النازيين الجدد جرائم «تدفيع الثمن»
جرائم «تدفيع الثمن» هدفها الأخير هدم إسرائيل واستبدالها بدولة توراتية
وديع عواودة
AUGUST 8, 2015
الناصرة ـ «القدس العربي»: يدلل تصاعد جرائم الكراهية المعروفة بـ «تدفيع الثمن» من ناحيتي الكم والخطورة على انفلات حالة التطرف الديني والقومي في كل إسرائيل وهي ظاهرة لا تنحصر بتمادي المستوطنين فحسب.
ظهرت عصابات «تدفيع الثمن» للمرة الأولى في 2008 ونفذت جرائمها لردع قوات الاحتلال من إخلاء بؤر استيطانية. وفي 2013 انتقلت للمساس بالمساجد والكنائس على طرفي الخط الأخضر وللمساس بالفلسطينيين جسديا.
وتعكس ظاهرة «تدفيع الثمن» التي توصفها بعض الأوساط الإسرائيلية أيضا بـ «النازيين الجدد» حالة التطرف القومي والديني في الشارع الإسرائيلي وحالة التمادي لدى المستوطنين الذين يعدون نحو نصف مليون نسمة ويقيمون في نحو 130 مستوطنة.
وينبع هذا التمادي من بيئة تزداد تشددا وكراهية وعنصرية تتفشى داخل إسرائيل كلها نتيجة عوامل كثيرة منها، تغيير مناهج التعليم منذ اعتلاء اليمين سدة الحكم في 1977 وهجرة مليون من يهود الاتحاد السوفييتي بعد انهياره مطلع التسعينيات. علاوة على اتفاق أوسلو عام 1993 وفكرة تقاسم البلاد التي غذت حالة التطرف وأججت الكراهية للفلسطينيين لدى المستوطنين ومعسكر اليمين ودفعته لقتل رئيس الحكومة، اسحق رابين عام 1995. ولا شك أن فشل إسرائيل في تحقيق انتصارات حادة وسريعة على الفلسطينيين والعرب في العقود الثلاثة الأخيرة إضافة لاتساع هواجس الديموغرافيا، قد زاد حالة الخوف والكراهية والتطرف ناهيك عن عمليات الشيطنة والتحريض في السياسة والإعلام والأخطر في المدارس الدينية وحلقات الحاخامات ممن يحيون عقيدة الحاخام الراحل من أصل أمريكي مئير كهانا القائمة على كراهية العرب والاعتداء الدموي عليهم. ولذا ليس صدفة أن يكون الإسرائيلي الأول الذي خضع قبل أيام للاعتقال الإداري لستة شهور هو حفيد كهانا، الشاب المستوطن المتطرف مئير ايتينجر.
دولة توراتية
يستدل من وثائق ضبطتها أجهزة الأمن الإسرائيلية أن عصابات «تدفيع الثمن» باتت تقاد من قبل مستوطنين شباب فوضويين لا يحترمون قانونا ولا ينصاعون لسلطة حاخام. وسبق للإعلام الإسرائيلي أن نعتهم بوصف رومانسي «شبيبة التلال».
وحسب الأجهزة الأمنية تخطط عصابات «تدفيع الثمن» لجرائم قتل بشعة بحق الفلسطينيين من أجل تقويض الاستقرار وإشعال انتفاضة ثالثة.
وتقدر أجهزة الأمن الإسرائيلية أن عصابة من عشرات غلاة المستوطنين في العشرينيات من أعمارهم تقف خلف الجرائم بحق الفلسطينيين ولم تعد تكتفي بحرق مقدساتهم ليس من أجل الانتقام لإخلاء بؤر استيطانية بل بغية تقويض استقرار الحكم تمهيدا لبناء دولة شريعة يهودية.
وفي واحدة من هذه الوثائق السرية يتضح أن عصابات تدفيع الثمن يرون أن إسرائيل تقوم على أسس ضعيفة جدرانها متداعية ولا حق لها بالوجود ومن الأفضل هدمها وإعادة بنائها من جديد بدلا من ترميمها.
وكيف يتم تدمير إسرائيل حسب هؤلاء؟
يعتقد قادة «تدفيع الثمن» أن نقاط ضعف كثيرة تعتري الكيان الإسرائيلي وأن الحل يكمن بإحراق كافة براميل البارود حتى يضطر اليهود الخيار بين التمرد على إسرائيل العلمانية الشهوانية وبين قمعها أو الوقوف على الحياد. وتستعرض الوثيقة براميل البارود الخمسة: عدم الانصياع لتعليمات الأجهزة السلطوية وعدم الاعتراف بالمحاكم، وإثارة الشغب في الحرم القدسي الشريف وإغلاق مداخله وانتهاكه، ومظاهرات ضد الكنائس والمطالبة بتدميرها، ومناهضة السفارات الأجنبية، وإثارة العرب في إسرائيل بمن فيهم الدروز والبدو والفرض الديني على الحيز العام. ويعتقد هؤلاء أن كل ذلك سيقود لتحقيق الرؤية: تأسيس مملكة إسرائيلية واتباع الشريعة اليهودية وطرد كل من هو غير يهودي والأهم بناء الهيكل الثالث.
وترجح الشرطة الإسرائيلية اليوم أن المجرمين الذين أحرقوا الأسرة الفلسطينية في دوما هم من أحرق كنيسة طبريا داخل أراضي 48 قبل نحو الشهرين وتقدر أنهم يقيمون في بؤر استيطانية معزولة.
ملكوت الشر
وفي وثيقة أخرى بعنوان «ملكوت الشر» التي تم ضبطها لدى موشيه أورباخ (24) وهو مستوطن شاب ينتمي للمتدينين المتزمتين(الحريديم) من منطقة تل أبيب تم اعتقاله الأسبوع الماضي بتهمة حرق كنيسة الخبز والسمك في طبريا. ويقول أورباخ أن حرق العقارات لم يعد مجديا ويدعو لحرق المنازل بمن فيها.
وتضع وثيقة «ملكوت الشر» القاعدة المبدئية للمساس بالفلسطينيين ومقدساتهم وتشمل دليلا للتهرب من التعقب والتحقيق ودليلا بحرق المساجد والكنائس والمنازل.
فتاوى الحاخامات
وخلافا للماضي فان أصحاب هذه الايديولوجية لا يحافظون على تواصل مع الحاخامات، ولا يرون انفسهم بحاجة إلى فتاواهم لتبرير أعمالهم. بل انهم يعتبرون الحاخامات الذين اعتبروا متطرفين في السابق، بمثابة حاخامات متساهلين جدا، ويؤكدون الحاجة إلى اظهار المناعة النفسية، في العمل، وخلال التحقيقات. كما يرفضون بشدة أي محاولة لتطبيق صلاحيات خارجية عليهم.
ومن بين التغييرات المثيرة للقلق بشكل خاص، تبرير هؤلاء النشطاء لقتل العرب خلال العمليات التي تستهدف بيوتهم ومؤسساتهم الدينة، ويبدون استعدادهم للاعتقال لفترات طويلة في سبيل تحقيق أهدافهم. بل ان بعضهم بدأ بتوفير الأموال، تحسبا لتعرضهم للاعتقال لفترات طويلة. وعلى هذه الخلفية تم احراق منزل فلسطيني قرب قرية دورا، في جنوب جبل الخليل، قبل حوالي نصف سنة (وقد نجح أبناء الأسرة بالفرار من المنزل قبل احتراقه)، كما تم احراق كنيسة في القدس وكنيسة الطابغة في طبريا.
زعزعة الحكم
وفي مستوطنة «يتسهار» تنشط أكثر جماعات المستوطنين تطرفا وما زالت تسوق وتمجد كتاب الفتاوى»عقيدة الملك» التي تبيح قتل الأغيار استنادا لتفسيرات العهد القديم ومصادر التشريع اليهودي.
وكان الكتاب صدر عن حاخامين يقيمان في مستوطنة «يتسهار»، يتسحاق شبيرا رئيس المدرسة اليهودية «يوسف ما زال حيا» وزميله الحاخام يوسي إيليتسور وهو يعج بتبريرات قتل الأغيار.
فرائض نوح
ويقول الحاخامان في مقدمة الكتاب إن «فرائض نوح السبع» تلزم بني البشر جميعا وتحظر الهرطقة ولذا يحق قتل من ينتهك هذه الفرائض.
ويشير الباحث في شؤون المستوطنين حاييم ليفنسون إلى أن هؤلاء المتشددين يعملون بسرية كاملة ضمن خلايا صغيرة لا صلة تنظيمية بينها.
ويؤكد أن هؤلاء الذين يقدر عددهم بالعشرات وصعدوا نشاطهم الإجرامي مع مطلع العام الحالي نموا وترعرعوا على فتاوى وتصريحات خطيرة ضد الفلسطينيين حتى خرج المارد من القمقم وفقدت سلطات الأمن السيطرة عليهم كما ينعكس بتحريض دموي من قبلهم على رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين لاستنكاره الجريمة في دوما.
منوها أن ناشطا قديما يقف على رأس كل من هذه الخلايا مرجحا أن تهديدات أجهزة الأمن بمكافحتهم لن تردعه في هذه المرحلة.
ويقول ليفنسون إن المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة ينتمون لعشرات المدارس الدينية المتفاوتة بتطرفها لكن «حلم أرض إسرائيل الكاملة» يجمعها.
توجهات غيبية
ويشير لانقسامهم على جرائم المتشددين منهم خاصة بعد اتساع ظاهرة المستوطنين الشباب الذين يتميزون بتوجهات غيبية وتدفعهم الحداثة للعودة للماضي بحثا عن «فترة التوراة».
ويوضح أن أجهزة الأمن تعرف الكثير عنهم لكنها تواجه صعوبة في توفير أدلة قضائية تدينهم في المحكمة خاصة أنهم يمارسون الحق بالصمت خلال التحقيق معهم، مشددا على أنه «دون التعامل معهم كتنظيم إرهابي لا يمكن مكافحتهم».
وهذا ما يؤكده الحاخام الياهو كاوفمان المعادي للصهيونية أن القائمين على الرؤى المتطرفة منفصلون عن الحاخامات ويعتبرونهم «معتدلين»، ويرفضون أي وصاية خارجية عليهم.
ويوضح كاوفمان في مقال نشره على صفحته في فيسبوك أن هؤلاء الإرهابيين اليهود الجدد بخلاف إرهابيين سابقين يتطلعون للقيام بجرائم بشعة من شأنها أن تشعل»برميل بارود» كالمساس بالمسجد الأقصى محذرا من عدم التعاطي بجدية مع تهديداتهم وعقيدتهم.
وديع عواودة