عندما قال بعض المحللين من العرب والأجانب إن إسرائيل كانت المستفيد الأول من العمليات الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة في 11 أيلول «سبتمبر» عام 2001، عندما قال هؤلاء ذلك اتهموا مباشرة بتبنيهم نظرية المؤامرة. اليوم يخرج علينا بنيامين نتنياهو زعيم المعارضة الإسرائيلية إن كان ثمة معارضة بتصريح مرّ مرور الكرام يقول فيه نصاً: «إن إسرائيل ربحت من الهجوم على البرجين في نيويورك ومبنى البنتاغون «في واشنطن» في 11 أيلول عام 2001، والحرب الأميركية على العراق».
كلام نتنياهو هذا جاء في محاضرة ألقاها في جامعة بارإيلان منذ أيام، لكن الإعلام العربي لم يعطها أدنى اهتمام، مع كل ما يحمله كلام هذا المتطرف الصهيوني من تأكيدات صريحة لحقيقة صارخة تقول: إن إسرائيل هي المستفيد من مصائب البشرية إن لم تكن هي التي تصنعها!
فمن يدري: قد تكون إسرائيل وراء تلك الجرائم الإرهابية، كما كانت الصهيونية العالمية المحرّض الأول للحرب على العراق واحتلاله!
وإذا كنا لا نملك الدليل الملموس على تورط إسرائيلي في أحداث أيلول 2001، فإننا نملك الدليل المعلن لتورط الصهيونية العالمية في ضرب العراق واحتلاله والعمل على نشر الفوضى والفتنة فيه.
علينا أن نستعيد ربما للمرة الألف الوثيقة الصهيونية التي نشرتها مجلة «كيفونيم» الناطقة بلسان المنظمة الصهيونية العالمية في 14 شباط «فبراير» عام 1982 التي ركزت على ضرورة ضرب العراق واحتلاله ومن ثم تقسيمه إلى ثلاث دول تقوم على أسس طائفية وعرقية.
بعد تلك الوثيقة بأربعة أشهر كتب المعلق العسكري الإسرائيلي الشهير زئيف شيف في صحيفة هآرتس «2/6/1982» مطالباً بتقسيم العراق، بينما كتب الصحفي الصهيوني ليزلي غلوب في «نيويورك تايمز» بتاريخ 25/11/2003 أي بعد سقوط بغداد بسبعة أشهر فقط مقالة بعنوان «حل الثلاث دول» التي يدل عنوانها على فحواها.
لن نغوص كثيراً في التاريخ لنكشف حقيقة المشروع الصهيوني الذي بدأ حتى قبل المؤتمر الصهيوني الأول في بال السويسرية عام 1897، فهذه أضحت معروفة للعالم، ولكننا نقدم البيّنة على أن ما قاله نتنياهو يستند إلى خطط قديمة صهيونية في البداية وأميركية في نهاية المطاف وذلك خدمة للمشروع الصهيوني نفسه.
كثيرة هي الوثائق والأدلة التي تفضح التوجهات والأكاذيب والأساطير الصهيونية، وكثيرة هي الوثائق أيضاً التي تؤكد أن تقسيم الوطن العربي برمته وليس العراق فحسب هو خطة صهيونية قديمة.
الغريب أن مجلة «كيفونيم» لم تكن الجهة الأولى التي كشفت خطة التقسيم تلك، فقد سبق للصحفي الهندي الشهير ديل كارينجا أن حصل من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر خلال مؤتمر باندونغ عام 1955 الذي أرسى حركة عدم الانحياز، على وثائق سرية لمخططات إسرائيلية ترمي إلى تفتيت الدول العربية، كل على حدة، إلى كانتونات ودويلات قبلية وطائفية، للترويج لفكرة أن العرب غير مؤهلين للتعايش مع المختلف عنهم دينياً، أو مذهبياً من جهة وكي تصبح إسرائيل، القائمة أصلاً على عنصر الدين وحده، القوة الأكبر والأقوى في المنطقة، وبالتالي تقود هذه المنطقة وفق هواها وبما ينسجم مع مشروعها.
يجب هنا التنبه جيداً إلى أن المحافظين الجدد قدموا لنتنياهو عندما تسلم رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 1996 ورقة تتضمن أفكارهم لدعم إسرائيل ورؤيتهم لمستقبلها ومستقبل المنطقة تقوم أساساً على تقسيم العراق، وهي الأفكار والاستراتيجيات التي أدرجوها في مشروعهم المعروف الذي وضعوه عام 2000، أي قبل عام من أحداث أيلول الإرهابية، وقبل ثلاث سنوات من غزو العراق واستعماره.
هل كل ذلك مجرد مصادفات؟ أم إنه مشروع جهنمي شيطاني بدأ من استعمار المشرق العربي واتفاقية سايكس بيكو وما سبق ذلك وما تلاه والذي لا يزال متواصلاً إلى يومنا هذا؟!
وهل الصهيونية العالمية التي خططت لإقامة إسرائيل وتقسيم العراق كمدخل لتقسيم الدول العربية، بريئة من دم ضحايا العمليات الإرهابية في 11 أيلول «سبتمبر» عام 2001، وهي العمليات التي جعلت بوش يعلن على الملأ أن حرباً صليبية قد بدأت؟.
ولماذا لا نقرأ التاريخ كما يفعل أعداؤنا؟ ولماذا لا نحلل المعطيات والمعلومات المتوافرة بغزارة شديدة ونعمل على مواجهة المخطط الخطير الذي يتهدد الدول العربية جمعاء؟
كلامنا هذا ليس للتخويف وإنما للتحذير، وما على العرب إلاّ التمعن بما جرى للوطن العربي منذ مطلع القرن العشرين، والعودة إلى الوثائق، ومنها ما ورد في مجلة «كيفونيم» وفي كتاب الصحفي الهندي كارينجا المعروف لدينا بـ«خنجر إسرائيل».
نتنياهو قدم لنا خدمة عندما أعلن أن إسرائيل هي المستفيد من أحداث 11 أيلول 2001، ومن الحرب الأميركية على العراق، فلنبدأ من هذه المعلومة التي لم تكن تحليلاً إسرائيلياً، بل نتيجة يدركها نتنياهو لأنه ساهم فيها منذ كان رئيساً للوزراء 1996.
إنه جرس إنذار إذا كانت لا تزال هناك آذان مصغية.