منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 تأملات في خطبة الوداع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

تأملات في خطبة الوداع Empty
مُساهمةموضوع: تأملات في خطبة الوداع   تأملات في خطبة الوداع Emptyالجمعة 27 فبراير 2015, 10:06 pm

تأملات في خطبة الوداع 22047_image002_0


كان تعليم مناسك الحج وأحكامه من آخر ما علمه صل الله عليه وسلم أمته، بعد أن بلَّغ ما أُنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه. وقد فُرضت شعيرة الحج في السنة التاسعة من الهجرة، قُبيل مغادرة رسول الله صل الله عليه وسلم دار الدنيا ليلحق بالرفيق الأعلى.
وكان من مقاصد تشريع هذه الفريضة غسل ما عَلِقَ بها من أدران، وما خالطها من أوهام، لإعادتها نقية صافية تشع بنور التوحيد، ولتقوم على أساس العبودية للواحد القهار، ونبذ كل ما سواه من آلهة وأوثان.
لقد كانت خطبة الوداع -التي تخللت شعائر الحج- لقاءً بين أمة ورسولها؛ كان لقاء توصية ووداع, توصيةَ رسول لأمته، لخص لهم فيه أحكام دينهم ومقاصده الأساسية في كلمة جامعة مانعة، خاطب بها صحابته والأجيال من بعدهم، بل خاطب البشرية عامة، بعد أن أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة ونصح للأمة في أمر دينها ودنياها.
وكانت الخطبة كذلك لقاءَ وداعِ رسول لأمته، وداعًا لهذه الدار الفانية إلى دار باقية، لا نَصَبَ فيها ولا تعب.
ما أروعها من ساعة تلك التي اجتمع فيها من أرسله الله رحمة للعالمين مع الجموع المؤلفة خاشعين متضرعين! وكلهم آذان مصغية لكلمات الوداع وكلمات من لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 4]. كلمات تجد صداها عند كل من يستمع لها؛ لأنها تخرج من القلب إلى القلب.
لقد أنصتتِ الدنيا بأسرها -بلسان حالها ومقالها- لتسمع كلام أصدق القائلين صل الله عليه وسلم وهو يقول: "أيها الناس، اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا".
لقد أنصتت الدنيا بأسرها -بلسان حالها ومقالها- لتسمع قوله صل الله عليه وسلم وهو يُلخص لأمته -بل للبشرية جمعاء- مبادئ الرحمة والإنسانية، ويرسي لها دعائم السلم والسلام، ويقيم فيها أواصر المحبة والأخوة، ويغرس بأرضها روح التراحم والتعاون؛ وكأنه صل الله عليه وسلم كان يعلم -بما أطلعه الله عز وجل عليه- أنه سيأتي على الناس حين من الدهر يودِّعون فيه هذه المبادئ، ويلقونها وراءهم ظهريًّا، ويسيرون في عالم تسود فيه معايير القوة والظلم -ظلم الإنسان لأخيه الإنسان- ويُقدَّم فيه كل ما هو مادي على ما هو إنساني.
أما ما تضمنته خطبة الوداع من مبادئ وتوصيات، فنقف عند بعضٍ منها، فيما تبقى من هذه السطور:
المبدأ الأول من مبادئ خطبة الوداع:
حرمة سفك الدماء بغير حق، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: "أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا...". فأين أمة الإسلام اليوم من تطبيق هذا المبدأ؟ وقد أخذ بعضها برقاب بعض، وتسلط القوي فيها على الضعيف، وآل أمرها إلى ما هو غير خافٍ على أحد، حتى أضحت في موقع لا تحسد عليه.
وقد كرر عليه الصلاة والسلام هذه الوصية في خاتمة خطبته -كما ذكر ابن هشام في سيرته- مؤكدًا ضرورة الاهتمام بها بقوله: "تعلَمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين أخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب منه، فلا تظلمن أنفسكم...".
المبدأ الثاني من مبادئ خطبة الوداع:
قوله صل الله عليه وسلم: "ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، دماء الجاهلية موضوعة... وربا الجاهلية موضوع...". وهذا نص واضح، وتصريح صارخ أن كل ما كان عليه أمر الجاهلية قد بَطَل، ولم يبقَ له أي اعتبار، بل هو جيفة منتنة، لا يمكن أن ينهض بأمة، بَلْهَ أن يبني حضارة تكون هدى للبشرية، بل هو إلى الهدم والخراب أقرب.
المبدأ الثالث في خطبة الوداع:
وصيته صل الله عليه وسلم بالنساء خيرًا "واستوصوا بالنساء خيرًا". ما أروعها من وصية! وما أحرى بالإنسانية اليوم أن تلتزم بها وتهتدي بهديها! بعد أن أذاقت المرأة أشد العذاب -تحت مسمى حرية المرأة- ودفعت بها إلى مهاوي الذل والرذيلة، وجردتها من كل معاني الكرامة والشرف، تحت شعارات مزيفة، لا تمتُّ إلى الحقيقة في شيء.
لقد جهل أصحاب تلك الشعارات بل تجاهلوا الفرق بين كرامة المرأة وحقوقها الطبيعية التي كفلها لها شرع الله، وما نادوا به من شعارات تطالب بحرية المرأة، وهي عند التحقيق والتدقيق دعوة لاستباحة الوسائل المختلفة للتمتع بالمرأة والتلهي بها.
إن المرأة اليوم -كما لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة- تنجرف مع تيار كاسح يكاد يختزل المرأة وقيمتها ووظيفتها في الجسد المزوَّق، والمظهر المنمَّق، المعروض في كل مكان، والمبذول لكل راغب ومريد!!
أما المبدأ الرابع من مبادئ خطبة الوداع:
فكان وصيته عليه الصلاة والسلام لأمته التمسك بكتاب ربها والاعتصام به، مبينًا أنه سبيل العزة والنجاح "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله". صدقت يا رسول الله، لقد ضمنتَ لأمتك الأمان من كل شقاء وضلال إذا هي تمسكت بهدي هذا الكتاب. وهل وصلت أمة الإسلام إلى ما وصلت إليه إلا بهجر كتاب ربها وترك منهج نبيها؟! ولا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أوَّلها.
كم هي البشرية اليوم بحاجة ماسَّة -بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه- إلى مراجعة نفسها وتدارك أمرها والاهتداء بهدي من أرسله الله رحمة للعالمين صل الله عليه وسلم! فهل تفيء البشرية إلى رشدها أم تبقى في غيِّها لا تلوي على أحد، ولا تُقيم وزنًا لدين أو خلق؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

تأملات في خطبة الوداع Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات في خطبة الوداع   تأملات في خطبة الوداع Emptyالجمعة 27 فبراير 2015, 10:09 pm

حجة الوداع
لكل شيء نهاية، ولكل أجل كتاب، ولكل قصة خاتمة، وكثيرًا ما ينتهي عمر إنسان دون أن يرى حلمه يتحقق، ودون أن يشاهد خطته تنجح، ولكن من سعادة الإنسان حقًّا أن يطيل الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 في عمره حتى يرى ثمار عمله، ونتيجة جهده، فيسعد بذلك أيَّما سعادة، ويشعر أن تعب السنين لم يذهب هباءً منثورًا، ولا يشترط للإنسان المخلص أن يرى نتيجة كَدِّه وتعبه، لكن لا شك أنها نعمة من الله تأملات في خطبة الوداع U1_20، ومِنّة عظيمة لا تقدر بثمن.
وانظروا إلى قول الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].
فمع أنه ليس من الضروري لكل مقاتل في سبيل الله أن يرى النصر، والتمكين، وهزيمة أعداء الإسلام، إلا أنه مما لا شك فيه أن رؤية هذه الأمور نعمة من الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 يَمُنّ الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 بها على بعض عباده.
وحيث إن رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 أحب الخلق إلى الله تأملات في خطبة الوداع U1_20، فإنه شاء I ألا يموت الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 حتى تقرّ عينه برؤية ثمار جهده الطويل، وتعبه المضني، وجهاده الذي لم ينقطع.
لقد عاش تأملات في خطبة الوداع R_20 حتى رأى الجزيرة العربية بكاملها تقريبًا تدخل في الإسلام، وتُقِرُّ به بعد حرب ضروس، ومقاومة عنيفة. ها قد دخل الناس في دين الله أفواجًا، وها قد وصلت الدعوة إلى معظم أماكن المعمورة، ها قد مُكِّن للإسلام، وارتفعت رايات التوحيد في كل مكان، ها قد عادت الكعبة المشرفة إلى حقيقتها، رجعت كما كانت أيام إبراهيم تأملات في خطبة الوداع U2_20 بيتًا يُوحَّد فيه الله، ولا يُشرك به أحدًا.
لا أستطيع وصف سعادة الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 بكل هذا الخير، لقد كان يسعد تأملات في خطبة الوداع R_20 إذا آمن رجل واحد، وكان يقول: "لأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
وها هو الآن، لا يرى رجلاً ولا رجالاً يؤمنون فقط، بل يرى الجموع الغفيرة، والقبائل العظيمة، والبلاد الكثيرة تدخل في دين الله أفواجًا، سعادة لا تدانيها سعادة في الدنيا، أن تجد الأفراد والشعوب يختارون طريق الهدى، ويَنْعَمون باتباع شرع الله رب العالمين.
لكن في الوقت نفسه، فإن رؤية كل هذا التمكين، وكل هذا الفتح المبين كان يحمل معنى آخر لرسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 ولعموم المسلمين، وهو أن مهمَّة الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 كرسول قد انتهت، أو أشرفت على الانتهاء.
إن مهمة الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 كانت البلاغ، وها قد تحققت مهمته على الوجه الأكمل، فوصلت الرسالة بيضاء نقية إلى كل أهل الجزيرة العربية، بل تجاوزت ذلك إلى ممالك العالم القديم، فوصلت الدعوة إلى فارس والروم ومصر واليمن والبحرين وعُمان وغيرها، واكتملت كل -أو معظم- بنود الشرع الحكيم.
وإذا كان قد حدث ذلك، فمعناه أن حياة الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 قد قاربت هي الأخرى على الانتهاء.
ومع كل الألم الذي يصاحب النفس عند تخيل ذلك، إلا أن الواقع يقول -كما ذكرنا قبل ذلك- أنه لكل شيء نهاية، ولكل أجل كتاب، ولكل قصة خاتمة.
حجة الوداع وعلامات اقتراب أجل الرسول
في أواخر العام العاشر من الهجرة، كان واضحًا لرسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20، ولصحابته أن أجل الحبيب تأملات في خطبة الوداع R_20 قد اقترب، ومن رحمة رب العالمين I أنه مهد لهذا الموت بأحداث ومواقف وعبارات، وذلك ليهوّن على المسلمين مصابهم الفادح، وأزمتهم الطاحنة.
كان فتح مكة نفسه، وإسلام هوازن وثقيف، وقدوم الوفود تلو الوفود على المدينة المنورة لتعلن إسلامها، كانت هذه الأمور نفسها علامة من علامات اقتراب الأجل؛ لأن المهمة - كما ذكرنا - قاربت على الانتهاء.
ثم إنه في شهر رمضان من السنة العاشرة من الهجرة اعتكف تأملات في خطبة الوداع R_20 عشرين يومًا بدلاً من عشرة أيام فقط، كما كان معتادًا، وكان هذا وكأنه تمهيد لأمته أنه يعتزلها، ويبعد عنها مدة أطول من المدة المعتادة، وسيأتي وقت يبعد عنها بجسده تمامًا، وإن كان سيظل بروحه، وسنته، وأقواله، وأفعاله، وتوجيهاته معهم إلى يوم القيامة.
وفي شهر رمضان أيضًا راجعه جبريل تأملات في خطبة الوداع U2_20 القرآن مرتين، بدلاً من مرة واحدة كما كان معتادًا، وكأنه يؤكد قبل موت الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 على الدستور الذي سيبقى للأمة، وإلى يوم القيامة.
كان هذا في شهر رمضان، وفي شهر شوال تُوُفِّي ابنه إبراهيم تأملات في خطبة الوداع U2_20، ومع أن البعض كان يتمنى أن لو بقي شيء من عقبه تأملات في خطبة الوداع R_20 ليذكرنا به، ولكن هذه رحمة من رب العالمين I، فقد رأينا مغالاة الشيعة في أحفاد الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 من ابنته فاطمة رضي الله عنها، فما بالك لو عاش له ولد، وكان له عقب ينتهي نسبهم إلى محمد رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20؟
لا شك أنها كانت ستتحول إلى فتنة، عصمنا الله منها، ولله الحمد والمنة.
جاء في مسند أحمد عن معاذ بن جبل أنه بعثه إلى اليمن وقال له: "يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا أَوْ قَبْرِي".
وفي شهر ذي القعدة من السنة العاشرة بدأ تأملات في خطبة الوداع R_20 في الاستعداد للقيام بالحج للمرة الأولى في حياته تأملات في خطبة الوداع R_20، والتي عُرفت في التاريخ بحجة الوداع، ودعا إليها القبائل المختلفة من كل أنحاء الجزيرة العربية، وتوافدت فعلاً القوافل متجهة إلى المدينة لصحبة الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 في طريقه من المدينة إلى مكة، ومنهم من توجه مباشرة إلى مكة المكرمة، وقد تجاوز المسلمون الذين حضروا هذه الحجة مائة ألف مسلم، وذكر بعض الرواة أن عددهم كان يزيد على مائة ألف وأربعة وأربعين ألفًا من المسلمين.
حجة الوداع
خرج الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 من المدينة المنورة لأربع بقين من ذي القعدة من السنة العاشرة من الهجرة، وكان خروجه بعد صلاة الظهر، ووصل إلى ذي الحُلَيْفة قبل العصر، وصلى العصر هناك ركعتين قصرًا، وأحرم من ذي الحُليفة، وانطلق في اتجاه مكة المكرمة، وقد أهل بالحج والعمرة معًا، فكان قارنًا بينهما، واستمرت الرحلة المباركة مدة ثمانية أيام، ووصل الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 إلى مكة المكرمة بعد صلاة الفجر في يوم الرابع من ذي الحجة، وكان قد صلى الفجر قبل دخوله مكة، فلما دخل مكة اغتسل، ثم ذهب إلى البيت الحرام، فطاف بالكعبة، ثم سعى بين الصفا والمروة، ولم يتحلل من إحرامه؛ لأنه -كما ذكرنا- كان قارنًا بين الحج والعمرة.
وفي اليوم الثامن من الحجة، وهو يوم التروية توجه تأملات في خطبة الوداع R_20 إلى مِنى، فصلى بها الظهر والعصر ثم المغرب والعشاء، وبات فيها، ثم صلى الصبح، ثم انتظر حتى أشرقت الشمس، فتوجه إلى عرفات، ونزل هناك بقبة ضربت له في نَمِرة، ثم انتظر حتى زالت الشمس، فقام وخطب في الناس خطبة عظيمة جامعة، كما جاء في صحيح مسلم وفي رواية ابن إسحاق:
"أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، وَقَدْ بَلَّغْتُ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ". جاء في أبي داود وشرح النووي أنه كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل.
"وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا الْعَبِّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ. فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ (لا يُدخلن أحدًا من أهلهن المحارم يكرهه الزوج)، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ".
وأضاف ابن إسحاق: "وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ".
وزاد ابن ماجه، وابن عساكر: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ، أَلا فَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، وَتَحُجُّونَ بَيْتَ رَبِّكُمْ، وَأَطِيعُوا أُولاتِ أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ".
وزاد ابن إسحاق: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ إِنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمَّا تُحَقِّرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا، وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا؛ لِيَواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَيُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَإِنَّ الزَّمَانَ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي وَاعْقِلُوهُ، تَعَلَمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُخْوَةٌ، فَلا يَحِلُّ لِامْرِئِ مِنْ أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَلا تَظْلِمُنَّ أَنْفُسَكُمْ".
وزاد الإمام أحمد في روايته عن أم الحصين الأحمسية رضي الله عنها، أن الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 قال يوم عرفة: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ".
وفي رواية البخاري عن جرير تأملات في خطبة الوداع T_20، أن الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 قال في حجة الوداع: "لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
وواضح أن خطبة الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 كانت متضمنة لمعانٍ عديدة وألفاظ كثيرة، فلم تنقل عن طريق صحابي واحد، إنما نقل كل واحد من الصحابة طرفًا من الخطبة، حتى وصل إلينا هذا الميراث العظيم من الحكمة.
ثم قال: "وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟".
قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت.
فرفع إصبعه السبابة إلى السماء وأشار بها إلى الناس، وهو يقول: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ"، ثلاث مرات.
كانت هذه هي خطبته الأولى في هذا الحج العظيم، وسيخطب بعدها خطبًا أخرى في مواضع مختلفة، كما سنبين إن شاء الله.
وبعد الانتهاء من هذه الخطبة نزل قول الله تعالى: {اليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3].
وعندما نزلت هذه الآية بكى عمر بن الخطاب تأملات في خطبة الوداع T_20، كما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، فقيل له: ما يبكيك؟
قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان.
لقد شعر عمر بن الخطاب أن نهاية حياة الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 قد اقتربت، وأنه إذا اكتمل الشرع فقد ينقطع الوحي الذي يربطهم بالسماء، كما أن الدين كان في ازدياد مستمر، أما إذا اكتمل، فليس هناك زيادة، لكن من الممكن أن يكون هناك نقصان إذا فرط المسلمون وضيعوا.
لقد كانت شجون كثيرة عند عمر بن الخطاب تأملات في خطبة الوداع T_20، وهو المشهور بالفراسة والحكمة، دفعته إلى البكاء في هذا الموقف العظيم.
ومن الجدير بالملاحظة أن بداية التشريع كانت في مكة منذ ثلاثة وعشرين عامًا تقريبًا، وكان اكتمال التشريع في مكة أيضًا دلالة على أهمية هذا البلد العظيم، أحب بلاد الله إلى الله ورسوله. نسأل الله أن يزيدها تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة.
وبعد هذه الخطبة القيِّمة، وبعد نزول الآية الكريمة، أَذَّن بلال للظهر، ثم أقام الصلاة، وصلى الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 الظهر ركعتين قصرًا، ثم أقام بلال لصلاة العصر، فصلاها الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 ركعتين كذلك.
ثم بعد ذلك ركب تأملات في خطبة الوداع R_20 ناقته القصواء حتى أتى الموقف، فجعل مجتمعهم وطريقهم جبل المشاة، أو طريق الناس بين يديه، واستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله تأملات في خطبة الوداع U1_20، حتى غربت الشمس، وذهبت صفرتها قليلاً، فركب ناقته تأملات في خطبة الوداع R_20، وأردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما، واتجه إلى المزدلفة، فصلى هناك المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم نام هذه الليلة حتى طلع الفجر، فصلاه بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام بالمزدلفة، فاستقبل القبلة، فدعا الله تأملات في خطبة الوداع U1_20، وكبّره، وهلله، وظل يدعو على هذه الصورة، حتى كادت الشمس أن تطلع، ولكن قبل طلوع الشمس تحول من جديد إلى مِنى، وأردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما، فتوجه مباشرة إلى الجمرة الكبرى، حيث رماها بسبع حصيات، وهو يكبر مع كل حصاة، ثم انصرف بعد ذلك، إلى المنحر لنحر مائة ناقة من الهدي كان قد ساقها معه، فنحر بنفسه ثلاثًا وستين بدنة، وأمر عليًّا أن ينحر الباقي، فنحر علي بن أبي طالب سبعًا وثلاثين بَدَنَة، وقد انتظر تأملات في خطبة الوداع R_20 حتى طبخ جزء من هذه النوق وأكل منه، وفي هذا اليوم بمنى خطب في الناس خطبة أخرى ذكّرهم فيها ببعض ما ذكر به في خطبة يوم عرفة، فقال فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي بكرة تأملات في خطبة الوداع T_20:
"إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
وقال أيضًا وهو يسأل الناس: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟".
قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟".
قلنا: بلى.
قال: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟".
قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أَلَيْسَتِ الْبَلْدَةَ الْحَرَامَ؟".
قلنا: بلى.
قال: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟".
قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت، حتى ظننا أنه سيسمِّيه بغير اسمه، قال: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟".
قلنا: بلى.
قال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتَ؟".
قالوا: نعم.
قال: "فَلْيُبِلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
وفي رواية في الترمذي عن عمرو بن الأحوص، وابن ماجه كذلك عنه أيضًا أنه قال في هذه الخطبة: "أَلا لا يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، أَلا لا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا، وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَسَيَرْضَى بِهِ".
وبعد هذه الخطبة دعا حالقه فحلق له رأسه، ثم ركب إلى مكة حيث طاف طواف الإفاضة، ثم صلى بمكة الظهر، وشرب من ماء زمزم، ثم عاد مرة أخرى إلى مِنى، وبات فيها ليلته، وفي اليوم الثاني وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، انتظر زوال الشمس، ثم توجه إلى الجمرات، فرمى حصيات عند كل جمرة، وخطب في ذلك اليوم خطبة أخرى، وكان مما قال فيها كما روى أحمد عن أبي نضرة تأملات في خطبة الوداع T_20: "يَا أَيُّهَا النَّاُس، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلىَ أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى".
ثم قال: "أَبَلَّغْتُ؟".
قالوا: بَلَّغ رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20.
ثم أعاد عليهم التذكير بحرمة الأموال والدماء والأعراض، وأمرهم بالتبليغ.
روى البخاري عن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب تأملات في خطبة الوداع T_20 يُدنِي ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناءً مثله.
فقال: إنَّه مِنْ حيثُ تَعْلَمُ.
فسأل عمرُ ابنَ عباس عن هذه الآية {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} [النَّصر: 1].
فقال: أَجَلُ رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20، أعلمه إياه.
قال: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
قد مكث تأملات في خطبة الوداع R_20 في مِنى أيام التشريق الثلاثة، ثم توجه إلى مكة، فطاف بها طواف الوداع، ثم توجّه بعدها مباشرة إلى المدينة المنورة.
وهكذا انتهت حجة الوداع، الحجة الوحيدة التي حجها تأملات في خطبة الوداع R_20، ولا شك أنها تحتاج إلى دراسة فقهية مكثفة ومركزة، لا لمجرد المعرفة والتنظير، ولكن للتطبيق والاتباع، فقد قال تأملات في خطبة الوداع R_20 في هذه الحجة أكثر من مرة: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ".
فدراستها دراسة واقعية أمر لا بد منه، ولكن المجال لا يتسع الآن لهذه الدراسة، وليس موضوع البحث يسمح بالتعمق في القضايا الفقهية، مع أهميتها التي لا تُنكر.
ويجدر بنا في هذا المقام أن ننبه إلى أنه مع الأمر المتكرر بأخذ المناسك عن رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20، إلا أن الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 حرص على مبدأ التيسير في أمور كثيرة، فسمح بكثير من الشعائر أن تُؤدى بترتيب غير الترتيب الذي قام به تأملات في خطبة الوداع R_20. وقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح.
فقال: "اذْبَحْ، وَلا حَرَجَ".
فجاء آخر، فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي.
قال: "ارْمِ وَلا حَرَجَ".
فما سُئل النبي تأملات في خطبة الوداع R_20 عن شيء قُدّم ولا أُخّر إلا قال: افعل ولا حرج. فكان الطابع الواضح في حجته هذه -بل في حياته تأملات في خطبة الوداع R_20- هو التيسير على المسلمين قدر المستطاع، وصدق الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 إذ يقول في حقه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107].
د. راغب السرجاني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

تأملات في خطبة الوداع Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات في خطبة الوداع   تأملات في خطبة الوداع Emptyالجمعة 27 فبراير 2015, 10:10 pm

تأملات في خطبة الوداع 16.38_01



في أيَّامٍ مباركاتٍ كأيامنا هذه، كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يستعدُّ لأداء مناسكحجة الوداع، التي بيَّن فيها رسول الله صل الله عليه وسلم كيفيَّة أداء المناسك على وجهها الصحيح، كما بيَّن - وهذا من أهمِّ الأمور - مَنهج الأُمَّة الإسلاميَّة في الوصول إلى أهدافها.
لقد خطب الرسول صل الله عليه وسلم في هذه الحَجَّة "حجة الوداع" ثلاث خطب، وكان طابع الخطب الثلاث التي خطبها الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يختلف إلى حدٍّ ما عن خطبه السابقة في فترة المدينة المنورة، وكان يغلب على طابع هذه الخطب الثلاث أنها موجهة إلى الأمة الإسلاميَّة في زمان قوَّتها وتمكُّنِها، لقد كانت نصائح في غاية الأهمِّيَّة لكلِّ جيل إسلامي مُكِّن في الأرض.
لقد خاطب صل الله عليه وسلم قبل ذلك الأفراد، وخاطب المستضعفين في الأرض، وخاطب المُحاصَرين، وخاطب المحارِبين، وخاطب الدعاة، وخاطب المصيبين، والمخطئين، واليومَ يخاطب صلَّى الله عليه وسلَّم الممكَّنين في الأرض، يَضَعُ أيدِيَهم على القواعد التي بها يستمرُّ تمكينهم ويتَّسع، ويُحذِّرهم من الأمور التي تُذهِب هذا التمكين، وتُسقط الدولة الإسلاميَّة، ويشرح لهم بوضوح دور الدولة الإسلاميَّة الممكَّنة في الأرض، لقد كان خطابًا لأُمَّة ناجحة، بلغت الذِّروة في التشريع، فقد كَمُل التشريع في هذه الحَجَّة، وبلغت الذروة في الحضارة، والذروة في القيم والأخلاق، والذروة في الفهم والتطبيق.
وعلى المسلمين أن يفقهوا جيِّدًا أنه بغير هذه القواعد، والأسس لن تُبنى لهم أُمَّة، ولن تقوم لهم قائمة، ومن هذه القواعد الجامعة:
الوَحدَة والمساواة بين المسلمين في خطبة الوداع:
وصية في غاية الأهمية، وهي الوَحْدَة بين المسلمين، ومع كثرة التوصيَّات بالوَحْدَة في كل حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، إلا أنه كان لا بُدَّ من إعادة التوصية في الأيام الأخيرة وفي خطبة الوداع خاصة، وإعادة التركيز عليها والتذكير بها.

إن الأُمَّة المتفرِّقة لا تقوم أبدًا، لا ينزل نصر الله عزَّ وجل على الشراذم، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم في خُطبه في حجة الوداع: "تَعْلَمُنَّ أَنَّ كُلَّّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِخْوَةٌ".
إنه التأكيد على حقيقةٍ حَرَصَ عليها رسولُ الله صل الله عليه وسلم من أوَّل أيَّام الدعوة، في فترة مكة، وفي فترة المدينة، واذكروا عتق العبيد في مكة، واذكروا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، واذكروا الميثاق بين الأوس والخزرج، لقد كانت عَلاقة مُمَيِّزة فعلاً للدولة الإسلاميَّة أن الجميع فيها إخوة، الحاكم أخو المحكوم، القائد أخو الجندي، الكبير أخو الصغير، العالم أخو المتعلم، إنها أُخُوَّة حقيقيَّة بلغت حدّ التوارث في أوائل فترة المدينة، ثم نُسِخَ الحكم وبقِيَت الأُخوَّة في الدين.
ثم إنه التأكيد على معنى آخر من معاني الأُخُوَّة كان واضحًا في حجة الوداع، وهو أن هذه الأُخُوَّة ليست خاصَّة بعِرْقٍ مُعَيَّن، أو نسب مُعَيَّن، أو عنصر مُعَيَّن، أو قبيلة، أو دولة، أو طائفة، إنها المساواة بين المسلمين جميعًا من كل الأصول؛ قال رسولُ الله صل الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى".
الله أكبر، هل في العالم مثل ذلك؟! مهما تشدَّق المتشدِّقون، ومهما تكلَّم المتكلِّمون، ومهما حاولوا التجميل والتزيِين، تبقى الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، وهو أن الطبقيَّة ما زالت متفشيَّة في كل أركان الأرض تقريبًا، مهما سُنَّت القوانين المانعة لذلك في أمريكا، وفي فرنسا، وفي إنجلترا، وفي روسيا، وفي ألمانيا، وفي كل مكان؛ الأبيض أبيض، والأسود أسود، الغني غني، والفقير فقير، العنصر والجنس والطائفة علامات مميِّزة لا مهرب منها.
 
خريطة العالم الإسلامي
أمّا الأُمَّة الإسلاميَّة، فهي خليط عجيب من شتَّى أجناس وعناصر الأرض، وقد ربطت عناصر هذا المزيج برابطة العقيدة، ورغم ذلك لم تجبرهم على نظام واحد للحياة؛ فكل جنس، بل كل إنسان إذا كان له موروثه الحضاري الخاص الذي لا يتعارض مع مبادئ الإسلام؛ فإن الإسلام لا يجبره على تغييره؛ فالإسلام يتسع للأنماط الحضارية المختلفة، وهذا من عوامل تفوقه وتميزه؛ لذا رأينا الناس يدخلون في دين الله أفواجًا؛ فالمصري بجانب المغربي، والشامي بجانب العراقي، والأوروبي بجانب الإفريقي، كل واحد له ملبسه الخاص، ونظام حياته الخاص، ولا يتعارض هذا مع ذاك.

ويوم تستبدل الأُمَّة الإسلاميَّة هذه العقيدة السليمة الرابطة بينها بقوميَّة معينة، أو عنصريَّة خاصة يوم تسقط الأُمَّة الإسلاميَّة لا محالة.
لقد فَتَحَت الدولة الإسلاميَّة (فارس)، فما مرَّت شهور قلائلُ، أو سنوات على الأكثر، إلا وأصبح الفرس من المسلمين، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، ذابوا ذوبانًا طبيعيًّا تمامًا في المجتمع المسلم، وما شعروا بأية غربة عن المسلمين من الأصول العربيَّة، وخَرَجَ منهم البخاري، ومسلم، والترمذي، والنَّسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم، وغيرهم، هذه هي عظمة الإسلام التي أكَّد عليها الرسول الكريم صل الله عليه وسلم في خُطَبه في حَجَّة الوداع.
ولقد ذاقت الأمة – وما تزال – الويلات نتيجة الدعوات العصبية التي اجتاحت بلاد المسلمين، وعقول بعض المفكرين في القرنين: التاسع عشر والعشرين؛ فبَعُدَت المسافات القريبة، وتنافرت القلوب، ونفخ الشيطان في نار العصبية ليمزق الأمة شر ممزَّق.
ولقد أَفِكَ قومٌ قصروا هذه الوَحْدَة على العرب دون غيرهم من منطلق القوميَّة العربيَّة، أو على الأتراك دون غيرهم من منطلق القوميَّة التركيَّة، أو على البربر دون غيرهم من منطلق القوميَّة البربريَّة، أو على أي عنصر، أو قبيلة، أو دولة، لقد سَمَّى رسول الله صل الله عليه وسلم ذلك جاهليَّة، فقال فيما رواه أبو داودَ عن أبي هريرةَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهلية – أي: فخرها وتكبُّرها - وَفَخْرَهَا بِالآبَاِء، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ".
وها هو ذا صلَّى الله عليه وسلَّم في خُطبته ينهى عن الجاهليَّة تمامًا بكُلِّ صورها: "أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ".
ألا ما أجمل الإسلام!!
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن تعود الوحدة بين المسلمين قويةً، وأن ترجع أمة الإسلام عزيزةً كما كانت. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

تأملات في خطبة الوداع Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات في خطبة الوداع   تأملات في خطبة الوداع Emptyالجمعة 27 فبراير 2015, 10:12 pm

تأملات في خطبة الوداع 3865_image002



خطبة عرفة وإعلان حقوق الإنسان



حقيقة لا مراء فيها أن حقوق الإنسان في أرجاء العالم المختلفة تتعرض لانتهاكات لا حصر لها، وليس من السهل أن تجد منطقة في شرق العالم أو غربه لا تعاني من هذا الانتهاك، وقد يكون الانتهاك داخليًّا بأيدي أصحاب السلطان والحكم، وقد يكون من دولة متجبِّرة لدولة أخرى ضعيفة، وقد يكون من طائفة لطائفة أخرى، وقد يكون من فردٍ لأفراد آخرين، ولكنه في كل الأحوال موجود ومنتشر، بل ليس غريبًا أن تصبح المعاناة هي شعار الأغلبية من سكان هذا الكوكب!
وهذا الانتهاك لحقوق الإنسان ليس مستحدثًا في الأرض، بل إن السمة الغالبة لكل الأمم التي حكمت الدنيا قبل ذلك، هي سمة الظلم والاضطهاد للآخرين، ولا فرق في ذلك بين فرس ولا رومان، ولا هنود ولا صينيين، ولا تتار ولا صليبيين، ولا إنجليز ولا فرنسيين، ولا أمريكان ولا يهود.. إنها النتيجة الحتمية للقوة إذا نُزعت منها الرحمة، وإذا تجرَّدت من الأخلاق والدين.
أما الذي يحزننا حقًّا فهو أن نرى هذا الانتهاك لحقوق الإنسان متفشيًّا في بلاد المسلمين، التي أنعم الله عليها بدين يحفظ حقوق الإنسان من أول يوم نزل فيه القرآن إلى آخر أيام التشريع.. وهو الدين الذي جعل الله تعالى سمته الرئيسية هي الرحمة، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. وهو الدين الذي لا يقبل الظلم بأي صورة من الصور، يقول تعالى في الحديث القدسيِّ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا"[1].
يحزن المرء حقًّا عندما ينظر إلى بلاد الإسلام فيجد الأعداد الغفيرة من المظلومين قد دخلت السجون والمعتقلات بغير جريمة ولا ذنب، بل بغير قضية ولا تحقيق من الأصل، ويجد أن الأعياد تلو الأعياد تمرُّ على الأمة فلا تحمل إلا الحزن لعائلات كثيرة، فَقَدت عائلها خلف القضبان بغير حق ولا دليل!
يحزن المرء كثيرًا عندما يجد أن إرادات الشعوب الإسلامية تُزوَّر وتُلفَّق، حتى تسير الأمور وَفْق هوى شخص بعينه، وتحقيقًا لمصالح إنسان بذاته.
يحزن المرء كثيرًا عندما يشاهد مُكوسًا وضرائب، وجبايات وفروضًا تثقل كاهل المساكين، وتشقُّ على عامَّة المواطنين.
يحزن المرء كثيرًا عندما يرى في بلاد المسلمين أطفالاً لا مأوى لهم، فيما عُرف بظاهرة (أطفال الشوارع)، ويجد نساء وأرامل لا يجدن ما يكفي لسدِّ جوعهن وجوع أولادهن، بينما تُختلس أموال البلاد الإسلامية وتُبدَّد بالملايين والمليارات.
كل هذا وغيره انتهاك لحقوق الإنسان في بلاد المسلمين.
ولهذا فليس مفاجئًا لنا أن نجد أن الغالب الأعم من الدول التي تنتهك حقوق الإنسان في العالم، هي دول إسلامية!
وهذه -والله- فتنة كبيرة، وبليَّة عظيمة!
تأملات في خطبة الوداع 3865_image003ماذا تقول شعوب العالم الذي يسمونه بالمتحضر عندما يشاهدون هذه الظواهر والكوارث في بلاد المسلمين؟! أليس من المتوقع أن يُرجِعوا ذلك كله إلى الإسلام نفسه؟! أليس طبيعيًّا جدًّا أن يقولوا: إن العامل المشترك الذي يجمعهم جميعًا هو الإسلام، فلا شك -إذن- أنه دين عنف وإرهاب واضطهاد وقهر وعنصرية وطبقية؟!
إنها -والله- فتنة!
ولذلك يقول ربنا عز وجل: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة: 5]. ونحن نكون فتنة للذين كفروا إذا كان حالنا دافعًا لهم أن يبتعدوا عن هذا الدين وعن أهله.
والحق أن الإسلام بريء تمامًا من هذه التصرفات والمخالفات.. والفرق بين قواعد الشريعة وبين ما يفعله غالب الحكام وأصحاب السلطان، كالفرق تمامًا بين السماء والأرض، أو لعله أبعد!
وما أجمل -ونحن في هذه الأيام المباركة- أن نتعرف على قواعد الإسلام الصحيح من خلال خطبة نبي الإسلام وخاتم المرسلين محمد صل الله عليه وسلم، وذلك يوم عرفة، وهو يخاطب عموم المسلمين المجتمعين معه في هذا الموقف المهيب.
لقد كانت خطبة عرفة ذات طابع مميز مختلف عن بقية خطبه صلى الله عليه وسلم، ليس ذلك فقط لأنها كانت خطبة توديعية للأمة، ولكنها في الواقع كانت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته القوية الممكَّنة في الأرض. لقد خاطب رسول الله صل الله عليه وسلم قبل ذلك المستضعفين، وخاطب المحاصَرين والمضطهدين، وحتى في فترة المدينة فإن حياة المسلمين كانت بين شدٍّ وجذب، وقوة وضعف، وعلوٍّ وهبوط، إلا أنه الآن في خطبة عرفة يخاطب أمة قوية لها السيطرة على الجزيرة العربية بكاملها، ولها الكلمة العليا في كل المنطقة، وهو في خطابه لها يعلِّمها ويعلِّم البشرية جميعًا أن القوة إذا كانت في يد مسلم حقيقي، فإنه يسخِّر هذه القوة لحفظ حقوق الإنسان لا لهدرها، ولترسيخ العدل في الأرض لا الظلم، ولتعزيز المبادئ الأخلاقية والحضارية لا الاستبدادية التعسفية.
لقد كان أعظم إعلان لحقوق الإنسان في تاريخ الإنسانية!
إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وقف معلنًا في أكثر من موضع حرمة الدماء والأموال، وهما أكثر الأشياء التي يتصارع لأجلها البشر، وهما أهم الأشياء التي يسعى الإنسان للحفاظ عليهما، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"[2].
إنه يحرم تمامًا أن يتعرض أحدٌ لدم أحدٍ أو ماله بغير وجه حق، بل إنه يعلن في موضع آخر أن هذا ليس فقط في الأموال الكثيرة، وليس فقط في الظلم المُعلَن الواضح، ولكن في أي صورة من صور التحايل، فيقول في روعة بالغة: "لا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَلاَ تَظْلِمُنَّ أَنْفُسَكُمْ"[3].
ثم هو يمنع أن يُؤخذ أحدٌ بجريرة إنسان آخر، فقال: "دِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ"[4]. فليس من المقبول أن يُقتل إنسان لا لشيء إلا لأن أباه أو أخاه أخطأ بقتل آخر، فكل نفس بما كسبت رهينة.
وهو كذلك يمنع الاستغلال الاقتصادي، ويحرِّم تحكُّم الأغنياء في الفقراء، فيقول: "وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"[5].
إن الربا ظلم مبين، وهدر لحقوق الإنسان، ولعلَّ العالم كله الآن شاهد مصيبة الربا وأثرها في الأزمة المالية العالمية، ورسولنا الأكرم يحذِّرنا من هذا الشر المحض، ويمنعنا من استغلال الناس وقهرهم.
ثم لعلنا نلحظ أنه صل الله عليه وسلم لا يتفضل بقيادته ونبوته وحكمه على الناس، ولا يترفع عليهم، ولا يستثني نفسه من حكمٍ ويضعه على غيره، بل إنه يصبح أول المتنازلين عن دماء الجاهلية، وعن ثأر الآباء، وهو كذلك أول المتنازلين عن فوائد الربا التي كان يقبضها عمه العباس رضي الله عنه؛ ليعلن للجميع أن الحاكم لا ينبغي له أن يتسلط على رقاب المحكومين، بل على العكس إنه يضرب من نفسه المثل والقدوة لكل شعبه.
وهو أيضًا في هذا الموقف الجامع يوصي بحفظ حقوق النساء، التي كثيرًا ما تتعرض لهدرٍ عظيم إذا ما نسي الإنسان خُلُقَه، وابتعد عن دينه، فيقول الرسول صل الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ"[6].
ثم يُسَطِّر قانونًا من أعظم قوانين الإنسانية، وهو قانون المساواة، ونبذ العنصرية والطبقية، وعدم الاعتبار مطلقًا بفروق الجنس والعرق واللون والثروة، فيقول في رقيٍّ ظاهر: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى"[7].
وأكثر من كل ذلك فإنه لا يمانع أن يصعد عبدٌ حبشي إلى قمة الحكم في الدولة الإسلامية، بل إنه يوصي أصحابه وأمته أن يسمعوا له ويطيعوا، ولا يجعلوا فارق اللون أو الثروة مانعًا لهم أن يتبعوه. يقول رسول الله صل الله عليه وسلم: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ[8]، مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"[9].
إن هذه القوانين الرائعة، والقواعد السامية أُعلنت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأُعلنت هكذا كاملة دون نقص، ومحكمة دون ثغرة، وهذا من أبلغ دلائل نبوته .
إننا نحتاج أن نفهم ديننا، وأن نعرف قصة حبيبنا صل الله عليه وسلم، وأن نفخر بدستورنا وشرعنا.
ونحتاج أيضًا أن نرفض الظلم بكل صوره، وأن نغضب لإهدار حق إنسان واحد، فضلاً عن إهدار حقوق الشعوب.
ونحتاج فوق هذا أن نحمل رسالة ديننا إلى العالمين؛ ليعلم الجميع أن دين الله حق، وأن شريعته عادلة، وأن سعادة الدنيا والآخرة في تطبيقها واتِّباعها.
نسأله سبحانه وتعالى أن يرفع الكرب عن المكروبين، وأن يردَّ الحقوق لأصحابها، وأن يُسعِد البشرية جميعًا بدين الإسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

تأملات في خطبة الوداع Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات في خطبة الوداع   تأملات في خطبة الوداع Emptyالجمعة 27 فبراير 2015, 10:17 pm

وصايا الرسول في حجة الوداع
لكن الذي نحب أن نقف عليه هنا هو المعاني العميقة، والنصائح القيمة التي حفلت بها خطبة النبي تأملات في خطبة الوداع R_20 في حجة الوداع هذه الحجة العظيمة، وسبحان الله! فمع قصر الخطب، واختصار كلماتها، إلا أنها حوت ما لا يحصى من الفوائد والنصائح، فقد أوتي جوامع الكلم، فيستطيع تأملات في خطبة الوداع R_20أن يعبر بالكلمات القليلة عن المعاني الكثيرة والقواعد العديدة.
كان طابع الخطب الثلاث التي خطبها الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 يختلف إلى حد ما عن خطبه السابقة في فترة المدينة المنورة، وكان يغلب على طابع هذه الخطب الثلاث أنها موجهة إلى الأمة الإسلامية في زمان قوتها وتمكينها، لقد كانت نصائح في غاية الأهمية لكل جيل إسلامي مُكّن في الأرض.
لقد خاطب تأملات في خطبة الوداع R_20 قبل ذلك الأفراد، وخاطب المستضعفين في الأرض، وخاطب المُحاصرين، وخاطب المحاربين، وخاطب الدعاة، وخاطب المصيبين والمخطئين، واليوم يخاطب تأملات في خطبة الوداع R_20 الممكّنين في الأرض، يضع أيديهم على القواعد التي بها يستمر تمكينهم ويتسع، ويحذرهم من الأمور التي تُذهب هذا التمكين، وتُسقط الدولة الإسلامية، ويشرح لهم بوضوح دور الدولة الإسلامية الممكّنة في الأرض، لقد كان خطابًا لأمة ناجحة، بلغت الذروة في التشريع، فقد كمل التشريع في هذه الحجة، وبلغت الذروة في الحضارة، والذروة في القيم والأخلاق، والذروة في الفهم والتطبيق. وعلى المسلمين أن يفقهوا جيدًا أنه بغير هذه القواعد، والأسس لن تُبنى لهم أمة، ولن تقوم لهم قائمة.
وقد استخلصت من هذه الخطب الثلاث التي خطبها الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 في أيام الحج المختلفة عشر وصايا في غاية الأهمية نحتاج أن نمر عليها بسرعة، وإن كانت كل نقطة تحتاج إلى تفصيل خاص، وإلى دراسات متعمقة، وإلى محاولات جادة لإسقاط كل قاعدة، أو كل وصية على الواقع الذي نعيشه الآن؛ لنستفيد منها أكبر استفادة متوقعة:
الوصية الأولى: دستور هذه الأمة هو القرآن والسنة
"وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ".
الله أكبر على الوضوح والجلاء! هذا وعد من رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 لأمته بعدم الضلال أبدًا إن هي تمسكت، واعتصمت بكتاب الله وسنة نبيه تأملات في خطبة الوداع R_20.
كثيرًا ما تضل الأمة وتضطرب، وتدخل في متاهات لا نهاية لها، والسبب هو التخلي عن بند من بنود الشريعة، والإعراض عن أصل من الأصول التي جاءت في الكتاب والسنة.
إن الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 حفظ لهذه الأمة دستورها، ووعد باستمرار حفظه إلى يوم القيامة، وهذا لخيرها، وخير الأرض بكاملها.
كم تخسر الأرض، وكم يخسر العالم بأسره، وكم يخسر المسلمون، وغير المسلمين بتغييب شرع الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 عن واقع الناس!!
كثيرًا ما يُفتن المسلمون، بمناهج الأرض الوضعية، فينبهرون تارة بشيوعية، وتارة برأسمالية، وتارة بعلمانية، ينبهرون بهذه المناهج الأرضية، وينسون أن لديهم منهجًا حُقَّ لأهل الأرض جميعًا أن ينبهروا به، ذلك منهج رب العالمين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
والشرع الإسلامي صيغ بدقة فائقة؛ ليناسب كل زمان، وكل مكان، وبه من المرونة الكافية ما يسمح بتطبيقه في أي ظرف، والشرع الإسلامي شرع شامل، ما ترك صغيرة، ولا كبيرة إلا غطاها، ولا تقوم دولة إسلامية قيامًا صحيحًا بغير تطبيق للشرع في سياستها، واقتصادها، وحروبها، ومعاهداتها، وقوانينها، ومناهجها، وكل أمورها، دستور كامل متكامل، يقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
وحرام على من يمتلك الذهب أن يزهد فيما يملك، ويرغب في التراب! وحرام على من كان عليه أن يقود الناس ويُعلمهم أن ينقاد إلى غيره ويطيع! وحرام على من كان بيده قرآن وسنة أن يدعهما وينظر إلى غيرهما.
لذلك حرص تأملات في خطبة الوداع R_20 على التأكيد على هذا المعنى في أيامه الأخيرة، ففي موقف آخر من حياته الأخيرة تأملات في خطبة الوداع R_20 ذكر مثل هذا المعنى بوضوح، روى الحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية، قال: وعظنا رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إنها موعظة مودِّع، فأوصنا.
فقال تأملات في خطبة الوداع R_20: "إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَبِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".
فهذه أهم وصايا حجة الوداع، وأهم وصايا الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20؛ لأن النجاة الحقيقية فعلاً في كتاب الله وفي سنته تأملات في خطبة الوداع R_20، وكل الوصايا التي ستأتي بعد ذلك سيكون لها أصل في الكتاب والسنة، ومن هنا كانت هذه الوصية جامعة شاملة فيها خير الدنيا والآخرة.
ولا يفوتنا أن نذكر أن رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 نهى عن كل القوانين المخالفة للإسلام، حتى لو كانت هذه القوانين شديدة الترسخ في المجتمع، فقال في منتهى الوضوح: "أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ".
وكذلك وضع الربا، ومع تأصل الثأر والربا في المجتمع إلا أنه يُنبذ؛ لأنه يتعارض مع القرآن والسنة.
الوصية الثانية: الوَحْدة والمساواة بين المسلمين
وصية في غاية الأهمية وتأتي مباشرة في الأهمية بعد الاعتصام بكتاب الله، وسنة نبيه تأملات في خطبة الوداع R_20، وهي الوحدة بين المسلمين، ومع كثرة التوصيات بالوحدة في كل حياة رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20، إلا أنه كان لا بد من إعادة التوصية في الأيام الأخيرة، وإعادة التركيز عليها والتذكير بها.
إن الأمة المتفرقة لا تقوم أبدًا، لا ينزل نصر الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 على الشراذم، يقول تأملات في خطبة الوداع R_20 في خطبة في حجة الوداع: "تَعْلَمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُخْوَةٌ".
إنه التأكيد على حقيقة حرص عليها رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 من أول أيام الدعوة، في فترة مكة، وفي فترة المدينة، واذكروا عتق العبيد في مكة، واذكروا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، واذكروا الميثاق بين الأوس والخزرج، لقد كانت علاقة مُمَيِّزة فعلاً للدولة الإسلامية أن الجميع فيها أُخْوة؛ الحاكم أخو المحكوم، والقائد أخو الجندي، والكبير أخو الصغير، والعالم أخو المتعلم، إنها أخوة حقيقية بلغت إلى حد الميراث في أوائل فترة المدينة، ثم نسخ الحكم وبقيت الأخوة في الدين.
ثم إنه التأكيد على معنى آخر من معاني الأخوة كان واضحًا في خطبة الوداع، وهو أن هذه الأخوة ليست خاصة بعرق معين، أو نسب معين، أو عنصر معين، أو قبيلة، أو دولة، أو طائفة؛ إنها المساواة بين المسلمين جميعًا من كل الأصول، قال رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لَعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى".
الله أكبر! هل في العالم مثل ذلك؟!
مهما تشدق المتشدقون، ومهما تكلم المتكلمون، ومهما حاولوا التجميل والتزيّن، تبقى الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، وهو أن الطبقية ما زالت متفشية في كل أركان الأرض تقريبًا، مهما سُنت القوانين المانعة لذلك في أمريكا، وفي فرنسا، وفي إنجلترا، وفي روسيا، وفي ألمانيا، وفي كل مكان، الأبيض أبيض، والأسود أسود، الغني غني، والفقير فقير، العنصر والجنس والطائفة علامات مميزة لا مهرب منها.
أما الأمة الإسلامية، فهي خليط عجيب من شتى أجناس وعناصر الأرض، إنها الأمة الوحيدة التي تجتمع على عقيدة، وهذا من أهم أسباب نصرها.
ويوم تستبدل الأمة الإسلامية هذه العقيدة السليمة الرابطة بينها بقومية معينة، أو عنصرية خاصة - تسقط الأمة الإسلامية لا محالة.
لقد فتحت الدولة الإسلامية (فارس)، فما مرت شهور قلائل، أو سنوات على الأكثر، إلا وأصبح الفرس من المسلمين، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، ذابوا ذوبانًا طبيعيًّا تمامًا في المجتمع المسلم، وما شعروا بأي غربة عن المسلمين من الأصول العربية، وخرج منهم البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم، وغيرهم، هذه هي عظمة الإسلام التي أكد عليها الرسول الكريم تأملات في خطبة الوداع R_20 في خُطَبِه في حجة الوداع.
ولقد أفك قوم قصروا هذه الوحدة على العرب، دون غيرهم من منطلق القومية العربية، أو على الأتراك، دون غيرهم من منطلق القومية التركية، أو على البربر، دون غيرهم من منطلق القومية البربرية، أو على أي عنصر، أو قبيلة، أو دولة، لقد سمَّى رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 ذلك جاهلية، فقال فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهلية (أي فخرها وتكبرها) وَفَخْرَهَا بِالآبَاِء، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ".
وها هو ذا في خطبته ينهى عن الجاهلية تمامًا بكل صورها: "أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ".
ألا ما أجمل الإسلام!!
الوصية الثالثة: العدل
وآهِ لو ظَلَمَتْ دولة ممكَّنة في الأرض! سلطانها ظاهر، وكلمتها مسموعة، إن دوائر الظلم تتسع في هذه الحالة حتى تشمل أحيانًا الأرض بكاملها.
الظلم كارثة إنسانية، الظلم ظلمات يوم القيامة، الظلم مهلك للأمم في الدنيا مهما كانت قوية، قال الله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ} [الأنبياء: 11].
لقد كانت نصيحة رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 لأمته بالعدل واضحة تمامَ الوضوح: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلَقْوَنْ رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا".
ينهى الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 أمته عن التساهل في الدماء، وعن التساهل في الأموال والممتلكات، إن سفك الدماء حرام، وإن نهب الأموال بأي صورة من الصور حرام، هو حرام مهما تفننت الدولة في تجميله أو تسميته بغير اسمه، سيظل الظلم ظلمًا، وسيبقى الحرام حرامًا، وصدق ابن تيمية رحمه الله حين قال: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".
وقد حرص رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 في هذه الخطب على ترسيخ معنى العدل في كل دوائر الحياة الإسلامية والمجتمع المسلم، فليس العدل في إطار التعاملات الدولية، أو في إطار الحدود والحرب، والقضايا الضخمة فقط، إنما العدل في كل الأطر حتى في إطار الأسرة الصغيرة، ومع أقرب الأقربين لك، لا يجوز لك أن تظلمه، ومن هنا جاءت الوصية العظيمة بالنساء، فالقوي المُمَكَّن قد يَغترّ بقوته فيظلم الضعفاء، فينقلب الرجل على زوجته، أو ابنته، أو أخته، فيظلمها في معاملة، أو في ميراث، أو إنفاق، أو في غير ذلك من أمور.
كما أن الوصية كذلك للنساء، لا تظلموا أزواجكم بمنع حقهم، فالله مطلع ومراقب، ويحصي أعمالكما معًا.
يقول تأملات في خطبة الوداع R_20 في توازنٍ رائع: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا".
ويوم يسعى كل طرف إلى الحفاظ على حق الطرف الآخر، يوم تسعد الأسرة فعلاً، ليس في الدنيا فقط، ولكن في الآخرة أيضًا.
الوصية الرابعة: التحذير من الذنوب
يحذر الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 أمته من أمر مهلك آخر شديد الخطورة، وهو الذنوب، ويذكر لهم تأملات في خطبة الوداع R_20 أن الشيطان قد يئس من أن يعبده الناس، ولكنه مع ذلك لم ييأس من إضلالهم، وسيكون ذلك عن طريق الذنوب، بل عن طريق الذنوب الصغيرة التي يحتقرها عامة الناس لصغرها في نظرهم.
"إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ إِنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمَّا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ".
والحرب بين الإنسان والشيطان أبدية، فقد وعد الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 الشيطان بالانتظار إلى يوم القيامة، ونبه الإنسان بوضوح: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
والشيطان ما نسي مهمته قَطُّ، ومهمته باختصار هي إغواء أولاد آدم تأملات في خطبة الوداع U2_20، وقيادتهم إلى جهنم، وبئس المهاد، وهو يتتبع في ذلك طرقًا شتى، وأساليب مختلفة، حتى لو كانت دفع الإنسان إلى ذنب صغير، فهذه خطوة ستتبع بعد ذلك بخطوات؛ لذلك يقول الله تأملات في خطبة الوداع U1_20: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168].
والذنوب التي يدفعنا الشيطان إليها مهلكة، وما أكثر ما ذكر ربنا ذلك في كتابه، فقال تعالى: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} [الأنعام: 6]. وقال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشُّورى: 30]. وقال تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]. وقال تأملات في خطبة الوداع U1_20: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40]. وقال سبحانه: {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59]. وقال تعالى: {فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11].
وهو كثير في القرآن، ويصعب إحصاؤه، وهو كذلك كثير في السنة النبوية، بل يشير تأملات في خطبة الوداع R_20 تصريحًا أن الذنوب التي يستحقرها الإنسان لصغرها في نظره، قد تكون مهلكة له، روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود تأملات في خطبة الوداع T_20، أن رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 قال: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ".
وهكذا جاءت هذه الوصية الخالدة، لتحذر المسلم من عدوه الأكبر، الشيطان، ومن الذنوب جميعًا كبيرها وصغيرها، عظيمها وحقيرها، ولا تنظر أبدًا إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عِظَم من عصيت.
الوصية الخامسة: الاقتصاد الحلال
فمن كل الذنوب التي من الممكن أن ترتكب، يختار تأملات في خطبة الوداع R_20 ذنبًا خطيرًا على الأفراد، وخطيرًا على الأمم ليحذر منه، وهو ذنب الربا، قال تأملات في خطبة الوداع R_20: "وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ".
وفي رواية: "قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لا رِبَا".
والدولة التي يقوم اقتصادها على الربا، هي دولة في حرب مع الله ورسوله.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].
وليس لأحد بحرب الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 طاقةٌ، فالله تأملات في خطبة الوداع U1_20 يسلط من يشاء من جنوده على من يشاء من عباده، ولا يدري العبد من أين تأتيه الكارثة؛ فقد تكون زلزالاً، وقد تكون جرادًا، وقد تكون أنفلونزا للطيور، وقد تكون غرقًا لسفينة، وقد تكون حرقًا لقطار، وقد تكون هبوطًا للعملة، وقد تكون اختلاسًا للمليارات، وقد تكون فشلاً لمشروع زراعي، وقد تكون عدوًّا من الكافرين، فقد يسلط الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 الكفار على المسلمين إذا عملوا بمعاصي الله، وقد سلط الله المجوس على اليهود وهم أهل الكتاب لما أفسدوا في الأرض، فليس لأحد بحرب الله طاقة، وأهل الربا في حرب مع الله ورسوله.

الوصية السادسة: البلاغ هو مهمة هذه الأمة



حرص تأملات في خطبة الوداع R_20 في هذه الخطبة على توضيح مهمته هو شخصيًّا، وتوضيح مهمة أمته بعد ذلك، مهمة الرسول هي البلاغ، ليست مهمته هداية الناس، فالهداية بيد الله تأملات في خطبة الوداع U1_20، ولكن مهمته أن يصل بدعوته إلى الناس، قال الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]. وقال تأملات في خطبة الوداع U1_20: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].
لذلك حرص الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 أن يقول أكثر من مرة في هذه الحجة العظيمة: "أَلا قَدْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ".
ثم إنه علَّم المسلمين مهمتهم، وذكّرهم بها: "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ".
إنه الخير الذي لا ينقطع، كل من وصلت إليه معلومة فليحملها إلى غيره، وهكذا دوائر الخير متصلة؛ حتى تعلم الأرض بكاملها حلاوة الدين، وعظمة الإسلام، إنها الوسيلة السَّلِسة البسيطة لنشر الدعوة، وتعليم الناس الدين، ليس هناك داعية بعينه يوكل إليه ذلك الأمر، بل موكَّل إلى كل المسلمين، فكل المسلمين دعاة إلى الله: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً".
"فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ".
أيًّا كان علم هذا الشاهد أو فقهه، فليحمل علمه إلى غيره.
فَقِهَ ذلك الصحابةُ تأملات في خطبة الوداع Y_20 فطاروا بعلمهم إلى الآفاق، إنها مهمة وواجب، وليست تفضلاً أو منّةً، يقول رِبْعِي بن عامر تأملات في خطبة الوداع T_20: لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
ماذا كان سيحدث لو وقفت الدعوة عند الصِّديق، أو وقفت عند عمر، أو وقفت عند الصحابة جميعًا؟
ماذا كان سيحدث لو لم يسعَ خالد والقعقاع وعمرو بن العاص والنعمان بن مقرن وسعد بن أبي وقاص وموسى بن نصير ومحمد بن القاسم وغيرهم إلى تبليغ أهل الأرض رسالة ربِّهم؟
ألن تكون النتيجة هي بقاء من يعبد النار على عبادته، وبقاء من يعبد الحجر والشجر والنجم على هذا الضلال؟
ألن تكون النتيجة هي بقاء القهر والظلم والإباحية والجهل والفساد؟
إن الذين فقهوا مهمتهم في الأرض هم الذين تحركوا، وعلى أيديهم تحقق الخير للأرض بكاملها، ووصل الدين إلينا، فجزاهم الله خيرًا.
لكن ألم يسأل واحد منا نفسه: ماذا فعلتُ أنا فيما وصل إليَّ من علم ودين وفقه؟
إن ما تعرفه من آيات وأحكام، وتظنه بسيطًا، هو بالنسبة لآخرين كنزٌ من الكنوز لا يحلم به، ولا يتخيله.
من الناس من لا يتقن وضوءًا ولا صلاة.
من الناس من لا يذكر الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 إلا قليلاً.
من الناس من لا يحسن قراءة القرآن.
من الناس من لا يبر والديه.
من الناس من لا يصل رحمه.
بل من الناس من لا يعرف الإسلام أصلاً.
هل تظن أن الملايين في الأرض الذين يكرهون الإسلام ويحاربونه يعرفونه؟
أم أن كل قضيتهم أنهم سمعوا عن الإسلام من وسائل إعلام مُغرضة، ومن نفسيات منحرفة، ومن مزورين محترفين، ولم يسمعوه من مسلم محبٍّ لدينه، فاهمٍ لمهمته، حريص عليها؟
- في العالم أكثر من مليار مُلحد ينكر وجود الإله أصلاً.
- في العالم أكثر من مليار يعبدون البقر من دون الله.
- في العالم أكثر من مليار يعبدون البشر من دون الله.
- في العالم أكثر من مليار يعبدون الحجر والشجر والنجوم والكواكب.
ألا ليت شعري أين المسلمون؟
"فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ".
ألم يكن البخاري أوعى من مبلغه؟ لكن ما كان للبخاري أن يعي لولا أن بلغه أشياخه الذين قد لا يعرفهم عامة المسلمين.
البلاغ، البلاغ! مهمة المسلمين في الأرض أفرادًا وشعوبًا، وحكامًا ومحكومين، وعلماء ومتعلمين، كل يبلغ بحسب طاقته وعلمه، وكل مُيَسَّر لما خُلِق له.

الوصية السابعة: تأصيل مبدأ التيسير في الدين

فعلى الرغم من أنه قام تأملات في خطبة الوداع R_20 بالمناسك بترتيب معين، وعلى الرغم من تكراره لكلمة "خذوا عني مناسككم"، إلا أنه أقر بمبدأ التيسير في الدين، فقال لكل من سأله في يوم النحر: "افْعَلْ وَلا حَرَجَ، افْعَلْ وَلا حَرَجَ".
وليت المسلمين يفقهون طبيعة هذا الدين، إن طبيعته الحقيقية هي اليسر، روى النسائي في سننه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ".
وليس هناك أعبد من رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20، ولا أحرص منه على قواعد الشريعة، ولا أرغب منه في العبادة، ولكنه الفقه العميق الذي يجمع ولا يفرق، والذي ييسر ولا يعسر، كل قواعد الدين يسر، وكلها في استطاعة العوام من الناس، ولم يأتِ الدين -كما يعتقد بعض الجهال- لخواص الخواص، بل جاء لعموم البشر، جاء لقويهم وضعيفهم، وجاء للبلغاء والخطباء، كما جاء للعوام البسطاء، وجاء لأبي بكر، وعمر، كما جاء لنا ولمن هو دوننا.
والذي يخرج بالدين الإسلامي عن هذه الطبيعة ينفر الناس، وهو يحسب أنه يرشدهم، ويقصيهم عن طريق الله وهو يظن أنه يدعوهم إليه، وليس هناك منهج في الدعوة أعدل من منهج رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20.

الوصية الثامنة: السمع والطاعة لأمير المسلمين

"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ".
هذه وصية فذة من رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20، وهي وصية عجيبة بالنسبة للمجتمع العربي آنذاك، بل هي وصية عجيبة حتى بمجتمعنا الآن، وليس العجيب في الوصية هو السمع والطاعة، فكل المجتمعات على اختلاف توجهاتها، وقوانينها وتشريعاتها تؤمن بأن العمل الجماعي لا بد له من قائد، وأن القائد لا قيمه لتوجيهاته أو أوامره إلا إذا كان هناك طاعة، كل الناس يؤمن بذلك، لكن ليس كل الناس يقبل بإمارة العبيد، أو بإمارة الفقراء، أو بإمارة من لا نسب أصيل له، هذا القبول يحتاج إلى نفس خاصة، وإلى تربية معينة، والرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 أكَّد هذا المعنى كثيرًا في حياته، فهو أولاً زَهّد الناس في الإمارة حتى جعلها تكليفًا لا تشريفًا، ومسئولية لا عطية، حتى أصبح عموم الأمة يخشى من الإمارة، ولا يقبلها إلا مضطرًّا، وقبل ذلك كان تأملات في خطبة الوداع R_20 قد زَهّد الناس في الدنيا بكاملها، ومن ثَمَّ ليس هناك معنى لتحمل مسئولية ضخمة لتحصيل جزء من دنيا لا قيمة لها، ثم إنه تأملات في خطبة الوداع R_20 ساوى بين المسلمين، فلم يعُدْ هناك تفاضل بينهم بعنصر، أو عرق، أو نسب، أو مال، إنما صار التفاضل بالتقوى، وقد يكون العبد الذي يُباع ويُشترى أتقى من الحُرِّ الذي يشتري العبيد.
كانت هذه تربية صعبة ودءوبة، جاهد فيها رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 كثيرًا، ولا نقول أنها وجدت قبولاً عند العموم بسهولة، بل استلزم الأمر تدريبات كثيرة، ومحاورات، ومجادلات متعددة، ولقد طعن الناس في إمارة زيد بن حارثة تأملات في خطبة الوداع T_20، والذي كان عبدًا يُباع ويشترى، ولكن الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 أصر على توليته عدة مرات على سرايا حربية مُهمة، كان أهمها وأعظمها السرية الأخيرة في حياته، وهي سرية مؤتة، حيث لقي ربه شهيدًا بعد كفاح مشرف، وكان قد ولاه قبل ذلك إمارة المدينة في إحدى غزواته تأملات في خطبة الوداع R_20، كل ذلك ليمهد المسلمين نفسيًّا إلى قبول ولاية أي مسلم ما دام يقيم فيهم حكم الله، وهذه حكمة نبوية راقية، وتشريع إسلامي محكم، فلا شك أن الأمة قد تقاد في يوم من الأيام بإنسان ذي نسب بسيط، أو عائلة ضعيفة، أو قبيلة فقيرة، فماذا يحدث في هذا الحالة؟
لو خرج عليه المسلمون ستكون فتنة في الأرض وفساد كبير، فلا بد من طاعته حتى تستقيم حياة الناس، وحياة الأمة، لكن الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 حدد شرطًا أساسيًّا لهذه الطاعة، وهذا الشرط يوضح لنا غاية الحكم في الإسلام ووسيلته، فقد علق تأملات في خطبة الوداع R_20 الطاعة للأمير على قيامه بأمر الله في المسلمين، قال: "مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ".
فالأمة الإسلامية مهمتها تعبيد الناس لرب العالمين، أو على الأقل دعوتهم إلى عبادة رب العالمين، ولا يكون ذلك إلا بمنهج صحيح غير محرف، ومهمة الحاكم الأولى هي أن يُحَكِّم شرع الله تأملات في خطبة الوداع U1_20 فيمن يَحْكُم. قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49].
والأحكام المتعارضة مع شرع الله أحكام جاهلية، يجب ألا تتبع، ولا سمع فيها، ولا طاعة، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
والرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 عاهد الأنصار في بيعة العقبة الأولى على أن لا يعصونه في معروف، وذلك كما روى البخاري عن عبادة بن الصامت تأملات في خطبة الوداع T_20.
ومقطوعٌ به أن الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 لا يأمر إلا بمعروف، ولكنه ذكر هذه القاعدة، وهذا الشرط ليكون حكمًا يسري بعد ذلك على كل الحكام والمحكومين، ويقول تأملات في خطبة الوداع R_20 فيما رواه مسلم عن علي رضي الله عنه: "لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".
ويخطب الصديق تأملات في خطبة الوداع T_20 أول تسلُّمه للحكم فيقول: أطيعوني ما أقمت فيكم كتاب الله، فإن عصيته، فلا طاعة لي عليكم.
كل هذه الآيات، والأحاديث تثبت شيئًا واحدًا مهمًّا، بل في غاية الأهمية، وهو أنه ليس المهم من هو الذي يحكم، ولكن المهم أن يحكم بكتاب الله تأملات في خطبة الوداع U1_20، وبسنة نبيه تأملات في خطبة الوداع R_20.

الوصية التاسعة: الشرع يطبق على الحاكم كما يطبق على المحكومين

لقد ضرب الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 في خطبته التي ألقاها في حجة الوداع أروع الأمثلة في الشفافية في تطبيق القوانين، لقد علمنا أن الحاكم واحد من الشعب، لا فضل له عليه، والكل أمام القانون يتساوى، وليس هناك ما يسمى بالحصانة ضد القانون، أو عدم القدرة على المساءلة.
إن التفرقة بين الحاكم والمحكومين في القانون، لهي من أهم أسباب انهيار الأمم، فهذا -ولا شك- يورث الضغينة في قلوب الناس، ويفقدون بالتالي مصداقية القانون، فيشعرون أن هذه تمثيلية مقيتة تعرض على الشعب، يلعب فيها أقوام دور المعاقَب دومًا، وينجو فيها فريق آخر من العقاب دومًا. ولا شك أن ذلك يهز قيمة القانون، ويضعف تمامًا من سلطانه، وهذا يؤدي إلى هلاك الأمة، واذكروا كلمه الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 الحكيمة -وكل كلامه حكيم- التي قالها يوم فتح مكة، ويوم قطع يد المخزومية الشريفة التي سرقت، قال تأملات في خطبة الوداع R_20 فيما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهُمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهُمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ".
ورأينا رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 يطبق القانون في حجة الوداع أول ما يطبق على نفسه، وعلى أقاربه ورحمه وقبيلته، قال تأملات في خطبة الوداع R_20: "وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ".
وترك الثأر الذي حدث في الجاهلية أصبح أمرًا واجبًا لازمًا للمسلمين.
ثم قال: "وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا، دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ".
ابن عم رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20، وكان مسترضعًا في بني سعد، فقتلته هذيل.
فهذا قتيل لبني عبد المطلب يتنازل رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 عن دمه، والجميع يعلم أهمية الثأر في تلك البيئة العربية القبلية، لكن تطبيق القانون على النفس أولاً يشجع الجميع على تطبيقه، والتفاني في عدم مخالفته.
ثم قال تأملات في خطبة الوداع R_20: "وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ".
هل في العالم مثل ذلك العدل؟!
إن قانون الربا كان ساريًا أيام الجاهلية، وكان ساريًا فترة من الزمان في أول الإسلام، وتعامل به العباس تأملات في خطبة الوداع T_20 وتعامل به الناس -عن رضا- مع العباس، وهو يمثل ثروة طائلة للعباس، ولقبيلة بني هاشم، ومع ذلك فقد نزل القانون الذي يجرم الربا، ويمنع السابق منه واللاحق، فليطبق القانون بدقة، وليكن أول تطبيقه على عم الرسول العباس تأملات في خطبة الوداع T_20، لتترسخ القاعدة في أذهان الناس، لا فضل لحاكم على محكوم، ولا لغني على فقير، الكل سواسية -حقيقة لا مجازًا، وواقعًا لا خيالاً- أمام القانون.
هذا هو الإٍسلام، يحكم حياة الناس في الأرض بقوانين السماء، فهل هناك ما هو أعدل من ذلك؟!

الوصية العاشرة: دوام النظر إلى الآخرة ومراقبة الله في كل الأعمال

إن مهمة الدولة الإسلامية ليست توفير سبل المعاش للسكان، ومحاولة قضاء حوائجهم، وإطعامهم وإسكانهم وتعليمهم وعلاجهم وترفيههم فقط، وإن كانت هذه الأمور في منتهى الأهمية؛ وإنما مهمتها قبل كل ذلك الحرص كل الحرص على آخرة الشعب، ومصيره يوم القيامة. نَعَمْ، كل نفس بما كسبت رهينة، لكن مهمة الدولة الإسلامية أن توفر لشعبها الظروف الملائمة، والأوضاع المناسبة التي تقودها إلى عمل صالح، وإلى جنة واسعة، يقول رسول الله تأملات في خطبة الوداع R_20 للمسلمين في حجة الوداع: "وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلَكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، وَقَدْ بَلَّغْتُ".
الدولة العلمانية لا تنظر مطلقًا إلى هذه النقطة، فليذهب الشعب إلى الجحيم إن أراد ذلك، المهم أن يستقيم في الدنيا، والدولة الإسلامية لا تنظر للشعب هذه النظرة الآنية السطحية التافهة، إن من وظيفتها الأولى أن تسعى سعيًا حثيثًا لهداية الناس إلى رب العالمين؛ فإذا كان من أدوارها أن تدعو غير المسلمين إلى الإسلام، وإلى النجاة في الدنيا والآخرة، أفلا يكون ذلك من أدوارها تجاه شعبها؟!
إن هذا الدور كان من أَجَلّ وأهم أدوار الرسول تأملات في خطبة الوداع R_20 بصفته مسئولاً عن شعبه المسلم، يقول تأملات في خطبة الوداع R_20 فيما رواه الرَّامَهُرْمُزِي في الأمثال، وذكره الألباني في الصحيحة: "إِنِّي مُمْسِكٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وتَقَاحِمُونَ فِيهَا تَقَاحُمَ الْفَرَاشِ وَالْجَنَادِبِ، وَيُوشِكُ أَنْ أُرِسَلَ حُجَزَكُمْ، وَأَنَا فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَتَرِدُونَ عَلَيَّ مَعًا وَأَشْتَاتًا، فَأَعْرِفُكُمْ بِأَسْمَائِكُمْ وَبِسِيمَاكُمْ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الْغَرِيبَ مِنَ الإِبِلِ فِي إِبِلِهِ، فَيُذْهَبُ بِكُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، وَأُنَاشِدُ فِيكُمْ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي. فيقال: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ الْقَهْقَرَى بَعْدَكَ. فَلا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولَ: لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ. ولا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدٌ. فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ".
بل كان يحزن تأملات في خطبة الوداع R_20 إذا مات يهودي أو نصراني دون أن يسلم؛ لأنه يعلم أن عواقب ذلك في الآخرة وخيمة، روى البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض. أي من أهل الذمة، فقال: إن النبي تأملات في خطبة الوداع R_20 مرت به جنازة، فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي.
قال: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!"
وكم نرى في زماننا من الحكام والدول من لا يذكر الله أبدًا في كلامه، ولا يُذكّر الناس بيوم القيامة، ولا بحسابهم أمام الله، وكأن هذه تقاليد بالية، لا يتكلم عنها إلا بعض المشايخ في المساجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كانت هذه هي الوصية العاشرة من وصايا حجة الوداع العظيمة، فتلك عشرة كاملة.
وأنا على يقين أن من تدبر فيها بعمق فسيُخرج وصايا أخرى كثيرة، فالخير لا ينقطع في كلامه تأملات في خطبة الوداع R_20، والمجال مفتوح للجميع للدراسة والتنقيب والتحليل، ونسأل الله الهداية والتوفيق.
كانت هذه هي حجة الوداع بدروسها العميقة، وآثارها الجليلة، وقيمتها الهائلة في الميزان الإسلامي، وأوصى فيها الرسول العظيم تأملات في خطبة الوداع R_20 أمته، وودعها وداعًا أخيرًا، وسعد بها، وسعدت به، واكتمل فيها الدين، وتمت فيها النعمة، وكانت كالجائزة للحبيب تأملات في خطبة الوداع R_20 بعد عناء السنين.
د. راغب السرجاني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

تأملات في خطبة الوداع Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات في خطبة الوداع   تأملات في خطبة الوداع Emptyالجمعة 27 فبراير 2015, 10:19 pm

1] رواه مسلم (2577)، وأحمد (21458).
[2] رواه البخاري (1654، 1741)، ومسلم (1679).
[3] ابن هشام: السيرة النبوية 2/604.
[4] رواه مسلم (1218)، وابن ماجه (3074).
[5] التخريج السابق نفسه.
[6] التخريج السابق.
[7] رواه أحمد (23536)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
[8] المجدع: مقطوع الأطراف.
[9] رواه الترمذي (1706)، وابن ماجه (2861)، وأحمد (16700)، واللفظ له.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
تأملات في خطبة الوداع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصص الأنبياء - خطبة الرسول في حجة الوداع
» تمام الدين في خطبة الوداع
» خطبة حجة الوداع لرسول الله صل الله عليه وسلم
» حجة الوداع
» حجة الوداع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: