حماس في مرمى النيران الأردنية الصديقة!! 

بشكل متسارعٍ (متصارع).. بلا حسابات.. بلا تبرير منطقي.. يتمُّ إقحامُ حماس في الأزمة الداخلية، التي تُلمُّ بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، لتكونَ في مَرمى نيران أحد طرفي الأزمة، نكايةً بالطرف الآخر، وبينما يعيشُ القطاع الواسع في حالة من الصَّدمة، أمام لوحة مأساوية، تُنتجها العَقليّة الأحادية، التي تَستمدُّ من ظُنونٍ وحُظوظ!!

الإخوان المسلمون فكرة إسلامية صميمة، انبعثت - بعد سُقوط رمز وحدة الأمة (الخلافة) عام 1924م- كأنزيم مناعي لمواجهة حالة التّقسيم، التي فرضها الاستعمار، الذي أعملَ مِشرَطَه في الجسد المريض، فقامت هذه الحركة لتحافظ على كينونة الأمة، وتعالج جراحها، وتؤهلها لاستئناف مسيرتها، ونشر حضارتها في العالمين!

أطلق الإمام حسن البنا الفكرة، وأرسل بها البعوث، للأقطار الرَّازحة تحت الاحتلال، لتثبيتِ المُنطلق الجامع لحركات التّحرُّر والتنوير في الأمة، وترَكَ لكل قُطر أن يختارَ نظامَه الدّاخلي، وقيادته، وآليات عمله، في ضوء إمكاناته وواقعه وطاقاته، وكان من بينها بَعْثة فلسطين 1945، وبعثة الأردن 1946م، فكان لكل بلد تنظيمُه وشرعيَّتُه، حتى وقعت كارثة 1948م، واحتُلَّت فلسطين، وجاءت بعدها والوحدة بين الضفتين، مما حتَّمّ حالة من التَّداخل والتنسيق بين التنظيمين، بحكم الوضع الإداري والدستوري الجديد، واستمر التنسيق بصورٍ شتَّى، مُركّزا على الجانب التّربوي، والفكري، والاجتماعي والخيري، أكثر من أي جانب آخر، حتى جاء عام 1987م حيث انطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس، كحركة جهادية، تستهدف العدو الصهيوني، وتُشارك في الفعل الوطني الفلسطيني، إبَّان الانتفاضة الفلسطينية الأولى!!

كبُرت حماس، وتجذَّرت في ضمير الأمة، وواقع الشعب الفلسطيني، وكان لِزاما أن تحظى حركة بهذا الحجم والأهمية، باستقلالية مطلقة، تتفرغ فيها كوادرُها لإنتاج قرارها، وصناعة الواقع الجديد، في لحظة تاريخية فارقة، تخلّت فيها الأنظمة الرسمية عن القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية محورية للأمة- بعد مدريد وأوسلو- فقامت هذه الحركة لتُعبّر -من جديد- عن إرادة الأمة وشعوبها، وتُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، وكان لها ذلك عام 2006م !

من المعيب بعد هذا السَّرد المختصر، لطبيعة هذه الحركة، وجهادها، وتضحيتها، ودورها في النيابة عن الأمة في جهادها لعدو الله وعدوها، أن يتم إقحامها بهذه الطريقة، في قضية لا ناقة لها فيها، ولا جمل!!!

غادرت حماس الأردن عام 1999م -ظلما وعدوانا- بناء على ضغوط دولية، ومع ذلك ضبطت الحركة بوصلتها إلى فلسطين والأقصى، ونابت عن الأمة في صيانة شرفها، والإبقاء على ماء وجهها، بعد التَّخاذل الرسمي المعلن، وأخذت على نفسها عهدا: أن لا تتدخل في شأن أي دولة عربية، حتى لو مارست عليها الأذى والحصار والتآمر!!

الزعم القائل بأن حماس ترتبط بتنظيم سري، وتقود جماعة الإخوان في الأردن، زعم باطل وخطير من عدة وُجوه:

أوّلها: أن فيه توريطا لحماس، فيما تعهّدت بعدم التَّورُّط فيه، وأعلنته منذ انطلاقتها، وهو التزام ثابت، لم يطرأ ما ينقضه من سيرة حماس، مع كثرة المتربصين بها، ولو وُجِدَ مثل هذا الأمر ، لما انتظروا عليها كل هذه المدَّة، باعتبار أن حماس تمثل بالنسبة لهم عُقدة المنشار، في طريق التَّصفية النهائية للحق العربي والإسلامي في فلسطين!!

وثانيها: أن فيه إهانة بالغة لكل مكونات الجماعة، وقياداتها، التي توالت على موقع القيادة في هذه المدة المزعومة!

وثالثها: أنه تهديدٌ للوحدة الوطنية، واستدعاء للعصبية، وتذكير بالمحطات الأليمة في علاقة الإخوة، والتي أنتجتها سياسات الآخرين، بينما كان دور الحركة تجسيد هذه الأخوة الإسلامية بشكل فعليٍّ على صعيد الحركة والمجتمع؛ لتنفرد بهذه الميزة عن كل الاتجاهات، التي زعمتها في الخطاب السياسي، وعاكستها في تطبيقها العملي!!

ورابعها: أن مثل هذا الزعم سيكون بمثابة الإذن والتفويض، لخصوم حماس -وخصوم كلّ واجهات العمل الإسلامي غير الرسمية - للعمل المُعلن على تجريمها وحصارها، والعمل على إنهاء وجودها، مُستندين على مقولة القائل: (وشهد شاهد من أهلها)، عن قصد أو غير قصد، مما يعزِّز حالة التَّوْهِين، لجبهة الأمة، من خلال تكريس الهُوية الوطنية، على حساب هوية الأممية، في زمن تتكتل فيه علينا أمم الأرض، من كلّ جنس ولون، لهضم حقّنا، واستنزاف مواردنا، وإخراجنا من ساحة الفعل الحضاري، الذي تكافح من أجله الأمم، التي تحترم ذاتها، وتعتز بتاريخها وأمجادها!!

ما كان ينبغي لأحد أن يجنح بالمسألة، بقول من هذا العيار، وبهذا القدر من الجنوح غير المسؤول، مهما كان حجم الخلاف الدّائر، في تدافعاته الداخلية التي تجاوزت الحدود الطبيعية، لطول العهد بها، وعدم وجود الجدّية الكافية لحلّها، وإنهائها جذريا، من كل القيادات السابقة، في سنواتها الـ 12 للذنيبات، وستة همام، يتيمتا سالم فلاحات-مع حفظ الألقاب- وكلُّها مسؤولة عمّا آلت إليه الأمور في اللحظة الراهنة!!

كان الأولى من الذهاب للتّحذير من نفوذ حماس في جماعة الإخوان في الأردني، الذّهاب لانتقاد نفوذ القوى الغربية، والصهيوأمريكية، في الشؤون الداخلية للدول العربية، لعرقلة كلِّ محاولات النهوض، بل وانتقاد تدخّل بعض الدول العربية في شؤون بعضها الآخر، على سبيل الإفساد، وقاعدة الانقلاب على إرادة الشعوب، ومحاولة إنهاء حُلمها بربيع العزة والكرامة، والاستقلال الحقيقي، الذي لم تذق طعمه الأمة، حتى ساعتنا هذه!!

إن مساحات الخطأ كانت مشتركة بين كلِّ الأطراف، وأجزم أنه لم ينجُ منه أحد من أقطاب الخلاف -في مواقع المسؤولية تحديدا- فمورست التجاوزات، وحصل الاصطفاف، ووقع التهميش، ووُجِد التّحشيد لامتلاك الثقل التنظيمي المؤهل، لملء الهيئات القيادة بكل مستواتها.

ومن هنا نستطيع القول -مطمئنين- بانتفاء معادلة الجلَّاد والضحية في مشهد التجاذب، كون الأغلبية من هؤلاء، كان قد تعاطى بذات الأدوات، التي تعاطى بها منافسه، مما حقّق العدالةً للفرقاء في ظل وضع غير عادل من أساسه، لكنه يُحتّم على الجميع احترام مخرجاته، وقد تساوى الفرقاء في التعاطي معه، وهذا ما لم يحدث أبدا للأسف!!

ولا ننسى أمام هذا السقطة الكبيرة، التي هوى إليها الكثيرون، أن للأمر بُعدا أخلاقيا، وشرعيا، بموجب البيعة والقسم المأخوذ على كل الكوادر، والذي يوجب عليهم احترام قاعدة المناصحة بضوابطها، وإتيان البيوت من أبوابها، وعدم البحث عن ذرائع تسوغ اتخاذ خطوة بهذا الحجم، وبهذه الكيفية، وكان الأولى من ذلك - إن كان ولا بد منها- أن يخرج الذاهب لهذا الاتجاه من شروط البيعة، ويتحلّل منها، ثم يذهب إلى العُدوة الأخرى، بمبررات منطقية، تعكس الواقع بإطاره الحقيقي، بعيدا عن منطق التمرّد أو الاستقواء، أو الإضرار بعنوان المقاومة، أو تشويه الوجه المشرق للجماعة، ودورها العظيم في تحطيم مسلسل التآمر والتركيع، على مكونات الأمة الحيّة، ليصنع الإطار الذي يعتقد أنه أكثر ملائمة له، وتعبيرا عنه، وعونا له في خدمة الوطن والأمة والمشروع!!!

فكرة الإخوان هي التعبير الحقيقي عن فكرة الإسلام الكامل الشامل، الذي أنزل على محمد صل الله عليه وسلم، وهي تسع كل الناس، سواء انخرطوا في كوادرها، أو آثروا العمل بفكرتها برؤيتهم، وعناوينهم التي يختارون، ووسائلهم، التي يعتقدون أنها الأنجع في تحقيق غايتها، وهي مرخصة بحكم القانون، وبالحكم الشرعي، ووجوب الديانة بالإسلام، وهي أعصى على الحل أو الإلغاء، وهي الأوثق والأرجى في تحقيق غايات الشعوب، والكل مدعو لوقف هذه الحالة العابثة، من كل الإطراف ذات العلاقة، بما فيها الطرف الرسمي، لأن مزيدا من العبث بهذا الاتجاه لن يكون محمودا، أو عائدا بالخير على الجميع، علما أن هذه الفكرة قادرة دوما على تخليق نفسها، وإعادة إنتاج ذاتها، ما بقي الإسلام، مهما كانت المعيقات، التي تواجهها من خارجها، أو من داخل بيتها، ومن كوادرها: { وإن تتولوا، يستبدل قوما، غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}

حماس تستعفيكم، وتقول لكم رتّبوا بيتكم، وأحكموا بُنيانكم، واشتغلوا بأمركم، وقد وصلتم إلى هذا المنحى، وهي غنية بالله عن مزاعم بعضكم، فإن عجزتم عن نفعها، وعونها في جبهتها الكبيرة، وثغرها الملتهب، فلا أقل من الصمت، الذي يقيها شرورَ اختلافكم، الذي لا يزيد المشهد إلا خبالا، يعصف بالفتنة!!