«التصنّع» .. مرض اجتماعي يؤذي الجميع
عندما يخرج الإنسان من عباءة البساطة والتواضع والتلقائية ويرتدي عباءة التصنع والتظاهر، فما ذلك إلا مؤشر على انتشار مرض اجتماعي خطير بين افراد المجتمع وما يتبعه من انعكاسات وآثار سلبية عليهم، ولعل هنالك العديد من الافراد أصبحت لديهم قناعات بضرورة التصنع سواء في الكلام والاحاديث وكيفية التعامل مع الآخرين واستخدام الكلمات المنتقاة بحذر من جهة، وقد تكون بنعومة من جهة اخرى، مروراً بحب التصنع في الملبس واختيار أفضلها باناقة تامة لاسيما ما نراه في الجامعات التي اصبحت دوراً من دور عرض الأزياء وليست مؤسسات تعليمية وتربوية، علاوة على التظاهر والتكلف بطريقة المعيشة وشراء الحاجيات وتأمين المنزل بأرقى الانواع والأصناف بالرغم من «ضنك العيش» الذي يشتكي منه السواد الاعظم وغيرها الكثير من السلوكيات السلبية التي شكلت ثقافة تعامل واسلوب حياة للعديد من الأفراد؛ الأمر الذي يدعو شرائح المجتمع المختلفة الى الوقوف ضد هذه السلوكيات السلبية تلافياً لتفشيها فيما بينهم والتعايش ضمن القدرات والأرزاق المقدرة من رب السموات والأرض بعيداَ عن التظاهر والتصنع.
جامعاتنا .. أزياء وموبايلات
وتساءل علاء حمارنة طالب جامعي عن الأسباب التي تجعل من الإنسان متصنعاً في تعامله مع الآخرين وخصوصاً مع المقربين، مبيناً أن البساطة والتواضع والتلقائية من الصفات الحميدة التي يحث عليها الإسلام بعكس التظاهر والتصنع التي انتشرت بين الناس في زمن الماديات، مضيفاً أن الجامعات في الوقت الحاضر أصبحت مكاناً و داراً من دور عرض الأزياء للفتيات والشباب علاوة على اقتناء أحدث الأجهزة الخلوية بالرغم من «طفر غالبية الطلبة» ومحدودية مصاريفهم، مبيناً أيضاً أن هناك سلوكيات منتشرة بين العديد من مجتمع الطلبة.. وشكلت ثقافة فيما بينهم من خلال استخدام مصطلحات وكلمات فيها نوع من النعومة للشباب ونوع من التصنع في الحديث بين الفتيات، مبدياً استياءه من خروج الإنسان من عباءة البساطة والتواضع وارتدائه لعباءة التصنع والخيلاء.
«برستيج» خداع
إحدى ضحايا ظاهرة التصنع التي انتشرت بين افراد المجتمع نسرين خليل موظفة قطاع خاص قالت: إنها عانت من ذلك المرض الاجتماعي وهو التصنع الذي كان مسيطراً على خطيبها أثناء فترة الخطوبة، مبينةً أنه كان دائماً يحب التظاهر والتصنع خصوصاً عند جلوسه مع أهلها وأقربائها حيث التصنع في الحديث واختيار الكلمات بحذر شديد علاوة على الوعود التي أطلقها لمشروع الزواج بإقامة الحفلة في أفخم وأرقى الصالات والقاعات بهدف الظهور امام الجميع تحت مسمى «برسيتج» بالرغم من محدودية دخله. إلا أن حب التظاهر كان على حد قولها أكبر من تفكيره المنطقي بواقعه المالي؛ ما جعل الامور تتعقد فيما بينهم مؤكدة أن هذا الارتباط سيخلق مشاكل اسرية كبيرة فيما بعد؛ ما جعلها تطلب فسخ العقد تلافياً لوقوع ما لا يحمد عقباه.
«ولاتبسطها كل البسط»
وابدت نهى عبدالله ربة منزل استياءها وامتعاضها من ظاهرة تعليم الأبناء في المدارس الخاصة وما تشهده من اقساط مرتفعة جداً وأكبر من دخول غالبية المواطنين المتدنية أيضاً، عازيةً ذلك إلى حب تظاهر الآباء والأمهات بتعليم أبنائهم بتلك المدارس بالرغم من عدم مقدرتهم الاستمرارية وقد يلجأ العديد منهم إلى الاستدانة من البنوك أو الاشخاص بهدف الحفاظ على مبدئهم السلبي القائم على التصنع والتقليد وبهدف البعد عن زعزعة الصورة المرسومة لديهم والحفاظ على وضعهم و»برستيجهم» الكذاب، متمنيةً من الجميع التعايش والتأقلم ضمن الأوضاع المالية المتوفرة والابتعاد عن التكلف بهدف التصنع مستشهدة بقول رب العالمين عز وجل: « ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً «.
مرض إجتماعي
استاذ المناهج وطرق التدرس المشارك في جامعة عمان العربية الدكتور عودة ابوسنينة قال: ان التصنع هو مرض اجتماعي يعني التكلف والرياء ويقوم الانسان باعمال بعيدة عنه وعن واقعه ويمثل واقعا وسلوكيات ليس من بيئته ولاتعبر عن حقيقته ويتظاهر بها هذا بعكس التلقائية والعفوية بسلوكياته لانها تعبر عنه وعن نفسه معنوياً ومادياً، مضيفاً ان التصنع بين افراد المجتمع اصبح في اغلب الاحيان ظاهرة لاننا ابتعدنا عن تعاليم ديننا الحنيف واتبعنا سلوكيات المصانعة والنفاق والرياء كلها دخلت الى مجمعنا واصبحنا نمثل في حياتنا اليومية سواء في المأكل والمشرب واللباس وطريقة المعيشة وفي الدراسة وطريقة التحدث والحديث بنعومة واستخدام بعض الكلمات الاجنبية والتظاهر انه من مجتمع راق.
التصنع سلوك مرفوض
وحول الدوافع التي تخلق من الفرد شخصا متصنعاً، أوضح أبوسنينة أن التصنع والتظاهر بصفات واحوال غير موجودة فيه اصلا بحيث يتصنع الكرم وهو بخيل، ويتصنع في الملبس وهو بعيد كل البعد عن الذوق وغير ذلك الكثير، مؤكداً اننا نتصنع من اجل الظهور بمظهر مخالف تماماً لواقعنا فنحن نرى الفتاة تتصنع في الكلام والالفاظ والملبس امام الشباب من اجل ان يظهر امامهم بمظهر الفتاة الغنية المترفة ومن الطبقات الاجتماعية الراقية من اجل اثارة اهتمام الشباب، مشيراً إلى أن الشباب يتكلف بسلوكياته امام الفتيات في الكلام والتصرفات وممكن استخدام بعض العبارات كلها لاثارة الانتباه واخفاء الضعف والنقص في حياته اليومية والعائلية سواء الفتاة والشاب وممكن ان يظهر بمظهر الكرم والغنى والجاه والواقع ممكن ان يكون من طبقة محرومة فيها الفقر والحرمان كما انه يمكن ان يكون من عائلة بخيلة ويبالغ في كرمه من اجل التعويض عن النقص الذي يعاني منه وممكن ان يتصنع في الملابس وجميع ملابسه من السوق القديم ويظهر انه يلبس من الماركات العالمية هذا يعود على الكذب.
لايقتصر على الأغنياء
وعن الشرائح التي تتصف بالتصنع بين أبوسنينة: ان التصنع لايرتبط بطبقة او فئة لانه مرض اجتماعي ممكن ان يمارسه الاغنياء والفقراء على حد سواء، فمثلاً الاغنياء يتصنعون بالصدقة على الفقراء وهم لايعملون ذلك وتكون الصدقة ليتظاهروا امام المسؤولين واصحاب القرار بانهم يدعمون ويساعدون الفقراء وهذا يعتبر تصنعاً، اما الفقراء فمن الممكن ان يتظاهروا بالغنى والجاه والوجاهة وهم معدومون وحتى انهم لايستطيعون تلبية حاجاتهم الاساسية وليس بمقدورهم توفير متطلبات اولادهم فيتظاهروا بالكرم للضيوف لكي لا يتصفوا بالفقر وقلة الحيلة ولذلك اقول كلا الموقفين تصنع، لافتاً النظر إلى انه في حال تصرف الانسان بتلقائية وبعفوية يعتبر سلوكاً عادياً وممكن ان يتصنع الانسان بنوع من المجاملة.
مخالف للتعاليم الإسلامية
واكد ابوسنينة ان هذا السلوك لا يرضي العباد ولا رب العباد، مبيناً أن هذه صفات نفاق ورياء وتجعل الناس ينفرون منهم لتصنع في كلامهم ومأكلهم بحيث يظهرون مميزين عن الاخرين ومختلفين عن بقية البشر وديننا يدعو الى البساطة والعفوية في سلوكياتنا حتي يكون انسجاما وتواضعا مع النفس والذات. لان الغرض هو ارضاء الله وليس العباد، متمنياً ابوسنينة ان يكون لدى الانسان الثقة بالنفس وان يتصرف بشكل طبيعي فلا يستطيع الفرد تغيير حياته وتصرفاته لان هذا سينكشف ويصبح الناس على معرفة ودراية بذلك، واذا اراد احد الاشخاص ان يخطب فتاة من عائلة اخرى عليه ان يظهر كما في الواقع لان فترة التصنع والتمثيل تكون محدودة، مبيناً حجم الخلافات والمشاكل التي ظهرت خلال فترة الخطوبة أو ما بعد الزواج نتيجة التصنع والتظاهر بما هو ليس بموجود، مطالباً بنشر ثقافة الصدق والابتعاد عن الكذب والرياء والنفاق والتصنع والمداهنة التي سرعان ما تكشفها الحقيقة.