صفقة أردوغان وبوتين الجديدة في سوريا: هل ستدفع تركيا ثمن دخول «عفرين» في «إدلب»؟
إسماعيل جمال
اسطنبول-«القدس العربي»: أكدت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة أن الجيش الروسي بدأ بالفعل خلال الأيام الماضية بسحب قواته من داخل مدينة عفرين شمالي سوريا لتمهيد الطريق أمام الجيش التركي الذي أنهى استعداداته لاقتحام المدينة وطرد الوحدات الكردية منها، وذلك وسط حراك سياسي وعسكري واسع يسبق هذه العملية.
الخطوة الروسية إن تمت بالفعل تعتبر تحولاً مهماً في مجريات الأحداث في شمالي سوريا، وتؤشر حسب التطورات والمعطيات الحالية إلى وجود صفقة جديدة جرى الاتفاق عليها بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حول تسوية الأوضاع في شمالي سوريا بشكل عام، ومحافظة إدلب لاحقاً بشكل خاص.
فمن المعروف أن تركيا لا يمكنها القيام بتحرك عسكري حقيقي في شمالي سوريا دون التوصل إلى توافقات وتفاهمات مع الطرفين الأمريكي والروسي أو أحدهما على الأقل، وهو ما حصل بالفعل إبان عملية درع الفرات التي قام بها الجيش التركي في مدن جرابلس ودابق والباب شمالي سوريا.
هذه التوافقات تمثلت في الحصول على غطاء أمريكي مقابل التركيز في الهجوم على تنظيم “الدولة” وعدم مهاجمة الوحدات الكردية المدعومة من واشنطن، لكن الأهم كانت التوافقات مع روسيا التي شملت السماح بالوصول إلى الباب مقابل عدم الاشتباك مع النظام والمساعدة في التفاهمات التي جرت في حلب ونتج عنها في المحصلة سقوط المدينة بيد النظام.
ويبدو أن الصفقة الجديدة بين موسكو وأنقرة تتعلق بشكل أساسي بمحافظة إدلب، حيث يتوقع أن تُكمل روسيا سحب قواتها من عفرين وتوفر الغطاء السياسي والعسكري لتركيا من أجل تطهير المدينة من مسلحي وحدات حماية الشعب وبالتالي توجيه ضربة مهمة لمساعي الوحدات الكردية ربط مناطق سيطرتها في شرق وغرب نهر الفرات وهي الخطة الأخيرة قبيل إعلان كيان كردي على معظم الحدود السورية مع تركيا وهو ما ترى فيه أنقرة التهديد الأكبر لأمنها القومي.
وحسب صحيفة «يني شفق» التركية، فإن الجيش الروسي سحب فعلياً 3 وحدات عسكرية تتألف قرابة 200 جندي من أماكن تواجدها في مدينة عفرين إلى منطقة «نبل» التي يسيطر عليها النظام السوري, وقالت الصحيفة أن الجيش الروسي يكون بذلك أنهى تواجده في المدينة، في المقابل قالت الصحيفة إن الجيش الأمريكي أرسل تعزيزات ضخمة إلى الوحدات الكردية في محيط الرقة على متن قرابة 120 شاحنة محملة بالعتاد العسكري الثقيل.
والخميس، قال موقع «خبر7» التركي، إن هناك مؤشرات على بدء روسيا سحب قواتها التي تتمركز داخل مدينة عفرين وكانت تقدم الحماية والدعم للوحدات الكردية في المدينة. وحسب الموقع، فإن الدبلوماسية التركية قادت طوال الفترة الماضية مباحثات واسعة مع روسيا وتوصلت إلى تفاهمات «شبه نهائية» مع موسكو عقب 9 جلسات مباحثات هاتفية تقضي بانسحاب الجيش الروسي من المدينة ومنح الجيش التركي الضوء الأخضر لمهاجمة الوحدات الكردية فيها.
وبعد أسابيع من قيام الجيش التركي بنقل حشود عسكرية ضخمة إلى مناطق سيطرته المتاخمة لمدينة عفرين وعلى خط المواجهة مع الوحدات الكردية، قالت وسائل إعلام تركية إن الجيش أنهى جميع استعداداته من أجل القيام بعملية عسكرية واسعة في المدينة.
وفي مقابل ذلك، يبدو أن الثمن الذي سوف يدفعه أردوغان لبوتين يتمثل في المساعدة بإنهاء تواجد جبهة فتح الشام «النصرة سابقاً» في محافظة إدلب التي دعت أنقرة سابقاً إلى ضرورة إنهاء تواجدها في المدينة وباتت تصنفها على رأس المنظمات الإرهابية في سوريا بعد أن كانت ترى فيها تنظيماً معارضاً للنظام السوري.
وفي هذا الإطار، يتوقع أن تشهد اجتماعات الأستانة 5 التي سوف تعقد في الرابع والخامس من الشهر الجاري الاتفاق على تفاصيل المرحلة الثانية من اتفاق مناطق «تخفيف الاشتباك» الذي جرى توقيعه في الجلسة الماضية من مباحثات الأستانة على أن يتركز الاتفاق الجديد حول آلية نشر قوات مراقبة من البلدان الثلاثة الضامنة وهي روسيا وتركيا وإيران.
وقبل أيام، قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن هناك تنسيقاً بين أنقرة وموسكو للعمل على آلية تقضي بوجود قوات روسية وتركية في منطقة إدلب السورية، وإيرانية وروسية في محيط دمشق، وأردنية وأمريكية في درعا، وهناك مقترح روسي لإرسال قوات محدودة من قرغيزيا وكازخستان إلى سوريا.
التنسيق الذي يتركز حول محافظة إدلب يبدو أنه وصل إلى مراحل متقدمة، وحسب ما نشرت صحيفة «حرييت» التركية فإن الجيش التركي سوف يبدأ في إقامة قاعدة عسكرية كبيرة على قمة «جبل الشيخ حسن الراعي» في محيط إدلب، وذلك في إطار الاتفاق على مراقبة وقف إطلاق النار بالتعاون مع الجيش الروسي.
مصادر أخرى توقعت أن تتمثل مهمة القاعدة العسكرية التي ينوي الجيش التركي إقامتها في التحضير لآلية يتم خلالها إنهاء تواجد النصرة في المحافظة، وذلك من خلال إعادة ترتيب صفوف المعارضة السورية وتوحيدها تحت مسمى واحد ليتمكن هذا الكيان الجديد تدريجياً من طرد النصرة من المحافظة.
وفي هذا الإطار، تتواصل المباحثات على أعلى المستويات بين أنقرة وموسكو من أجل وضع اللمسات الأخيرة على هذه المقترحات والتفاهمات، والجمعة، جرى اتصال هاتفي مطول بين بوتين وأردوغان تركز على بحث الملف السوري، في حين من المقرر أن يجري لقاء آخر بين الزعيمين على هامش قمة مجموعة العشرين التي تنعقد بعد أيام في ألمانيا.
وتبدو العلاقات الروسية التركية في أحسن حالاتها منذ أزمة إسقاط الطائرة بين البلدين، وفي أكبر مؤشر على ذلك أكد مسؤول روسي، الجمعة، أن موسكو وأنقرة توصلتا لاتفاق نهائي لبيع أنقرة منظومة الدفاع الصاروخي إس400 وتبقى بعض التفاصيل المتعلقة بالحصول على قرض مالي، لتكون أنقرة بذلك أول دولة من حلف شمال الأطلسي تحصل على هذه المنظومة الروسية المتقدمة.
ويبدو أن أنقرة تجد صعوبات أكبر في التوصل إلى تفاهمات مشابهة مع الولايات المتحدة التي ما زالت ترفض أي هجوم يستهدف الوحدات الكردية التي تقوم حالياً بالمشاركة في معركة الرقة ضد تنظيم «الدولة» بدعم مطلق من واشنطن التي يبدو أنها تحركت في محاولة لمنع العملية التركية.
فالمبعوث الأمريكي لدى التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة» بريت ماكغورك زار أنقرة الجمعة، وأجرى مباحثات مع مساعد وزير الخارجية التركي ومسؤولين في وزارة الدفاع، وذلك بعد لقائه بمسؤولين أكراد في مدينة الطبقة حيث دعت أنقرة سابقاً إلى إقالته بسبب ما قالت إنها لقاءات أجراها مع قيادات من تنظيم العمال الكردستاني الإرهابي.
والجمعة أيضاً، وبعد لقاء جمع وزيري الدفاع الأمريكي والتركي في واشنطن، جرى اتصال هاتفي استمر لـ40 دقيقة بين أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، حيث أعرب الرئيس التركي عن «إحباطه» جراء قرار واشنطن تسليح الوحدات الكردية الذي وصفته أنقرة مراراً بـ»القرار الخاطئ» وهددت بالتحرك بشكل أحادي ضد أي خطر على أراضيها من سوريا «وفق قواعد الاشتباك».
ورغم اعتماد أنقرة بشكل أكبر على الغطاء الروسي في محاولة للرد على الخطوات الأمريكية، إلا أنها تخشى أن تواجه اتهامات أمريكية بالإضرار في الحرب على «داعش» في حال هاجمت الوحدات الكردية في عفرين التي قالت بدورها إن أي هجوم تركي سوف يعيق تقدم عملية الرقة.