[rtl] د. عبد السلام المجالي... بعيداً عن السياسة.. ملك يوسف التل
هل يمكن العثورعلى سياسي أردني واحد لديه الجرأة أو المزاج أو قدرة التحكّم بلسانه بحيث يكتفي بالحديث «بعيداً عن السياسة» وفي هذا الوقت بالذات؟ نقصد في فصل «الربيع العربي « الذي أصبح فيه كل شيء سياسة، وسياسة تعوم في فائض الشك ونكهات الريبة ومحفزات رفع الصوت.
في السنوات الماضية وحتى فترة غير بعيدة ،كان الحديث «بعيداً عن السياسة «مغرياً وممتعاً للسياسيين المحترفين. فما يعرفونه ويجهله الشارع، هو أكثر بكثير مما يودّون الخوض فيه. الآن تغير الوضع واختلطت بعض الاشارات الحمراء بالصفراء بالخضراء.. حديث السياسي «بعيداً فعلاً عن السياسة» بات وكأنه تهمة بالغياب عن الصورة أو انعدام الموقف أو شبهة بجفاف الذاكرة .
ذوات سبق وتحدثوا «بعيداً عن السياسة « وكانوا ممتعين في سردهم الهادئ، اختلفت نبرة الكثيرين منهم هذه المرّة. حديثهم أضحى أكثر إثارة بالمواقف وأثرى بالتفاصيل التي وإن كان عمرها أكثر من خمسين سنة إلا أنها تأتي موصولة بالذي نراه الآن ويفاجئنا .
الحكي «هذه المرة « له ميزة أخرى. فهو يكشف أن العديد من رجالات الدولة الذين لم نكن نرى منهم سوى صفحة التجهم واليباس، هم بعد التقاعد أصحاب بديهة رائقة وتسعفهم النكتة عندما تحرجهم الأسئلة.
ملك التل
لو لم يفعل د. عبد السلام المجالي، في حياته المهنية الحافلة، سوى تأسيسه لبرنامج القيادة الواعدة لشباب الجامعة الأردنية عندما تولى رئاستها مطالع السبعينيات، لكان يكفيه ذلك لكي يأخذ مكانه المتقدم في نادي البناة الأفذاذ الذين أعطوا البلد قيمة مضافة راجحة. المقاربة تصبح لصالحه بالتأكيد المطلق عند استذكار ومقارنة الجامعة الأردنية بين الأمس واليوم .. كيف أرادها بناتها أن تكون مستقلة ومركزا لتصنيع القيادات، وكيف انتهت الجامعات الآن إلى الذي شهدناه ولا داعي أن نكرر وصفه القاسي .
لا بأس من الإفاضة قليلا ببعض التفاصيل التي تضئ على المقارنة: « الحكيم» الذي هو الطبيب كما يدعوه أهلنا في الجنوب اعتمد لبرنامج القيادة الواعدة في الجامعة الأردنية نموذجا تربويا تبنته لاحقا جامعة الأمم المتحدة.عندما كان يجري اختيار أفضل 30 طالبا من مختلف اقسام الجامعة الأردنية ليلتقوا كل اسبوع أحد متخذي القرار في المملكة كجلالة الملك وسمو ولي العهد ورؤساء الوزارات ورجال الأعمال والمثقفين.. الخ لمدة 3 ساعات. كذلك ارتأى عبد السلام المجالي ان يجري إيفاد هؤلاء النخبة من طلبة الجامعة إلى عواصم المنطقة ليلتقوا الملوك والرؤساء ويعودوا ليعرضوا ما سمعوا ورأوا وفعلوا. ولذلك ما كان للجامعات كما أرادها «الباشا» أن تشكو انفجار الآفات الاجتماعية التي نتنادى الآن لدراسة أسبابها وعلاجاتها.
لشدة ثقته بنفسه وبساطته وإيمانه بمقولة « ثقافة العيب» التي أدخلها قاموس ثقافة التنمية الأردنية، فان الباشا المجالي لم يجد غضاضة في أن يعنون كتابه الأول «من بيت الشعر إلى سدة الحكم». أعطى لبيت الشعر بعضا مما تختزنه الذاكرة الشخصية والوطنية من استرجاعات حميمة، ليقول في النهاية أن في جينات هذا البلد ما يفسر المعجزة التي يتناساها المتشائمون أصحاب الرؤية الضيقة. وليقول أيضا أن روح السلطة وسرها يكمن في قناعة رؤساء الحكومات ووزرائهم بأنهم خدام للناس فعلا وليس فقط من وراء ألسنتهم.
تسأل أبا سامر من أين تشربت هذه الوجدانيات الزاهية؟ فلا يتردد بالقول: من والدي وشقيقي عبد الوهاب. ويضيف إلى ذلك أن جيلهم لم يعرف الطفولة بمعناها الشائع. كان الصبي منهم يشارك في مجالس الرجال وهو في سن السادسة، حتى إذا بلغ السابعة عشرة كان جاهزا لأن يتحمل مسؤولية القرار ويكون أهلا له. ومع ذلك كنا وأعمامي وأولادهم وأسرهم جميعا نعيش في بيت العائلة الذي يؤوي ويحفظ القيم والأخلاق والأعراف التي تضمن الأمان والاستقرار الاجتماعي المتسلسل.
كتابه الأخير الذي أراده الباشا أن يكون بعنوان «بوابة الحقيقة». أصدره قبل أشهر من انفجار الربيع العربي.. فيه تقرأ قراءة مبكرة للنفق الذي تعبره المطقة... أما العناوين الأخرى التي للرجل فيها رؤية استشرافية فانها بالتأكيد تستحق الاستماع.
أما وقد تنوعت خبرتكم ، من الطب إلى الأكاديميا وغيرها فلعلكم أقدر أن تجيبوا على ظاهرة أننا مبدعون في قتل عناصر تميزنا: خدمات التعليم الجامعي، وخدمات العلاج المتميز، هي صناعات وطنية قتلناها مع انها كانت مصادر دخل رئيسية قابلة للتوسع. هل قتلناها بإساءة استخدام الخصخصة وبالفساد السلوكي في إدارة هذه الموارد أم انه مزاج أردني عدمي؟
أبدأ!!..أنا أناقض هذا الكلام مئة بالمئة، الأردن من أكثر الدول التي تهتم بالمتميزين، ولدينا في كل الجامعات تميز، هناك من يقول بأن التعليم لدينا انخفض وهبط مستواه، هذا صحيح لكننا ما نزال أعلى من غيرنا.. وبالنسبة للصحة فهي أيضاً متميزة لدينا، يأتون من كل أنحاء العالم العربي ليتعالجوا هنا. لدينا مستشفيات متميزة جداً.. مستشفى الملك عبدالله في اربد لا يوجد مثيل له في الشرق الأوسط، ومركز السرطان وكذلك الخدمات الطبية التي تقدم في جميع الأماكن والجميع يحسدنا عليها..هذا اضافة للمستشفيات الخاصة التي تعالج مرضى من كل انحاء العلم. اعتقد اننا غير منصفين بحق الكثير من مؤسساتنا خاصة الخدماتية منها. علينا ان نعظم الانجازات ونعالج السلبيات وأن نشكر لله على هذه النعمة التي نحن بها.
قانون مطبوعات 1997
قطاع آخر كنا في الأردن رواده ثم قتلناه، وأقصد به الإعلام. ففي أواسط تسعينيات جرى إلغاء وزارة الإعلام وأنطرح البديل الحضاري بمدينة إعلامية سبقت في فكرتها دبي وبيروت والقاهرة في هذا المجال ثم ما لبثنا أن أشبعنا المبادرة» ترفيشاً» وتركنا الآخرين يسبقوننا، وما زلنا نتحدث عن قانون مطبوعات لا يجد نقطة التقاء بين أطرافه ذوي الصلة؟
قال معززاً هذه القناعة: في عام 1997 قمت بعمل قانون للمطبوعات والنشر»فقامت الدنيا ولم تقعد»، واليوم يندمون على ما قاموا به لأنه كان القانون الوحيد الذي ينصفهم.
كما المشكلة أيضاً أن الإعلام دخل إليه من لا ينتمي إليه، واعتراه ما يسمى إعلام الإثارة. تعاقب عليه كثير ممن يطلق عليهم بالمجددين وغيرهم، وبدأوا يغيرون ويبدلون. في الخليج توجد أفضل المحطات الفضائية، وفيه يعمل العديد من شبابنا الأردنيين. وان كنت غير راض عن اعلامنا بصورته الحالية، حيث لا يلبي رغبات جمهوره لاسباب عدة منها التدخل السياسي بالإعلام .. أنا أؤمن باستقلالية الإعلام وعندما يخطىء يعاقب.
تشخيص أسباب علل التعليم الجامعي وزيادة عددها:
أيضاً بالنسبة للجامعات، يؤمن الرئيس المجالي بوجوب أن تكون مستقلة ولا يجوز التدخل في شؤونها اليومية ولكن لا بد من محاسبتها عندما تخطئ. وأضاف: إذا أردنا فتح المجال للناس جميعها أن تتعلم فاننا نحتاج إلى جامعات خاصة وعامة كثيرة. أنا لا انظر لمعدل الـ50% والـ70% لأنني لا أعتبر أن صاحب معدل الـ 50% لا يستفاد منه، والذي معدله 90% هو عبقري زمانه. لا، فهذه مجرد علامة وحسب..
ثم ان السبب في الذي أصاب الجامعات – كما يقول دولته- هو تدخل السياسة الحكومية فيها، هذا التدخل أدى إلى ما نحن عليه.. تدخل في القبول وتدخل في أموال الجامعات، حيث هناك قانون ضريبة اسمها ضريبة الجامعة، يدفعها المواطن للجامعة بدون أن تدخل في ميزانية الحكومة، وهذه كافية للانفاق عليها. كانت الجامعات تسير بخطى واثقة، وعندما دخلت السياسة وتدخلت الحكومة وقللت الانفاق وصلنا إلى ما نحن عليه مع كل أسف.. فمشكلة التربية والتعليم مشكلة أساسية تحتاج لعملية جراحية حتى تعود إلى المستوى الذي كنا دوماً نفاخر به كل العالم في مستوى التعليم العام والجامعي.
هل أزيد في تعداد المبادرات التي يقال اننا نحترف تقزيمها، فأطلب رأيكم بموضوع «العقبة الاقتصادية الخاصة» والأسباب التي جعلتها لم تحقق طموحات أصحاب الفكرة الأساسية منها؟
من قال بأنها لم تحقق نتائج مرضية؟. أعتقد أن المنطقة الاقتصادية في العقبة تجربة هائلة جداً. في اعتقادي أن كل الأردن يجب أن تكون منطقة اقتصادية حرة،. ينبغي أن نكون بلدا يقدم هذه الخدمات.. الفكرة بدأت من حكومتنا، والأمر لا يخلو من مشاكل وهذا عادي لكن تدخل الحكومة في التغيير المتزايد لرئيس المفوضية أمر غير عادي. العقبة الآن غيرها قبل أربعين أو خمسين سنة، هناك تطور كبير وملحوظ جدا.. لأن الفكرة الأساسية هي التنمية والاستقلالية والاستمرار
مسؤولية الاعلام
عن تضخيم صورة «الفساد»
أيضا موضوع الفساد والضجة الكبيرة المستمرة تحت هذا العنوان، فقد أصبحت صورتنا في المنطقة مربوطة في الأذهان بصورة الفساد الذي جعل الدول الخليجية تضع شروطها الخاصة قبل أن تقدم لنا أي مساعدات.. كيف ترون هذا الملف القديم الحاضر المتجدد الذي لم يجد حتى الآن من يضع له آلية رصد ومتابعة تعيد الثقة للناس؟
هنا يأتي دور الإعلام. أذكر وأنا في الحكومة كتبت إحدى الصحف (الخضار في الأردن ملوثة).. تصوري كيف سيستورد الخليج الخضار من الأردن بعد ان تقول صحافته انه ملوث؟! بقيت هذه الكلمة السلبية عالقة حوالي15سنة حيث أثرت على المزارعين المصدرين . هذا النوع من الاعلام يسيء للأردن بشكل كبير ويؤثر أيضا على الاقتصاد والمزارعين.
ثم لماذا تضخيم الامور وتعميمها؟ كم عدد الذين اتهموا ؟! و لماذا نضع اللوم على الجميع؟ الفساد موجود في كل العالم.. في إسرائيل وأمريكا واوروبا وغيرها وبنسب كبيرة. أنا هنا لا أنزه الجميع لكن بالمقابل علينا ان لا نضخم الأمور بهذا الشكل الذي تتداولة بعض وسائل الاعلام وتنشره السنة الناس. وتكون النتيجة أن الأمر يعود ويؤثر على نفسياتهم وانجازاتهم وعطائهم ومعنوياتهم وهذه بالدرجة الأولى من مسؤولية الاعلام بكل مسمياته. هي مسؤولية كبيرة وحساسة أن يلتزم إعلامنا بالمصداقية فيما ينقله للمواطنين، فالبلد بلدنا واهله اهلنا والمصلحة العامة هي مصلحة وطن وشعب.
استراحة
طفولتك.. مراهقتك. شبابك..كيف عشتها؟
عشتها كأبناء جيلي.. في المدرسة كنت أصغر طالبا في صفي في المرحلة الابتدائية وكانت علاماتي متوسطة وفجأة حصلت وأنا في الصف السادس الابتدائي على الدرجة الأولى وحافظت على هذا المستوى حتى أنهيت المرحلة الثانوية. وأيضا في الجامعة كنت من الثلاثة الأوائل على مدار سنوات دراستي للطب.
كل مرحلة كنت أمر بها كنت أعيشها بذاتها.. واذكر من طفولتي أيضا عندما كنت في العطلة الصيفة أجمع اخوتي الصغار وأبناء عمومتي وأبناء الحي وأعمل صفا مدرسيا وأقوم بدور الأستاذ.. أدرّس الطلبة وأجري لهم امتحانات وفحصا نهائيا وحفل تخرج وأوزع الحلوى على الجميع، فاستمتعت في سنوات عمري حسب مراحلها.[/rtl]