في كل مرة نتلقى فيها “صفعة” اساءة نهرب الى الردود ذاتها : نحتشد في الشوارع والملتقيات لرفضها ، ونخرج من ادراجنا “نسخا” من بيانات الشجب والادانة لاشهارها في وسائل الاعلام رفعا للعتب او تسجيلا للمواقف ، ونعيد المقولات التي حفظناها حول سماحة ديننا ، ورحمة رسالتنا ، ثم نتوسل للعالم ان يخرجنا من قفص الاتهام.
لم نفكر - ولو لحظة- بقراءة الرسائل “المفخخة” التي وصلتنا ، ولا في استثمار الاساءة التي استهدفتنا ، لم نسأل انفسنا ايضا لماذا يعبث هؤلاء بمشاعرنا ، وماذا يريدون منا ، ولماذا يستقصدوننا دون غيرنا من اتباع الاديان والشرائع،لم ننظر ايضا في مرايا ذاتنا لندقق في الاصل لا في الصورة، ثم نستخلص منها بعض الاجوبة التي نبحث عنها.
كيف يمكن لصورة مسيئة او “فيلم” تجاري رخيص او مقال لكاتب مجهول، ان تهز مليار ونصف المليار من البشر ، ثم تستدرجهم لاقامة”موالد” يتبادلون فيها التنديد والتهديد ، وبعدها ينتهي كل شيء الا الاحقاد التي تدفن في الصدور ، والدموع التي تتحجر في العيون.
كيف لم ننتبه الى ان المشكلة ليست فقط في هؤلاء الذين” فجروا” في الخصومة، وتمادوا في الاساءة، واستمرأوا الاستهزاء بنا ، وانما في داخلنا نحن الذين اسأنا الى انفسنا وديننا وحضارتنا ، نحن الذين قبلنا ان نكون “ملطشة” لغيرنا ، ومتهمين دائما ندافع عن حقنا في البراءة، وفي الحياة والكرامة ايضا.
ترى من اقنعنا بان هذه الحقوق تمنح ولا تنتزع، وان مصالح الآخر ومكائده تحتاج الى موافقاتنا المسبقة، من اوهمنا ان الضعف ينتج كرامة ، وان الحرية التي دفع غيرنا ثمنها ستقدم الينا كهدية مجانية على طبق من احترام؟!
نريد ان يحترمنا العالم..؟ اذا لا بد ان نتكيف مع شروط هذا الاستحقاق البشري، ونتذكر اننا لا نعيش في “تكايا” يدفع فيها القادرون فائض اموالهم “وانجازاتهم” ومكدساتهم للفقراء المستحقين وانما نعيش في عالم يحتكم لمنطق القوة المادية فقط ، فهل لنا نصيب من هذه القوة الحضارية ام اننا ما نزال عالة على غيرنا ، يعطوننا منها متى شاءوا ويحرموننا ما يريدون، بعد ان افتقدنا القوة الاخلاقية والحضارية وانتزعها غيرنا منا ثم صممها لكي تناسبه فقط؟
نقول ان الآخر يسيء الينا ، هذا صحيح ومن حقنا ان نرفضه ، لكن الم نسال : كيف تبدو صورتنا في عيون العالم وقبل ذلك في عيون” الحكمة” التي هربت منا منذ قرون ؟ المسألة لا تتعلق بتبرير اساءات الاخرين لنا وانما بواجبنا في مواجهة اخطائنا ومعرفة ذاتنا وحل “لغز” استفزاز العالم لنا واستقوائه علينا.
ان من اغرى العالم بنا هو “تخلفنا” ، هذه هي الحقيقة التي نهرب منها ويجب الان ان نصارح انفسنا بها ، لا يهم بالطبع ان نتهم الآخر الذي استعمرنا -وما يزال- بانه يتحمل قسطا كبيرا من هذه المسؤولية ، او ان التركة التي اورثها لنا هي السبب، او ان الدين الذي اسأنا فهمه وتطبيقه والسياسة التي استبدت بنا واسرائيل التي زرعت بيننا كانت وراء انحطاطنا ، هذه مجرد عوامل ربما تضافرت مع غبرها لولادة ما نحن فيه من ضعف وخراب، لكن اليس من المخجل ان نصر منذ مئات السنين على ان المشكلة ليست فينا وانما في غيرنا ، ثم ان نمد”لغيرنا “ هذا ايدينا لشراء كل ما يلزمنا ، ونعتمد على ما انتجته عقوله، وبعدها نتهمه بأنه يسيء الينا ولا نجد ما نرد به عليه سوى مزيد من الكلام والشتائم.
لم نفهم حتى الآن قانون هذا العالم لكي نرد عليه ، غيرنا كان “اشطر” منا ، فلا احد في الغرب يجرؤ على الاساءة للصينيين اواليابانيين . الامريكيون يعرفون البوذية اكثر من الاسلام ويقبلون عليها ،المسيحيون لا تهزهم صور المسيح والافلام المسيئة التي تصدر عنه، اليهود استطاعوا ان يفرضوا على العالم عدم المساس بالسامية و”الهولو كوست” وحدنا - نحن العرب والمسلمين - ما نزال نطارد كالاشباح، ونتعرض للابتزاز، ونذبح بعضنا دفاعا عن ديننا وحرمة كرامتنا من الاساءة..!
اي اساءة لنا اكبر من ان يكون بيننا نحو (100) مليون امي عربي، و 20 مليون من الشباب العاطلين عن العمل، وعالم عربي فقير ثقافيا ومعرفيا ينتج من الكتب اقل بكثير مما تنتجه اسبانيا، ولا تزيد تجارته البينية عن 2% فيما يعتمد على الغرب بمعظم احتياجاته ،اي اساءة للذات المجروحة والمقهورة من استفزازات الآخر اكبر من ان تنتسب لدين تدافع عنه ويموت بعض ابنائها من اجله وهي ابعد ما تكون عنه فهما وامتثالا وتطبيقا، او ان تنتسب لامة عظيمة يذبح ابناؤها بعضهم - بالنيابة عن الاخر -على تخوم الطائفة والمذهب، وتسقط بعض عواصمها وجيوشها على يد تنظيمات وليدة ، وتبني من السجون اكثر مما تبني من المدارس والجامعات ..
هل تريدون المزيد..؟