ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: عواصف الخليج – أمس واليوم وغدا: الخميس 02 أبريل 2015, 1:57 am | |
| MAR 31, 2015عواصف الخليج – أمس واليوم وغدا: هيكل وحرب الكويت “والكذب بالحذف” رواية الامير بندر.. وغضبة الملك سلمان دكتور محيي الدين عميمورأسمح لنفسي بتذكير القارئ بما أقوله دائما من أن آرائي تعتمد على ما يتوفر لدي من معلومات، وأنا أذكر مصادري المعلوماتية، لكنني لا أصدر أحكاما هي من حق رجال التاريخ ومفكري الأمة.ولقد قلت في الحديث الماضي أنني متحمس لعاصفة الحزم، وأراها وقفة نقد ذاتي يقوم بها الخليج العربي، وتعمدت أن يكون عنوان مقالي بالجمع، لأن هذه ليست العاصفة الأولى، وكانت خاتمة الحديث الماضي أن العراق استدرج ليرتكب أكبر خطأ في التاريخ العربي المعاصر، وهو أخطر بكثير من محاولة غزو الجزائر في أكتوبر 1963.وربما لم يكن غزو الكويت واردا في ذهن صانع القرار العراقي، طبقا لما قاله الرئيس صدام للرئيس مبارك، مصحوبا برجاء ألا يُبلغ الكويتيين بذلك، لكن الريّس المصري تسرع، بخلفية لا أجرؤ على تحديدها، وطمأن الكويتيين، ودفعهم هذا، تماما كما توقع الرئيس العراقي، إلى التشدد أكثر، وهنا قرر أن يمارس سياسة حافة الهاوية.والمشكل الحقيقي أن سياسة حافة الهاوية ليست لعبة شطرنج تنتهي عند “كِشْ مَلِك”، ولعل أهم ما يُعبّر عن خطورتها المثل الجزائري الذي يقول بأنه إذا كان إخراج السلاح (لمجرد التهديد) عيب، فإن إعادته (بدون استعماله) عيبان.ولأن الأستاذ هيكل ممن يستشهد بآرائهم اليوم، سأعتمد كثيرا على ما أورده، وخصوصا في كتابه: حرب الخليج وأوهام النصر، ومع ملاحظة أن هيكل، كما أقول منذ نحو نصف قرن، من خبراء ما يسميه رجال القانون “الكذب بالحذف”، أي إعطاء بعض عناصر الحقيقة وإخفاء البعض الآخر.ويقول هيكل: بدأت القاهرة تحس بأن العراق يشدها معه لتوريطها فيما لا قبل لها به، وهكذا أثيرت حملة إعلامية حول ما تعانيه العمالة المصرية في العراق، وتوالت العناوين الصحفية عن النعوش الطائرة التي تحمل جثامين من قتلوا من المصريين، ويتضح بأن هناك من يؤجج نار الفتنة بين البلدين، غير أن هيكل يؤكد أن الرئيس مبارك حاول كبح جماح الحملة، لتظل داخل حدودها الطبيعية !!?? (ص 305).وتصاعدت مع بدايات صيف 1990 تساؤلات ملحّة: ماذا كان مخطط مصر آنذاك؟ فالرئيس مبارك لم يكن يشعر بالراحة مع شخصية صدام حسين المتأثرة بتكوينه العقائدي وطموحاته إلى دور إقليمي يراه الرئيس مبارك على حساب مصر (هيكل ص 334) وكانت وزارة الدفاع الأمريكية ترصد التحركات العسكرية العراقية، واتضح فيما بعد أن تقاريرها كانت مغرضة، وكان سفير السعودية في واشنطون، الأمير بندر بن سلطان، يوضع في الصورة كما يريدها الأمريكيون الذين يعرفون وزن الأمير، ابن الأمير سلطان وزير الدفاع وزوج ابنة الملك فيصل وممثل السعودية في العمليات السرية التي تحتاج فيها الإدارة الأمريكية إلى اعتمادات لا تمر على طريق الكونغرس. وحين سأل كولين باول الأمير السعودي عن مدى صلابة الكويتيين أجابه قائلا : إن عائلة الصباح عائلة تجار، وليست لهم هوية سياسية محددة، والكويت كلها أقرب إلى أن تكون شركة منها إلى أن تكون دولة (هيكل ص 367)ويجب أن أذكر هنا بأن المعلومة السائدة هي أن بندر كان في السنوات الأخيرة مُخططُ التعامل في قضية سوريا والعراق واليمن، ويبدو أنه فقد نفوذه في عهد الملك سلمان، الذي يبدو أكثر مقدرة على مواجهة الأحداث، والذي يتحمل مسؤولية القيادة الفعلية لعملية عاصفة الحزم، بعد أن فاض الكيل بالقيادات الخليجية من عبث علي عبد الله والحوثيين كما سيأتي فيما بعد.والمهم هنا أن غزو الكويت تم في 2 أغسطس 1990، وأدانته معظم دول العالم بما في ذلك الجزائر، وتداعى وزراء الخارجية العرب إلى لقاء في القاهرة يوم 4 أغسطس.كانت رئاسة بوش تواجه عدة مشاكل، فالاقتصاد الأمريكي يُعاني، والمنافسة الألمانية اليابانية مرهقة، واحتمالات الوحدة الأوربية تثير القلق، وهو في الوقت نفسه القائل بأن القرن الواحد والعشرين سوف يكون أمريكيا، ويقول رئيس الأركان الأمريكي ويليان كرو لنائبه كولين باول بأنه يشعر أن : “الرئيس يتصرف بنفاذ صبر (..) إننا بالصبر انتصرنا على أكبر خصومنا وهو الاتحاد السوفيتي، إن العراق هدف سهل، وسوف نقتل مئات الألوف من العرب هناك بدون عناء، وسوف يتحمس لنا بعض العرب في البداية، ولكن كل العرب، بعد أن تمر السنين، لن ينسوا (..) ثم يتساءل كرو: وماذا عن الأعباء الاقتصادية للحرب، ويرد باول: التقدير هو أن عرب البترول سوف يدفعون التكاليف.ولقد دخلت في بعض التفاصيل لكي أؤكد بأن الإرادة الأمريكية للقيام بالحرب كانت طاغية، وفرضتها على قيادات عربية، بعد كلمات خادعة للسفيرة الأمريكية في بغداد، وتأكد أننا دخلنا في العهد الذي كان الرئيس هواري بو مدين يُطلق عليه : السلام الأمريكي (Paxa Americana).ويتضح من تطور الأحداث أن انسحاب صدام من الكويت كان هو آخر المطلوب أمريكيا، فالرئيس بوش استقر رأيه على (..) التدخل العسكري المباشر (..) وكان شرط النجاح وجود قاعدة لحشد القوات، وهذه القاعدة لا يمكن إلا أن تكون السعودية (..) ولا بد من ترتيبات خاصة يتحمل بمقتضاها العرب المنتجون للبترول تكاليف الخطة العسكرية (وهكذا) بدأ بوش يتصرف وكأنه رجل واتته فرصته التاريخية، ولم يعد يتحدث عن الكويت وحدها ولكنه بدأ يتحدث عن تسوية شاملة للأوضاع في الشرق الأوسط، وعن دور تتمكن فيه الولايات المتحدة من قيادة العالم.هكذا بدأت أخطاء الخليج، بعد أن أصبح أهم ما يحرص عليه الرئيس الأمريكي أن ينتزع من الملك فهد “طلبا” واضحا يستنجد بالقوات الأمريكية، ليكون ذلك مبررا لانطلاق القوات الأمريكية من قاعدة في السعودية، وهو الشرط الرئيسي لنجاح الغزو عسكريا ولتبريره سياسيا.ويقوم الأمير بندر بدوره المطلوب منه فيؤكد للأمير تركي الفيصل، ابن عمّه ومدير المخابرات السعودية، تقدم قوات عراقية في المنطقة المحايدة بين العراق والسعودية، ولم يكن ذلك صحيحا على الإطلاق، وهو ما أكده مدير المخابرات الفرنسية الأسبوع الماضي في برنامج فرنسي متلفز.ويقول بندر للملك، حسب رواية هيكل، إن الذي يُفطر بالكويت لا بد له أن يتغدى بشيء آخر.ويقول صدام للملك حسين أنه اتخذ قراره بالانسحاب (..) لكن هناك شرطا واحدا وهو ألا يتخذ وزراء الخارجية العرب الذين سوف يجتمعون في القاهرة قرار مسيئا أو عنيفا ضد العراق.وفي الرابعة والنصف مساء من مساء الرابع من أغسطس، وقبل أن يعقد اجتماع وزراء الخارجية على السادسة، تصدر مصر بيانا منفردا بإدانة العراق، ويُصدم الملك حسين لأن ذلك كان إفشالا واضحا لقمة جدة المصغرة، التي وافق عليها صدام.لكن أكبر عقبة كانت تواجه بوش لم تكن تحركات الملك حسين وإنما حاجة السعودية لغطاء عربي أو إسلامي، أو الاثنين معا، لتتمكن من طلب قوات غير مسلمة تحل بالمملكة، وهكذا عاد بوش لممارسة ديبلوماسية التيليفون (هيكل ص 405) بينما راح الأمير بندر في السعودية يدفع نحو استشارة رجال الدين حول وجود الأمريكيين في السعودية، وأمتنا لا تفتقد علماء السلطان.ويبدي الملك المغربي استعداده على الفور لإرسال قوات إلى السعودية (ص 413)وهكذا خُدع الخليج وارتكب خطأ تاريخيا، يبدو اليوم أنه كان خطيئة دفع الوطن العربي ثمنا فادحا لها، وربما كان هذا وراء غضبة الملك سلمان من الخداع الأمريكي الذي ورط الأمة كلها ووصل بها إلى وضعية مُذلّة.فقد أعطى ذلك الخداع الرئيس بوش إمكانية القول في خطابه الموجه للأمة صباح يوم 9 أغسطس، أي بعد أسبوع واحد من الغزو العراقي، بأن : “قواتنا ذهبت إلى المملكة العربية السعودية بناء على طلب سعودي، وأنها سوف تغادر المملكة فور أن تطلب منها الحكومة السعودية ذلك”.وتتجه الأنظار إلى القاهرة، حيث بدأ الإعداد لعقد قمة عربية غير عادية.ويُعطي هيكل صورة مُعبّرة عمّا شهدته العاصمة المصرية صباح ذلك اليوم فيقول أن : أرتال السيارات الجديدة والفخمة، وكلها سوداء، راحت تعطي العاصمة المزدحمة الكبيرة مظهرا من الأهمية يُضاعِف من تأثيره أصواتُ صفارات الحراسة (..) وكانت جماهير الشعب المصري تتابع ما حولها بمزيج يختلط فيه الضيق بالكبرياء (وكان ) إحساس المصريين بانتهاء عزلتهم عن العالم العربي، وبأن الأمة العربية جاءت قاصدة إلى بلادهم في ساعة أزمة عنيفة، كان يعطيهم شعورا غامضا بأن موقع الزعامة عائد إلى عاصمتهم بعد غياب طال، وربما كان هذا هو سبب عقد القمة في القاهرة وليس في شرم الشيخ، التي لا يحس عامة الشعب بشكل مباشر بما يحدث فيها.لكن شعورا حادّا بدأ يفرض وجوده على كل الحركات والتحركات داخل أجواء المؤتمر، خلاصته أن الوضعية يسيطر عليه تسرع من الصعب تفهمه أو تبريره ، وهو تسرع سيتجسد بصورة واضحة في أسلوب عمل القمة واختتام أعمالها، والذي يمكن أن تغطيه كلمة (الكلفتة) خصوصا وقد طلب الرئيس التونسي تأجيلها يومين أو ثلاثة ليمكن الإعداد الجيد لها على مستوى وزراء الخارجية، ولم تتم الاستجابة لطلبه، فلم يحضر أساسا، بينما شارك الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، ربما من منطلق محاولة إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، أما ملك المغرب فقد اكتفى بإرسال رئيس وزرائه.وفوجئ الجميع بأنه لن يكون هناك اجتماع تمهيدي لوزراء الخارجية قبل القمة طبقا للتقاليد المعمول بها في القمم، ويردّ الوفد المصري المُضيف على من طرح عليه التساؤل، وبالطبع طبقا للتعليمات التي تلقاها، بأن الموقف مُعقد جدا وبلا سابقة، وأن الأزمة بمجملها سوف تعرض على الملوك والرؤساء ليروا فيها رأيهم.وهكذا حُرم الرؤساء من مساهمة المختصين في الشؤون الديبلوماسية، ويتضح أن المطلوب منهم هو التصرف كبرلمانات “بني وي وي” (Beni oui oui) الشهيرة..ويسلم وزير خارجية السعودية للأمين العام للجامعة الشاذلي القليبي ورقة تضم مشروع قرار رجاه أن يطبعه بسرعة (دائما بسرعة) ليُوزع على الرؤساء والملوك قبل دخول القاعة.وفيما بعد عبر أحد مستشاري الملك حسين عن مشاعره حول ما جاء في تلك الورقة بأن النص كان “ترجمة” إلى اللغة العربية وليس كتابة أصلية بها (ص 429) ويؤكد ذلك بأن النص يتحدث عن عودة القوات العراقية إلى مواقعها يوم 1 أغسطس، في حين أن الغزو حدث يوم 2 أغسطس، الذي كان فعلا يوم 1 أغسطس في واشنطون نظرا لاختلاف التوقيت، وهكذا يتضح أين كتب النص الأول للقرار الذي سيتخذه الرؤساء العرب، ويُعرف من الذي أعطاه لمن، ومن أطلع عليه قبل توزيعه ومن حُرم من هذا الشرف، وكل هذا هو جزء من عملية الخداع التي يسترجع الخليج أحداثها اليوم.ويقول الشاذلي بن جديد خلال الجلسة الأولى: “إننا مطالبون بأن نجد وسيلة عربية لحل الأزمة، وإلا فإننا نكون قد ضيعنا كفاح أجيال قضت عمرها في محاربة الاستعمار، ولا يعقل أن نجد بيننا من يمهد الطريق لعودته لأراضينا بقواته العسكرية”.ويتدخل الرئيس السوداني عمر البشير لكي يتحدث عن الأمر مؤيدا ما قاله الشاذلي، لكن الملك فهد يرد على الرئيس السوداني بغلظة قائلا بأنه : “لا يعرف ما يقوله وكلامه مليء بالخلط”، بينما تفادي توجيه الرد للرئيس الجزائري، الذي ما كان ليكظم غيظه كما فعل البشير، ولكنه كان يتابع بقلق كبير المناورات التي تجري في القاعة، وتعطي الشعور بأنها تنفيذ لقرارات اتخذت خارج القاعة.ويتدخل الرئيس مبارك قائلا: “لدينا مشروع وزعناه في الصباح وسوف أطرحه الآن للتصويت، وترتفع أصوات مطالبة الرئيس بتأجيل التصويت لأن المناقشة لم تستوفِ حقها، ويرد مبارك قائلا بأنه لا يسمع مناقشة جادة وإنما يسمع مهاترات، ثم يطلب من الموافقين على النص الموجود أمام المؤتمرين رفع أيديهم ويقول بسرعة : حداشر (11) أغلبية موافقة، ترفع الجلسة.وهكذا تم التعامل مع أخطر قرار مرّ على مجلس الجامعة العربية منذ إنشائها.وكان واضحا أن الرئيس المصري كان مُكلفا بمهمة، وكانت نتيجة المهزلة، التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا، مواقفَ متضاربة، فالعراق وليبيا رفضتا القرار، والسودان وموريطانيا وفلسطين تحفظت عليه، والجزائر واليمن امتنعتا عن التصويت، وكذلك الأردن، أي أنها لم تكن حاسمة.وإذا قمنا بتحليل سياسي لتلك القمة، والتي قيل أنها وافقت على الاستعانة بالقوات الأمريكية، فإننا نجد أن أربعة أصوات فقط هي التي وافقت على القرار، مصر وسوريا، ولبنان بالطبع، ثم دول الخليج كلها، التي جسدت صوتا واحدا عبّر عن إرادة دول مجلس التعاون، وكان من لم يصوتوا عليه، امتناعا أو تحفظا ثمانية، بضم تونس الغائبة.وهكذا بدا في تلك اللحظات أن الولايات المتحدة هي المدير الوحيد للأزمة والممسك بزمامها والموزع للأدوار فيها (هيكل ص 437) وبدا واضحا أن الخليج سلم لحيته للرئيس الأمريكي بسمسرة مؤكدة من الرئيس مبارك، وهو ما يجب أن يكون أمامنا ونحن نحلل خلفيات عاصفة الحزم.ولعلي أعتذر عن استعادتي للكثير من التفاصيل، لكنني ممن يرون أن الاكتفاء بالخطوط العريضة في أي تحليل سياسي هو نوع من الكذب بالحذف.يتبع |
|