ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: قراءة في الجذور والديناميات بين العراق وسوريا الإثنين 06 أبريل 2015, 12:06 am | |
| [rtl]قراءة في الجذور والديناميات بين العراق وسوريا[/rtl] [rtl]إبراهيم درويش[/rtl] APRIL 4, 2015
في نهاية عام 2011 طلب عبد العزيز كوان من خاله العقيد رياض الأسعد مساعدته في الإنضمام إلى صفوف المقاتلين السوريين ضد نظام بشار الأسد. كان الأسعد أول العسكريين المنشقين على نظام بشار الأسد وأول من أسسوا ما عرف لاحقا بالجيش السوري الحر. لكنه رفض وكذا عائلة عبد العزيز التي تعيش في البحرين منذ أن غادرت مدينة البوكمال في سوريا عام 1980 للعمل في الخليج. ربما كان داعي الرفض مرتبطا بسن عبد العزيز في ذلك الوقت، فقد كان في السادسة عشرة. لكنه وكأي شاب متحمس قرر عصيان والديه وسافر جوا إلى اسطنبول في تركيا ومن ثم طار إلى بلدة الريحانية ومن هناك اجتاز الحدود ووصل حلب حيث قاتل في عدد من صفوف المعارضة وتنقل بين الواحدة والأخرى. وعرف عنه شراسته في القتال. وانتهى أخيرا يقاتل في صفوف جبهة النصرة، ولكن عبد العزيز بدأ يشعر بالخيبة في زملائه المقاتلين، ورضخ أخيرا لضغوط عائلته عام 2012 وعاد إلى البحرين. فقد غيرت الحرب الفتى ولم تعد الحياة الهادئة في البحرين تناسبه حيث لم يجد ما يفعله «أمشي في الشوارع وأشعر وكأنني في سجن». «أشعر بأنني مقيد وأن أحدا يراقبني دائما، أريد أن أكون حرا، أريد العودة. هناك يعيش الناس حياتهم، هي حياة مشرفة». لم تطل إقامة عبد العزيز «الإجبارية» في البحرين سوى ثلاثة أشهر حيث أقنع والدته أخيرا برد جواز سفره له. وسافر للتو بالطريقة الأولى نفسها ووصل إلى حلب وانضم حالا إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. لم يكن التنظيم قويا في حينه وتعرف عليه عبد العزيز من خلال حديثه «مع بعض الإخوة» عبر «سكايب». وساعدته تجربته الأولى مع الإسلاميين في الإنضمام إلى صفوف التنظيم والترقي في القيادة. اكتشاف الوحشية وعندما توسع تنظيم الدولة الإسلامية وسيطر على مناطق في العراق والشام رقي لدرجة مسؤول أمني يشرف على ثلاث بلدات واقعة على الحدود السورية- العراقية. خلال عمله اكتشف عبد العزيز شيئا جديدا عن نفسه. فقد أصبح قاسيا وشرسا ويقطع الرؤوس. شيء لم يكن يعرفه في السابق. وربما تطور معه أثناء تجربته في التنظيم لكن هذا لم يكن يقلق باله مثلما لم يقلقه الإحتفاظ بسبية من سبايا الدولة من الإيزيديات وغيرهن. فالقتل والسبي يبرران بالنصوص الدينية. وقد درس عبد العزيز الشريعة في المدينة المنورة قبل أن يترك الدراسة ويعود إلى البحرين. في سوريا أطلق على عادة الجهاديين، على نفسه كنية، وتكنى بأبو المعتصم بالله، في استعارة للخليفة العباسي المعتصم الذي لبى نداء إمرأة من عمورية أهانها البيزنطيون بجيش جرار. ومثل بقية المقاتلين المندفعين كان عبد العزيز يحرص على الصفوف الأمامية أملا في الشهادة. وجاءته عندما قتله رصاص قناص تابع للجيش السوري في تشرين الأول/اكتوبر 2014 في حي الحويقة في مدينة دير الزور. القادمون لأرض الخلافة تلخص رحلة عبد العزيز كوان أو بالأحرى أبو المعتصم بالله قصصا عدة لمقاتلين أجانب جذبهم الألم والمعاناة السورية واندفعوا للقتال فيه وعندما وصلوا إلى ميدان المعركة تعددت طرقهم ومشاربهم وحتى أهدافهم، فليس كل من انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية جاءوا إليها بدافع مثالي مثل كوان، بل هناك من فرض عليهم التعاون مع التنظيم عبر الترهيب والتخويف، وهذا يصدق على القبائل العراقية والسورية التي خيرت بين وحشية النظام ووحشية الميليشيات الشيعية والنظام. وهناك من جاء إليه لأسباب انتهازية وبحثا عن الشهرة والمال والإنتقام من قبيلة أو أخرى، وهناك الأجانب الذي جاءوا إليه نتيجة لقدرات التنظيم الدعائية وبراعته في استخدام وسائل التواصل الإجتماعي ورسائل قادته لمسلمي العالم. وهناك المتشددون الحالمون برؤية عقائدية والمغرر بهم المبتدئون. وقصة كوان تشبه قصة حمزة محمود من القامشلي الذي تعرف على طريق الجهاديين وحاولت عائلته منعه لدرجة لجأ فيها والده لكسر رجله. وعندما تعافى قطع حمزة صلاته بالعائلة ورفض الإستماع لنصائحها بأن يعمل مع تنظيم وحشي يمارس أفعالا لا يقرها الإسلام، لكن رسالته لإخوته الذين اتصلوا به «لا تصدقوا كل ما يقال في الإعلام». ظاهرة معقدة ولهذا تبدو قراءة تنظيم الدولة ومساراته المتعددة وخروجه من العراق ثم بنائه قاعدة وجود في سوريا مستغلا الثورة السورية ضرورية. فهو لا يشبه فروع تنظيم القاعدة التي انبعثت في مناطق متعددة من العالم ومنها سوريا وإن كانت أصوله بدأت فيها، وتفوق في وحشيته وممارساته القمعية أي تنظيم، وحقق أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم ما لم يحققه أسامة بن لادن أو خليفته أيمن الظواهري. فقد سيطر على أراض وأقام حكما سماه «خلافة» ووحدت ممارساته العالم ضده. وفوق كل هذا استغنى في معظم الأحوال عن الدعم الخارجي. ويعتبر حسب تقاير أممية وأمريكية من أغنى التنظيمات الجهادية في العالم. لكن تنظيم الدولة لم يبدأ من لحظة الرقة أو الموصل، بل كان الغزو الخاطف للموصل وتهديده لبغداد وإربيل ذروة تمظهراته . ويعبر في النهاية في تاريخ نشوئه وصعوده والحرب التي يواجهها اليوم في العراق وسوريا عن قصة بلدين. فلم تبدأ قصة تنظيم الدولة الإسلامية من الخلاف بين أبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني ومحاولة أيمن الظواهري، زعيم القاعدة الفصل بين مهمة الفروع في سوريا والعراق، لكنها بدأت من الأيام الأخيرة في الحرب الأفغانية وعودة الأفغان العرب الذين قاتلوا في صفوف الجماعات الجهادية الأفغانية بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان. فقد كان الغزو الروسي عام 1979 لأفغانستان المحفز الذي دفع بالآلاف من الشبان العرب نحو باكستان التي تولت مهمة إدارة جماعات الجهاد- تمويلا وتسليحا- بالتنسيق مع السعودية والولايات المتحدة. ومن رحم الجهاد الأفغاني ظهر مكتب خدمات المجاهدين الذي أنشأه الشيخ عبدالله عزام، وبعد مقتل الشيخ في حادث تفجير غامض عام 1989 ظهر تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن. من أفغانستان بدأت الرحلة فمن أفغانستان بدأ أبو مصعب الزرقاوي رحلته إلى العراق. وكان قادما متأخرا للساحة الجهادية إلى هناك لكنها مثلت البوتقة التي صهرت أفكاره الجهادية ووجهته نحو شمال العراق في بداية القرن الحالي. وصعد نجمه مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. والزرقاوي هو المسؤول عن استراتيجية التوحش والقتل لدرجة أثارت خوف بن لادن والظواهري الذي أرسل رسالة له تحذره وتصفه «بشيخ الذباحين» فهو أول من استخدم الفيديو لذبح الأمريكي نيكولاس بيرغ، كما لعبت السياسات الطائفية التي تبناها في إشعال الحرب الطائفية في العراق والتي بدأت بتدمير مسجد الإمام العسكري في سامراء. تسليف البعث وهناك فصل مهم في تاريخ الحركة الجهادية وإن لم يرتبط بأفغانستان ولكنه جاء نتاجا لحرب الخليج وهزيمة الجيش العراقي وخروجه من الكويت عام 1990. وهنا نشير إلى الحملة الإيمانية التي تبناها النظام العراقي وأدت إلى انتشار السلفية في العراق والتي استغلت الفراغ الحاصل في مناطق السنة نظرا لغياب الإسلام السياسي الذي قمعه البعث العراقي. وقد أثرت الحملة الإيمانية على حزب البعث الحاكم بما يمكن تسميته «تسليف البعث». وعندما قاتل العرب السنة تنظيم القاعدة الذي أنشأه في العراق الزرقاوي قاتلوه رغبة في التخلص من أساليبه القمعية والوحشية، ومن هنا نشأت «الصحوات» وعندما خرج الأمريكيون من العراق عام 2011 ظنوا أنهم تركوا بلدا آمنا انتهى فيه تنظيم القاعدة. ولكنهم كانوا واهمين كما يرى كتاب «داعش: في داخل جيش الإرهاب» (2015) من تأليف مايكل ويس وحسن حسن، وفيه يلاحق الكاتبان ظهور تنظيم الدولة وصعود أبو بكر البغدادي إلى قيادته بعد مقتل كل من أبو حمزة المصري وأبو عمر البغدادي. وفيه يرصد الكاتبان أيضا ملامح العنف أو إدارة التوحش، في إشارة لكتاب أبو بكر ناجي الذي يقدم تنظيرا لمعنى الجهاد والإسلام وطريقة إدارة الجهاد. ويكشف الكاتبان عن دور معسكرات الإعتقال الأمريكية «بوكا تحديدا» في صهر عقيدة الجهاديين وتمتين صلات هؤلاء مع رموز النظام العراقي السابق الذين وجدوا أنفسهم في صف واحد ضد الأمريكيين والحكومة العراقية. ويظل الفصل التكويني في تاريخ تنظيم الدولة مهما لأنه يكشف عن الديناميات التي نشأت بعد الإحتلال الأمريكي وطبيعة القوى التي تصارعت على السلطة والساحة بشكل عام. فقد أدت مآلات الإحتلال الأمريكي إلى نشوء علاقات بين الجهاديين ورموز النظام السابق وتمظهرت العلاقة أكثر في الطريقة التي شكل فيها البغدادي تنظيمه، فكل القيادات العليا عراقية وكلها تخرجت من كامب بوكا الذي سجن فيه أبو بكر البغدادي لفترة من مثل أبو علي الأنباري عبد الرحمن البيلاوي وأبو أيمن العراقي وربما كان أبو عمر الشيشاني هو الإستثناء الوحيد في القيادة. ويلمح الكاتبان للدور الذي لعبه نائب الرئيس العراقي السابق عزت إبراهيم الدوري وعلاقته بالطريقة النقشبندية في بناء العلاقات مع تنظيم الدولة. الجزء السوري ويعتبر فهم الفصل العراقي لنشوء التنظيم مهما لأن النظرة العامة تربط حالة الإحياء التي شهدها التنظيم وانتصاراته الأخيرة بالملف السوري. صحيح أن النظام السوري تعاون مع الجهاديين وسهل طرق دخولهم العراق، وكان لآصف شوكت، صهر الأسد والذي قتل فيما بعد مع خلية الأزمة عام 2012 دور في عمليات تسهيل خروج الجهاديين إلى العراق. وكشف سفير سوريا في العراق المنشق نواف الفارس عن سياسة النظام السوري والشبكة التي اقامها لتخريب الجهود الأمريكية في العراق. ومهما يكن فقد كانت الحاضنة السورية هي التي أدت لظهور التنظيم ولكن باسم جديد عندما أرسل البغدادي سبعة من القياديين إلى سوريا بعد بدء الإنتفاضة عام 2011 بفترة قصيرة وكان من بينهم أبو محمد الجولاني الذي قام بسلسلة من التحضيرات وعمليات صغيرة ضد النظام قبل الإعلان عن ولادة جبهة النصرة لأهل الشام. وكان الهدف من وراء إنشاء التنظيم هو بناء قوة سورية لقتال الأسد، وبالضرورة تجنب أخطاء التجربة العراقية، وهو ما اعترف به الجولاني في مقابلة له مع قناة «الجزيرة». ومن هنا تفهم الشعبية التي حظي بها التنظيم في سوريا، ولكنها لم تدم كثيرا عندما أعلن أبو بكر البغدادي عن توحيد الجبهة السورية مع العراقية وهو ما تملص منه البغدادي وجاء الطلاق بينهما عام 2013. وتحول التعاون إلى حرب أهلية وتصفية حسابات قادت إلى سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الرقة. كان الجولاني ضمن من خرجوا في العفو الرئاسي من سجن صيدنايا. وعندما قرر الأسد الإفراج عن السجناء في السجن المعروف الذي تحول لقاعدة للسلفية الجهادية أخرج منه المرتبطين بهذا التيار في محاولة منه لتشويه سمعة الإنتفاضة التي خرجت تطالب بالحرية والديمقراطية. ويكشف الكاتبان عن التداخل في المصالح بين الجهاديين والنظام والدور الذي لعبه الأخير في قتل الثورة وتسهيل السبل للجهاديين كي يختطفوا الثورة. ولا يغفل الكاتبان عن تحليل الدور الإيراني في سوريا وما قام به فيلق القدس وقائده الجنرال قاسم سليماني من تشكيل ميليشيات مسلحة على طريقة الباسيج الإيرانية. ويحلل الكاتبان الأبعاد الطائفية للثورة السورية وكيف حولها النظام بهذه الطريقة كي يبرر قمعه ويشوه المعارضة. يضيف كتاب حسن حسن ومايكل ويز إلى عدد من الدراسات والكتب التي صدرت حول ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية وبالتأكيد فهو كتاب مهم لأنه يضيء جوانب ظلت مظلمة في معرفتنا بجذور ظاهرة التنظيم والشبكة المعقدة التي نشأ منها. ظاهرة «داعش» ومن أهم الكتب التي رصدت الظاهرة أو تنبأت بها كان كتاب الصحافي في»إندبندنت» باتريك كوكبيرن «صعود الدولة الإسلامية: داعش والثورة السنية» (2014) وهناك بالإضافة له عدة عناوين ترصد الظاهرة من جوانب متعددة. وقامت مجلة «فورين أفيرز» بجمع كل ما نشرته عن التنظيم في ملف خاص سمته «أزمة تنظيم الدولة الإسلامية» (آذار/مارس 2015) ويعثر الباحث على عدد من العناوين الأخرى مثل «صعود داعش: تهديد لا يمكننا إنكاره» (2014) من تأليف جي سيكلو من بين كتب عدة. Michael Weiss and Hassan Hassan: ISIS, Inside the Army of Terror Regan Arts, New York 2015 288 pages. إبراهيم درويش |
|