الملوك العجم والترك!
طارق مصاروة
نهرب من اخبار سوريا والعراق: مذابحها وجوع اطفالها، والدمار الذي احاق بمدنها وقراها .. نهرب الى سيد الشعر احمد بن الحسين المتنبي في اوائل القرن الرابع الهجري، واذ بنا امام الصورة الداكنة الحزينة التي نحن عليها الآن، فقد كانت العراق عباسية والشام فاطمية لكن خلفاءها لا يحكمون وانما هم السلاجقة الاتراك في الشرق، والاخشيديون في الشام، واذا بعرب البادية تدخل القرمطية وهي اشبه بالداعشية لمقاتلة غير العرب الذين يحكمون العرب، فيدخلون كوفة ابي الطيب لكن قوى «الدولة» تطردهم منها فيذهبون الى البحرين ليهاجموا الحجاز.
يهاجر المتنبي من العراق الى الشام شيعياً يقاوم بالقرمطية، فيلتقي بالحمدانيين في حمص وحلب (وهم اهل تشيع) فيجد، وهو العربي، نفسه بين عرب يقاتلون الروم ويحملون الراية.
نفض المتنبي يده من كل ما مر به، فيقول، وهذا الذي اعادنا الى الوضع المشابه في الشام والعراق:
انما الناس بالملوك وما
تُفْلحُ عرب ملوكها عجم
لا أدب عندهم ولا حسب
ولا عهود لهم ولا ذممٌ
بكل أرض وطئتها اممٌ
تُرعى بعبد كأنها غنمُ
يُستخشن الخزَّ حين يلمسه
وكان يُبري بظفره القلمُ
وكان ابو الطيب قد غادر طبريا.. ثم سخط – كما يقول طه حسين – فعاد الى اللاذقية والبحيرة الدافئة ما تزال بين عينيه، ويخاطب التنوخي:
لولاك لم اترك البحيرة
والغور دفء وماؤها شبمُ
والموج مثل الفحول مزبدة
تهدر فيها، وما بها قطم
والطير فوق الحباب تحسبها
فرسان بُلقٍ تخونها اللجُمُ
ففلسطين كانت للمتنبي مشهداً جميلاً، وشعباً عربياً لا ملوك اعاجم تحكمه.
يتشيع ابو الطيب، ويتقرمط لكنه يبقى العربي الباحث عن ملوك عرب وخلفاء احرار من سطوة الترك السلاجقة او العجم الفرس، ثم هو في حمى سيف الدولة وحمى التنوخيين يطيب له القتال، وحمل السيف، وقول شعر لم يشهد العالم له مثيلاً في الألف عام الفائت.
هل للزمان دورته؟
هل نحن نشهد ما كان شهده المتنبي الشاعر القومي العربي في الكوفة وبغداد وحلب وحمص واللاذقية؟!
.. نعم، لكننا استبدلنا الشعر العظيم بفضائيات تفضح نفسها والترك والعجم وملوكهم، وتكشف عن مصارع الآلاف الذين يقاتلون من اجل الوطن الحر، والشعب العظيم!.