المسؤولية الاجتماعية للمصارف الإسلامية..
إن المبادئ التي وضعت كمبرر لعمل المصارف الإسلامية تفرض عليها عدم تقديم أي نوع من التمويل للمشاريع التي تخالف الشريعة الإسلامية أو إنتاج أي سلعة محرمة أو يمكن أن تلحق الضرر بالمجتمع، وعليه فإنها ملزمة بنهج السلوك الإسلامي، والمقصود هنا بالسلوك الالتزام بكل المعايير الأخلاقية التي وردت في الشريعة الإسلامية، وأقرها القرآن الكريم والسنة النبوية مثل عدم الاحتكار واستغلال حاجيات الناس وضروريات المجتمع، ونهى عن التبذير والإسراف وعدم حجب الزكاة التي هي بمثابة الضريبة الشرعية وما شابه ذلك.
وهنا تتجلى القيم الأخلاقية في الاقتصاد الإسلامي والتي تنعكس إيجابا على المجتمع أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا، وعليه، فإن أي نشاط استثماري للمصرف الإسلامية يجب أن يرتبط بالقيم الشرعية والأخلاقية مثل تحقيق مبدأ العدالة والصدق والأمانة والابتعاد عن كل ما هو مضر وذو أثر سلبي على المجتمع، بمعنى أي مشروع يتقدم بطلب تمويل من المصرف الإسلامي يُنظر لطلبه ضمن هذه الضوابط والمعايير قبل النظر إلى حجم العائد المتوقع الذي يمكن أن يحققه من هذا المشروع، وبما أن المصارف الإسلامية هي مؤسسات مالية تؤدي دورا مهما في التنمية الاقتصادية من خلال قدرتها على توفير التمويل اللازم الذي يساعد على تنفيذها، فإنها أي المصارف تنظر لأي مشروع اقتصادي من زاويتين؛ الأولى وهي الأهمية الاقتصادية لهذا المشروع، والثانية الأهمية الاجتماعية كذلك، ونعني بالأهمية الاقتصادية العائد الاقتصادي الذي يمكن أن يتحقق ضمن الضوابط الشرعية في تنمية رأس المال حيث من المعلوم أن العائد هنا غير مضمون ومبني على عنصر المخاطرة على العكس من البنوك التقليدية حيث العائد على رأس المال مضمون من خلال سعر الفائدة المعلوم مسبقا عند طلب التمويل، وحتى يسهم المشروع في تحقيق تنمية اقتصادية يجب أن يحقق قيمة مضافة إلى الدخل القومي إضافة إلى كفاءة وحسن استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وهذا بالنتيجة يؤدي إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود.
أما الأهمية الاجتماعية فهي تتمثل في كون المصرف الإسلامي ليس مؤسسة هدفها تحقيق الربح فقط بل تسعى إلى تقديم خدمات اجتماعية من شأنها أن تعزز المناخ الاجتماعي السليم وتعمق القيم الأخلاقية مثل الصدق والأمانة في المعاملات وفق الضوابط الأخلاقية والشرعية والتي توظف القوة الكامنة في الإنسان نحو العملية الإنتاجية وبالنتيجة تسهم في زيادة دخل الفرد وزيادة الدخل القومي ومن ثم تقليل معدل البطالة؛ تلك الآفة التي تؤدي إلى العديد من المشاكل الاجتماعية وما إلى ذلك.
مناسبة هذا الحديث هي صدور تقرير المسؤولية الاجتماعية لعام 2014 عن البنك الاسلامي الاردني والذي يبين فيه انجازات البنك خلال سنوات تجربته المصرفية التي تمتد الى خمسة وثلاثون عاما كمؤسسة مالية وطنية تلتزم بأحكام الشريعة الاسلامية، ولها دور اقتصادي واجتماعي تقوم به من خلال جمع المدخرات المحلية والتي تكون احيانا مبعثرة ولا تؤدي اي دور اقتصادي، اي ليس لها مشاركه فعلية في الحياة الاقتصادية لتخوف اصحابها من الوقوع في فخ الربا، ومن ثم توجيه هذه المدخرات كي تساهم في بناء وتطوير مشاريع اقتصادية واجتماعية تخدم المجتمع، لتُتوج جهوده هذه بحصوله على جائزة المسؤولية المجتمعية للعام 2014 المخصصة للشرق الأوسط من مجلة ايميا فايننس/لندن وهي من الجوائز التي تمنحها المجلة تقديراً لجهود البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية المتميزة، وحصوله على رسالة تقدير من منظمة الايزو الدولية لحضوره الفاعل والتزامه في مشروع المسؤولية المجتمعية، واخرها جائزة المنظمة العربية للمسؤولية الاجتماعية لعام 2015 من بين المؤسسات والمصارف الاسلامية العاملة في المنطقة العربية.
ما نود الوصول اليه هو القول بأنه لدينا في الأردن تجربة رائدة ذات مضون اخلاقي اعطت بعدا للمسؤولية الاجتماعية متوافقا مع المسؤولية الوطنية التي تتطلع لتحقيق التنمية المستدامة والتخفيف من عبء الفقر والبطالة في مجتمعنا، يمكن لمصارفنا الاسلامية والمؤسسات المالية الاسلامية الاستفادة من تجربة الاردن، كون الرسالة واحدة والهدف واحد.
* خبير في التمويل الإسلامي