلام الأوهام.. أوسلو – ما قبلها وما بعدها) حيث عارض اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل وكتب مقدمة كتاب (غزة – أريحا.. سلام أمريكي) للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد.
وسجل هيكل جوانب من تفاصيل وخلفيات الحروب العربية الإسرائيلية على ضوء الصراع الدولي في ثلاثة كتب تحت عنوان (حرب الثلاثين سنة) وحمل المجلد الأول عنوان (ملفات السويس) والثاني (1967.. سنوات الغليان) والثالث (أكتوبر 73.. السلاح والسياسة).
وحين بلغ عامه الثمانين في 2003 كتب سلسلة مقالات عنوانها (استئذان في الانصراف.. رجاء ودعاء وتقرير ختامي) ولكنه عاود الكتابة بين حين وآخر عن رحلة أو تجربة في صحف ومجلات منها (الكتب.. وجهات نظر) بالتوازي مع تركيز الاهتمام في برنامج (مع هيكل.. تجربة حياة) على مدى سنوات في قناة الجزيرة.
وقدم هيكل في البرنامج التلفزيوني شهادته على العصر من خلال سيرته المهنية حيث أعطى لكل مجموعة من الحلقات اسما دالا على الظرف التاريخي لها ومنها (زمان الحرب) و(أيام يوليو) عن ثورة 23 يوليو 1952 التي أنهت الحكم الملكي في مصر و(طلاسم 67) عن حرب يونيو/ حزيران 1967.
وأعلنت قناة الجزيرة عن بث حلقات عن حرب أكتوبر 1973 وأذيعت مقاطع من الحلقة الأولى التي كان مقررا أن تذاع يوم الجمعة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 ولكن هروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في ذلك اليوم أجل بث الحلقة ثم اندلعت الاحتجاجات الشعبية في مصر في 25 يناير 2011 فلم تذع الحلقات.
وسجل سلسلة حلقات لقناة (سي.بي.سي) التلفزيونية المصرية مع المذيعة لميس الحديدي بعنوان (مصر أين؟ ومصر إلى أين؟) اعتبارا من ديسمبر/ كانون الأول 2012 تناول فيها الأوضاع السياسية في مصر والمنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي.
وهيكل زوج لهدايت تيمور منذ عام 1955 ولهما ثلاثة أبناء هم علي وهو طبيب ورجلا الأعمال أحمد وحسن.