إعادة توزيع الأدوار السياسية في المنطقة
<< الأحد، 12 يوليو / يوليه/تموز،
د.رحيل محمد غرايبة
«الشرق الأوسط» يعد المنطقة الأكثر سخونة في العالم، ويشهد حروباً وقلاقل شديدة الحساسية، تهيء لجملة من التغيرات المستقبلية سوف تطال جميع الأطراف الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وينبني على ذلك إعادة توزيع الأدوار السياسية وإعادة بناء التحالفات التي ترسم معالم المشهد المستقبلي للمنطقة برمتها.
الحدث الأبرز الذي سوف يكون له الأثر الأكبر في إعادة رسم المشهد الشرق أوسطي هو الاتفاق النووي الإيراني، الذي لم يوقع بعد، ويشهد مفاوضات عسيرة وبطيئة بين إيران من جهة وبين الدول الست الكبرى «الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، المانيا) التي تستأثر بإدارة العالم، وتتقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي في قلب العالم المسمّى «الشرق الوسط».
الاتفاق الإيراني النووي سوف يشكل فاصلاً بين مرحلة ومرحلة، وسوف ينهي مرحلة الحصار الاقتصادي على إيران ومرحلة القطيعة معها من جهة، وسوف ينهي أيضاً مرحلة خطاب « الشيطان الأكبر ومحور المقاومة والممانعة» من جهة أخرى، وسوف ينعكس أثر ذلك على العلاقة بين اللاعبين الإقليمين الكبار والصغار، وسوف تتبدل المصطلحات والسياسات والعلاقات والتحالفات، لأن التوقيع على المعاهدة لن يكون منحصراً في المسألة النووية فقط، بل سوف يرسم معالم التوافق الدولي على الدور الإيراني الذي سوف يخضع لمجموعة من القيود والتوافقات التي تمس التداخلات الحتميية مع القوى العربية و الإقليمية الأخرى في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان وبقية الأقطار بكل تأكيد.
تركيا معنية بحدودها مع سوريا، ومعنية بالترتيبات الجارية فيها، ولا تقبل تركيا أن يتم فرض واقع سياسي من طرف واحد في جوارها يمس مصالحها واستقرارها، فهي معنية بذلك بطريقة جوهرية وليست هامشية، كما أن تركيا معنية بالعراق من جهة كردستان ولها مصالح استراتيجية فيها، خاصة فيما يتعلق بمستقبل المسألة الكردية بإجمال، وربما تكون تركيا من أكثر الطراف الإقليمية والعالمية اهتماماً بتطورات القضية الكردية ومآلاتها، لأن الأكراد يمثلون نسبة مؤثرة في الشعب التركي، ولهم أثرهم في إدارة الدولة التركية، واستقرارها الوطني، مما يفرض الاعتراف الدولي والإقليمي بالدور التركي الكبير والمؤئر في شمال سوريا وفي شمال العراق.
السعودية التي تعد القوة العربية الأبرز على الصعيد العربي منذ عدة سنوات؛ لها مصالحها الحيوية في اليمن بشكل بارز وكبير ومؤثر، كما أنها لها مساس واضح وجلي بما يجري على حدودها في العراق، وتتأثر بسياسات النظام السياسي في العراق بكل تأكيد، ولها مصالحها التاريخية في سوريا ولبنان كذلك، ولذلك لا بد من الاعتراف بالدور السعودي البارز في ترتيبات الوضع اليمني كأولوية أولى، دون إهمال بمصالحها على حدودها الأخرى، وفي العمق العربي أيضاً.
مصر التي تعيش حالة من الارتباك وعدم الاستقرار، لا بد من النظر إلى دورها المنتظر على حدودها مع ليبيا، وتعد من الناحية النظرية هي القوة صاحبة الأولوية في ترتيبات الوضع الليبي، ولذلك لا يمكن التغاضي عن الدور المصري الاستراتيجي في استقرار المنطقة العربية على وجه العموم، فيما لو استطاعت ترتيب أوضاعها الداخلية.
الملف « الإسرائيلي» وملف القضية الفلسطينية يشهد بروداً أو ركوداً في ظل السخونة الشديدة في الملفات الأخرى، ولذلك ربما تعمد «إسرائيل» إلى بعض التحركات التي تلفت الانتباه العالمي، سواء على صعيد سوريا والمسألة الدرزية تحديداً، أو إعادة التحرش بغزة، أو إعادة تسخين بعض الملفات الداخلية في القدس وبعض مدن الضفة وغور الأردن، من أجل حفظ دورها في الترتيبات الدولية لملف إيران والشرق الأوسط.
تبقى الإشارة إلى الدور الأردني في ظل هذه المجريات الكبرى، فالأردن يعد طرفاً متأثراً بدرجة عميقة بما يجري على حدوده الشمالية مع سوريا، ويتأثر كذلك بما يجري على حدوده مع العراق، وهو ليس بمنأى عن تطورات الأحداث فيها، مما يقتضي أن يكون الأردن حاضراً فيما يجري من ترتيبات دولية وإقليمية، من أجل الاستمرار في تحقيق هدف حماية الأردن وحماية الشعب الأردني من انتقال شرر اللهيب المشتعل حوله، وعلى الأردن أن يستمر في استراتيجيته القائمة على هدف حفظ الدولة وحفظ جيشها ومؤسساتها وقوتها المستقبلية من أي محاولة لزعزعة استقرارها أو العبث بأمنها.
الأردن معني بقوته الداخلية أولاً، من خلال استراتيجية المشاركة الشعبية والأمن الوطني الشامل والاستقرار السياسي المستمد من الشرعية الوطنية، ومعني أيضا بإيجاد شبكة علاقات إقليمية قوية، تبدأ مع السعودية وبقية الاقطار العربية المستقرة ؛من أجل الشروع بتشكيل نواة قوة عربية صلبة، لبلورة مشروع عربي قادر على الصمود، وقادر على الحضور في الدفاع عن الحقوق العربية، وإعادة بناء الحالة العربية من جديد، التي تملك الشرعية في الدفاع عن أراضيها ومصالحها ومستقبل شعوبها.