توقعات باختلاف الموقف إذا حاذت الضربات حدودنا الشمالية
تساؤلات حول الصمت الأردني حيال التدخل الروسي في سورية
تحليل اخباري
تغريد الرشق
عمان - فيما أبدى مراقبون استغرابهم من موقف المملكة الذي "التزم الصمت" حيال التدخل الروسي في سورية، على الرغم من استهداف القصف الجوي الروسي قوات الجيش السوري الحر الذي يبدي الأردن "تعاطفا معه"، وفق تقارير إخبارية، رأى سياسيون أن هذا الموقف سـ"يختلف لو قامت روسيا بضرب الجيش الحر في المناطق المحاذية للحدود السورية الأردنية".
وفي حين أكد سياسيون، لـ"الغد"، "صوابية" الموقف الأردني في اختيار المسار الدبلوماسي شرط أن لا يضرب الطرف الروسي مصالح المملكة بالجنوب السوري، لأن من شأن ذلك أن يؤدي الى تدفق هائل للاجئين، اعتبروا أن "وجود قاعدة جوية في طرطوس هو حدث تاريخي يشكل دخولا رسميا روسيا للمنطقة".
واعتبر بعضهم أن العالم يعي خطورة وجدية هذا الأمر، وأن دخول روسيا الى المنطقة لأول مرة منذ أكثر من 300 عام، يعني أنها "لن تخرج"، فضلا عن أن مسؤولين محليين "يعون هذا الأمر، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء حيال هذا الأمر".
وفي هذا الصدد، قال الخبير بشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيرست بمقال في صحيفة "هفنغتون بوست" تحت عنوان "حرب بوتين المقدسة في سورية"، إن "بوتين كان بحاجة إلى حلفاء عرب، ووجدهم في دول كالأردن والإمارات العربية المتحدة ومصر".
بدوره، يعتبر رئيس الديوان الملكي الأسبق عدنان أبو عودة أن دبلوماسية الأردن في هذا الأمر تعتمد على مبدأ "أن يعطي ويأخذ"، وهو ما يعتمده الطرف الروسي أيضا، معتبرا أن المملكة تسعى إلى حل وسط.
ومن وجهة نظر منطقية، يتساءل أبو عودة "ماذا لدى الأردن أن يفعله أمام روسيا، سوى أن يوافق على الحملة الروسية شرط أن لا يضرب الطرف الروسي مصالح الأردن؟"، مضيفاً "هذا هو العمل الدبلوماسي".
كما اعتبر أن ما يفعله الأردن هو "الصحيح، ما دام يصب بالنهاية في مصلحته، حتى لا يأتينا مزيد من اللاجئين"، معبّراً عن أمله بأن تتم إدارة هذه العملية بنجاح، لأن "المسألة هي دول ومصالح سكان وشعوب". وتابع أبو عودة "بما أننا لا نملك قوة عسكرية لمحاربة دول عظمى، بل لحماية أنفسنا والوقوف في وجه تنظيم "داعش"، لذلك لا يملك الأردن سوى التعامل مع روسيا بدبلوماسية".
بدوره، رأى وزير الخارجية الأسبق كامل أبو جابر أن المملكة "تحرص على أن تكون علاقاتها متوازنة مع جميع الدول، وبالذات مع الدول العظمى التي تملك مقعدا دائما بمجلس الأمن الدولي".
وأشار إلى أن الأردن "ينسّق علاقاته مع السعودية وأميركا والدول الأخرى المنضوية تحت مظلة التحالف الدولي ضد "داعش"، وأن هناك على ما يبدو بوادر نوع من التفاهم بين روسيا وأميركا حول ما يجري أو ما يجب أن يحدث في سورية، وهي الأمور التي لم تتكشف بعد للعامة".
واعتبر أبو جابر أن الأردن "يعي أن روسيا دخلت الشرق الأوسط الآن لأول مرة منذ اكثر من 300 عام، ولذا فهي تبحث عن موانئ بالمياه الدافئة أي في الشرق الأوسط، وهي دخلت بموجب معاهدة مع سورية".
وزاد "يعي الأردن أيضا، أن خروج روسيا من المنطقة أمر مستحيل، إلا ربما عبر حرب عالمية ثالثة".
وقال أبو جابر "لذلك فإن الأميركيين كانوا واعين لذلك، عندما بدأت روسيا بقصف "داعش"، لكنهم ظلوا صامتين، والصمت الغربي عن التدخل الروسي أمر في غاية الأهمية، فهذا حدث تاريخي لم ينتبه له العالم بعد، لأن وجود قاعدة جوية في طرطوس حدث تاريخي يشكل دخول روسيا للمنطقة رسميا".
وأضاف أنه "لغاية الآن لا يتحدث الكثيرون عن الأمر رغم أنه بالغ الأهمية، أما محليا فالمسؤولون الأردنيون يعون هذا الأمر، ولكن ما بيدهم حيلة".
أما في حال تطور القصف الروسي ووصل إلى الجنوب السوري، حيث توجد القوات المعتدلة المعارضة، فقد تمنى أبو جابر أن لا يتطور الأمر إلى هذا الحد، مؤكدا أن "تحركات الروس مدروسة وحذرة، وليس من مصلحتهم إيذاء الأردن، ولا أعتقد انهم سيقومون بكشف المنطقة الجنوبية".
ووفق مراقبون، فإن "القوات المعتدلة المعارضة تشكل خطا رادعا لحماية الحدود الأردنية من الجانب السوري".
بدوره، يرى العين وزير الصناعة والتجارة الأسبق محمد الحلايقة أن التدخل العسكري الروسي الكثيف هو "عامل جديد وسيغير من قواعد اللعبة"، مستغرباً بالوقت نفسه مما أسماه "التسليم الأميركي الغربي السهل بهذا التدخل".
ويشير إلى أن الروس "يقومون بجهد عسكري مكثف وأكبر بكثير من محاولات التحالف الدولي. ولا يبدو أن كل الجهد موجه نحو "داعش"، فوفقا لاعترافات غربية فإن الجهد الأكبر انصرف لما يسمى المعارضة المعتدلة".
مما يؤكد أن الهدف من هذا هو "إنهاء الطرف الذي يمكن أن يكون شريكا في عملية سياسية بسورية، بحيث يبقى الخياران إما النظام أو "داعش"، وبطبيعة الحال سيكون الانحياز للنظام".
ويضيف "فيما لم يحرك الغرب ساكنا تجاه ضرب روسيا للجماعة المحسوبة عليه من المعارضة المعتدلة، فإن الأردن بدوره التزم الصمت فيما يتعلق بالتدخل الروسي، لأنه أولا جزء من التحالف الدولي، كما أن من مصلحة المملكة إنهاء التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق".
ويعتبر الحلايقة أن الأردن "وبشكل مبطن يرحب بأي جهد يحارب هذه التنظيمات الإرهابية، والتي يتموضع بعضها ليس بعيدا عن الحدود الأردنية"، مستدركا أن "الحكمة السياسية تقتضي عدم المجاهرة بمثل هذا الموقف".
وعن الموقف الأردني أيضا، يقول الحلايقة إن "المعادلة ستختلف لو قامت روسيا بضرب جماعات الجيش الحر بالمناطق السورية الجنوبية المحاذية للأردن. فالمعروف أن الأردن متعاطف معها الى حد ما".
وتابع ولكن السؤال في النهاية "ما موقف التحالف الدولي من هذا التدخل؟".
ويختم الحلايقة حديثه بتحليله للتدخل الروسي الحالي، قائلا "إما أن هناك نظرية لتوريط الروس كما حصل في أفغانستان، وهذا سيتضح خلال فترة قريبة بتزويد المعارضة بأسلحة نوعية".
لكنه أضاف في حال "لم يحصل هذا، فذلك يعني توافقا أميركيا روسيا على ما يجري، وبالتالي فإن الموقف الأردني سيكون ضمن التحالف، ونحن نلتزم الحياد الإيجابي".
وكانت روسيا حركت قوة عسكرية صغيرة لكنها تعد كبيرة إذا ما قيست بحجم التدخلات في سورية، مضيفة بعدا جديدا مفاجئا إلى الحرب الممتدة منذ أربعة أعوام.
غير أن الوجود العسكري الروسي مايزال يتموضع في مواقع عسكرية على طول الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط، وهو أقل بكثير من "قوة غزو كامل"، لكن هذا لا ينفي وجود تصعيد روسي هادف، ما يجعل هذه الدولة شريكا مباشرا في الحرب الدائرة هناك لأول مرة.
وكانت تقارير أشارت إلى أن روسيا نقلت بضع مئات من الجنود، و28 طائرة مقاتلة، و14 مروحية حربية ووسائل نقل، فضلا عن ست دبابات، و15 قطعة مدفعية، وبعض المعدات الأخرى.
وبالعودة الى تأثير هذا التدخل والموقف الأردني منه، تحدث الكاتب والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية محمد أبو رمان عن "تقارير تشير إلى توقف الدعم العربي والغربي للجبهة الجنوبية في سورية، وبروز الصراع بين أجنحة المعارضة السورية، بعد أن تمّ إفشال عاصفة الجنوب إقليمياً".
واعتبر أن "مثل هذه التقارير تعزّز بدورها محاولات "داعش" وفرصة لاختراق الجبهة الجنوبية، بما يؤثّر جوهرياً على الأمن الوطني الأردني".
وطرح أبو رمان، في مقال نشر بـ"الغد" أول من أمس، ما سماه "بالسؤال المهم على هذا الصعيد، وهو لماذا نخسر هذه الميزة الأردنية المهمة والرئيسة، التي تتمثّل في وجود حليف عسكري قوي مسنود بحاضنة اجتماعية بالجنوب، يوفر شبه منطقة آمنة هناك، تجعل الأردن على مسافة آمنة من تداعيات الصراع السوري؟".
كما تساءل "ولماذا نرسل ببرقيات متعجّلة في قراءة نتائج التدخل العسكري الروسي، ونفشل في الحفاظ على إنجاز عسكري وأمني وسياسي مهم حقّقناه خلال الأعوام الماضية، وبما يتعارض بصراحة مع الحكمة الأردنية الكبيرة في التعامل مع الملف السوري حتى الآن؟".
وأخيرا، يرى مراقبون غربيون أن ما تخشاه المملكة في الوقت الحالي هو أن "يكشف الروس الجبهة الجنوبية السورية، ما يعني مخاطر جمة وتدفق أعداد هائلة من اللاجئين"