رمضان الإسلام ورمضان المسلمين
لو قدّر لشهر رمضان أن يتحدث إلينا كي يعرّف بنفسه , لقال لنا : أنا الشهر الذي أعيد فيه الاتصال بين السماء والأرض , فاتخذت مكانتي كوني شهر القرآن , كلام الله إلى البشر في منهج متكامل , لآخر الأنبياء والمرسلين , ولقال لنا : اقرأوا قوله تعالى ( لعلكم تتقون ) , فأنا معياري في الانتساب إلىّ هي ( التقوى ) , وهي أسم جامع لكل صنوف ( الخير ) , والخير مصطلح واسع المرامي والأبعاد , المادية والمعنوية , ويقول لنا رمضان الإسلام : أنا شهر الانتصارات الكبرى في مفتاح الدعوة الإسلامية , فمعركة بدر أسماهّا القرآن ( يوم الفرقان ) , والتي فرقت بين الحق والباطل , وأول اختبار مواجهة مفصّلية قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً ) ويقول لنا رمضان : أنا شهر الفتح ( حيث عاد الرسول صلى الله عليه وسلم ) إلى مكة بعد طول غياب واشتياق , وما دامت هذه معارك الرسول صل الله عليه وسلم في رمضان , فلقد أخذ منها المسلمون قدوتهم في تاريخهم المستقبلي , في مواجهة التتار في عين جالوت , وفي فتح الأندلس في معركة وادي لكّة ( بكّة ) , وفي وقعة عمورّية , أي أنني شهر الانتصارات على النفس وعلى أعداء الله , وتثبيت الخريطة الإيمانية الجديدة باعتبار الصيام ركنا من أركان الإسلام .
ينظر إلينا رمضان ويقول أما رمضان المسلمين الآن فهو شهر فتوح ولكن بمعادلة ( بأسهم بينهم شديد ) , قصف وقتل وترويع ودماء ونزف ولكن من دم المسلمين وبأيدي المسلمين , الانتصارات التي نسجلها لا يوافق عليها رمضان , قصف يذكرنا بالآية التي تحدثت في سورة الحشر عن اليهود ( يخربون بيوتهم بأيديهم ) , وها نحن الآن نخرب بيوتنا بأيدينا , دمار ما بعده دمار طال الشجر والبناء والحجر والإنسان ووسائل عيشه , يقول لنا رمضان : أراكم تتحدثون مع بعضكم , وتتقاتلون , وترفعون أصواتكم بعصبية , ولا تنجزون ما هو مطلوب منكم , أنا لست كذلك , أنا أقول لكم : مذكراً بالسماحة واللطف والأدب ولين الجانب والمعشر ,
أذكركم بأن رسولنا كان أجود من الريح المرسلة في رمضان , كان ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر , أذكركم بزكاة أموالكم وصدقاتكم وأن الصلاة ليست ركعات وحركات , إنها سكنات قلوب واطمئنان أفئدة , إنها صورة الأمة الواحدة , التي تصلي إلى قبلة واحدة , وتحج إلى بيت واحد , وتصوم رمضاناً واحداً في كل أنحاء العالم الإسلامي بغض النظر عن تفاوت الأوقات .
أقول لكم وبكل صراحة أنا رمضان الإسلام , ولكنني لست رمضان المسلمين , كما أرى واقعكم , غيروّا واقعكم ليتماشى مع أخلاق الصيام , عندها يحصل التطابق بين رمضان الإسلام ورمضان المسلمين .